ارتفاع أسعار الغاز والكهرباء.. ما حقيقة الأزمة في أوروبا وبريطانيا؟ (تقرير)
دينا قدري
تسعى الحكومات في بريطانيا وأوروبا إلى اتخاذ التدابير المناسبة لمواجهة أزمة ارتفاع أسعار الغاز والكهرباء، ما يزيد من الضغوط في وقتٍ تبحث فيه سبل التحوّل إلى مصادر طاقة أنظف، مع تعافي اقتصاداتها من جائحة فيروس كورونا.
وارتفعت أسعار الغاز الأوروبية المعيارية بنحو 250% هذا العام، بسبب انخفاض مستويات المخزون، وزيادة الطلب في آسيا، وارتفاع أسعار الكربون، وانقطاع التيار الكهربائي.
وفي هذا السياق، يستعرض التقرير التالي أسباب الأزمة الحالية في بريطانيا وأوروبا، والتدابير المختلفة التي اتخذتها بعض الدول.
بريطانيا
شهدت بريطانيا ارتفاعًا غير مسبوق في أسعار الكهرباء والغاز، وسط زيادة الطلب العالمي على الغاز مع إعادة فتح الاقتصادات، بعد الإغلاق الناجم عن جائحة فيروس كورونا، بالإضافة إلى الشتاء الأكثر برودة في البلاد.
كما أدى توقّف الرياح المفاجئ خلال الأسبوعين الماضيين إلى خفض إنتاج 11 ألف توربين رياح في بريطانيا، تمثّل أكثر من 20% من توليد الكهرباء.
وأسهم في تفاقم الأزمة نقص واردات الغاز الطبيعي المسال من آسيا، وإغلاق العديد من منصات الغاز في بحر الشمال، لأعمال الصيانة، وتضرّر خط رئيس يستورد الكهرباء من فرنسا الأسبوع الماضي بعد اندلاع حريق.
نتج عمّا سبق إفلاس العديد من شركات الكهرباء، وإعادة تشغيل محطات توليد الكهرباء التي تعمل بالفحم، واستئناف العمل في مصنع للأسمدة في تيسايد لتجنّب أزمة غذاء نظرًا لنقص إمدادات ثاني أكسيد الكربون، بعد وقت قصير من إغلاقه بسبب ارتفاع أسعار الغاز.
وفي محاولة للسيطرة على الوضع، قال وزير الأعمال البريطاني، كواسي كوارتنغ، إن بلاده تدرس تقديم قروض حكومية لشركات الكهرباء التي تتعامل مع عملاء من الشركات التي تفلس بسبب ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي بالجملة.
وشدد مسؤولو الطاقة ووزير الأعمال، في 22 سبتمبر/أيلول، على أن القفزة غير المسبوقة في أسعار الجملة ستجبر المزيد من مورّدي الكهرباء البريطانيين على التوقّف عن العمل، وإن الصناعة بحاجة إلى الاستعداد لوضع أسوأ على مدار مدة أطول.
الاتحاد الأوروبي
تهدد أسعار الكهرباء والغاز المرتفعة في أوروبا بالتأثير سلبًا في التعافي الاقتصادي بعد جائحة فيروس كورونا، وعرقلة خطط القارّة نحو التحوّل إلى مصادر الطاقة المتجددة وتقليل اعتمادها على الوقود الأحفوري.
فقد ارتفعت أسعار الغاز الطبيعي من 16 يورو (18.75 دولارًا) لكل ميغاواط/ساعة في أوائل يناير/كانون الثاني، إلى 75 يورو (87.90 دولارًا) بحلول منتصف سبتمبر/أيلول، وهي زيادة بأكثر من 360% في أقلّ من عامٍ واحد .
جاء ذلك في ظل تراجع مخزون الغاز في أوروبا وبريطانيا إلى نحو 72%، مقارنة بـ 94% في الوقت نفسه من العام الماضي، و85% في المتوسط خلال السنوات الـ10 الماضية بنهاية سبتمبر/أيلول، وفقًا لأحدث بيانات البنية التحتية الخاصة بالغاز في أوروبا.
وفي هذا الصدد، قالت مفوّضة شؤون الطاقة بالاتحاد الأوروبي كادري سيمسون -في 22 سبتمبر/أيلول- إنه سينتج "صندوق أدوات" من الإجراءات التي يُمكن أن تتخذها دول الاتحاد لمواجهة ارتفاع أسعار الكهرباء دون خرق قواعد سوق الكهرباء في الاتحاد.
سيساعد صندوق الأدوات، الحكومات على التنقل في الخيارات للاستجابة بسرعة لارتفاع الأسعار ضمن قواعد الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك تعديل ضريبة القيمة المضافة، ورسوم الاستهلاك، أو استخدام الدعم المباشر لحماية المستهلكين من التكاليف المرتفعة.
كان عددٌ من المشرعين قد طالبوا المفوضية الأوروبية بالتحقيق في دور شركة غازبروم الروسية، قائلين، إن سلوك الشركة جعلهم يشتبهون في تلاعبها بالسوق.
ردًا على ذلك، أكدت غازبروم أنها تزوّد عملائها بالغاز مع الامتثال الكامل للعقود الحالية.
فرنسا
تأتي الكهرباء الفرنسية في الغالب من المحطات النووية والكهربائية وهي رخيصة نسبيًا، ومع ذلك فإن سوق الاتحاد الأوروبي توائم الأسعار مع الغاز الطبيعي، وفقًا لما صرّح به وزير المالية الفرنسي برونو لو مير، إذ شدّد على أن بلاده تتلقى الضربة الكاملة من الزيادة في أسعار الغاز، "بينما نحن مستقلون من حيث إنتاج الكهرباء"، فالسوق تعمل وفقًا لقواعد قديمة تؤدي إلى زيادة التكاليف على الأسر.
وقال لو مير، إنه يعتزم طرح مراجعة مقترحة لسوق الطاقة الموحدة على طاولة الاتحاد الأوروبي، في وقت مبكر من يوم الإثنين خلال اجتماع وزاري، حسبما نقلت وكالة بلومبرغ.
في مواجهة الأزمة، أعلنت الحكومة الفرنسية -في 15 سبتمبر/أيلول- خططًا لدفع مبلغ 100 يورو (118 دولارًا) لمرة واحدة، إلى 5.8 مليون أسرة تتلقّى قسائم الكهرباء.
ألمانيا
أظهرت بيانات -صدرت في 20 سبتمبر/أيلول- أن نحو 310 آلاف أسرة ألمانية تواجه زيادة بنسبة 11.5% في فواتير الغاز، في حين حذّر خبراء الطاقة بعض المورّدين من إفلاسهم وسط معدلات البيع بالجملة القياسية.
كانت الأسعار مدفوعة بعوامل من بينها الانتعاش الاقتصادي في آسيا -الذي أدى إلى ارتفاع أسعار الفحم والغاز ذات الصلة- والإرادة السياسية لرفع تكلفة تصاريح أسعار الكربون الأوروبية، وارتفاع أسعار النفط، وانخفاض إنتاج الطاقة المتجددة في ألمانيا بسبب الطقس، و التخلص التدريجي المقرر من محطات توليد الكهرباء بالفحم، حسبما أفادت وكالة رويترز.
من جانبه، صرّح متحدث باسم وزارة الاقتصاد الألمانية -في 22 سبتمبر/أيلول- بأن برلين لا ترى حاجة لتدخّل حكومي لمواجهة ارتفاع أسعار الغاز، إذ لا يوجد في الدولة سقف لأسعار المرافق.
تشتري 41.5 مليون أسرة الكهرباء في قطاع تجزئة مزدهر، ولكن معظمه غير خاضع للإشراف، والذي حُرِّر لخلق الاختيار وتفكيك الاحتكارات.
وقالت الوكالة الاتحادية للشبكات -الجهة التنظيمية في البلاد-، إنها ليست مكلفة بمراقبة إستراتيجيات الشراء أو آليات التسعير لدى المورّدين.
اليونان
يواجه المستهلكون اليونانيون فواتير كهرباء أعلى بكثير حتى قبل بداية فصل الشتاء، بعد أن اجتاحت الموجة الأخيرة من ارتفاع أسعار الطاقة الأوروبية والاعتماد المتزايد على الغاز الطبيعي المستورد، حسبما أفادت صحيفة فايننشال ميرور.
أصبحت اليونان تعتمد أكثر فأكثر على واردات الغاز الطبيعي والكهرباء من الدول المجاورة اللازمة لتلبية متطلباتها، في الوقت الذي تحاول الدولة التخلص من المحطات التي تعمل بالليغنيت (وهو شكل أصلي من الفحم الحراري)، في محاولة لإزالة الكربون من نظام الطاقة وإدخال مصادر الطاقة المتجددة على نطاق واسع.
على الرغم من أنه يمكن سدّ بعض العجز اليومي في الكهرباء عن طريق السدود الكهرومائية (إذ تمتلك اليونان نحو 3 غيغاواط من السعة الكهرومائية) والتي تعمل بوصفها آليات عملاقة لتخزين الكهرباء، فإنها لا تكفي للتعامل مع الجزء الأكبر من حمل توليد الكهرباء.
ونظرًا لأن غالبية الكهرباء تأتي من الغاز والكهرباء المستوردين، فإن اليونان تقع تحت رحمة آليات تشكيل الأسعار الأوروبية.
في مواجهة الأزمة، أعلنت اليونان عن خطط في 14 سبتمبر/أيلول لتقديم إعانات لغالبية الأسر اليونانية بحلول نهاية العام.
وسيشمل ذلك دعمًا بقيمة 9 يورو (10.55 دولار) لأول 300 كيلوواط/ساعة تُستهلك شهريًا، ومدفوعات أعلى لمرة واحدة لأصحاب الدخل المنخفض، وخصومات أكبر من المرافق العامة المملوكة للدولة في البلاد.
إيطاليا
من المتوقع أن تشهد إيطاليا ارتفاعًا حادًا آخر في أسعار الكهرباء بدءًا من شهر أكتوبر/تشرين الأول، ما سيزيد من أعباء الأسر والشركات.
كانت الزيادة في الربع الأخير قد أدت إلى ارتفاع الأسعار في إيطاليا بنحو 20% للعملاء الصناعيين بدءًا من الأول من يوليو/تموز، وأضافت ما يقرب من 10% على فواتير المنازل.
وأوضح وزير التحول البيئي الإيطالي، روبرتو تشينغولاني، أن أسعار الكهرباء ارتفعت في الربع الأخير بنسبة 20%، وستزيد في الربع المقبل بنسبة 40%.
وأرجع الوزير الارتفاع في الأسعار المحلية إلى الزيادة الملحوظة والمستمرة في أسعار الغاز وثاني أكسيد الكربون على المستوى الدولي.
فقد ارتفعت تكلفة التجزئة للكهرباء بنسبة 9.9%، والغاز بنسبة 15.3%، من الأول من يوليو/تموز، في آخر تحديث ربع سنوي للرسوم، وفقًا لهيئة تنظيم الطاقة الإيطالية.
وقال تشينغولاني في 16 سبتمبر/أيلول، إن بلاده ستدخل إجراءات قصيرة الأجل قد تصل قيمتها إلى نحو 3 مليارات يورو (3.52 مليار دولار) لتعويض الارتفاع المتوقع في أسعار الكهرباء بالتجزئة، وتعمل على إصلاح طويل الأجل لفواتير الكهرباء.
إسبانيا
حثّت إسبانيا الاتحاد الأوروبي في 20 سبتمبر/أيلول- على وضع إرشادات للدول الأعضاء، واقترحت خطوات للحدّ من المضاربين في سوق الكربون وبناء احتياطيات الغاز.
وقالت وزيرة الاقتصاد نادية كالفينو ووزيرة الطاقة والبيئة تيريزا ريبيرا، في وثيقة أُرسلت إلى المفوضية: "نحن بحاجة ماسّة إلى قائمة سياسة أوروبية معدّة مسبقًا للردّ فورًا على الزيادات الكبيرة في الأسعار".
كما تدعو مقترحات إسبانيا أيضًا إلى إنشاء منصة أوروبية مركزية لشراء الغاز.
في الأسبوع السابق، أقرّت إسبانيا إجراءات طارئة لخفض الفواتير من خلال إعادة توجيه 2.6 مليار يورو (3.05 مليار دولار) في الأرباح غير العادية من شركات الكهرباء إلى المستهلكين، ووضع حدّ للزيادات في أسعار الغاز.
البرتغال
أكد وزير البيئة البرتغالي، جواو ماتوس فرنانديز، -في مؤتمر صحفي يوم 21 سبتمبر/أيلول- أن أسعار الكهرباء للمستهلكين المحليين في السوق المنظمة ستبقى ثابتة في عام 2022.
وقال: "نحن في وضع يسمح لنا بالقول، إنه لن تكون هناك زيادة في سعر الكهرباء للمستهلكين المحليين في السوق المنظمة لعام 2022، وأنه سيكون هناك تخفيض بنسبة 30% على الأقلّ في تعرفة الوصول إلى الشبكات من أجل العملاء الصناعيين".
موضوعات متعلقة..
- أسعار الغاز تدفع الحكومات لمواصلة تشغيل المحطات النووية
- ارتفاع أسعار الكهرباء والغاز يهدد بمضاعفة معاناة العمال في أوروبا
- أسعار الغاز.. اختلاف إماراتي قطري حول أسباب الأزمة وتوافق على سبل الحل
اقرأ أيضًا..
- سلطنة عمان تتعاون مع بلجيكا في إنتاج الهيدروجين وتصديره
- البيتكوين وأخواتها.. تساؤلات مستمرة عن استهلاك الكهرباء وانبعاثات الكربون
- أكثر من 15 مدينة حول العالم تتحد لحل أزمة تغير المناخ