بعد تعليق إنتاج النفط في موريتانيا.. الأمل في الغاز الطبيعي (ملف خاص)
الدولة الأفريقية أوقفت إنتاج النفط بدايةً من 2018
وحدة الأبحاث - الطاقة
- موريتانيا تمتلك احتياطيات كبيرة من الغاز الطبيعي والإنتاج سيبدأ 2023
- موريتانيا بدأت التنقيب عن النفط عام 1960 لكن النتائج كانت محبطة
- الدولة الأفريقية اكتشفت حقل شنقيط عام 2001 ثم حقلي باندا وتيوف
- إنتاج النفط بدأ في حقل شنقيط فبراير 2006 بنحو 75 ألف برميل يوميًا
- إنتاج النفط دخل رحلة هبوط سريعًا حتى علّقت موريتانيا الإنتاج في 2018
- اقتصاد موريتانيا يعتمد بشدة على صادرات المعادن والأسماك
تمتلك موريتانيا موارد طبيعية هائلة خاصةً من المعادن والأسماك، لكنها ليست سعيدة الحظ عندما يتعلق الأمر بموارد النفط، وإن كانت تستعد للمزاحمة في قائمة الدول المنتجة للغاز الطبيعي.
ومنذ بداية التنقيب عن النفط عام 1960، استمر هذا الحلم يراود موريتانيا على أمل انتشالها من براثن الفقر، حتى بدأ الإنتاج عام 2006، لكنه كان مخيبًا للآمال، حتى اضطرت الدولة الأفريقية إلى تعليق عمليات استخراج الخام بنهاية 2017.
والآن، يضع البلد العربي الأفريقي -الذي ينتمي لكل من منطقة غرب أفريقيا ومنظمة استثمار نهر السنغال ومنطقة المغرب العربي الكبير- الغاز الطبيعي نصب عينها، ليساعدها في تأمين احتياجاتها من الطاقة من جهة، ولدعم اقتصادها من ناحية أخرى، بعد اكتشافات عديدة في السنوات القليلة الماضية.
اكتشاف وإنتاج النفط
بدأ التنقيب عن النفط في موريتانيا عام 1960، مع حفر نحو 11 بئرًا على مستوى حوض تاودني بالصحراء الكبرى، كما جرت عمليات تنقيب على مستوى المجال البحري حتى عام 1992.
وفي ظل النتائج غير المشجعة لمعظم تلك الآبار، فقد ساهمت العمليات العسكرية لحرب الصحراء الغربية التي كان آخرها سنة 1978 في زعزعة حضور شركات التنقيب آنذاك، مثل رويال داتش شل وهيسبانويل، ودفعتها إلى الانسحاب من البلاد، كما قلصت من تواجد المتعاونين الفنيين مع شركة سنيم، ثاني أكبر منتج لخامات الحديد على مستوى أفريقيا.
وتوقفت عمليات الاستكشاف جزئيا عام 1993، لتبدأ لاحقا بوتيرة أعلى، خاصة في الحوض الساحلي، لتُكلل تلك العمليات حاليًا بتواجد أربع من كبريات شركات النفط والغاز وهي بي بي البريطانية وشل وتوتال وإكسون موبيل.
وجرى استئناف عمليات الاستكشاف عام 1996، عندما حصلت شركة هاردمان ريسورسيز، على حقّ امتياز 3 تراخيص استكشاف للمناطق 3 و4 و5، والتي تمثّل 50% تقريبًا من مساحة البلاد البحرية.
وفي أغسطس/آب عام 1998، وقّعت شركة بورنيو البريطانية -التي استحوذت عليها إيني الإيطالية لاحقًا- وشركة وودسايد بتروليوم الأسترالية، اتفاقية مع شركة هاردمان ريسورسيز، للمشاركة في نفقات عمليات التنقيب، مقابل الحصول على حصة ملكية في ممتلكات النفط.
ومنذ تولّي الشركة الأسترالية دور المشغّل إثر هذه الاتفاقية، حفرت وودسايد عدّة آبار، حتى اكتشفت حقل شنقيط (Chinguetti) عام 2001، وهو أول حقل نفطي في موريتانيا، ويقع على بعد 90 كيلومترًا من العاصمة نواكشوط قبالة الساحل الموريتاني.
احتياطيات حقل شنقيط
في البداية، قدّرت وودسايد احتياطيات النفط في حقل شنقيط -الذي يضم نحو 21 بئرًا- عند 120 مليون برميل، لكن في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2006، خفضت الشركة الأسترالية تقديراتها إلى 53 مليون برميل، قبل أن تخفضها مجددًا إلى 34 مليون برميل نهاية عام 2007.
وبعد اكتشاف حقل شنقيط، كانت شركة وودسايد على موعد مع اكتشاف حقل باندا للغاز الطبيعي باحتياطيات محتملة تُقدّر بـ1.5 تريليون قدم مكعبة، أعقبه اكتشاف حقل تيوف (Tiof) في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2003، مع تقديرات بأنه يحتوي على ما يصل إلى 200 مليون برميل من النفط احتياطيات.
وبعد التأكد من احتواء منطقة شنقيط على ملايين براميل النفط احتياطيات، بالإضافة لاحتياطيات حقل تيوف المحتملة، كانت موريتانيا محط الأنظار في السنوات الأولى من القرن الحادي والعشرين.
بالإعلان عن حقل شنقيط تشكلت آمالًا كبيرة حينذاك حول دخول موريتانيا نادي الدول المصدرة للنفط -حتى أُطلق عليها اسم أنغولا الجديدة أو خليج المكسيك الآخر- لكن النتيجة كانت دون الآمال بكثير، وهو ما جاء في تقرير نشرته منصة آرغوس ميديا المعنية بشؤون الطاقة بداية عام 2018، تحت عنوان "شبح شنقيط".
وبدأت موريتانيا باكورة إنتاجها من النفط من حقل شنقيط في فبراير/ِشباط عام 2006، بنحو 75 ألف برميل يوميًا، لكنه تراجع بعد ذلك مع وصول إنتاجها إلى متوسط 30.62 ألف برميل في العام نفسه.
وبحلول منتصف عام 2011، كان حقل شنقيط ينتج 7.5 ألف برميل يوميًا، وهو عُشر الإنتاج المتوقع، مع حقيقة استمرار رحلة الهبوط، حتى سجّل 6.75 ألف برميل يوميًا عام 2013.
واستمر تراجع إنتاج موريتانيا النفطي خلال الأعوام التالية، ليسجل 6 آلاف برميل يوميًا عام 2014، ونحو 5.25 ألفًا عام 2015 ونحو 4.84 ألفًا عام 2016، حتى بلغ مستوى 3.43 ألفًا عام 2017.
ومع بداية عام 2018، علّقت موريتانيا إنتاج النفط، وأغلقت حقل شنقيط؛ بسبب الإنتاج المخيّب للآمال.
تطوّر تقييم مخزون النفط في موريتانيا
بحسب موقع ذا غلوبال إيكونومي، فإن احتياطيات الدولة الموريتانية من النفط بلغت نحو 20 مليون برميل بنهاية عام 2020، بعد أن وصلت إلى ذروتها عام 2007 عند 100 مليون برميل.
اكتشاف الغاز الطبيعي
بعد حقل باندا، اكتشفت موريتانيا حقل جراند تورتو أحميم (Grand Tortue Ahmeyim) للغاز الطبيعي على الحدود البحرية مع السنغال عام 2015، وفور ذلك تم وضع خطط لتطوير الحقل والتوقيع على القرار النهائي للاستثمار نهاية 2018.
كما تم التوقيع على سلسلة عقود وشراكات لتسريع وتيرة تقدم الأعمال في الحقل، إلى أن تم الاتفاق على بدء الإنتاج رسميًا عام 2023.
وتنوي الحكومة الموريتانية إنشاء محطة لتصدير الغاز المسال وبناء محطة كهربائية تعمل بالغاز المستخرج من الحقل ذات قدرة إنتاجية تقدر بـ 220 ميغاواط.
وتقوم شركة بي بي البريطانية بالتعاون مع شركة كوسموس إنرجي بتطوير مشروع تورتو أحميم، الذي تبلغ موارده 15 تريليون قدم مكعبة من الغاز، بتكلفة تصل إلى 4.8 مليار دولار؛ إذ تشرف على تطويره حكومتا موريتانيا والسنغال.
وتبلغ احتياطيات الدولة الأفريقية من الغاز الطبيعي نحو 50 مليار متر مكعب، إثر اكتشافات غازية إضافية معتبرة بمنطقة بئر الل في المياه الإقليمية الموريتانية شمال حقل السلحفاة الكبير أحميم.
وفي إطار تطوير هذا الحقل، وقّعت شركة بي بي البريطانية -بصفتها المطور الرئيس للحقل- عدة اتفاقات وعقود مع كل من ماك "ديرموتوگولارتكنيب إف إم سي" و"بتروفاك" البريطانية، لعمليات التأمين والصيانة ضمن تطوير مشروع "السلحفاة أحميم الكبير".
دعم الكهرباء من خلال الطاقة المتجددة
تعتمد موريتانيا في الغالب على الوقود الأحفوري لتلبية الطلب المحلي على الكهرباء؛ إذ يمثّل الوقود الأحفوري 66% من استهلاك الطاقة الأولية، بينما تأتي نسبة 34% المتبقية من الكتلة الحيوية، التي تُستخدم في الغالب للطهي والتدفئة.
ونظرًا لزيادة الطلب المحلي على الكهرباء وعدم كفاية سعة الكهرباء المركّبة، يتجاوز إجمالي استهلاك الكهرباء الإنتاج بنحو 35%، ما يدفع الدولة الأفريقية لاستيراد الوقود الأحفوري.
وبحسب بيانات البنك الدولي، حصل 45.8% فقط من سكان موريتانيا على الكهرباء بنهاية 2019.
ويزداد نمو الطلب على الكهرباء في موريتانيا بمعدل سنوي يبلغ 4.5% منذ عام 2010، وفقًا للبيانات المتاحة على شركة الاستشارات إينرداتا.
وتسعى الدولة إلى تلبية الطلب المتزايد على الكهرباء، من خلال تقليل واردات الوقود عبر دمج الطاقة المتجددة بصفتها مصدرًا لتوليد الكهرباء، مع هدف توصيل الكهرباء للجميع بحلول 2030، وفقًا لشركة الكهرباء الموريتانية (صوملك).
وفي الواقع، تمتلك موريتانيا موارد كبيرة للطاقة المتجددة يمكن تطويرها لتعزيز نمو الاقتصاد وتحسين الوصول إلى الكهرباء، خاصةً عبر مصادر الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، بحسب الوكالة الدولية للطاقة المتجددة.
وفي عام 2019، بلغت حصة طاقة الرياح والطاقة الشمسية 17% من توليد الكهرباء في موريتانيا.
وتقع أكبر محطة للطاقة الشمسية لمنطقة غرب أفريقيا في موريتانيا في بلدة توجونين شمال العاصمة نواكشوط بسعة 50 ميغاواط، كما توجد منشآت أخرى داخل البلاد في مدينتي "أطار" و"الزويرات" ومدن أخرى، تم تطويرها بالشراكة مع شركة مصدر الإماراتية.
فيما يتعلق بطاقة الرياح، تستعد موريتانيا لتعزيز الطاقة المتجددة في توليد الكهرباء عبر مزرعة رياح بولنوار بقدرة توليد مخططة تبلغ 102 ميغاواط عبر 39 توربين رياح، وسط توقعات بدء التشغيل عام 2022.
كما وقعت البلاد مؤخرًا مذكرة تفاهم مع شركة "سي دبليو بي غلوبال" CWP Global عملاق الهيدروجين، لضخ استثمار هو الأكبر من نوعه يقدر بـ 40 مليار دولار أميركي لإنتاج 30 غيغاواط من الكهرباء عبر تقنية الهيدروجين الأخضر.
ومع بدء إنتاج الغاز نهاية 2023، تستعد موريتانيا لوضع إستراتيجيتها الجديدة للطاقة موضع التنفيذ، حيث ستُسهم عملية مد خطوط الجهد العالي عبر أنحاء الدولة، وإدخال الغاز في منظومة الكهرباء، في توفير كهرباء منخفضة التكلفة، عالية الجودة للأقطاب المعدنية في الشمال، مما يُشجع على التحول الجديد نحو الصناعات التحويلية للبلاد.
العلاقة بين الاقتصاد والمعادن
يعتمد اقتصاد موريتانيا أساسًا على صادرات المعادن، خاصةً الحديد، بالإضافة إلى المياه المليئة بالأسماك.
وبالنظر للأداء الاقتصادي، من المتوقع نمو اقتصاد موريتانيا بنسبة 3.1% و5.6% في العامين الحالي والمقبل، بعد انكماش بلغت نسبته 2.2% في عام 2020، وهو الانكماش الأول الذي تشهده الدولة الأفريقية منذ عام 2008، عندما تراجع الناتج المحلي الإجمالي بنحو 0.3%.
وفي عام 2019، نما الناتج المحلي الإجمالي لموريتانيا بنحو 5.6% في عام 2019، كما شهد نموًا 2.1% في العام السابق له، والذي شهد وقف البلاد لإنتاج النفط، وفقًا لبيانات صندوق النقد الدولي.
وبلغ إجمالي الناتج المحلي لموريتانيا 8.18 مليار دولار في عام 2020، ومن المتوقع أن يصل حجم الاقتصاد إلى 9.24 مليار دولار، بحسب التقديرات الأولية لصندوق النقد.
وبين عامي 2008 و2014، شهدت موريتانيا طفرة اقتصادية مدعومة بمناجمها من الحديد والذهب والنحاس، والتي تمثل 54% من الصادرات، بينما ارتفعت فاتورة صادرات الحديد السنوية إلى 12 مليون طن.
وتُعدّ موريتانيا سابع أكبر مصدر لخام الحديد عالميًا، مع احتياطيات تبلغ 1.5 مليار طن متري، لذلك يُعدّ الحديد محركًا رئيسًا للنمو الاقتصادي.
ومع انخفاض صادرات الحديد بنحو الثلث العام الماضي، جراء جائحة كورونا، انكمش الاقتصاد الموريتاني عام 2020.
فيما يتعلق بصيد الأسماك، فإن موريتانيا غزيرة الإنتاج؛ إذ تمثّل الثروة السمكية 45% من صادرات الدول الأفريقية، مع حقيقة أن إسبانيا هي الوجهة الأولى لصادرات الأسماك الموريتانية.
كما تمتلك الدولة موارد من الذهب تُقدَّر بنحو 25 مليون أوقية، بالإضافة إلى 28 مليون طن متري من النحاس، فضلًا عن العديد من المعادن الأخرى.
وفي عام 2018، تلقّت موريتانيا 205 ملايين دولار من ضرائب الصناعات الاستخراجية، بحسب مباردة تشجيع الشفافية في مجال الصناعة الاستخراجية (EITI).
وفي عام 2019، صدّرت موريتانيا ما مجموعه 4.4 مليار دولار، منها 1.68 مليار دولار من الحديد، و600 مليون دولار من الذهب.
اقرأ أيضًا..
- موريتانيا تطلق مشروعين جديدين لتأمين احتياجاتها من الكهرباء
- موريتانيا تواصل جهودها في تحقيق التوازن البيئي والتنمية المستدامة
- موريتانيا.. إستراتيجية جديدة تعول على الغاز لتحقيق أمن الطاقة
مقال جيد ومفيد