الصراع الروسي الأوكراني.. شبح الحرب يهدد أسعار النفط وأسواق الطاقة العالمية
إذا فُرِضت عقوبات ستحتاج أوروبا لمضاعفة وارداتها من السعودية والهند 3 أضعاف
مي مجدي
بدأت غيوم الصراع الروسي الأوكراني تحوم في الأفق مع تزايد التوتر العسكري على طول الحدود الأوكرانية.
ومن المحتمل أن تعصف الأزمة بأسواق الطاقة العالمية التي لم تستفق بعد من آثار انخفاص إمدادات النفط والغاز وارتفاع الأسعار إلى مستويات قياسية؛ نظرًا لأن روسيا هي المنتج الثاني للنفط في العالم، وتصدّر كميات كبيرة من الغاز الطبيعي إلى أوروبا عبر أوكرانيا.
بجانب ذلك، هددت واشنطن بفرض عقوبات مالية على روسيا لاستهداف صادراتها من النفط والغاز ردًا على الغزو الروسي المحتمل ضد أوكرانيا، وسيكون لذلك أثر كبير في أسواق الطاقة.
لكن الرئيس الأميركي جو بايدن وبعض القادة من الغرب يفترضون أن روسيا لن تستخدم النفط والغاز سلاحًا سياسيًا؛ لأن الاقتصاد الروسي يعتمد على عائدات الوقود الأحفوري.
فقد ارتفعت عائدات النفط والغاز في روسيا بنسبة 60% خلال الأشهر الـ9 الأولى من العام الماضي، ويجعلها ذلك القوة المحركة لنمو الإيرادات الحكومية.
إمدادات النفط الروسية
تمثّل الإمدادت الروسية من 50% إلى 60% من الواردات الأوروبية بنحو 4 ملايين إلى 6 ملايين طن شهرًا من الديزل وغيرها من المشتقات الأخرى، تليها السعودية التي تمثّل 10-20% من الواردات، بينما تمثّل الهند 5-15%، حسب موقع آرغوس ميديا.
وحال فرض عقوبات على الصادرات الروسية، ستحتاج أوروبا إلى مضاعفة وارداتها من السعودية والهند 3 أضعاف لتعويض النقص.
ووفقًا لبيانات صادرة من شركة "فورتكسا"، فقد شحنت الموانئ الروسية 5.05 مليون طن من زيت الوقود الناتج عن التقطير التفريغي (في جي أوه) إلى وجهات أوروبية، العام الماضي.
وتعدّ روسيا المورد الوحيد لزيت الوقود الناتج عن التقطير التفريغي إلى أوروبا، ومن المتوقع أن تعاني المصافي لاستبدال هذه الإمدادات، وسيتعذّر تعويض أيّ نقص في الديزل عن طريق تشغيل أجهزة التكسير الهيدروجيني بمعدلات أعلى.
أمّا السعودية، فتُعدّ ثاني أكبر مصدّر في العالم لزيت الوقود الناتج عن التقطير التفريغي مع شحن 1.72 مليون طن عام 2021، لكن الإمدادات السعودية ستقلّ مع بدء عمل الوحدات الثانوية في مصفاة جازان الجديدة، التي تبلغ قدرتها الإنتاجية 400 ألف برميل يوميًا.
وفي الوقت نفسه، أدى إغلاق المصافي البسيطة في أوروبا على مدار العامين الماضيين إلى خفض إنتاج زيت الوقود الناتج عن التقطير التفريغي، وشحنت الموانئ الأوروبية أقلّ من مليون طن العام الماضي، أي أقلّ من خُمس الكمية المصدّرة في عام 2019.
هل تعوض المصافي الأوروبية النقص؟
أمّا زيت الوقود، فروسيا هي أكبر مورد لأوروبا بقرابة 9 ملايين طن خلال العام الماضي.
وتترواح شحنات زيت الوقود عالي الكبريت الروسي إلى آسيا وأفريقيا وأميركا الشمالية والشرق الأوسط بين 3 ملايين و3.5 مليون طن عام 2021.
وحال تعطّل إمدادات خام الأورال الروسي ستصبح قدرة المصافي الأوروبية على إنتاج زيت الوقود عالي الكبريت محدودة، وسيعوق ذلك قدرة المصافي الأوروبية على زيادة إنتاج الديزل باستخدام وحدات التكويك، إذ تشتري الكثير من المصافي كميات متزايدة من زيت الوقود الروسي لاستخدامه مادةً وسيطةً في التكويك.
كما إن تعطّل إمدادات النافثا الروسية إلى شمال غرب أوروبا سيتسبّب في حدوث مشكلات لكل من خلّاطات البنزين ومنتجي البتروكيماويات.
ووفقًا لشركة فورتكسا، يُعدّ ميناء أوست لوغا أكبر مزوّد للنافثا إلى شرق غرب أوروبا، ويمثّل قرابة 500 ألف طن شهريًا أو ثلث إجمالي تدفّق النافثا إلى المنطقة خلال العام الماضي.
ويمكن للمصافي الأوروبية تعويض أيّ انخفاض في المعروض من المشتقات الروسية عن طريق زيادة معدلات تشغيل المصافي.
ولتعويض إمدادات الديزل الروسية، سيتعين على المصافي الأوروبية زيادة معدلات التشغيل بنحو 10%، أي أنها ستصل إلى قرابة 90% من إجمالي قدرة 15 مليون إلى 16 مليون برميل يوميًا، وهو أعلى معدل استخدام لهذا القرن.
وسيكون من الصعب زيادة التدفقات حال تعطّل إمدادات الخام الروسية، ومع استمرار إغلاق المصافي الأوروبية وأعمال الصيانة المنتظمة التي تحدّ من الإنتاج، قد تكون قدرة المنتجين المحليين على سدّ أيّ عجز محدودة.
ووفقًا لمجموعة "جيه بي مورغان" للخدمات المالية، تهدد التوترات بارتفاع أسعار النفط، مشيرة إلى أن ارتفاع الأسعار إلى 150 دولارًا للبرميل سيقلل نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي إلى 0.9% فقط على أساس سنوي خلال النصف الأول من العام الجاري، بينما سيزيد التضحم بأكثر من الضعف إلى 7.2%.
أوروبا ستدفع الثمن
سيدفع الأوروبيون الثمن الأكبر في الصراع الروسي الأوكراني، لا سيما أن القارّة العجوز تعتمد على إمدادات الغاز الطبيعي الروسية بنحو 40%.
وتعدّ شبكات خطوط الأنابيب مشكلة كبيرة في هذا النزاع، فأوكرانيا تمثّل جزءًا رئيسًا من شبكة خطوط الأنابيب لتوزيع إمدادات الغاز الطبيعي في جميع أنحاء أوروبا.
وبعد أن قطعت روسيا الإمدادات عن أوكرانيا في عام 2009، شهدت 18 دولة أوروبية انخفاضًا كبيرًا أو تعطلاً كاملاً في إمدادات الغاز المنقولة عبر أوكرانيا من روسيا.
ودفعت هذه المخاوف إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن لإجراء مناقشات مع عدد من الدول والشركات الأوروبية والشرق الأوسط وشمال أفريقيا وآسيا حول زيادة إمدادات الغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا إذا أدى الغزو الروسي لأوكرانيا إلى نقص الإمدادات.
وقال مسؤول أميركي كبير، إن وزارة الخارجية بقيادة كبير مستشاري أمن الطاقة، أموس هولشتاين، كانت تضع إستراتيجية عالمية خلال الأسابيع الـ8 الماضية لبحث خيارات الطوارئ المتاحة لإعادة توجيه وزيادة إمدادات الغاز من أجزاء مختلفة من العالم، حسب موقع سي إن إن.
ووفقًا لوكالة رويترز، صرّحت ألمانيا بأنها قد توقف خط أنابيب الغاز نورد ستريم 2 الجديد من روسيا، الذي كان من المتوقع أن يزيد واردات الغاز إلى الاتحاد الأوروبي.
ويرى المحلل لدى الشركة المالية "سيب" بيارن شيلدروب، أن الأسواق ستشهد انخفاض صادرات الغاز الطبيعي من روسيا إلى أوروبا الغربية بدرجة كبيرة عبر أوكرانيا وبيلاروسيا حال فرض العقوبات، وستسجل أسعار الغاز مستويات قياسية.
تأثير الصراع الروسي الأوكراني
إلى جانب التهديدات التي تلاحق أسواق الطاقة، ستكون آثار الصراع الروسي الأوكراني ملموسة في العديد من الأسواق، من بينها أسعار الحبوب وأسواق السندات، حسب وكالة رويترز.
فقد شهدت عائدات سندات الخزانة الأميركية لأجل عامين أكبر قفزة شهرية منذ عام 2016، وتتجه أسعار الفائدة لأجل 10 سنوات إلى 2%.
وفي ألمانيا، ارتفعت عائدات السندات لأجل 10 سنوات فوق 0% للمرة الأولى منذ عام 2019.
وعادة ما يتصدى المستثمرون إلى هذه المخاطر الكبيرة بالعودة إلى السندات، التي تمثّل أكثر الأصول أمانًا، ولن يكون الأمر مختلفًا هذه المرة، حتى إذا زاد الصراع الروسي الأوكراني من تأجّج أسعار النفط، ومن ثم التضخم.
وبالنسبة للسندات والعملات الإقليمية، ستتصدّر الأصول الروسية والأوكرانية أيّ تداعيات للأسواق مترتبة على الغزو المحتمل.
وكان أداء السندات الدولارية لكلا البلدين في الأشهر الأخيرة تحت المستوى خلال الأشهر الأخيرة، إذ قلّص المستثمرون انكشافهم في ظل التوترات المتصاعدة بين واشنطن وحلفائها وموسكو.
فأسواق الدخل الثابت في أوكرانيا تندرج في نطاق اختصاص مستثمري الأسواق الناشئة، في حين تقلّص الدور الروسي عمومًا في الأسواق المالية خلال السنوات الأخيرة، وسط العقوبات والتوترات الجيوسياسية، ويشكّل ذلك تحوطًا من أيّ تهديد.
ومع ذلك، عانى الروبل الروسي والهريفنا الأوكرانية، مما جعلهما أسوأ العملات أداءً في عالم الأسواق الناشئة هذا العام حتى الآن.
ومن المحتمل أن تؤثّر اضطرابات تدفّق الحبوب من منطقة البحر الأسود في الأسعار.
وقد تواجه أوكرانيا وروسيا وقازاخستان ورومانيا، وهي الدول المصدّرة الرئيسة للحبوب من موانئ البحر الأسود، اضطرابات بسبب الصراع الروسي الأوكراني أو العقوبات.
وقال الخبير الإستراتيجي في يو بي إس، دومينيك شنايدر، إن ارتفاع التوترات الجيوسياسية، الأشهر الأخيرة، في منطقة البحر الأسود قد يؤثّر في أسعار القمح مستقبلًا.
إذ تعدّ روسيا أكبر مصدّر للقمح في العالم، بينما تتوقع أوكرانيا أن تصبح ثالث أكبر مصدّر للذرة في العالم بموسم 2021- 2022، ورابع أكبر مصدّر للقمح.
اقرأ أيضًا..
- وزير الطاقة اللبناني عن اتفاقية الغاز المصري: حصلنا على سعر أقل مما تدفعه أوروبا
- وزير الطاقة السعودي: الربط الكهربائي مع العراق يحقق مردودات اقتصادية كبيرة (تحديث + فيديو)
- مفاجأة.. معارضة من داخل المفوضية الأوروبية لإدراج الطاقة النووية والغاز في الوثيقة الخضراء