تقارير الغازرئيسيةغاز

الغاز المسال المحايد للكربون.. هل يدعم تحول الطاقة أم ظاهرة للغسل الأخضر؟

مي مجدي

أثار الغاز المسال المحايد للكربون الكثير من الجدل في المدة الأخيرة بين ما إذا كان وسيلة لانتقال الطاقة أم مجرد تمويه أخضر يُخفي استثمارات عمالقة الطاقة في التنقيب عن هيدروكربونات جديدة.

بدأ الأمر بإعلان شركة النفط الفرنسية توتال في أكتوبر/تشرين الأول 2020 تسليم شركة سينوك الصينية أول شحنة غاز مسال خالية من الكربون من محطّة تسييل إيتثيس في أستراليا، مستخدمة أرصدة الكربون الطوعية الصادرة عن معيار الكربون المعتمد (في سي إس) من منظمة فيرا غير الربحية.

فأرصدة الكربون الطوعية هي آلية معترف بها تسمح للأفراد والشركات بالاستثمار في المشروعات البيئية التي تُسهم في خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.

الغاز المسال وكثافة الكربون

في الوقت ذاته، قال رئيس قسم الغاز في توتال، لوران فيفييه، إن هذه الشحنة الأولى من الغاز المسال، التي عوّضت عن انبعاثات الكربون عبر سلسلة القيمة، تمثّل خطوة جديدة ضمن مساعي الشركة لدعم عملائها لتحقيق الحياد الكربوني.

وقال إن تطوير الغاز المسال أصبح ضرورة لتلبية زيادة الطلب العالمي على الطاقة مع الحد من كثافة الكربون في منتجات الطاقة المستهلكة.

وجاءت ائتمانات الكربون المستخدمة من مشروعي تعويض مختلفين، الأول عبارة عن مزرعة رياح في شمال الصين بقدرة 199.5 ميغاواط، التي طُوّرت بموجب آلية التنمية النظيفة لبروتوكول كيوتو (سي دي إم)، وتطالب بأرصدة لاستبدال الفحم في توليد الكهرباء.

والآخر عبارة عن مبادرة لحماية الغابات في زيمبابوي من خلال مشروع كاريبا، في إطار برنامج الحد من الانبعاثات الناجمة عن إزالة الغابات وتدهورها المعروف بـ(آر إي دي دي+).

وبحسب ما نشره موقع إنرجي مونيتور، أُزيلت قرابة 223 ألف من ائتمانات الكربون من المشروعين لصالح شركتي توتال وسينوك، وأغلبها كان من مشروع مزرعة الرياح الصينية.

إينوك - باكستان - شحنات من الغاز المسال - قطر
شحنات غاز مسال - أرشيفية

بيد أن جميع ائتمانات توتال وسينوك مخصصة لخفض انبعاثات سابقة، إذ يُغطي مشروع مزرعة الرياح الأشهر الـ3 الأخيرة من عام 2015 وعام 2017 بأكمله، أما ائتمانات مشروع كاريبا فكانت عن عام 2015.

وعن ذلك، قال المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة "تروف رسيرش"، غاي تيرنر، إن واحدة من كل 5 شحنات محايدة للكربون والمسلّمة حتى نهاية الربع الثالث من عام 2020 راعت انبعاثات النطاق 1 و2 المرتبطة باستخراج الوقود ونقله، وليس انبعاثات النطاق 3 المتعلقة باستخدامه.

وأثنى تيرنر على المحاولة، لكن انتابته الشكوك حول بعض الائتمانات المستخدمة.

وأوضح أن استخدام ائتمان يتمتع بمستوى عالٍ من النزاهة لتعويض شحنة نفط أمر جيد، لكن استخدام مشروعات متجددة قديمة طُوّرت في إطار آلية التنمية النظيفة منذ أكثر من 10 سنوات يثير المشكلات.

وأشار إلى أن الشركات في الغالب ستحصل بهذه الطريقة على الائتمانات الأرخص والأقل جودة ما دام كانت معتمدة من قبل منظمة مرموقة مثل الأمم المتحدة.

ومع أن السعر المدفوع للائتمانات غير معروف، أفاد باحثون في منظمة "إيكوسيستم ماركتبليس" غير الربحية بأن متوسط سعر ائتمان الطاقة المتجددة انخفض إلى 0.87 دولارًا في عام 2020 من 1.42 دولارًا في عام 2019.

النفط والغاز يضلان الطريق

شهد عام 2021 زيادات مطردة في عدد شركات النفط والغاز التي تشحن الغاز المسال وتطالب بحيادية الكربون.

ورأت منظمة "كاربون ماركت ووتش" غير الربحية، في تقرير صادر في أكتوبر/تشرين الأول بعد تحليل 18 شحنة، أن ذلك بمثابة تضليل صارخ ووصفته بـ"الغسل الأخضر".

في الوقت نفسه، قدّم التقرير سلسلة من التوصيات إلى صانعي السياسات لتصميم لوائح وتنفيذها لمنع ظاهرة الغسل الأخضر، إلى جانب تخلي مشتري أرصدة الكربون الطوعية عن المطالبة بتعويض طن مقابل طن، وبدلًا من ذلك تمويل أنشطة تغير المناخ عن طريق شراء ائتمانات وإزالتها دون الادعاء بتحييد الانبعاثات، كما يتضمن التقرير وقف شركات النفط والغاز عمليات التنقيب الجديدة وخفض الإنتاج.

ويرى أحد باحثي التقرير، جوناثان كروك، أن هناك فجوة كبيرة بين أقوال الشركات وأفعالها، قائلًا: "تدّعي شركات النفط والغاز أنها تدعم اتفاقية باريس المناخية، لكن عندما تلقي النظر على الإنتاج الحالي وخططها التجارية ستجد السياسة نفسها دون إحداث أي تغيير، وسيكون لذلك تأثيره على مسار خفض درجات الحرارة".

انبعاثات من محطة غاز
انبعاثات من محطة لتوليد الكهرباء من الغاز

ومع ذلك هناك شركات بادرت بالاستجابة إلى الدعوات المناخية من بينها شركة شل العملاقة، إذ أعلنت مؤخرًا انسحابها من تطوير حقل كامبو النفطي في بحر الشمال، قائلة "إنه لم يعد مجديًا اقتصاديًا".

انبعاثات يصعب تفاديها

أصر كروك على ضرورة توقف شركات النفط والغاز عن شراء أرصدة الكربون لتعويض انبعاثات شحنات الغاز الطبيعي المسال، موضحًا أن ذلك لن يقضي على جميع المشكلات.

وقال إنه لا يعني بذلك وقف تمويل هذه المشروعات أو أن كل هذه الائتمانات غير مجدية، لكن من المحال ضمان وجود هذه الأشجار أو النظم البيئية على مدى مئات السنين، وهذا هو جوهر تعويض الانبعاثات الناتجة عن حرق الغاز المسال.

ومن جانبها، قالت الباحثة في معهد أستراليا للأبحاث، بولي هيمنغ، إن الأساس الجوهري المنطقي للتعويضات هو خفض جميع الانبعاثات المتجنَّبة، والتعويض عن أي انبعاثات متبقية.

وترى أن الغاز ليس وقودًا انتقاليًا، وبطبيعته وقود ملوث ويجب استخدام التعويضات للانبعاثات الحتمية.

أما متحدث باسم شركة شل، فقد أفاد بأن أسواق الكربون وتعويضاته ليست بديلًا لخفض الانبعاثات، لكن لها دور حيوي في إزالة الكربون، مضيفًا أن التعويض بمثابة حل سريع لمعالجة الانبعاثات، في حين تتطور التقنيات لتجنب الانبعاثات على نطاق واسع من خلال سلاسل القيمة.

وعلى صعيد متصل، لا تدعم شركة شل تحديد موعد فاصل يُعزز نزاهة التعويض، وبدلًا من ذلك تركز الشركة على جودة الائتمانات على الصعيد البيئي والضمانات للمجتمعات المحلية.

شركة شل - أزمة المناخوبدوره، أوضح متحدث شل أن الجودة تضمن أن الائتمانات تمثل خفضًا حقيقيًا لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون واستخدامها مرة واحدة.

وأضاف أن شركات التحقق عن طريق طرف ثالث المستقلة تقيّم المشروعات ومراجعتها بانتظام، للتأكد من أن انخفاض الانبعاثات حقيقي، موضحًا أن كل طن من ثاني أكسيد الكربون يُجرى التقاطه مُسجلٌ في سجلات متاحة للجمهور، ويمكن تتبع كل ائتمان من جذوره وحتى استخدامه النهائي.

كما تزعم شل أن المشروعات عالية الجودة لها فوائد إضافية مثل توسيع نطاق تقنيات المناخ ما قبل مرحلة التجارة أو دعم المجتمعات والتنوع البيولوجي.

ومع ذلك، تخضع المشروعات البيئية لشركة النفط الكبرى لفحص دقيق.

وفي هذا الشأن، يقول الباحث من مركز "كربون تركر إنيتياتيف"، أكسل دالمان، إن الشركة تحاول أن توفق بين الانبعاثات الناتجة عن حرق الغاز المسال وخفض افتراضي لها من خلال استخدام أرصدة الانبعاثات المتجنَّبة، ويعتقد أن ذلك لا يمكن احتسابه عملية نزيهة لإزالة الكربون.

 

وأشار إلى العديد من طرق التعويض من بينها التشجير، التي تؤدي دورًا فاعلًا في إزالة ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي، لكن هناك قضايا موثقة تلاحق هذه المشروعات مثل تسرب الكربون وافتراضات إزالته غير الواقعية.

ائتمانات الجودة

تُدرك شركة شل المخاوف المتعلقة بالائتمانات القائمة على الطبيعة، وأوضحت في تقرير حديث كيفية عملها لضمان جودة الائتمانات الحاصلة عليها مع التركيز على عدة جوانب من بينها الاستمرارية وتحديد خط الأساس والضمانات البيئية والاجتماعية وتقاسم العائدات.

وأشارت الشركة إلى أنها تحرز تقدمًا كبيرًا، لكنها في بعض الحالات تواجه تحديات في جودة عمليات التحقق والتدقيق، ويؤدي ذلك إلى حدوث تضارب بين المشروعات، ويؤثر ذلك في جودة الائتمانات وربما على مصداقية القطاع ككل، وفي حال وجود ثغرات في المعايير، تُسهم الشركة في رأب هذه الثغرات.

وسعيًا لتعزيز الشفافية حول شحنات الغاز المسال، كشفت المجموعة الدولية لمستوردي الغاز الطبيعي المسال عن إطار عمل لتحقيق الحياد الكربوني، ويهدف إلى تعزيز الاتساق في حساب الانبعاثات وإعداد التقارير والمراقبة.

ويشجع الإطار الطوعي، الذي صدر في نوفمبر/تشرين الثاني 2021، على خفض الانبعاثات كونه محور التركيز الأساسي لتحقيق الحياد الكربوني مع استخدام تعويضات الكربون عن الانبعاثات المتبقية التي يصعب خفضها.

وتعقيبًا على هذا الإجراء، قال نائب الرئيس التنفيذي لشركة شل، ستيف هيل، إن الإطار يوفر منهجًا عن أفضل الممارسات لتعزيز الشفافية والدقة في التقدير الكمي وإعداد التقارير وتعويض الانبعاثات المرتبطة بشحنات الغاز المسال.

وأضاف أن شل حريصة لتطبيق هذا الإطار لإجراء اختبار على شحنات الغاز المسال المحايد للكربون.

قطر غاز - ناقلة الغاز الطبيعي المسال
ناقلة الغاز الطبيعي المسال- الصورة من موقع ناقلات قطر

بينما رد متحدث باسم شركة وودسايد الأسترالية للنفط والغاز، على سؤال حول ما إذا كانت الشركة ستتبنى إطار العمل، قائلاً إن الشركة تراقب عمليات التطوير المستمرة للمعايير الدولية، وتستوفي طرق تعويض الكربون بموجب الآليات والبروتوكولات المقبولة.

في حين يرى النشطاء أن صانعي السياسات في يدهم التشجيع على التخلص من الوقود الأحفوري.

ويرى مدير حملة الصناعة العالمية في منظمة "أويل تشنج إنترناشيونال"، ديفيد تونغ، إنه ليس ثمة ما يدعو إلى التزام شركات النفط والغاز بتحقيق الحياد الكربوني ما دام لا توجد التزامات بخفض الإنتاج.

وبدورها، أكدت الباحثة في معهد أستراليا للأبحاث، بولي هيمنغ، على ضرورة وجود لوائح خاصة بإيقاف ظاهرة الغسل الأخضر، مشيرة إلى دعوى معلقة ضد شركة النفط الأسترالية "سانتوس" بسبب مزاعم مضللة.

وفي وقت سابق من هذا العام، وقع خلاف بين شركة شل وهيئة مراقبة الإعلانات في هولندا بعد الترويج عن أنواع وقود محايدة للكربون، إذ يدفع السائقون عند التوقف في محطات الشركة رسومًا إضافية اختيارية لدعم الشركة في زراعة الأشجار وشراء أرصدة الكربون.

وعن ذلك، عقبت هيمنغ أن هناك حالة واحدة يمكن من خلالها لشركات الوقود الأحفوري شراء التعويضات، وهي الاستثمار في أنشطة مناخية لا ترتبط بأي شكل بانبعاثاتها، لذا عمليًا، لن يكونوا قادرين حتى على تعويض الكربون.

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق