المقالاترئيسيةمقالات منوعةمنوعات

مقال - النفط وسياسات التغيّر المناخي والسيارات الكهربائية

الطلب على النفط لن ينخفض رغم التزايد المستمر في أعداد السيارات الكهربائية

أنس الحجي

اقرأ في هذا المقال

  • دور الطاقة المتجددة في إبطاء التغيّر المناخي محلّ خلاف
  • تكلفة الانتقال إلى السيارات الكهربائية هائلة بكل المقاييس، وأثارها في التغيّر المناخي محدودة
  • تراكم انبعاثات أوروبا منذ بداية الثورة الصناعية وحتى الآن أكبر من انبعاثات الصين خلال تلك المدة
  • الطلب على النفط لن ينخفض رغم التزايد المستمر في أعداد السيارات الكهربائية

هناك جهل كبير بسياسات التغيّر المناخي، ومدى نجاحها، وأثرها في أسواق النفط، ولعل من أهم أسباب هذا الجهل هو السعار الإعلامي الغربي ضد النفط، والترويج الهائل للتغيّر المناخي.

في ظل السعار الإعلامي المناخي، والنفاق البيئي، وتجييش الفكر المعادي للوقود الأحفوري، مايريده أيّ إنسان عاقل هو الواقع كما هو، بغضّ النظر عن أثره في أسواق النفط وأسواق الطاقة الأخرى.. من هذا المنطلق جاءت الأسئلة والأجوبة أدناه:

 

أولًا: هل هناك تغيّر مناخي؟

نعم.

ثانيًا: هل الأنشطة الإنسانية هي سبب التغيّر المناخي؟

هذا محلّ خلاف.

ثالثًا: ألا تعدّ الزيادة في حدّة العواصف البحرية والزوابع البرية، والرياح، وانتشار الحرائق والجفاف، وذوبان الجليد في القطب الشمالي، دليلًا على التغيّر المناخي، مع ازدياد انبعاثات الكربون؟

البيانات من ناسا والإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي الأميركية تشير إلى انخفاض مستمر في عدد الأعاصير والزوابع المدمرة خلال العقود الماضية، رغم زيادة انبعاثات الكربون، كما تشير البيانات إلى وجود هذه الأعاصير والزوابع بالحدّة نفسها حتى قبل استخدام النفط وانتشار السيارات.

والفكرة نفسها تنطبق على الجفاف والحرائق، إلّا أن موضوع الحرائق بالذات يعود جزء كبير منه إلى السياسات الحكومية وليس إلى التغيّر المناخي، لكن وسائل الإعلام -خاصة الإعلام المؤدلج- تستغل كل حادثة للتأكيد على التغيّر المناخي.

ويكفي هنا أن أذكر أن منطقة خليج المكسيك عانت من أعاصير مدمرة في عام 2005.. هذه الأعاصير المدمرة لم تتكرر إلّا عام 2017، بعد 12 سنة، وهذه أطول فترة سكون في الأعاصير المدمرة منذ أكثر من 120 سنة، رغم زيادة انبعاثات الكربون!

رابعًا: هل هناك تلوث ضار بالصحة في المدن والمناطق الصناعية؟

نعم.

خامسًا: هل يمكن تخفيض التلوث في المدن والمناطق الصناعية عن طريق تخفيض الأنشطة الإنسانية، أو تبنّي سياسات تُقلّل من الانبعاثات؟

نعم.

سادسًا: إذن، لماذا التناقص بين جواب السؤال الثاني والسؤال الخامس؟

ليس هناك تناقض، التلوّث شيء، والتغيّر المناخي شيء آخر.

سابعًا: هل تسهم الطاقة المتجددة في وقف أو إلغاء التغيّر المناخي؟

تسهم الطاقة المتجددة في تخفيف التلوّث إذا حلّت محلّ محطات طاقة شديدة التلوّث، مثل التي تستخدم الفحم أو النفط، لكن دورها في إبطاء التغيّر المناخي محلّ خلاف.

عمومًا، من حق أيّ دولة أن تتمتع بأمن الطاقة، وتنويع مصادر الطاقة يسهم في تعزيز أمن الطاقة، بغضّ النظر عن الأهداف البيئية الأخرى.

ثامنًا: ما دور السيارات الكهربائية في تخفيض التلوّث ووقف التغيّر المناخي؟

للسيارات الكهربائية دور كبير في تخفيف التلوّث بمراكز المدن، خاصة الكبيرة منها.

وهنا يجب التركيز على أن الفكرة هي تخفيف التلوّث في مراكز المدن عن طريق نقل التلوّث إلى مكان بعيد، ويجري ذلك عن طريق توليد الكهرباء من وقود أحفوري مثلًا خارج المدينة، بينما يقتصر مركز المدينة على السيارات الكهربائية فقط.

الهدف هنا واضح ومعقول: تخفيض التلوّث في مراكز المدن، وهذا يختلف عن تخفيض مستويات الكربون عالميًا.

وما دام موضوع دور الإنسان في التغيّر المناخي أمرًا خلافيًا، فليس هناك أيّ إجابة قاطعة بشأن دور السيارات الكهربائية في إبطاء أو وقف التغيّر المناخي، لكن لو أخذنا بالرأي القائل بأن التغيّر المناخي ناتج عن ارتفاع مستويات الكربون، وهذا الارتفاع ناتج عن الأنشطة الإنسانية، وقطاع الطاقة بالذات، فإن أصحاب هذا الرأي في ورطة، لأن تكلفة الانتقال إلى السيارات الكهربائية هائلة بكل المقاييس، وآثارها في التغيّر المناخي محدودة.

مثلًا، إذا تمّ إحلال السيارات الكهربائية محلّ كل السيارات الصغيرة في الولايات المتحدة، وبفرض أن الكهرباء تأتي من الطاقة المتجددة، فإن هذا يخفض غازات الدفيئة عالميًا بمقدار 2.3% فقط.

وإذا تمّ تغيير كل السيارات والشاحنات والقطارات والقوارب والسفن والطائرات الحالية في الولايات المتحدة بأخرى كهربائية، فإن هذا يخفض انبعاثات غازات الدفيئة بمقدار 4% فقط عالميًا، أمّا التكلفة فإنها تريلونية!

مايمكن تحقيقه هو جزء بسيط من ذلك، وبتكلفة مليارية، لكنها لن تؤثّر في موضوع التغيّر المناخي، على فرض أن التغيّر المناخي سببه الأنشطة الإنسانية.

وأكرر ماذكرته في مقال سابق: إذا تمّ تحويل كل السيارات في الاتحاد الأوروبي إلى كهربائية، وبفرض أن الكهرباء لشحن هذه السيارات تأتي من الطاقة المتجددة، فإن هذا يخفض انبعاثات الكربون عالميًا بمقدار 2% فقط، وبتكلفة تريليونية أيضًا!

قد يقول قائل، إن تحرّك العالم بهذا الاتجاه يحقق نتائج جيدة، 4% هنا، و2% هناك.. المشكلة هي التكلفة مقارنةً بالمنفعة، لهذا فإنه من الأفضل التركيز على تخفيض مستوى الانبعاثات في المدن والمناطق الصناعية، وجعلها الهدف، بغضّ النظر عن واقع التغيّر المناخي.

تاسعًا: لماذا هذا الإصرار على التفريق بين التلوّث في المدن والتغيّر المناخي عالميًا؟

نتائج مكافحة التلوّث في مراكز المدن ملموسة، وتعدّ حافزًا للمواطنين وصنّاع القرار، خاصة أن التكاليف الصحية والبيئية تنخفض مع الزمن، الأمر الذي يعدّ عائدًا على الاستثمار في مكافحة التلوّث.

إن فشل الاتفاقيات الدولية، بما في ذلك اتفاقية باريس، سببه رفض بعضهم تخفيض الانبعاثات، إلّا إذا قام الآخرون بتخفيضها بنِسب معينة، وهذا محلّ خلاف كبير، خاصة أن الانبعاثات تراكمية، فانبعاثات الصين الحالية عالية، بينما انبعاثات أوروبا الحالية منخفضة، فيظن بعضهم أنه على الصين أن تخفض كثيرًا، لكن الواقع أن تراكم انبعاثات أوروبا منذ بداية الثورة الصناعية وحتى الآن أكبر بكثير من انبعاثات الصين خلال تلك المدة، لذلك يصعب الاتفاق.

كما إن جزءًا لابأس به من الانبعاثات في الصين هو نتيجة انتقال المصانع من أوروبا إلى الصين، بينما استمرت أوروبا في شراء منتجات هذه المصانع، لهذا فمن الأفضل التركيز على تخفيض الانبعاثات في مراكز المدن والمناطق الصناعية.

بعبارة أخرى، الحلّ في التركيز على الانبعاثات محليًا بدلًا من التركيز عليها عالميًا، بغضّ النظر عما يفعله الآخرون.

عاشرًا: ما أثر التحوّل إلى السيارات الكهربائية في الطلب العالمي على النفط؟

في المستقبل المنظور، خلال 30 سنة المقبلة، يتمثّل أثر التزايد المستمر في أعداد السيارات الكهربائية بانخفاض معدلات نمو الطلب على النفط، لكن الطلب نفسه لن ينخفض.

علينا أن نتذكر أن هناك 1.4 مليار سيارة في العالم، قرابة 14 مليون منها سيارات كهربائية، أي إن نسبتها الآن 0.01% فقط، بعد 30 سنة من الآن، بحلول 2050، نحتاج إلى وجود 700 مليون سيارة كهربائية أو أكثر على الطرق لإبقاء مستوى الطلب على النفط كما كان في 2019 نحو 100 مليون برميل يوميًا، هذا يعني أنه خلال 30 عامًا، يجب أن يقفز عدد السيارات الكهربائية نحو 50 ضعفًا.

والواقع أن هناك تأخرًا في إنتاج السيارات بشكل عامّ، بما في ذلك السيارات الكهربائية، بسبب عدم توافر شرائح الحاسب الآلي نتيجة مشكلات في تايوان.

كما تشهد الأسواق ارتفاعًا كبيرًا في أسعار الليثيوم والكوبالت والنيكل، وهي معادن ضرورية لتصنيع بطاريات السيارات الكهربائية، كما إن هناك عددًا لابأس به من الولايات الأميركية والكندية التي بدأت تفرض ضرائب إضافية على السيارات الكهربائية بعد انخفاض ضرائب وقود السيارات، وعدم دفع أصحاب السيارات الكهربائية أيّ ضرائب لاستخدام الطرق.

أضف إلى ذلك أن مبيعات السيارات الكهربائية مازالت مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالإعانات الحكومية الكبيرة، وهو أمر لا يمكن أن يستمر للأبد، لذلك هناك شكّ كبير في وصول عدد هذه السيارات إلى 700 مليون سيارة في عام 2050.

أمّا فيما يتعلق بقرار بعض الحكومات وشركات السيارات وقف إنتاج سيارات البنزين والديزل بعد تاريخ معين، فإن الحديث فيه ذو شجون، ويحتاج إلى مقال مستقل، لكن يكفي أن نذكر هنا ماقاله رئيس شركة توتال الفرنسية -التي أعلنت عن الحياد الكربوني في عام معين، وبدأت بالتركيز على مشروعات الطاقة المتجددة، وأعلنت عن بلوغ الطلب العالمي على النفط ذروته-: "الجميع أعلن عن هذه الأهداف، ولكن لا أحد يدري كيف يصل إلى الهدف، ومن سيدفع التكاليف!".

  • للتواصل مع الدكتور أنس الحجي (هنا).
  • للتواصل مع منصة الطاقة (هنا)

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق