أزمة الطاقة.. عاصفة مؤقتة أم بداية سلسلة من الصدمات العالمية؟

أطلقت أزمة الطاقة العالمية الحالية جرس إنذار، لضرورة اتخاذ سياسات حكيمة عندما يتعلق الأمر بإمدادات الطاقة.

ورغم إشارات الهدوء التي بدت في أسعار الغاز الطبيعي خلال الأيام القليلة الماضية، مع زيادة الإمدادات من روسيا إلى أوروبا، فإن هذا يجب ألّا يُطمئن دول العالم، وأوروبا بصفة خاصة، بأن أزمة الطاقة كانت مؤقتة، ومرّت مرور الكرام.

ومن المرجح أن تكون تقلّبات أسواق الطاقة الأخيرة أكثر من مجرد أزمة قصيرة الأجل، استجابة للطلب العالمي المتزايد بعد الوباء، دون اتخاذ إجراءات جذرية، حتى لا تصبح أول أزمة في سلسلة من صدمات الطاقة التي يمكن أن تنتشر عبر الصناعات والأسواق العالمية.

سلسلة من الأزمات

حذّر الرئيس التنفيذي لشركة روسنفط الروسية، إيغور سيتشين، من دورة فائقة محتملة في أسواق النفط والغاز، معربًا عن قلقه من استمرار النمو السريع في الطلب بما يفوق الإمدادات.

• روسنفط الروسية تحذر من أزمة جديدة في أسواق النفط والغاز

ويقول نائب رئيس مجلس إدارة شركة الأبحاث آي إتش إس ماركت، إن نقص الاستثمار في موارد الطاقة من النفط والغاز سيؤدي إلى سلسلة من أزمات الطاقة، مع تعزيز سياسات مواجهة تغيّر المناخ، بحسب منتدى الطاقة الدولي.

وما يدعم هذا القول -الداعي إلى استمرار استثمارات الهيدروكربونات- توقعات منظمة أوبك باستمرار هيمنة الوقود الأحفوري على مزيج الطاقة العالمي بحلول عام 2045، ليمثّل النفط والغاز والفحم نحو 28.1% و24.4% و17.4% على التوالي، رغم أن الطاقة المتجددة ستكون الأسرع نموًا.

• تحديث - حصة الطاقة المتجددة الأسرع نموًا في مزيج الطاقة بحلول 2045 (تقرير)

كما تتوقع إدارة معلومات الطاقة الأميركية استمرار زيادة الطلب على النفط والغاز الطبيعي عالميًا حتى حلول عام 2050 وما بعده.

ودون تقديم حلول، قال نائب رئيس الوزراء الروسي، ألكسندر نوفاك، في تعليقات نقلتها وكالة تاس الروسية، إن أزمة الطاقة في أوروبا قد تتكرر مستقبلًا، مع نقص إمدادات الغاز في منشآت التخزين، مشيرًا إلى ضرورة اتخاذ إجراءات لمنع حدوث الأزمة مرة أخرى.

ويرى الرئيس التنفيذي لشركة إنتاج الغاز الطبيعي الأميركية تيلوريان، شريف سوكي، أن بعض السياسات في أوروبا والولايات المتحدة تمنع استخدام الهيدروكربونات؛ من أجل الحدّ من انبعاثات الكربون، لكن هذا يعرقل عملية إزالة الكربون دون قصد؛ لأنها تزيد من استهلاك الفحم في ظل نقص الغاز، حسبما نقله منتدى الطاقة الدولي.

وتتوقع إدارة معلومات الطاقة الأميركية أن تشهد الولايات المتحدة زيادة توليد الكهرباء من المحطات العاملة بالفحم هذا العام، بنحو 22% على أساس سنوي، لتكون أول زيادة منذ 2014، مع ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي.

• أميركا.. توقعات بزيادة توليد الكهرباء من الفحم لأول مرة منذ 2014

ويؤكد رئيس شركة توتال، باتريك بوياني، أن توافر الغاز الطبيعي المسال أمر بالغ الأهمية، للحدّ من ارتفاع الأسعار من جهة، ولدور الغاز في عملية تحوّل الطاقة من جهة أخرى؛ لذلك يجب على الحكومات تشجيع الاستثمار في القطاع، وليس العكس، وفقًا لما نقله منتدى الطاقة الدولي.

الغاز الطبيعي

كان الارتفاع القياسي في أسعار الغاز الطبيعي العامل الرئيس في أزمة الطاقة الحالية، وقد يؤدي المزيد من نقص الاستثمار في الغاز إلى تكرار الأزمة.

وارتفعت أسعار العقود الآجلة للغاز الطبيعي في هولندا من 16 يورو (17.9 دولارًا تقريبًا) ميغاواط/ساعة في أوائل يناير/كانون الثاني إلى 88 يورو (98.6 دولارًا) بحلول أواخر أكتوبر/تشرين الأول، قبل أن تهبط إلى 64 يورو (71.7 دولارًا) لكل ميغاواط/ساعة الأسبوع الجاري.

وفي العادة تستخدم روسيا، وخاصة شركة الغاز الحكومية (غازبروم)، وحدات القياس غيغاواط وتيراواط في تعاملاتها الأوروبية، إذ إن كل غيغاواط/ساعة تعادل 3.2 مليون قدم مكعبة غاز، وكل تيراواط/ساعة تعادل 3.2 مليار قدم مكعبة غاز.

ويتوقع تقرير حديث بشأن آفاق أسواق السلع للبنك الدولي أن أسعار الغاز الطبيعي والفحم من المحتمل أن تكون أعلى بنسبة 80% في المتوسط هذا العام، مقارنة بالعام الماضي، ليس هذا فحسب، بل تعتقد المؤسسة الدولية أن تظل عند مستويات عالية في عام 2022.

وكما هو معروف، فإن ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي يؤدي إلى تراجع الطلب من قبل المستهلكين والبحث عن مصدر آخر للتزود بالوقود، ومن شأن ارتفاعات مماثلة في أنواع الوقود الأخرى أن تُحدث أزمة طاقة جديدة، بحسب منتدى الطاقة الدولي.

وفي تقرير صادر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أوضحت وكالة الطاقة الدولية أن شدة برودة الشتاء في النصف الشمالي وقوة اتجاهات النمو الاقتصادي وحجم الانقطاعات غير المخطط لها في الإمدادات، ستكون الدوافع الرئيسة لديناميكيات سوق الطاقة خلال الأشهر المقبلة.

ومن المحتمل أن تتعرض أسعار الغاز الطبيعي والكهرباء في أوروبا لتقلبات حسب درجات الحرارة وطاقة الرياح والعديد من العوامل الأخرى، وفقًا للتقرير.

ورغم أن صندوق النقد الدولي يتوقع عودة أسعار الغاز إلى وضعها الطبيعي بحلول الربع الثاني من 2022، بالإضافة إلى تراجع أسعار الفحم والنفط، مع تراجع الطلب على التدفئة، واستقرار الإمدادات، فإنه يرى أن حالة عدم اليقين ما تزال مرتفعة؛ إذ من الممكن أن تؤدي صدمات الطلب الصغيرة إلى ارتفاعات جديدة في الأسعار، ومن ثم أزمة طاقة جديدة.

• أسعار الطاقة.. صندوق النقد يتوقع استمرار الأزمة حتى العام المقبل

الطاقة المتجددة

هذا العام، ومع الظروف الجوية من الجفاف وانخفاض معدل الرياح، فشلت الطاقة المتجددة في توفير الإمدادات الكافية لسدّ العجز في الغاز الطبيعي، واستمرار ذلك يعني إمكان تكرار أزمة الطاقة في المستقبل.

وفي هذا الصدد، يشير التقرير الصادر هذا العام عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيّر المناخ إلى أن متوسط ​​سرعة الرياح في أوروبا سينخفض ​​بنسبة تتراوح بين 8% و10% نتيجة لتغيّر المناخ.

وتراجع توليد الكهرباء من طاقة الرياح في أوروبا بنحو 30% في آخر 6 أشهر حتى بداية أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

• لماذا أصبحت أزمة الطاقة الحالية عالمية؟ (4 رسوم)

مع اتجاه الاتحاد الأوروبي للتخلص تدريجيًا من الوقود الأحفوري، أصبحت الطاقة المتجددة المصدر الرئيس للكهرباء في الكتلة لأول مرة عام 2020، ورغم ذلك لم يكن التحول سريعًا وواسع النطاق بما يكفي لاحتواء تداعيات الأزمة، إذ إن الغاز الطبيعي والفحم يوفران معًا أكثر من 35% من إجمالي إمدادات الطاقة في أوروبا.

وبحسب تقرير حديث لوكالة الطاقة الدولية، فإن استثمارات توليد الكهرباء من الطاقة المتجددة، قد تصل إلى 370 مليار دولار، لكنها ما تزال جزءًا صغيرًا، مقارنة بإجمالي الاستثمارات في قطاع الطاقة المتوقعة عند 1.9 تريليون دولار هذا العام.

ومن شأن التحوّل العالمي للطاقة المتجددة أن يجعل أنظمة الكهرباء حساسة بشكل متزايد لتقلّبات الطقس؛ ما يمثّل مشكلة خطيرة في موثوقية الكهرباء، بحسب تقرير صادر مؤخرًا عن منتدى الاقتصاد العالمي.

• تراجع التوليد من طاقة الرياح يهدد موثوقية الكهرباء في المستقبل (تقرير)

وينصح التقرير بأن الجمع بين الرياح والمصادر المتجددة الأخرى، مثل الطاقة الشمسية والطاقة المائية والقدرة على إدارة الطلب على الكهرباء، أمر بالغ الأهمية في أوقات مثل هذا الصيف عندما لا تهبّ الرياح.

كما إن الطاقة النووية يمكن أن تكون أحد الحلول لدعم إمدادات الكهرباء من جهة، وتعزيز جهود خفض الانبعاثات من جهة أخرى، وظهر هذا -أي تعزيز دور الطاقة النووية- في خطط فرنسا والمملكة المتحدة بعد أزمة الطاقة،.

موضوعات متعلقة..

• مع خطط زيادة إمدادات الغاز.. هل تُنهي روسيا أزمة الطاقة في أوروبا؟
• هل ينجح الاتحاد الأوروبي في إيجاد بدائل لحل أزمة الطاقة؟
• أزمة الطاقة تهدد قمة غلاسكو.. توقعات باستبعاد الفحم من محادثات "كوب 26"

اقرأ أيضًا..

• قمة المناخ كوب 26.. تعرف على إنجازات مصر في التحول الأخضر (تقرير)
• تنزانيا.. إنشاء محطة لتحويل النفايات إلى طاقة في جزيرة مافيا