الغسل الأخضر.. خطر يعرقل تحقيق الأهداف المناخية
وحدة أبحاث الطاقة
الغسل الأخضر، هذا هو الجانب المظلم للاتجاه المتسارع من قِبل الشركات والدول التي تقدّم تعهدات بشأن التحوّل نحو الطاقة النظيفة وخفض الانبعاثات الكربونية؛ إذ تكون هناك ممارسات أو منتجات تبدو وكأنها صديقة للبيئة، لكنها في الأساس ليست كذلك.
وعلى الرغم من أن الغسل الأخضر ليس ظاهرة حديثة؛ فإنها تصاعدت بشكل مقلق في السنوات الأخيرة، وسط تزايد الضغوط لتحقيق أهداف اتفاقية باريس للمناخ 2015.
وتكمن المعضلة في إعلان بعضهم أهدافًا طموحة للحياد الكربوني، لكن في الوقت نفسه يطورون أو يمولون الوقود الأحفوري، وسيكون هذا بمثابة خداع للجهود العالمية، التي ترغب في الحدَّ من تغيّر المناخ، وقد يجد العالم نفسه بعد عقود لم يفعل سوى القليل لمواجهة هذه الأزمة.
وكذلك يشير تقرير لمنتدى الاقتصاد العالمي إلى أن تصنيف الاستثمارات الخضراء، يمكن أن يُنظر إليه في بعض الأحيان على أنه غسل أخضر؛ إذ يعكف الاتحاد الأوروبي حاليًا على دراسة إمكان عَدّ الغاز الطبيعي استثمارًا أخضر، وهذا يتجاهل الآثار البيئية للميثان، الذي له تأثير مناخي يصل إلى 84 مرة أكبر من ثاني أكسيد الكربون.
تعريف الغسل الأخضر
يُعرف الغسل الأخضر (Greenwashing) بأنه ظاهرة تشهد تضليل المستهلكين وخداعهم، من خلال تقديم ادّعاءات بيئية كاذبة حول استدامة المنتجات أو الاستثمارات، ودورها في مكافحة تغيّر المناخ.
وبمعنى أوضح، يعني الغسل الأخضر أن تسوّق الشركات نفسها على أنها صديقة للبيئة، بينما لا تُغير سلوكها على أرض الواقع؛ إذ إنها بمثابة محاولة للاستفادة من الطلب المتزايد على المنتجات صديقة البيئة.
وتظهر هذه الظاهرة -أي الغسل الأخضر- أيضًا على مستوى الدول؛ فعلى سبيل المثال، المملكة المتحدة، التي تعهدت بخفض الانبعاثات الكربونية بنسبة 78% بحلول عام 2035، تُقلّص حوافز السيارات الكهربائية، وتشهد في الوقت نفسه اكتشافات جديدة للنفط والغاز، وغيرها من الإجراءات التي تزيد الانبعاثات.
وليست المملكة المتحدة وحدها في هذا الصدد؛ فرغم التعهدات المناخية، تستمر الصين في بناء محطات كهرباء تعمل بالفحم، وما تزال اليابان واحدة من أكبر ممولي محطات الفحم في الخارج، كما أن النرويج تطوّر حقول نفط وغاز عملاقة جديدة.
نشأة مصطلح الغسل الأخضر
صاغ عالم البيئة الأميركي، جي ويسترفيلد، مصطلح الغسل الأخضر في ثمانينيات القرن الماضي؛ لوصف الادّعاءات الكاذبة المتعلقة بالبيئة.
وحدث ذلك عندما كان يقيم في أحد الفنادق، ورأى لافتة تطالب النزلاء بإعادة استعمال المناشف للمساعدة في الحفاظ على البيئة، وفي المقابل، لم تكن هناك أيّ محاولات أخرى لدعم البيئة.
وقاد ذلك ويسترفيلد إلى الاعتقاد بأن الفندق كان يهدف إلى خفض التكاليف من خلال عدم غسل المناشف، وفعل ذلك عن طريق الاختباء خلف الملصق الصديق للبيئة، لكن بعد 3 عقود، أصبحت هذه الممارسة -الغسل الأخضر- أكثر تعقيدًا إلى حدّ كبير.
وهناك احتمالات بأن مصطلح الغسل الأخضر يعود إلى ما قبل الثمانينيات؛ إذ كان قسم الطاقة النووية التابع لشركة وستنغهاوس الأميركية رائدًا في مجال الغسل الأخضر، بحسب صحيفة الغارديان.
وبعد أن تعرضت الشركة الأميركية للتهديد من قِبل الحركة المناهضة للطاقة النووية في فترة الستينيات -إذ أثيرت تساؤلات حول مدى سلامتها من الناحية البيئية- قاومت ذلك بسلسلة من الإعلانات حول نظافة وسلامة محطات الطاقة النووية، رغم أن بعض هذه الادّعاءات كان صحيحًا.
دوافع اللجوء إلى الغسل الأخضر
هناك ضغوط متزايدة من قِبل المساهمين والمستهلكين والحكومات على الشركات والمؤسسات الكبرى لتقليل تأثيرها في البيئة، خاصة فيما يتعلق بخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.
ومع زيادة وعى المجتمع والتحوّل نحو سلع أو خدمات أكثر صداقة للبيئة، يعاقب المستهلكون الشركات التي لا تدمج الممارسات الصديقة للبيئة في نماذج أعمالها، بالابتعاد عن خدماتها أو منتجاتها.
ونتيجة لذلك؛ تروّج الشركات لنفسها ومنتجاتها على أنها صديقة للبيئة، بينما في الواقع، ليس لديها سوى القليل في هذا الإطار.
ووفقًا لتقرير صادر عن شركة نيلسين؛ فإن 66% من المستهلكين العالميين على استعداد لدفع المزيد مقابل العلامات التجارية المستدامة، وعلى الرغم من إيجابية ذلك، فإنه يُشجع على الغسل الأخضر.
وبحسب تقرير صادر عن شركة تيرا شويس (TerraChoice)، فإن 98% من المنتجات ذات العلامات الخضراء هي في الواقع غسل أخضر.
عواقب الغسل الأخضر
تزايد ظاهرة الغسل الأخضر يعني فشل العالم في تحقيق أهداف الحياد الكربوني، وزيادة معاناته من تداعيات تغيّر المناخ.
ويكمن الخطر الرئيس في الغسل الأخضر في أنه قد يضلل المستهلكين لكي يتصرفوا بشكل غير مستدام؛ إذ يرغب المستهلكون في شراء منتجات شركة ما بمجرد إعلان أنها صديقة للبيئة.
وإذا كانت هذه الادّعاءات البيئية خاطئة؛ فإن المستهلكين بذلك أسهموا، عن طريق الخطأ، في الإضرار بالبيئة من خلال دعم شركات تعتمد على ظاهرة الغسل الأخضر، وعند اكتشاف الحقائق قد تتضرر الشركات نفسها عبر انخفاض مبيعاتها، على سبيل المثال.
ولا يوجد مثال على ذلك أكثر من فضيحة فولكس فاغن 2015، عندما قدمت شركة تصنيع السيارات الألمانية ادّعاءات كاذبة، وروّجت لسيارات الديزل الخاصة بها على أنها صديقة للبيئة، وكلّفت في النهاية الشركة نحو 30 مليار دولار سواء من الغرامات التي فُرضت عليها، أو الضربة التي تلقّتها، من فقدان ثقة المستهلكين.
وأدخلت الشركة الألمانية برامج -عن قصد- في 11 مليون سيارة، تعمل على خداع اختبارات الانبعاثات وتحويل النتائج إلى إيجابية، رغم عدم صحة ذلك.
ووجد بحث عام 2020، لشركة شرودرز البريطانية، أن 60% من المؤسسات الاستثمارية تعتقد أن الغسل الأخضر يمنعها من تحقيق أهدافها الاستثمارية المستدامة.
ويجب أن تكون أهداف الشركات أكثر تفصيلًا وتحديدًا بوضع خطط، مثلًا، لخفض الانبعاثات في 2030، والهدف من ذلك رصد حالات الغسل الأخضر بين الشركات، مع المزيد من التدقيق في تعويضات الكربون وأنظمة تداول الانبعاثات، بحسب ما أفادت شركة ويستوود غلوبال إنرجي.
ويرى بعضهم أن اعتماد أنظمة تداول الانبعاثات وارتفاع أسعار الكربون يزيد ظاهرة الغسل الأخضر، مع عدم قدرة بعض الشركات على التعويض عن انبعاثاتها.
موضوعات متعلقة..
- الغاز المسال المحايد للكربون.. هل يدعم تحول الطاقة أم ظاهرة للغسل الأخضر؟
- مظاهرات في إسكتلندا تتهم الشركة الراعية لمؤتمر المناخ بـ"الغسل الأخضر"
- 8 تساؤلات حول التصنيف الأوروبي الجديد للاستثمار الأخضر
اقرأ أيضًا..
- إنتاج الهيدروجين .. طرق جديدة لتعزيز إمدادات وقود المستقبل (تقرير)
- 3 عوامل تدعم احتجاز الكربون وتخزينه حول العالم (تقرير)