هل تهدد أعطال شركة الكهرباء الفرنسية اقتصاد أوروبا؟
بعد تحولها إلى كابوس للمستثمرين وأمن الطاقة
أحمد بدر
تواجه معظم دول أوروبا تهديدًا اقتصاديًا متزايدًا، على خلفية الانهيار الذي تشهده شركة الكهرباء الفرنسية "كهرباء فرنسا" أو "إي دي إف"، إذ لا تمثّل الأزمة مشكلة سياسية لحكومة باريس وحدها.
فقد أصبحت شركة الكهرباء العملاقة -التي كانت ذات يوم مصدر فخر وطني بإنتاجها منخفض التكلفة والموثوق من الكهرباء- كابوسًا للمستثمرين، وركيزة متذبذبة بشكل متزايد لأمن الطاقة الإقليمي.
وتعني المشكلات الفنية في بعض أكبر المفاعلات النووية الفرنسية أن "كهرباء فرنسا" مهيّأة لإنتاج أقلّ كمية من الطاقة النووية منذ 3 عقود، ما يقلل من صادرات باريس من الكهرباء إلى الدول المجاورة، حسب بلومبرغ.
ضربة للمنطقة
تواجه الدول المحيطة بفرنسا، ومعظم الدول الأوروبية، أزمة ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي القياسية، التي لا تظهر سوى القليل من الدلائل على تراجعها، وبدلًا من أن تساعد الحكومة الفرنسية الشركة على التعامل مع مشكلاتها، تأخذ منها مليارات الدولارات لحماية الأسر من ارتفاع تكاليف الطاقة.
وقال كبير المديرين المسؤولين عن الطاقة في "كولومبوس" للاستشارات في باريس، نيكولاس جولدبيرغ، إن المشكلة في مفاعلات شركة الكهرباء الفرنسية تؤدي إلى انخفاض غير مسبوق في الإنتاج، الأمر الذي بدأ يثير القلق، إذ ستكون هناك أسعار مرتفعة في السوق الأوروبية لبعض الوقت، والجميع سيدفعون مزيدًا من التكاليف.
وكانت المفاعلات النووية الفرنسية عنصرًا مهما بالنسبة لشبكة الكهرباء في أوروبا الغربية، لعقود طويلة، إذ كانت أكبر مصدر للكهرباء في القارّة، وتزوّد المملكة المتحدة وإسبانيا وإيطاليا وسويسرا وبلجيكا وألمانيا في أوقات ذروة الطلب.
الآن، ومع ارتفاع أسعار الفحم والغاز الطبيعي وتصاريح الكربون، يمكن لتلك الدول استخدام بعض الكهرباء دون وقود أحفوري، لا سيما مع توقّف 5 مفاعلات من أصل 56 مفاعلًا تملكها الشركة الفرنسية بشكل غير متوقع، لإجراء فحوصات وإصلاحات متعلقة بالتآكل والشقوق في أنابيب نظام الأمان الرئيس.
توقيت صعب
يرى تقرير وكالة بلومبرغ أن توقيت الأعطال في مفاعلات الشركة الفرنسية مروع، إذ يفاقم أزمة الطاقة التي كانت أشد أزمة كهرباء في أوروبا منذ صدمة النفط قبل نصف قرن.
وأضاف أن أسعار الطاقة في فرنسا أعلى 4 مرات من المعتاد في هذا الوقت من العام، ويرجع ذلك جزئيًا إلى ارتفاع تكلفة الغاز، وأيضًا بسبب ندرة إمدادات الكهرباء، وهي الأسباب التي أدت إلى ارتفاع الأسعار في ألمانيا، مع مرور شهرين من الشتاء، الأمر الذي يشكّل خطرًا حقيقيًا، فأيّ يوم إضافي بارد يمكن أن يضع نظام التشغيل في أزمة.
وقال المحلل في شركة الأبحاث "إنابسيس"، جان بول هاريمان، إن هناك القليل جدًا من السعة البديلة المتبقية في فرنسا، وبمجرد أن يتجاوز الطلب 85 غيغاواط، وتصل الموصلات إلى الحدّ الأقصى، بسبب البرد، سيكون لانقطاع الطاقة النووية تأثير كبير جدًا في الأسعار.
وقبل الأزمة الحالية، كان أداء المحطات النووية التابعة لشركة الكهرباء الفرنسية متضائلًا، وذلك بشكل تدريجي، إذ أدت المشكلات الفنية إلى تقويض توافر الكهرباء، في حين إن مفاعلها الرئيس الجديد في فلامانفيل متأخر بسنوات عن الجدول الزمني وميزانيته.
وأوضح الخبير والمؤسس المشارك لشركة "أومنيجي" –وهي شركة استشارية للطاقة قرب باريس- نيكولاس لوكلير، أن الصناعة النووية الفرنسية اعتادت أن تكون في الطليعة على مستوى العالم، ولم تعد هذه هي الحال بعد الآن.
انخفاض ضخم
انخفض إنتاج شركة "إي دي إف" النووي، الذي بلغ ذروته عند 430 تيراواط/ساعة عام 2005، إلى 335 تيراواط/ساعة في 2020، عندما أثّر الوباء في الإنتاج والطلب.
وكان ذلك أيضًا هو العام الذي أجبر فيه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الشركة على الإغلاق الدائم لأقدم مفاعلين لديها، التزامًا بتعهّد قطعه على نفسه قبل انتخابه رئيسًا لفرنسا عام 2017.
وبعد انتعاش قيمته 361 تيراواط/ساعة في 2021، سينخفض إنتاج الشركة إلى ما بين 300 و330 تيراواط/ساعة في 2022، بسبب الحاجة إلى إصلاح المفاعلات المتضررة من الشقوق.
اقرأ أيضًا..
- الكهرباء النظيفة.. أزمة التضخم تنهي حقبة الطاقة الأرخص ثمنًا (تقرير)
- المغرب يعلن تطورات اكتشافات الغاز.. ومدى التأثر بوقف الإمدادات الجزائرية
- دعم الوقود في البلدان الأفريقية يعرقل التحول إلى السيارات الكهربائية