صفقات النفط والغاز بين روسيا والصين.. من المستفيد الأكبر؟
وحدة أبحاث الطاقة - أحمد شوقي
شهدت العلاقات الإستراتيجية بين روسيا والصين تقاربًا ملحوظًا مؤخرًا، في وقت تشتد فيه حدة التوترات السياسية بين موسكو والغرب، على وقع الأزمة الأوكرانية.
وفي 4 فبراير/شباط -على هامش انطلاق دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في بكين- أعلن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، التوصل إلى اتفاقيات جديدة في قطاع النفط والغاز بين روسيا والصين بقيمة 117.5 مليار دولار.
وتؤكد التوترات الحالية مع أوروبا وأميركا بشأن أوكرانيا الأهمية الإستراتيجية لزيادة تنويع الإمدادات إلى الصين، خاصة أن الاتحاد الأوروبي يهدف إلى تقليل اعتماده على الإمدادات الروسية.
بينما تعمل الصين على تأمين إمدادات أقل تكلفة للنفط والغاز؛ لتلبية احتياجاتها المتزايدة من الطاقة، خاصةً من الغاز، مع خططها لتقليل الاعتماد على الفحم.
العلاقة بين روسيا والصين
تعمل روسيا -ثالث أكبر مورد غاز للصين- على تعزيز العلاقات مع بكين -أكبر مستهلك للطاقة في العالم- وسط مساعي تقليل اعتمادها على عملائها الأوروبيين الذي يستوردون الحصة الكبرى من النفط والغاز الروسي.
وفي الأسبوع الماضي، قال بوتين، في اجتماع مع الرئيس الصيني، شي جين بينغ، إن شركات النفط الروسية أعدت حلولًا جديدة جيدة للغاية بشأن إمدادات الهيدروكربونات إلى الصين، وفق ما نقلت وكالة رويترز.
والاتفاقيات الجديدة بين روسيا والصين ليست الأولى من نوعها؛ ففي عام 2014، وقّعت شركة غازبروم ومؤسسة النفط الوطنية الصينية (سي إن بي سي) عقدًا لمدة 30 عامًا لتزويد بكين بنحو 38 مليار متر مكعب من الغاز سنويًا عبر خط أنابيب باور أوف سيبيريا.
وبصفة عامة، ترسل روسيا الغاز إلى الصين عبر خط أنابيب باور أوف سيبيريا، الذي بدأ ضخ الإمدادات ديسمبر/كانون الأول عام 2019، وعبر شحنات الغاز الطبيعي المسال.
وينقل خط الأنابيب البالغ طوله 3 آلاف كيلومتر، الغاز من حقل تشياندينسكوي -مركز إنتاج الغاز في ياقوتيا- إلى المستهلكين المحليين في الشرق الأقصى الروسي وإلى الصين.
وفي العام الماضي، بلغت صادرات روسيا من الغاز إلى الصين 16.5 مليار متر مكعب، بما في ذلك 10.5 مليار متر مكعب عبر خط باور أوف سيبيريا.
وتُعَد روسيا -أيضًا- ثاني أكبر مورد للنفط الخام إلى الصين بعد السعودية؛ إذ استوردت بكين ما مجموعه 1.6 مليون برميل يوميًا من الخام الروسي عام 2021، وفق بيانات الجمارك الصينية.
صفقة الغاز بين روسيا والصين
أعلنت شركة غازبروم الروسية الاتفاق مع مؤسسة النفط الوطنية الصينية (سي إن بي سي) على عقد طويل الأجل تصل مدته إلى 30 عامًا، لتزويد الصين بالغاز الطبيعي عبر خط أنابيب جديد يمر من خلال الشرق الأقصى الروسي.
وأشارت الشركة الروسية إلى أن هذا العقد خطوة مهمة نحو زيادة تعزيز التعاون متبادل المنفعة بين روسيا والصين في قطاع الغاز، مع تسوية المبيعات الجديدة باليورو؛ حتى لا تكون عرضة لعقوبات أميركية محتملة على موسكو.
ونقلت وكالة رويترز، عن مصادر لم تُسمِّها، أن التدفقات الجديدة عبر خط الأنابيب، التي ستربط منطقة الشرق الأقصى لروسيا بشمال شرق الصين، من المقرر أن تبدأ في غضون 2 أو 3 أعوام.
وبمجرد أن يصل المشروع إلى قدرته الكاملة؛ ستزداد كمية إمدادات الغاز عبر خط الأنابيب من روسيا إلى الصين بمقدار 10 مليارات متر مكعب، ليصل الإجمالي إلى 48 مليار متر مكعب سنويًا، بما في ذلك إمدادات الغاز عبر خط باور أوف سيبيريا.
وفي العام الماضي، ارتفع إنتاج غازبروم من الغاز الطبيعي إلى أعلى مستوى في 13 عامًا، مسجلًا 514.8 مليار متر مكعب، بزيادة 62.2 مليار متر مكعب مقارنة بعام 2020.
كما أجرت غازبروم محادثات مع الصين حول العديد من صفقات التوريد المحتملة الأخرى، بما في ذلك خط أنابيب باور أوف سيبيريا2، بسعة 50 مليار متر مكعب سنويًا، والذي سيمر عبر منغوليا، لكن لم يحدث اتفاق حتى الآن.
ماذا عن صفقة النفط؟
فضلًا عن صفقة الغاز الجديدة بين روسيا والصين، وقّعت الشركة الوطنية الصينية (سي إن بي سي) مع الشركة الروسية (روسنفط)، اتفاقية لتوريد 100 مليون طن من النفط -أو ما يعادل 200 ألف برميل يوميًا- إلى الصين عبر قازاخستان لمدة 10 سنوات.
وهذه الاتفاقية، التي تبلغ قيمتها 80 مليار دولار، تمديدًا لعقد سابق مدته 10 سنوات ووُقِّعَ عام 2013، مع بدء ضخ الإمدادات يناير/كانون الثاني 2014.
وتُعَد روسنفط أكبر مصدّر للنفط إلى الصين؛ إذ توفر 7% من إجمالي استهلاك البلاد من الخام سنويًا، كما أنها واحدة من الموردين الرئيسين للمنتجات النفطية لبكين.
ومنذ عام 2005، بلغ إجمالي صادرات روسنفط إلى الصين، 442 مليون طن (3.13 مليار برميل) من النفط، كما صدَّرت الشركة الروسية 41 مليون طن (292 مليون برميل) من المشتقات النفطية إلى بكين منذ عام 2009.
وفي العام الماضي فقط، استوردت الصين 40 مليون طن (284 مليون برميل) من النفط من شركة روسنفط.
وفي سياق منفصل، وقّعت الشركتان أيضًا اتفاقيات في مجال التنمية منخفضة الكربون، خاصة الحد من انبعاثات الاحتباس الحراري، بما في ذلك الميثان واحتجاز الكربون وتخزينه وكفاءة استهلاك الطاقة.
من المستفيد الأكبر؟
من المتوقع أن تكون صفقات النفط والغاز بين روسيا والصين مفيدة للطرفين؛ كونها بين أكبر المصدرين وأكبر المستوردين عالميًا.
وبالنسبة إلى الصين؛ فإن صفقة الغاز الروسي عبر خط الأنابيب ستكون أرخص من لجوء بكين إلى الغاز المسال؛ لتلبية الطلب المتزايد لديها.
وقالت وكالة الطاقة الدولية، في تقرير، الأسبوع الماضي، إن الصين ستظل أكبر مساهم في نمو واردات الغاز المسال، ولكن مع انخفاض معدل النمو إلى 9% عام 2022 بدلًا من 17% العام الماضي؛ بسبب زيادة تدفقات خطوط الأنابيب من روسيا.
وأصبح الغاز عنصرًا مهمًا في إستراتيجية الصين لتحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2060، وأيضًا لضمان أمن الطاقة، خاصة بعد أزمة نقص الفحم، التي شهدها ثاني أكبر اقتصاد عالميًا العام الماضي.
وتُعَد الصين أكبر مستهلك للغاز في العالم، مع استيراد 43% من احتياجاتها، بما في ذلك 89 مليار متر مكعب من الغاز المسال و46 مليار متر مكعب من الغاز عبر خطوط الأنابيب، وفقًا للإدارة العامة للجمارك في البلاد.
وعلى جانب روسيا؛ فإن صفقة الغاز يمكن أن تدر وحدها 37.5 مليار دولار، وفقًا لحسابات رويترز، على افتراض أن متوسط سعر الغاز يبلغ 150 دولارًا لكل ألف متر مكعب كما ذكرت شركة غازبروم في صفقتها الحالية مع الصين.
وبصفة عامة، تهدف موسكو إلى الاستفادة من مواردها الهائلة من النفط والغاز؛ لتلبية الطلب المتزايد في الصين وتنويع المستوردين أيضًا، بعيدًا عن الغرب.
وفي العام الماضي، بلغ استهلاك أوروبا من الغاز 552 مليار متر مكعب، بينما سجل الطلب الصيني على الغاز 364 مليار متر مكعب، بحسب وكالة الطاقة الدولية.
وبغض النظر عن بيانات العام الماضي، التي شهدت زيادة في استهلاك الغاز في أوروبا والصين؛ فإن أرقام الأعوام السابقة، وتوقعات 2022، تشير إلى ارتفاع الطلب من الصين وتباطؤ الاستهلاك الأوروبي مع تحول الكتلة أكثر إلى الطاقة المتجددة؛ ما يعني أن الصين ستكون سوقًا أكثر استدامة لروسيا، وفق وحدة أبحاث الطاقة.
وفي 2022، تتوقع وكالة الطاقة تراجع استهلاك الغاز في أوروبا إلى 527 مليار متر مكعب، وارتفاعه في الصين إلى 394 مليار متر مكعب.
موضوعات متعلقة..
- روسيا توقع صفقة غاز طويلة الأجل مع الصين عبر خط أنابيب جديد
- الصين تكثف جهودها لتأمين واردات الغاز لتفادي أزمة طاقة في الشتاء
- سيناريو غزو أوكرانيا.. هل تملك أوروبا فرصة التخلي عن غاز روسيا؟
- روسيا والصين والقطب الشمالي.. تحالف حقيقي أم زواج مصلحة؟
اقرأ أيضًا..
- الهيدروجين الأخضر.. كبرى الشركات العالمية توجه أنظارها إلى مصر
- أزمة تهدد مشروع الطاقة الشمسية في الجزائر (خاص)