لأول مرة.. مصر تتبنى تقنية التناضح العكسي لتحلية المياه بالطاقة الشمسية (فيديو)
فريق مصري يتوصل لتقنية جديدة قليلة التكلفة
داليا الهمشري
في إطار خطة مصر للوصول إلى الاعتماد على الطاقة المتجددة بنسبة 42% بحلول عام 2035، توصل فريق بحثي مصري إلى تقنية جديدة لتحلية المياه بالطاقة الشمسية، في محاولة لحل أزمة المياه بأقل قدر من التكلفة.
وتهدف التقنية الجديدة إلى عمل وحدات معالجة وتحلية تنتج ما يصل إلى 1000 متر مكعب يوميًا من المياه لخدمة المجمعات السكنية الجديدة، ومنتجعات الساحل الشمالي والقرى الواقعة على ساحل البحر الأحمر.
ويمكن للمحطة الواحدة توفير مياه نظيفة لنحو 5 آلاف نسمة، بتكلفة إنتاج أقل من وحدات التحلية المستخدمة حاليًا، على أن تستخدم الطاقة الشمسية لتشغيل المحطة بالكامل.
خطة إستراتيجية
يأتي هذا المشروع في إطار الخطة الإستراتيجية لوزارة الإسكان (2020-2050) للتوسع في تنفيذ محطات التحلية خلال 30 عامًا المقبلة باستثمارات تصل إلى 134 مليار جنيه (8.52 مليار دولار أميركي)، وستُنفذ على 6 خطط خمسية.
(دولار أميركي = 15.71 جنيهًا مصريًا)
وقال أستاذ مساعد الكيمياء الضوئية والحفز الضوئي في المركز القومي للبحوث والحاصل على الدكتوراه من جامعة أوسلو في النرويج، الدكتور ياسر محمود: نعمل على تصنيع تكنولوجيا جديدة وأقل تكلفة، يمكن توفيرها للمواطنين لتحسين مستوى مياه الشرب والمحاصيل المنتجة والبيئة بصفة عامة.
وأبرز محمود أن هذه العملية تمر بعدة مراحل، بدءًا من تنقية المياه من الشوائب باستخدام فلاتر تحتوي على الرمل ثم الكربون النشط، بعد ذلك تأتي مرحلة المعالجة باستخدام الأشعة فوق البنفسجية للتخلص من البكتيريا.
وأضاف أن فريق العمل عدل هذه المرحلة من المشروع عن طريق تعريض المياه للضوء أكثر من مرة، بعد أن كانت تتعرض له في آخر مرحلة من مراحل المعالجة فقط في السابق، موضحًا أن هذا التعديل عمل على التخلص التام من البكتيريا قبل مرحلة أغشية التناضح العكسي.
تقنية التناضح العكسي
خلال المرحلة الثالثة والأخيرة، تستخدم منظومة التناضح العكسي الأغشية والضغط العالي لتقليل نسبة الأملاح إلى الحد المسموح به، لاستخدام المياه في الشرب والزراعة.
وأوضح أستاذ مساعد الكيمياء الضوئية أن تعديل مرحلة التعريض للأشعة فوق البنفسجية لأكثر من دورة أسهم في تقليل الجهد على الأغشية، واقتصار عملها على إزالة الأملاح، ما ينعكس على إطالة عمر الأغشية غالية الثمن، إذ تُعد منظومة التناضح العكسي هي أغلى وأهم جزء في محطات معالجة المياه.
وأضاف: "لذلك أدخلنا تعديلًا آخر في هذه المنظومة عن طريق عمل تطوير بتكنولوجيا جديدة تسمى التناضح العكسي الدفعي عن طريق إنتاج المياه النقية على دفعات، وهي التقنية التي طوّرها أساتذة من جامعة برمنغهام في بريطانيا".
وتعني ظاهرة التناضح العكسي انتقال الماء من المحلول الأعلى تركيزًا نحو الأدنى عبر غشاء شبه نافذ باستخدام الضغط، وهي طريقة متبعة لتنقية المياه بمرورها بعدد من المراحل، يفصل بعدها الماء عن الأملاح والمعادن الأخرى.
وبالتالي، يمكن الحصول على منتج من المياه النقية الخالية من الأملاح الضارة مثل الصوديوم فلوريد والكالسيوم وغيرها من الأملاح الضارة بالبشر والزراعة والحيوانات.
تكنولوجيا جديدة
أشار الدكتور ياسر إلى أن الباحثين البريطانيين يطبقون تقنية التناضح العكسي على دفعات متتالية، مضيفًا: "إلا أنها لا تزال تكنولوجيا جديدة على الصناعة المصرية، وحتى الآن نستورد الأغشية والمعدات اللازمة لهذه العملية من الخارج".
ولفت إلى أنه قبل التكنولوجيا الجديدة، كانت عملية التحلية التقليدية تواجه عددًا من المشكلات مثل سرعة تلف الأغشية وارتفاع تكلفة معالجة المتر المكعب التي تتخطى إمكانات المواطن العادي والمزارع.
وبالتالي تُعد عملية تحلية المياه بالطريقة التقليدية مكلفة للغاية للمواطن العادي، وتحتاج إلى صيانة مستمرة وتغيير الأغشية بصورة مستمرة، كما أنها لا ينتج عنها سوى 50% من كمية المياه المستخدمة، بجانب استهلاكها مزيدًا من الكهرباء المرتفعة.
توفير الكهرباء
أفاد محمود بأن التقنية الجديدة تتميز بتوفير الكهرباء، إذ يعتمد استخدام الطلمبات على كمية أقل من الكهرباء، بجانب زيادة إنتاج المياه بنسبة 80% بعد أن كانت لا تتجاوز الـ50% في الطريقة التقليدية.
وأوضح أستاذ مساعد الكيمياء الضوئية أن فكرة المشروع تقوم على توفير تقنية لمعالجة المياه في الصحراء في غياب مصدر كهرباء، إذ يمكن تشغيل محطة التحلية بالكامل بالطاقة الشمسية، لأن التكنولوجيا الجديدة تتيح توفير 40% من الكهرباء المطلوبة في الطريقة التقليدية.
وتابع محمود أن المشروع سيُطبّق على المياه المالحة ومياه الآبار، وأنه يجري العمل حاليًا داخل 3 محطات في مدينة 6 أكتوبر.
تكلفة الإنتاج
من جانبه، أوضح أستاذ الكيمياء الضوئية والحفز الضوئي في المركز القومي للبحوث، الدكتور حسام الناظر، أن تكلفة إنتاج المتر المكعب من مياه التحلية بعد مراحل التشغيل والصيانة والإنتاج بالطريقة التقليدية يتراوح بين 12 و15 جنيهًا مصريًا تقريبًا للمتر المكعب.
ولكن بالتكنولوجيا الجديدة لن يكلف المتر المكعب أكثر من 5 إلى 6 جنيهات مصرية فقط تقريبًا، لأن التكنولوجيا البريطانية الجديدة توفر نسبة تتراوح من 40% إلى 50% من الكهرباء، وبالتالي ستوفر كذلك النسبة نفسها من التكلفة، لأن معظم التكلفة تتركز في الكهرباء.
معالجة نقص المياه
قال الناظر: "نعمل في قسم الكيمياء الضوئية على تطوير تطبيقات الطاقة الشمسية وأي طاقة مرتبطة بالضوء بصفة عامة، ويتعاون فريقنا البحثي مع باحثين في دول أخرى مثل بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة والهند والنرويج من أجل تبادل الخبرات والتكنولوجيا".
واستطرد أن مشكلة البحث العلمي في مصر بصورة عامة عادة ما تتمثل في أن العمل البحثي عادة ما يظل حبيس الأدراج، إلا أن اتجاهات الدولة الحديثة الآن تطالب العاملين في مجال البحث العلمي بالتوصل إلى مُنتج يخدم المجتمع.
وذكر أن "تحلية المياه تصدرت التطبيقات التي دعت إليها الدولة، نظرًا لنقص المياه نتيجة الزيادة السكانية الضخمة وزيادة الرقعة الزراعية، وبالتأكيد النيل وحده لن يغطي المشروعات التنموية كافّة التي تعمل عليها الدولة حاليًا، لا سيما القرى والمنتجعات السياحية في الساحل الشمالي وعلى ساحل البحر الأحمر والمدن السكنية الكبرى، كل هذه الأماكن في حاجة ماسة إلى المياه النظيفة".
التوسع في مصادر الطاقة المتجددة
أوضح الناظر أن المركز القومي للبحوث وضع هدفًا يتمثل في استغلال الطاقة الشمسية في عملية تحلية المياه في ظل إستراتيجية الدولة للتوسع في استخدام الطاقة المتجددة.
وأبرز أن الباحثين المصريين ركزوا على المشروعات البحثية التطبيقية، بالتعاون مع شركاء أجانب متخصصين في تحلية المياه لنقل التكنولوجيا إلى الداخل وتنفيذ هذه المشروعات بصناعة مصرية.
ولفت الناظر إلى أن المشروع البحثي يتم في إطار برنامج تعاون بين مصر وبريطانيا أُطلق عليه اسم "نيوتن - مشرفة"، في إشارة إلى عالم الفيزياء والرياضيات الإنجليزي إسحاق نيوتن أحد رموز الثورة العلمية في بريطانيا، وعالم الفيزياء المصري علي مصطفى مشرفة الذي لُقب بأينشتاين العرب.
وتابع "نجح فريقنا البحثي في العمل على مشروع عملاق بالتعاون مع البروفيسور فيليب ديفيس من جامعة برمنغهام، وهو أفضل باحث في العالم في مجال تحلية المياه وعمل على محطات بتقنيات حديثة في الهند والمغرب وفلسطين".
ومن الجانب المصري، تعاون الفريق مع شركة إيجيسكو الدولية برئاسة الدكتور الهاني بركات، بوصفه شريكًا تسويقيًا وصناعيًا في المشروع.
عقبات كبرى
أوضح الناظر أن المشروع واجهته عقبات كبرى لا سيما في ظل تفشي فيروس كورونا، وكان في مقدمتها توفير مكان مناسب للمحطة البحثية، ووفرت إدارة المركز القومي للبحوث مقرًا كبيرًا للمحطة في مدينة 6 أكتوبر، نظرًا إلى أهمية المشروع.
وأشار الناظر إلى أن الجانب البريطاني قد أسهم في توفير بعض المعدات، حتى تمكن بعض المهندسين في الفريق البحثي من تعديل التصميم حتى يتلاءم مع الأدوات المتوفرة في السوق المصرية، وهذا أتاح حرية العمل بالخامات والمواصفات الموجودة في السوق المصرية.
وأضاف الناظر أن الفريق المصري أرسل هذا التعديل إلى الفريق البحثي البريطاني الذي قرر زيارة مصر للاطلاع على هذه التعديلات هذا الأسبوع، موضحًا أن وجوده في القاهرة سيكون فرصة ملائمة لإعلان انطلاق المشروع، ومخرجاته خلال العام الماضي فقط.
وتابع أن المراحل الأولى للمشروع قد انتهت، إلا أنه لا يزال أمامه عام أو أكثر حتى يصل إلى صورته النهائية، إلا أن المنتج انتهى بنسبة 95% تقريبًا.
الشريك البريطاني
أشار أستاذ الكيمياء الضوئية والحفز الضوئي في المركز القومي للبحوث إلى أن محطة التحلية البحثية تنتج -حاليًا- 5 أمتار مكعبة يوميًا من المياه المحلاة، ويمكن أن تزداد سعتها إلى 1000 أو 10 آلاف متر مكعب.
وأكد الانتهاء من وضع التصميم الرئيس بصناعة مصرية من الألف إلى الياء وعمل تعديل على التصميم البريطاني، يضمن توافر جميع الأدوات اللازمة في السوق المصرية، وعدم الحاجة إلى استيراد أي معدات من الخارج.
وأوضح أن هذه المحطة ستعمم لخدمة قرى ومنتجعات سياحية ومزارع، مشيرًا إلى أنه عند قيامه بجولات ميدانية لمزارع في طريق مصر الإسكندرية الصحراوي وجد أن درجة الملوحة تصل لـ2000 و3000 و4000 ملغ/لتر، في حين تحتاج الزراعة إلى ملوحة تتراوح ما بين 500 و600 ملغ/لتر.
مشاركة الطاقة الشمسية
أفاد الناظر بأن الطاقة الشمسية تشارك في هذا المشروع بجانبين، أولهما جهاز فوتو رياكتور لمعالجة المياه بالضوء، موضحًا أن إحدى الوحدات ستعمل بالطاقة الضوئية، في حين ستُشغل المحطة بالكامل بالطاقة الشمسية، إذ ستعمل الألواح الشمسية على توليد الكهرباء اللازمة لعمل الطلمبات.
وسلط الضوء على أن مصر تُعد إحدى الدول الأكثر سطوعًا للشمس في العالم، وتتمتع بطاقة شمسية قوية صيفًا وشتاءً مثل السعودية وليبيا، ما يجعل محطات الطاقة الشمسية ذات جدوى اقتصادية.
وتوقع الدكتور حسام الناظر أن تنجح مصر خلال المدة المقبلة في تحقيق فائض من الكهرباء من خلال محطات الطاقة الشمسية.
وأكد ضرورة الرهان على مصادر الطاقة المتجددة لاستدامتها، لافتًا إلى أن الغاز الذي تعتمد عليه مصر في توليد الكهرباء يُعد مصدرًا غير متجدد، ولا بد أن ينفد في وقت ما، وبالتالي فلن يكون هناك حل سوى الاعتماد على الشمس، داعيًا إلى ضرورة التوسع في المحطات الشمسية وتوفير مصدر بديل للطاقة.
موضوعات متعلقة..
- الطاقة المتجددة في مصر.. انتعاشة قوية خلال 2021
- الطاقة والسيارات في مصر.. إستراتيجيات جديدة في 2021
- قمة المناخ كوب 27.. مصر تبدأ خطة عمل لتحويل شرم الشيخ إلى مدينة خضراء
اقرأ أيضًا..
- صفقات الاندماج والاستحواذ بقطاع استكشاف وإنتاج النفط زادت خلال 2021
- الألواح الشمسية.. قراء "الطاقة" يؤيدون تركيبها فوق أسطح منازلهم
- استثمارات الطاقة النووية قد تتجاوز 90 مليار دولار بحلول 2023 (تقرير)