إيران لا تستطيع تصدير الغاز الطبيعي إلى أوروبا على المدى القصير (مقال)
أومود شوكري* ترجمة نوار صبح
- • أصبح إيجاد بديل للغاز الطبيعي الروسي في الأشهر الأخيرة أولوية أوروبية قصوى.
- • تأمل إيران في أن تتمكن من العودة سريعًا إلى سوق النفط بعد رفع العقوبات.
- • إيران ثاني أكبر مالك للغاز الطبيعي في العالم بعد روسيا.
- • %80 من حقول النفط الإيرانية النشطة تمر بدورة إنتاجها الثانية.
- • بلغ متوسط الاستثمار السنوي في إنتاج النفط والغاز الإيراني 3 مليارات دولار.
سلّطت أزمة الطاقة في أوروبا والغزو الروسي لأوكرانيا الضوء على مسألة تنويع موارد الطاقة -وخاصة الغاز الطبيعي- في سلة الطاقة الأوروبية، وأصبح إيجاد بديل للغاز الروسي في الأشهر الأخيرة أولوية أوروبية قصوى.
في المقابل، وصلت محادثات إيران مع مجموعة (4+1) بشأن برنامج طهران النووي إلى مرحلة نهائية، في الأسابيع الأخيرة، ومن المتوقع أن تنتهي بتوقيع باتفاق نووي جديد؛ حيث تأمل إيران في أن تتمكن من العودة سريعًا إلى سوق النفط بعد رفع العقوبات.
ويمكن لإيران أن تصبح مُصدرًا للغاز إلى أوروبا من خلال جذب رأس المال والتكنولوجيا اللازمين لزيادة الطاقة الإنتاجية للنفط والغاز؛ حيث تُعدّ إيران ثاني أكبر منتجي الغاز الطبيعي في العالم، بعد روسيا، ورابع أكبر مالك للنفط في العالم، بعد فنزويلا والسعودية وكندا.
جدير بالذكر أن إيران تمتلك 17% من احتياطيات الغاز الطبيعي في العالم و9% من احتياطياته النفطية، في حين تمتلك روسيا 6% من نفط العالم و 20% من غازه الطبيعي.
خطوط نقل الغاز إلى أوروبا
نظرًا لوجود عدة مشروعات لخطوط الأنابيب في الماضي، طُرِحَت فكرة صادرات الغاز الطبيعي الإيراني إلى أوروبا، وكان خط أنابيب نابوكو، الذي كان من المفترض أن ينقل الغاز من بحر قزوين إلى النمسا عبر تركيا، من بين شبكات خطوط الأنابيب هذه.
وكانت أذربيجان وجورجيا وتركيا وبلغاريا ورومانيا والمجر والنمسا مُدْرجة على مسار خط الأنابيب.
إضافة إلى ذلك، يوجد خط أنابيب آخر مقترح لتصدير الغاز الطبيعي من حقل بارس الجنوبي إلى أوروبا وهو "خط الأنابيب الإسلامي" الذي كان سيمر عبر حقل بارس الجنوبي والعراق وسوريا ومن هناك إلى لبنان وتركيا وأوروبا.
وصادف خط الأنابيب هذا مشكلة انعدام الأمن في الدول الواقعة في منتصف طريق خط الأنابيب، في الوقت الذي تتفادى أوروبا فيه التعرض لمخاطر توريد الغاز من طرق غير آمنة.
ولم يكن خط الأنابيب هذا مدرجًا في خطط أوروبا، ووصل في النهاية إلى العراق فقط؛ حيث رفضت سوريا المشاركة في هذا المشروع بسبب نقص الموارد المالية.
صادرات الغاز الطبيعي الروسي إلى أوروبا
تمثل الصادرات الروسية إلى أوروبا نحو 38 إلى 40% من واردات غازها الطبيعي، وهو ما يمثل نحو 80% من صادرات الغاز الروسية.
وتستورد أوروبا، في الوقت الحاضر، نحو 130 مليار متر مكعب من الغاز سنويًا من روسيا وحدها، ومعظمها يمر عبر أوكرانيا.
تجدر الإشارة أيضًا إلى أن إنتاج روسيا اليومي تجاوز هذا العام 2 مليار متر مكعب، وهو أكثر من ضعف إنتاج إيران، ويزيد بنحو 10% عن عام 2021؛ ما يعني أن إنتاج روسيا السنوي سيصل إلى 762 مليار متر مكعب.
وفي حال رفع العقوبات عن إيران، ونتيجة سعي أوروبا لإيجاد بديل للنفط والغاز الروسيين وتخليص نفسها من هيمنتهما على الطاقة في أوروبا؛ فإن الخيار الأخير الذي قد يتبادر إلى الذهن هو اللجوء إلى موارد الطاقة الإيرانية باعتبارها حليفًا موثوقًا.
إيران والتكنولوجيا الغربية
لا خيار أمام إيران سوى الاعتماد على التكنولوجيا الغربية، حتى لمجرد الحفاظ على إنتاجها من الغاز؛ حيث يُنتَج نحو 70% من الغاز الإيراني من حقل بارس الجنوبي، في ظل توقعات بحدوث انخفاض في ضغط حقل بارس الجنوبي على أي حال.
بدورها، تهدف إيران إلى اكتساب المعرفة المتوافرة لدى شركات النفط، مثل: توتال الفرنسية؛ لتعزيز قدرات حقل الغاز.
علاوة على ذلك، توقعت إيران أن تُركِّب شركات الطاقة الأجنبية مرافقَ معززة لضغط الغاز وضواغط ومنصات 20 ألف طن في المرحلة الـ11 من حقل بارس الجنوبي لحل مشكلة انخفاض الضغط.
وتوجد هذه المعدات التكنولوجية لدى عدد قليل من الشركات الأوروبية العملاقة.
بحلول عام 2016، وقّعت شركة توتال عقدًا لبناء مثل هذه المنصات للمرحلة الـ11 من حقل بارس الجنوبي، لكنها تخلت عن المشروع مسجلة خسارة قيمتها 45 مليون يورو بعد فرض العقوبات الأميركية.
وتحتاج إيران إلى ما لا يقل عن 15 منصة بوزن 20 ألف طن، تبلغ تكلفة كل منها 2.5 مليار دولار، للحفاظ على إنتاج حقل بارس الجنوبي.
احتياجات إيران للحفاظ على الإنتاج
وفقًا لوزارة الطاقة الأميركية وإدارة معلومات الطاقة الأميركية؛ فإن 80% من حقول النفط الإيرانية النشطة تمرّ بدورة إنتاجها الثانية، نتيجة انخفاض الإنتاج بنسبة 8 إلى 12% سنويًا.
وتحتاج إيران إلى 20 مليار دولار على الأقل سنويًا للحفاظ على إنتاج النفط والغاز وحده؛ على مدى السنوات الـ3 الماضية، وقد بلغ متوسط الاستثمار السنوي في إنتاج النفط والغاز الإيراني 3 مليارات دولار.
ويتوافر هذا القدر الكبير من رأس المال والتكنولوجيا لدى الشركات الغربية؛ كما كان الحال خلال عهد الرئيس الإيراني، محمد خاتمي، عندما كانت الشركات الأوروبية موجودة في حقل بارس الجنوبي وحقول النفط الإيرانية، وبلغ الاستثمار السنوي للنفط والغاز الإيراني نحو 20 مليار دولار.
ومع توقع أن تصبح إيران قادرة على التصدير على المدى القصير من خلال الاستثمار في قطاع الطاقة؛ فإن المنشآت، التي بدأ بناؤها في عهد الرئيس الإيراني الأسبق، محمود أحمدي نجاد، تتدهور تدريجيًا، وتخلت جميع الشركات الأجنبية عنها بسبب العقوبات.
ووفقًا لوكالة مهر الإيرانية للأنباء؛ فإن مشروع الغاز الطبيعي المسال الإيراني، على الرغم من استثماره 2.5 مليار دولار؛ فإنه لا يزال مهمَلًا، وتتعرض منشآته للتدمير تدريجيًا في غياب الدراسة الفنية المتخصصة.
ومع أخذ المشكلات المستمرة لقطاع النفط والغاز الإيرانية والسياسة الخارجية المتوترة للنظام في الحسبان، يتعذر التوقع بأن تفكر أوروبا جدّيًا في الاعتماد على إمدادات الغاز الطبيعي لإيران على المديين القصير والمتوسط.
من جهة ثانية، لم يكن استيراد الغاز من إيران أولوية بالنسبة للاتحاد الأوروبي، على الرغم من مزاعم الحكومة الإيرانية.
الحصة المتوقعة للصادرات
فشلت إيران، حتى الآن، في ترسيخ الترابط في علاقاتها مع الدول الأخرى من خلال صادرات الطاقة، كما أن أوروبا تستثمر بسرعة في عملية تحول الطاقة، وبعد حل أزمة الطاقة الحالية سيزداد تركيزها على الطاقة المتجددة.
ويمكن للولايات المتحدة وقطر، وكذلك بعض الدول الأفريقية وأذربيجان، بسهولة زيادة حصتها في سوق الطاقة الأوروبية.
ونتيجة استمرار السياسة الخارجية الحالية والاتجاه الحالي لاستهلاك الغاز الطبيعي إلى جانب نقص رأس المال والتكنولوجيا في قطاع النفط والغاز، لن تكون صادرات الغاز الإيرانية إلى أوروبا أكثر من مجرّد حلم.
تجدر الإشارة إلى أنه عندما أتيحت لحكومة الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني فرصة السعي لدى مجلس الشورى الإيراني لدعم إمداد قطاع النفط والغاز بالتكنولوجيا، دافع الحرس الثوري الإيراني عن أعماله في مجال الخدمات النفطية من خلال تحفيز الكوادر الوطنية.
- حقل بارس الجنوبي.. إيران تسجل مستوى قياسيًا بإنتاج الغاز الطبيعي
- وزير النفط الإيراني: لن ننتظر اتفاق فيينا لإنجاز مشروعات النفط والغاز
ولذلك رأت شركات النفط الدولية عدم وجود عقود معقولة؛ وستصبح إيران تدريجيًا مستوردًا للطاقة، ما لم تُرفَع العقوبات المفروضة عليها.
وإذا تُوصِّلَ إلى اتفاق في المحادثات النووية الإيرانية؛ فيجب توفير الأرضية لجذب رأس المال الأجنبي والتكنولوجيا على الفور، والموافقة على الانضمام إلى مجموعة العمل المالي (إف إيه تي إف).
وينبغي أن تتجه السياسة الخارجية إلى خفض التصعيد وإعادة صياغة دبلوماسية الطاقة وإيلاء اهتمام جاد بدور صادرات الطاقة في سياسة إيران الخارجية.
*الدكتور أومود شوكري، كبير مستشاري السياسة الخارجية والجغرافيا السياسية للطاقة، مؤلف كتاب "دبلوماسية الطاقة الأميركية في حوض بحر قزوين: الاتجاهات المتغيرة منذ عام 2001".
اقرأ أيضًا..
- عاجل.. النفط الليبي يفقد 330 ألف برميل.. وإغلاق حقلي الشرارة والفيل
- أكبر منتج للكهرباء في أستراليا يرفض عرضًا جديدًا للاستحواذ
- هل تكون السيارات الكهربائية سببًا في إفلاس صناعة النفط؟