هل يعوّض الغاز الليبي والجزائري نقص الإمدادات الروسية في أوروبا؟ (تقرير)
يمكن زيادة الكميات إلى أوروبا عبر خطوط تمر بإيطاليا وإسبانيا
نوار صبح
- • الجزائر من بين أكبر 5 دول مصدرة للغاز الطبيعي المسال في أوروبا
- • يمكن للجزائر زيادة إمدادات الغاز إلى أوروبا من خلال العديد من خطوط الأنابيب
- • تحتفظ ليبيا بأكبر احتياطيات النفط في أفريقيا ولديها أصول غاز طبيعي كبيرة
- • الجزائر مترددة في تلبية طلبات زيادة صادراتها من الغاز إلى أوروبا
- • يَصعُب استبدال صادرات دول المغرب العربي بإمدادات الغاز الروسية دون موافقتها
طالبت الولايات المتحدة دول شمال أفريقيا والشرق الأوسط بزيادة إنتاجها من الغاز، لتزويد أوروبا به، في وقت تُعدّ فيه دول شمال أفريقيا مُصدِّرًا رئيسًا للطاقة والمواد الخام، وتربطها بأوروبا والولايات المتحدة وروسيا علاقات معقدة، تتحول إلى خلافات أحيانًا.
ويرى محللون أن تداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا التي انعكست تطوراتها في جميع أنحاء العالم قد تنطوي على تأثيرات شديدة في بلدان شمال أفريقيا، حسبما نشر موقع شبكة "ذا كونفرسيشن" الإعلامية الأسترالية.
وتندرج الجزائر وليبيا في طليعة البلدان المغاربية التي يمكنها توفير إمدادات الغاز الطبيعي في غياب الصادرات الروسية، إذ تمتلك الجزائر إمكانات كبيرة بصفتها واحدة من أكبر منتجي الغاز في العالم، وهي من بين أكبر 5 دول تُصدر الغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا.
ومن الناحية التقنية، يمكن للجزائر أن تُزيد إمدادات الغاز إلى أوروبا من خلال العديد من خطوط الأنابيب العاملة التي تمر عبر إيطاليا وإسبانيا.
ارتباط سياسي وأمني
تقف ظروف صنع القرار السياسي الداخلي في الجزائر، والعلاقة المتوترة مع الجار المغرب، والتحالف الإستراتيجي المستمر منذ عقود مع روسيا، حجر عثرة دون زيادة إمدادات الغاز الطبيعي إلى أوروبا.
وفي المقابل، تحتفظ ليبيا بأكبر احتياطيات من النفط في أفريقيا، ولديها أصول غاز طبيعي كبيرة، لكن البلاد تشهد نزاعًا مسلحًا مريرًا تفاقم نتيجة وجود مرتزقة روس على أراضيها، ما أدى إلى تقويض إمكانات ليبيا لتصدير الطاقة إلى أوروبا.
وتتمتع الجزائر بعلاقة وثيقة مع روسيا والولايات المتحدة تعتمد -إلى حد كبير- على التعاون العسكري الإستراتيجي.
وأمّا في ليبيا فقد دعمت روسيا اللواء خليفة حفتر، في حين اقتصر دور الولايات المتحدة على العمل مع الأمم المتحدة والأطراف الليبية المهتمة بتنظيم العمليات الانتخابية المتنازع عليها.
ومن غير المرجح أن تنجح الجزائر في أن تحل محل إمدادات الغاز الروسية دون موافقة ضمنية من روسيا، وذلك على عكس ما كان يأمله صانعو السياسة الأوروبيون في أن تخفف الجزائر وليبيا من الاعتماد الأوروبي على روسيا.
جدير بالذكر أن دول شمال أفريقيا تتصرف بناءً على حساباتها الخاصة، ويتمثّل ذلك في سعيها للحصول على تنازلات من أوروبا والولايات المتحدة بشأن أولوياتهما وإدارة علاقتهما مع روسيا، وهذا على عكس تطلعات صانعي السياسة الأوروبيين الذين يتوقعون أن تُسهم الجزائر وليبيا في التخفيف من المصاعب الاقتصادية التي تشهدها أوروبا.
اعتبارات سياسية جزائرية
تحاول الجزائر، أحد المصدّرين الرئيسين للغاز الطبيعي إلى الاتحاد الأوروبي، التوفيق بين مبدأين متعارضين، ويرجع ذلك إلى علاقاتها العريقة والواسعة مع روسيا.
ويتمثّل هذان المبدآن في التزام الجزائر بموقفها الطويل الأمد من قدسية الحدود الدولية وفي دعمها المستمر الراسخ لروسيا حليفتها الإستراتيجية العسكرية والدبلوماسية.
وبما أن الجزائر تُعدّ ثالث أكبر مستورد للأسلحة من روسيا، فقد امتنعت الجزائر عن الإشارة إلى أي معارضة تجاه حليفها التاريخي في المدة التي سبقت غزو أوكرانيا.
وفي الوقت الذي يسعى فيه الاتحاد الأوروبي إلى بدائل جديدة ومستدامة لمصدِّري الطاقة الروس المتضررين من العقوبات، تتمتع الجزائر بموقع إستراتيجي يمكّنها من سد الفجوة، وبوسعها أن تلبي -من الناحية التقنية- احتياجات الغاز في أوروبا.
وعلاوة على ذلك، تُصدّر الجزائر -حاليًا- ما يقرب من 22 مليار متر مكعب من الغاز سنويًا عبر خط أنابيب ترانس ميد إلى إيطاليا، ويمكن للجزائر أن تزيد هذه الكمية بما يقرب من نصف المعدل الحالي.
وفي أكتوبر/تشرين الأول 2021، عندما قطعت الجزائر علاقاتها مع المغرب، أُغلق خط أنابيب الغاز المغاربي الأوروبي، الذي يربط أكبر حقل غاز في الجزائر بإسبانيا عبر المغرب.
ويبدو أن الجزائر مترددة في تلبية طلبات زيادة صادراتها من الغاز إلى أوروبا، لأنّها لا تريد استفزاز روسيا رغم رغبتها في الاستفادة من الارتفاع غير المسبوق في أسعار الطاقة.
وقد تسعى الجزائر للحصول على تنازلات من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بشأن عدد من القضايا التي تعتبرها البلاد إستراتيجية، مثل الصحراء الغربية.
تُجدر الإشارة إلى أن النزاع على أراضي الصحراء الغربية تسبب في توتر العلاقات بين المغرب والجزائر منذ السبعينيات؛ بعد أن سيطر المغرب على معظم الأراضي في عام 1976.
ومنذ ذلك الحين قدمت الجزائر دعمًا عسكريًا ودبلوماسيًا وماليًا لجبهة البوليساريو، وهي جماعة متمردة مسلحة تعمل من أجل استقلال الإقليم.
وعلى الرغم من مضيّ عقود وقيام الأمم المتحدة بعدة محاولات وساطة في وقت لاحق، لا يزال الصراع مستعصيًا على الحل.
الجزائر والمواقف الغربية
في عام 2020، اعترفت الإدارة الأميركية بسيادة المغرب على الصحراء الغربية بوصفه جزءًا من اتفاقية التطبيع الثلاثية المعروفة باسم اتفاقيات إبراهيم.
وبينما كانت الجزائر تواجه صراعًا سياسيًا داخليًا، فقد استغرقت بعض الوقت للرد على اعتراف الولايات المتحدة والموقف المغربي القاطع.
وعندما عزّز الرئيس عبدالمجيد تبون قاعدة سلطته، في عام 2021، ازدادت درجة التوترات مع المغرب، وأقدمت الجزائر على وقف الاتفاقية طويلة الأمد مع المغرب بشأن نقل الغاز إلى إسبانيا عبر خط أنابيب المغاربي.
وأعربت الجزائر عن استيائها من المواقف الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الودية تجاه المغرب بشأن الصحراء الغربية. ومن المرتقب أن تحاول الجزائر ربط زيادة سعة الغاز بتخفيف الدعم الأوروبي/الأميركي للمغرب في الصحراء الغربية، وربما بالاعتماد على إسبانيا.
ومن جهتها، تعتمد إسبانيا بصفة كبيرة على صادرات الغاز الطبيعي الجزائرية، وتنظر إلى اضطراب محتمل في شمال أفريقيا على أنه تهديد مباشر لأمنها الوطني والاقتصادي.
ونتيجة مقاطعة الجزائر السياسية والاقتصادية المستمرة للمغرب، إلى جانب الضربات العسكرية غير المسبوقة، أصبحت المنطقة أقرب إلى الحرب مما كانت عليه منذ الستينيات.
وفي المقابل كان المغرب، الذي صنفته الولايات المتحدة حليفًا رئيسًا من خارج الناتو، حليفًا تقليديًا للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في الأمور العسكرية والدبلوماسية الرئيسة، وسعى في الوقت نفسه إلى الحفاظ على "الحياد الإيجابي" مع روسيا.
من ناحيتها، كانت الجزائر تنتظر إشارات واضحة من روسيا بشأن موقفها من قضية الصحراء الغربية.
وفي هذا السياق، امتنعت روسيا -في خطوة غير عادية- في أكتوبر/تشرين الأول 2021 عن التصويت في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بشأن الصحراء الغربية.
وسبق ذلك استقبال الممثل الخاص للرئيس الروسي فلاديمير بوتين للشرق الأوسط، ميخائيل بوغدانوف، وفدًا رفيع المستوى من جبهة البوليساريو في موسكو.
ومع أن تصرفات روسيا انطوت على دلالات رمزية، إلّا أنها لم تصل إلى حد تبني الموقف الجزائري المنشود بالكامل من خلال استخدام حق النقض "الفيتو" ضد القرار، أو، بشكل أكثر حزمًا، الاعتراف بالصحراء الغربية على أنها دولة مستقلة.
ومن هذا المنطلق، امتنعت الجزائر عن التصويت على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في 3 مارس/آذار بشأن روسيا. وأعلن المغرب، من جهته، عدم الحضور رغم رفضه الضمني للهجوم الروسي على أوكرانيا.
حالة ليبيا
بالإضافة إلى ما أعلنه وزير النفط الليبي في وقت سابق عن أن ليبيا ليست لديها احتياطيات كافية لسد فجوة الإمدادات، دخلت ليبيا، منذ الشهر الماضي، في أزمة سياسية جديدة تميزت بوجود حكومتين متنافستين.
ومن شأن هذه الاضطرابات تعريض التقدم السياسي الذي حققته البلاد في أوائل عام 2021 للخطر، عندما تشكّلت حكومة الوحدة الوطنية بوصفها أول حكومة وطنية توحّد جميع أنحاء ليبيا منذ عام 2013.
ويعكس الصراع المتجدد على السلطة آثارًا سلبية على إنتاج ليبيا من الموارد الطبيعية.
فقد انخفض إنتاج النفط الليبي إلى أقل من مليون برميل يوميًا، وأوقفت المؤسسة الوطنية للنفط التي تسيطر عليها الدولة الشحنات من ميناءي الزاوية ومليتة بعد أن أغلقت الجهات المسلحة مرة أخرى حقل الشرارة، أكبر حقل في البلاد.
ونتيجة الصراع الحالي على السلطة، يعتمد السياسيون الليبيون على الدعم المحلي، بالإضافة إلى الداعمين الدوليين، ورغم إدانة كبار المسؤولين صراحة الهجوم الروسي، فإن تحالفات ليبيا متقلبة، ولا يزال لدى ليبيا مرتزقة روس في البلاد.
ومن جانب آخر، أثبتت روسيا أنها أكثر مرونة بشأن الهدف الذي لا يحظى بشعبية بين العديد من النخب الليبية لإجراء الانتخابات قريبًا، وهو الهدف الذي تضغط الأمم المتحدة والولايات المتحدة والدول الأوروبية لتحقيقه.
تعويض الغاز الروسي
على الرغم من قدراتها الكبيرة، من غير المرجح أن تحل صادرات دول المغرب العربي محل إمدادات الغاز الروسية دون موافقة ضمنية من روسيا، الأمر الذي قد يفسح المجال لتحالفات ومواقف إقليمية جديدة معقدة.
ويتوقع المحللون أن تؤدي أزمة أوكرانيا الحالية ومحاولات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي فصل روسيا عن حلفائها الإقليميين الرئيسين (الجزائر)، دورًا في زعزعة التوازن في علاقات القوى العظمى مع المغرب والجزائر.
اقرأ أيضًا..
- شركتان أميركيتان لخدمات النفط تنضمان إلى قائمة مقاطعيّ روسيا
- طاقة الرياح في أفريقيا توفر للملايين فرصة الوصول إلى الكهرباء (تقرير)
- جنرال موتورز تستثمر 3.45 مليار دولار في السيارات ذاتية القيادة