هل تكون السيارات الكهربائية سببًا في إفلاس صناعة النفط؟
تقرير يزعم تأثر الصناعة.. وأنس الحجي: مبالغات وفرضيات غير صحيحة
مي مجدي
قبل بضع سنوات، لم يكن أحد يتخيل أن سوق السيارات الكهربائية ستنمو وتقترب من تجاوز عمالقة الوقود الأحفوري.
وفي هذا الصدد، سلّط تقرير حديث الضوء على سرعة انتقال العالم نحو المركبات الكهربائية، لكنه حمل أخبارًا سيئة لشركات النفط الكبرى.
فقد أكدت شركة "ريثينك إنرجي" -المتخصصة في تحليل أسواق التكنولوجيا، ومقرّها المملكة المتحدة- رؤية الرئيس التنفيذي لشركة تيسلا، إيلون ماسك، حول قرب نهاية صناعة الوقود الأحفوري.
وحسب زعم كبير المحللين في الشركة، بيتر وايت؛ فإن مبيعات السيارات الكهربائية ستتغلب على انتعاش الوقود الأحفوري بعد الوباء، وستضيّق الخناق على النفط، وسيعقب ذلك إفلاس الصناعة، وفق تقرير نشره موقع كلين تكنيكا.
توقعات صادمة
تفترض توقعات شركة "ريثينك إنرجي" تعافي إجمالي مبيعات السيارات عالميًا إلى مستويات ما قبل الوباء في غضون 5 سنوات، لكن مبيعات النفط في 2025 أو 2026 ستقترب من مستويات عام 2019، ثم ستنخفض بسرعة بمعدل 5% سنويًا.
وتتوقع "ريثينك إنرجي" أن صناعة النفط لن تتعافى إلى مستويات ما قبل عام 2019، وترى أن السيارات الكهربائية ستسيطر على الطرق السريعة، ليس فقط في النرويج، بل في العالم بأكمله.
وترى أن احتمالات التناحر النفطي داخل أوبك+ وخارجها، وتضرّر عدد من الاقتصادات الناشئة -التي ما زالت تعتمد على النفط لكنها لا تستطيع مجاراة السعودية وقطر وروسيا والولايات المتحدة مع انخفاض الأسعار- ستسفر عن اضطرابات عالمية هائلة والتخلف عن سداد الديون وتدهور العملات.
وقالت، إنها لا تستبعد انهيارًا عالميًا وشيكًا، ورغم أن المستثمرين ووكالات الديون الحكومية أوضحوا أنه من المحتمل حدوث ذلك لبعض الوقت؛ فإن وقوعه دون سابق إنذار سيكون بمثابة صدمة.
صناعة النفط مقابل السيارات الكهربائية
بمجرد انخفاض الأسعار؛ فإنها لن ترتفع مرة أخرى، وسيشكّل استمرار تدفّق النفط، حتى بكميات ضئيلة، تحديًا مع سير آخر 100 مليون سيارة مزودة بمحركات احتراق داخلي.
وهكذا يبدو أن صناعة النفط ستصبح شيئًا من الماضي، وسيلحق الضرر بقاعدة أصولها، حسب التقرير.
وبدءًا من عام 2035 وما بعده، ستتجه أنظار المستثمرين إلى صناعة التقنيات النظيفة، ولن يلاحظوا نهاية عصر النفط أو الغاز.
ويتوقع وايت أن سوق السيارات الكهربائية في الولايات المتحدة سترتفع بوتيرة أسرع عن بقية العالم، وستساعد في ذلك الخطط الطموحة لشركات مثل تيسلا وريفيان ولوسيد وفيسكر.
كما أن شركتي فورد وجنرال موتورز أعلنتا إنتاج سيارات كهربائية جديدة في محاولة للحفاظ على حصتهما في السوق.
أمّا سيارتا فورد "إف-150 لايتينغ" و"موستنغ ماك اي" فأثبتتا أنهما تجربتان ناجحتان؛ إذ فاق الطلب الإنتاج، وتعيّن تطوير خطتهما باستمرار.
في حين ستبدأ فولكس فاغن قريبًا إنتاج السيارات الكهربائية على الأراضي الأميركية، ويهدف المصنّعون الآسيويون إلى الاستيراد -أيضًا-.
ومن مظاهر إقبال السوق الأميركية على السيارات الكهربائية، احتوى الحدث السنوي الأكبر في الولايات المتحدة "سوبر بول" على 8 إعلانات تجارية للمركبات الكهربائية.
بالإضافة إلى ذلك، يتعاون صانعو السيارات مع مصنّعي البطاريات لبناء العديد من المصانع الجديدة.
ويرى وايت أنه بحلول عام 2036 ستكون السيارات المبيعة في الولايات المتحدة كهربائية بنسبة 100%، وبحلول عام 2037 ستشغّل السيارات الكهربائية أكثر من نصف السيارات على الطرق الأميركية.
بينما ستكون جميع السيارات في الولايات المتحدة مركبات عديمة الانبعاثات، أغلبها سيارات كهربائية، بحلول عام 2049.
تيسلا مقابل إكسون موبيل
في العام الماضي، لفت تقرير نشرته شبكة "سي إن إن" الانتباه إلى سهم تيسلا التصاعدي، وانخفاض سعر سهم إكسون موبيل منذ جائحة فيروس كورونا.
وذكر أن صافي ثروة إيلون ماسك يقترب من 300 مليار دولار؛ إذ تجاوزت القيمة السوقية لشركة تيسلا تريليون دولار، وكان ذلك كافيًا لتجاوز أحد أكبر منافسيه، إكسون موبيل؛ حيث يُعَد ماسك من أبرز المدافعين عن استبدال السيارات الكهربائية بمركبات الديزل والغاز، ويبدو أن ذلك قد يعرّض مستقبل إكسون للخطر على المدى الطويل.
ويأتي ذلك في وقت تتعرض فيه أكبر شركة نفط في أميركا لانتقادات حادّة بسبب إستراتيجيتها المناخية.
مبالغات وفرضيات غير صحيحة
على الجانب الآخر، يرى خبير سياسات الطاقة، مستشار تحرير "الطاقة"، الدكتور أنس الحجي، أن السيارات الكهربائية لن تكون سببًا في خفض الطلب على النفط أو تشكل تهديدًا على مستقبل الخام، وإنما انخفاض الطلب سيكون ناجمًا عن تحسن كفاءة محركات البنزين والديزل.
وأوضح أن الطلب على النفط سيستمر في الارتفاع حتى مع انتشار السيارات الكهربائية، وسيكون أثرها الأكبر في نمو الطلب على النفط، وليس في الطلب نفسه.
ووفقًا لدراسة بحثية أعدها الحجي؛ فإن تأثير السيارات الكهربائية في الطلب على النفط لن يكون هائلًا؛ فمع توقعات بوجود 140 مليون سيارة كهربائية على الطرقات في جميع أنحاء العالم بحلول عام 2040، سيتراجع الطلب على النفط بنحو 5 ملايين برميل يوميًا فقط.
وأوضح مستشار تحرير "الطاقة" أن الإبقاء على مستويات الطلب الحالية على النفط، يتطلب وجود قرابة 500 مليون سيارة كهربائية على الطرقات في العالم.
وأضاف أن بعض التقديرات المنشورة المتعلقة بانخفاض الطلب على النفط بسبب السيارات والحافلات الكهربائية تتجاهل حقيقة أن هذه المركبات في الولايات المتحدة أو الصين حلّت محل المركبات المستخدمة للغاز؛ لذا جاء التغيير على حساب الغاز وليس على حساب البنزين والديزل.
ويرى الدكتور أنس الحجي أن هناك مبالغة في تقدير تأثير السيارات الكهربائية في النفط، ولا سيما مع زيادة مبيعات السيارات العائلية الكبيرة في الصين والولايات المتحدة، وهو ما يترجم إلى زيادة في استهلاك الوقود، وصعوبة انتشار السيارات الكهربائية المعروفة بصغر حجمها.
ولفت الحجي الانتباه إلى المبالغة في المزايا الاقتصادية للسيارات الكهربائية، موضحًا أن أغلب البيانات مضللة، والتوقعات المستقبلية مبنية على فروض خاطئة.
فعلى سبيل المثال، أسعار بيع السيارات الكهربائية بعد 3 سنوات من استخدامها مبنية على سعر سيارة تيسلا، في حين سعر السيارات الأخرى بعد المدة نفسها أقل بكثير.
مدى تهديد ثورة المركبات الكهربائية
أظهر تقرير صادر عن مؤسسة أي إتش إس ماركت العالمية للأبحاث أن المركبات الكهربائية القابلة للشحن الخارجي أو التي تعمل بخلايا الوقود، بالإضافة إلى الحافلات الكهربائية والدراجات في عام 2020 أسهمت في الاستغناء عن قرابة 370 ألف برميل يوميًا من الاستهلاك العالمي للنفط.
ومن المتوقع أن ينمو إلى 1.5 مليون برميل يوميًا بحلول عام 2025؛ أي ما يعادل قرابة 1.4% من المستويات المتوقعة لإجمالي الطلب العالمي على النفط.
وتقدر بلومبيرغ نيو إنرجي فاينانس أن الطلب على وقود الطرق سيبلغ ذروته في عام 2027، وسيستغرق الأمر عقدًا حتى يظهر تأثير التطور في الطلب.
وبحلول عام 2050، سيتراجع الطلب على البنزين والديزل، وستنخفض الانبعاثات المرتبطة بالنفط إلى 3.4 غيغاطن من ثاني أكسيد الكربون، انخفاضًا من 6.5 غيغاطن في عام 2019، ومع ذلك، سيشكل قطاع السيارات الكهربائية خطرًا على قطاع النفط على المدى الطويل.
وتتوقع بلومبيرغ نيو إنرجي فاينانس أن المركبات الكهربائية وخلايا الوقود ستحل محل 21 مليون برميل يوميًا من الطلب على النفط بحلول عام 2050.
وبعبارة أخرى، من المحتمل أن تمر عقود قبل أن يتأثر قطاع الوقود الأحفوري بثورة المركبات الكهربائية.
اقرأ أيضًا..
- هل تواصل أسعار النفط الارتفاع؟ وما تأثير عودة الخام الإيراني؟.. أنس الحجي يجيب
- أرامكو السعودية: استثمارات النفط الحالية غير كافية لتأمين إمدادات الطلب العالمي
- الغاز المسال.. تحول الطاقة وارتفاع الأسعار يعطلان ازدهار السوق