بايدن وأوبك+.. هل تنجح خيارات أميركا في مواجهة ارتفاع أسعار الطاقة؟ (تقرير)
أنس الحجي: المطالبة بزيادة الإنتاج لا يتلاءم مع السياسات المناخية لأميركا
دينا قدري
لا يزال تبادل التصريحات مستمرًا بين الرئيس الأميركي جو بايدن ودول تحالف أوبك+، بشأن زيادة إنتاج النفط لمواجهة ارتفاع الأسعار المستمر.
إذ ألقت إدارة بايدن باللوم على التحالف في ارتفاع أسعار البنزين في الولايات المتحدة، وضغط مسؤولو البيت الأبيض على السعودية والإمارات ودول أخرى في أوبك+ لضخ المزيد من الخام.
من جانبها، تجاهلت منظمة الدول المصدّرة للنفط "أوبك" وحلفاؤها فيما يُعرف باسم "أوبك+" ضغوط بايدن لزيادة الإنتاج، وجدد التحالف خططه -في 4 نوفمبر/تشرين الثاني- لإضافة 400 ألف برميل يوميًا إلى السوق على أساس شهري.
وأكد التحالف ضرورة التحلي بالحذر من زيادة المعروض في السوق بحلول عام 2022، مستشهدًا بمخاطر انخفاض الطلب بسبب جائحة فيروس كورونا، والإمدادات الجديدة من خارج أوبك المتوقعة العام المقبل.
نتائج عكسية
لسوء الحظ، ليس لدى الرؤساء سوى القليل من الخيارات الجيدة لمواجهة ارتفاع أسعار البنزين، وقد تأتي معظم تدخلات السوق بنتائج عكسية، حسبما أفاد مقال نشره مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية الأميركي.
فقد انتقدت إدارة بايدن أوبك+ وأشارت إلى أنها ستتصرف، لكن معظم الخيارات محفوفة بالمخاطر وقد تؤدي إلى عواقب غير مقصودة.
واتخذ البيت الأبيض العديد من التحركات الصغيرة، لكنه قد يفكر في بيع الاحتياطيات الإستراتيجية، أو اتخاذ خطوات لتخفيف متطلبات مزج الإيثانول لمصافي التكرير، أو "الاستجابة القصوى" بتقييد صادرات النفط الخام.
إلا أن كاتب المقال، بن كاهيل، أكد أن هذه الإجراءات لن تكون الأفضل، مشددًا على أنه يتعين على الإدارة إعادة ضبط الموقف.
إذ يُمكن لبايدن إثبات أنه من أجل تسريع تحوّل الطاقة، نحتاج إلى استثمار مستمر في النفط والغاز لتلبية احتياجات أمن الطاقة، ليس فقط من دول أوبك+، ولكن في الأراضي العامة والخاصة.
تحوّل الطاقة.. وارتفاع الأسعار
أوضح بن كاهيل أن خطاب البيت الأبيض ربما يكون له تأثير أكبر من التدخلات قصيرة الأجل والمحفوفة بالمخاطر في السوق.
فقد أشار بايدن -في دفاعه عن دعواته لأوبك+ لإنتاج المزيد من النفط- إلى أن تحوّل الطاقة سيستغرق وقتًا، لكن يمكن لإدارته أن تستغل هذه الفرصة لتخفيف رسائلها بشأن الطاقة.
وشدد الكاتب على أنه ليس من العدل إلقاء اللوم على بايدن في ارتفاع أسعار النفط.
لم يكن لوقف خط أنابيب كيستون إكس إل علاقة بالسوق الحالية، وعلى الرغم من جهوده لتقييد عقود التأجير الجديدة، فإن إدارته توافق على تصاريح الحفر في الأراضي العامة بشكل سليم.
كما اعتبرت إدارة بايدن الاستثمار في النفط والغاز أمرًا مفروغًا منه، وهي تكتشف الآن أن قطاع النفط الصخري ببساطة ليس مرنًا كما كان من قبل.
إذ سينمو إنتاج النفط الأميركي في عام 2022، ولكن ليس بالسرعة الفائقة للسنوات السابقة، ومن الخطورة فرض قيود على صناعة أكثر ضعفًا.
بايدن يتحمل المسؤولية
أكد مستشار تحرير "الطاقة"، الدكتور أنس الحجي، أن آخر ما تريده إدارة بايدن استعدادًا لانتخابات نوفمبر/تشرين الثاني 2022 أن تصبح أسعار البنزين "كرة سياسية" بينها وبين فريق دونالد ترمب.
وأوضح أن مطالبة بايدن أوبك+ والمصافي بزيادة الإنتاج لا يتلائم مع سياساته المناخية، إلا أنه يعمل على حل المشكلة الآن قبل أن تتفاقم وتصبح مشكلة سياسية.
وشدد الدكتور أنس الحجي على أن مشكلة إدارة بايدن ليست في أوبك وزيادة الإنتاج، بل تكمن بصفة أساسية في المصافي الأميركية.
إذ أن الحكومة تُعد سببًا في ارتفاع أسعار البنزين، نتيجة انخفاض الإنتاج وتغيير المصافي حتى تصبح خضراء.
ووصف الحجي المطالبة بزيادة الإنتاج بأنها لا معنى لها إطلاقًا، إذ أن المخزون التجاري الأميركي للنفط الخام زاد بمقدار 20 مليون برميل في الأسابيع الأخيرة؛ ما يعني أن الطلب ما زال منخفضًا.
كما أن المدخلات في المصافي الأميركية أقل مما كانت عليه في 2018 بنحو مليون برميل يوميًا، وبالتالي فإن كمية البنزين والديزل وزيت الوقود منخفضة.
احتياطي النفط الإستراتيجي
في مقاله، أشار بن كاهيل إلى أن بيع احتياطي النفط الإستراتيجي يُعد الخطوة الأكثر ترجيحًا لبايدن.
تأسس احتياطي النفط الإستراتيجي بعد صدمة النفط عام 1973 لمواجهة اضطرابات إمدادات الخام، ويحتفظ حاليًا بنحو 613 مليون برميل.
وفي يونيو/حزيران 2020، شكّل الخام الحامض (نسبة الكبريت فيه أكبر من 0.5%) نحو 60% من براميل احتياطي النفط الإستراتيجي، والنفط الحلو الـ40% المتبقية.
عادةً، سمح الرؤساء بالإفراج عن احتياطي النفط الإستراتيجي في حالات الطوارئ فقط استجابةً للاضطرابات، مثل حرب الخليج الأولى في عام 1991، وإعصار كاترينا في 2005، وانقطاع الإمدادات في ليبيا في 2011.
كما أجرت وزارة الطاقة أيضًا تبادل احتياطي النفط الإستراتيجي لمعالجة اضطرابات الإمدادات قصيرة الأجل من الأعاصير، من خلال إقراض النفط الخام إلى مصافي التكرير ليجري سداده بفوائد على شكل براميل إضافية.
وقد جرى بالفعل بيع 20 مليون برميل من احتياطي النفط الإستراتيجي هذا الخريف، في إطار الخطط التي وافق عليها الكونغرس في عام 2015 لإجراء مبيعات غير طارئة للمساعدة في تلبية احتياجات الإنفاق.
الخيار الأقل تكلفة
أوضح كاتب المقال أن بيع احتياطي النفط الإستراتيجي ربما يكون الخيار الأقل تكلفة لبايدن.
يُمكن الانتهاء من بيع ما يصل إلى 30 مليون برميل في غضون أسبوعين، وسيظهر أن البيت الأبيض يريد تهدئة الأسعار.
إلا أنه شدد على أن احتياطي النفط الإستراتيجي يهدف إلى التعامل مع اضطرابات السوق قصيرة الأجل، وليس مشكلات العرض الهيكلية أو طويلة الأجل.
إذ سيكون تأثير البيع قصير الأجل، وليس من الواضح ما إذا كان الإفراج عن المخزونات الإستراتيجية من شأنه أن يساعد السوق على التكيف بشكل أسرع مما كان سيحدث بخلاف ذلك.
في الوقت الحالي، قد ترحب مصافي خليج المكسيك بمزيد من الخام الحامض (نسبة الكبريت فيه عالية) بعد الانقطاعات المرتبطة بإعصار آيدا.
ولكن بشكل عام، فإن نظام التكرير في الولايات المتحدة لا ينقصه النفط الخام؛ وكالعادة، تعكس أسعار البنزين في الولايات المتحدة ظروف السوق العالمية.
معايير الوقود المتجدد
ذكر بن كاهيل أن على إدارة بايدن أيضًا دعم المصافي، فقد ارتفع سعر أرقام التعريف المتجددة -الائتمانات الناتجة عن منتجي الوقود المتجدد التي يجري تداولها على أنها "عملة" معيار الوقود المتجدد- بشكل سريع، ويرجع ذلك في الغالب إلى المواد الأولية الأكثر تكلفة للوقود المتجدد.
رفعت أسعار أرقام التعريف المتجددة تكاليف الالتزام بحجم الطاقة المتجددة، وربما أضافت 15 سنتًا إلى سعر الجالون الواحد من البنزين في شهر أكتوبر/تشرين الأول.
وتمتلك إدارة بايدن حقًا محدودًا للتحكم في أسعار أرقام التعريف المتجددة، لكنها قد تبطئ الجهود لتقديم متطلبات المزج لنسبة 15% من مزيج الإيثانول في البنزين.
بشكل عام، قد يميل البيت الأبيض إلى اتخاذ إجراءات لخفض تكاليف الامتثال المرتبطة بالوقود المتجدد، خاصةً للمصافي الصغيرة.
تقييد صادرات الخام
أشار المقال إلى أحاديث سوق النفط عن تحرك محتمل للبيت الأبيض لتقييد صادرات النفط الخام، استنادًا إلى تعليق واحد الشهر الماضي لوزيرة الطاقة جينيفر غرانهولم، لكن هذا غير مرجح للغاية.
إذ يمنح قانون سلطات الطوارئ الاقتصادية الدولية الرئيس سلطة تقييد صادرات النفط الخام في حالة الطوارئ الوطنية.
كما يسمح قانون 2015 -الذي ألغى حظر تصدير النفط الخام- ببعض الاستثناءات في ظل ظروف استثنائية، على سبيل المثال، إذا وجد الرئيس أن صادرات النفط الخام قد أدت إلى نقص العمال الأميركيين أو إلحاق الضرر بهم.
إلا أن 80 دولارًا لبرميل النفط الخام بالكاد تشكل حالة طوارئ وطنية، وإعادة فرض حظر على صادرات النفط الخام يمكن أن تأتي بنتائج عكسية.
ومن المحتمل أن يساعد حظر الصادرات، مصافي التكرير الأميركية على الوصول إلى خام محلي أرخص ثمنًا، لكنه قد يؤدي إلى عدم تطابق جودة المصافي المهيأة للعمل بالخام الأثقل وزنًا بدلًا من الخام الخفيف الحلو.
كما تقوم مصافي الساحل الشرقي بتسعير المنتجات النفطية على أساس خام برنت، وسيؤدي ارتفاع أسعار المدخلات إلى نقل التكاليف إلى المستهلكين في شكل أسعار أعلى للبنزين.
قد يكون التحرك لتقييد صادرات النفط الخام بمثابة حقل ألغام سياسي، مع رد فعل عنيف في الدول المنتجة للطاقة، إذ يرغب المنتجون ومصافي التكرير الساحلية في خيارات التصدير.
باختصار، يُمكن أن يكون لإعادة فرض حظر على تصدير النفط الخام آثار كارثية.
موضوعات متعلقة..
- بايدن يعترف: الاستغناء عن الوقود الأحفوري بشكل كامل "غير منطقي"
- سياسة بايدن المناخية تستهدف التخلص من انبعاثات قطاع الكهرباء بحلول 2035
- زيادة إنتاج أوبك+ هل هي الحل لضبط أسواق النفط؟ مجموعة فيتول تُجيب
اقرأ أيضًا..
- وزيرة الطاقة المغربية تكشف بدائل بلادها لتعويض الغاز الجزائري
- هل توربينات الرياح تهدد صحة الإنسان؟.. محكمة فرنسية تصدر حكمًا غير مسبوق
- كيف يتطور الطريق نحو الحياد الكربوني في 35 عامًا؟ (إنفوغرافيك)