المقالاترئيسيةمقالات النفطنفط

مقال - مستقبل السفن الضخمة في قناة السويس وأهمية أنبوب سوميد

أنس الحجي

اقرأ في هذا المقال

  • أسواق النفط دون حادثة قناة السويس تعاني من وفرة كبيرة في الإمدادات
  • السوق السوداء للمنتجات النفطية قد تنتعش في بعض البلدان التي تحدد فيها الحكومة أسعار الوقود
  • 4 أسباب تجعل من الصعوية أن يُنهي سوميد مشكلة تراكم حاملات النفط بالقناة
  • وكالة الطاقة الدولية قد تطلب من أعضائها استخدام الاحتياطي الإستراتيجي من النفط الخام

بداية، حادثة إيفر جيفن في قناة السويس حادثة غريبة ونادرة من عدّة نواحٍ، ليس على مستوى قناة السويس فحسب، بل حتى عالميًا، وتعويمها صعب للغاية، لأن الجزء الأمامي دخل في اليابسة، وعلق في الطين: أكثر من 5 أمتار أفقيًا وأكثر من 12 متر عموديًا، ووزن الباخرة 220000 طن!

وبما أن السفينة علقت من الجانبين، فإن عملية تعويمها وهي بهذا الوزن تتطلب حرفية كبيرة لتفادي انشطار السفينة أو إحداث أيّ دمار فيها، وتفادي أيّ انسياب لزيت الوقود من خزّانات السفينة.. الرسالة هنا أن الموضوع أكبر من أن يتكلم به غير المتخصصين.

الشائع الآن أن أثر إغلاق قناة السويس بسبب جنوح السفينة إيفر جيفن في أسعار النفط بسيط، كون الأسعار تأرجحت، ثم صعدت صعودًا خفيفًا، إلّا أن الطريقة الصحيحة هي مقارنة السعر الحالي بالسعر الذي سيكون في حالة عدم حصول الحادثة إطلاقًا.

بناءً على هذا المنطلق، فإن أثر إغلاق قناة السويس في أسعار النفط نحو 7 دولارات للبرميل لخام برنت، بعبارة أخرى، سعر خام برنت وقت كتابة هذا المقال كان نحو 64 دولارًا للبرميل، ودون حصول حادثة قناة السويس فإن السعر سيكون نحو 57 دولارًا للبرميل.. توجد عدّة طرق لتقدير هذا السعر، لكن لامجال لذكرها هنا.

الواقع أن أسواق النفط، دون حادثة قناة السويس، تعاني من وفرة كبيرة في الإمدادات، فالطلب العالمي على النفط مازال ضعيفًا رغم زيادته في بعض المناطق، في الوقت نفسه ارتفعت مستويات مخزون الخام -خاصة في الولايات المتحدة- بشكل كبير، بسبب العاصفة الثلجية وموجة الصقيع التي اجتاحت ولاية تكساس، فمستوى مخزون النفط الخام التجاري أعلى من المتوسط اللازم لتوازن السوق بأكثر من 80 مليون برميل.

العديد من الدول ستعاني من شُح في الإمدادات خلال الفترة المقبلة إذا طالت فترة تعليق الملاحة بقناة السويس.. سوريا كانت البداية، حيث قررت ترشيد استهلاك المنتجات النفطية

ويتضح من أسعار النفط أن الأسواق حسمت أمرها بالنسبة للقناة مبكرًا بأنها ستستغرق أسبوعين على الأقلّ لإنهاء الأزمة، كما يثبت عدم صحة القول بأن الأثر بسيط بسبب تحوّل التجارة النفطية إلى الشرق في السنوات الأخيرة، لأن الكمية لا تحدّد الأسعار، الكمية الحدّية، أو الوحدة الأخيرة، هي التي تحدّد السعر.

ومن الواضح أن الأسعار سترتفع أكثر إذا لم تُحلّ المشكلة خلال الساعات المقبلة، لأن تخفيف حمولة السفينة سيستغرق وقتًا طويلًا، فهي تتطلب رافعات من مقاسات خاصة غير متوافرة حالًا، وهذه الرافعات تتطلب منصات أو أرضيات خاصة غير متوافرة أيضًا، كما إن هناك مشكلات أخرى تتعلق بعملية التفريغ، لأن ترتيب الحاويات وارتباطها ببعضها يتطلب التفريغ العمودي وليس الأفقي، وهنا لابد من التنبيه أن الرافعات العالية جدًا تتأثّر بقوة الرياح، الأمر الذي يجبر المشرفين على التوقّف عن العمل.

وارتفاع أسعار النفط يعود إلى تأخّر شحنات النفط والمنتجات النفطية في كلا الاتجاهين، وقرار بعض الشركات التحوّل عن قناة السويس والدوران حول رأس الرجاء الصالح، الأمر الذي يؤخّر وصول حاملات النفط نحو أسبوعين، كما يرفع التكاليف.

المشكلة الأخرى تتعلق بحاملات النفط والمنتجات النفطية العالقة، لأنها مجدولة سابقًا لتفريغ حمولتها ثم العودة للتحويل مرة أخرى، الأمر الذي يخفض عدد حاملات النفط المتاحة، ويرفع من تكاليف استئجارها.

تشير البيانات إلى أن هناك نحو 45 حاملة نفط ومشتقات نفطية عالقة في كلا الاتجاهين، إلّا أن أغلبها حاملات نفط خام..

ويُذكر أنه تاريخيًا كانت تجارة النفط الخام من الجنوب إلى الشمال (من الخليج إلى الغرب)، وتجارة المنتجات النفطية من الشمال إلى الجنوب (من أوروبا إلى الشرق الأوسط وآسيا)، إلّا أن هذه الاتجاهات تغيّرت كثيرًا في العقد الأخير بسبب نمو أسواق النفط والمنتجات النفطية الروسية من جهة، وارتفاع واردات الصين والهند من جهة أخرى.

مشكلة ماسبق أنه كلام عامّ، ويعتمد على متوسطات سعرية لخام معين.. الواقع أعقد من ذلك بكثير، فهناك حاملات نفط من نوعيات معينة متجهة شمالًا، وهناك ناقلات نفط من نوعيات أخرى متجهة جنوبًا، وهناك أنواع مختلفة من المنتجات النفطية متجهة شمالًا أو جنوبًا.

كما إن هناك شحنات لبلاد معينة، بينما هناك دول مستهلكة ليس لها أيّ شحنات حاليًا.. هذه الفروق تجعل أسواق بعض أنواع النفط أو المشتقات النفطية ترتفع في أسواق معينة أو دول معينة فقط، ومن ثم فإن هناك الأثر العامّ على أسعار النفط، وهناك الأثر الخاص لمنتجات معينة في دول معينة.

وبما أن أسعار المنتجات النفطية في بعض البلاد محددة من الحكومة، فإن الأثر سينحصر في نقص الإمدادات، الأمر الذي قد ينعش السوق السوداء في هذه البلاد، ويرفع أسعار المنتجات النفطية بشكل كبير.

قناة السويس وأسعار النفط

أسعار النفط

باختصار، هناك ارتفاع عامّ في أسعار النفط، إلّا أنه سيكون هناك ارتفاعات أكبر في مناطق معينة ولمنتجات نفطية معينة، وكانت سوريا من أوائل الدول التي قررت ترشيد استخدام المنتجات النفطية لأن ناقلات المنتجات النفطية الإيرانية من ضمن السفن العالقة في قناة السويس، وسيكون هناك المزيد من الدول إذا لم تُحلّ الأزمة قريبًا، كما إن بعض الشركات، خاصة في بعض الدول الأسيوية، ستعاني من نقص مواد نفطية معينة.

وقبل أن يتساءل بعضهم عن وجود حاملات نفط إيرانية في قناة السويس، لا بد من التنبيه أن قناة السويس ممر مائي عالمي يخضع للاتفاقات والقوانين الدولية، ولايحقّ لمصر منع أيّ سفينة من المرور إلّا إذا كانت تهدد الأمن في مصر، أو مصر في حرب مع دولتها.

خط سوميد

سوميد عبارة عن خطّي أنابيب بطاقة قصوى تبلغ 2.8 مليون برميل يوميًا، ينقلان النفط من عين السخنة من جنوب القناة إلى سيدي كرير في شمال مصر على البحر المتوسط.

قامت دول خليجية بالتعاون مع مصر بإنشاء الخط في السبعينيات من القرن الماضي، عندما كانت قناة السويس صغيرة ولاتتحمّل ناقلات النفط الكبيرة، فكان الحلّ هو أن تقوم هذه الناقلات بإفراغ جزء من حمولتها في عين السخنة، فترتفع السفينة وتستطيع عبور القناة بسهولة، ثم يُنقل النفط عبر الأنبوب إلى سيدي كرير حيث تقوم الحاملة نفسها أو غيرها بتحميله والذهاب به إلى وجهته النهائية.

مع توسيع القناة عدّة مرّات منذ ذلك الوقت، ضعفت أهمية سوميد، إلّا أن زيادة استخدام ناقلات النفط الصخمة جدًا أعطت حياة جديدة له، وتتطلب تفريغ جزء من حمولتها في عين السخنة، لهذا فإن الضخ في أنبوبي سوميد مستمر بنحو 1.3 مليون برميل يوميًا، وهذا أقلّ من الطاقة القصوى بـ 1.5 مليون برميل يوميًا، لهذا قامت إدارة خط سوميد بالإعلان عن استعدادها لتلقّي أيّ نفط من أيذ سفينة عالقة، فهل يحلّ سوميد المشكلة؟.

البيانات غير متوافرة الآن لمعرفة ما إذا قبلت بعض الشركات عرض سوميد، لكن سوميد لن يحلّ مشكلة تراكم حاملات النفط والمنتجات النفطية لعدّة أسباب، أهمها:

  • الإجراءات اللوجستية الصعبة والمكلفة، خاصة إذا لم يكن لدى الشركة حاملات لشحن النفط من سيدي كرير.
  • الأنبوب يقبل النفط الخام ولا يقبل المنتجات النفطية.
  • تكاليف النقل في الأنبوب عالية نسبيًا.
  • نقل النفط في الأنبوب يستغرق وقتًا أطول من الوقت المتوقع للانتظار لحلّ المشكلة في قناة السويس.
  • سعة التخزين المتاحة محدودة.
قناة السويس - إيفر جيفن
أعمال التكريك في محيط السفينة إيفر جيفن -الصورة من هيئة قناة السويس

لهذا فإن خط سوميد سيستمر بدوره التقليدي، وسينقل النفط الخليجي الذي ينقله عادةً، لكنه لن يكون حلاً إلّا للشركات التي تعاني من حالة طوارئ، لكن هناك مستجدات أخرى قد ترفع من أهميته ستجري مناقشتها أدناه.

ولا بد هنا من ذكر مايراه بعضهم، وهو أن تفريع جزء من حمولات السفن الخليجية في عين السخنة ليس ضروريًا لعبور القناة بعد توسيعها، لكنه ضروري لإبقاء شركة سوميد مربحة.

استخدام الاحتياطي الإستراتيجي

إذا لم تُحلّ أزمة قناة السويس خلال الساعات المقبلة، وبدأت تعاني بعض الدول الأعضاء في وكالة الطاقة الدولية من شحّ في الامدادات، أو تتوقع نقص الإمدادات قريبًا، فإن الوكالة قد تطلب من الدول الأعضاء استخدام الاحتياطي الإستراتيجي من النفط الخام والمنتجات النفطية، وحتى لو لم تعانِ الولايات المتحدة من عجز في الإمدادات، فإنها قد تقرر السحب من الاحتياطي الإستراتيجي وتصدير النفط للدول التي تريده.

وهنا لا بد من الإشارة إلى أن السحب من الاحتياطي الإستراتيجي في هذه الدول مرتبط بنقص الإمدادات وليس بالأسعار، كما إن كونها عضوة في وكالة الطاقة الدولية يجعل مساعدة دولة لأخرى من ضمن شروط الوكالة، ولا بد من التذكير أيضًا بأن النقص في الإمدادات النفطية ليس عالميًا، بل في دول أو مناطق محددة، ولمنتجات معينة، لذلك قد نرى بعض الدول تصدّر جزءًا من احتياطياتها إلى دول أخرى، إمّا على شكل دين عيني، أو بيع مباشر بسعر السوق.

قرار السحب من الاحتياطي الإستراتيجي سيمنع أسعار النفط والمنتجات النفطية من الارتفاع بشكل كبير، إلّا أن بعضهم يعتقد أنه مجرد الإعلان عن السحب قد يسبّب مشكلة في السوق، لأنه تأكيد على وجود نقص في الإمدادات، فيقوم بعضهم بسحب كميات من السوق وتخزينها، فترتفع الأسعار بالأسواق الفورية، لهذا فإن وكالة الطاقة أو بعض أعضائها قد يلجؤون للإعلان عن السحب بكميات كبيرة لتلافي هذه المشكلة.

السفينة إيفر جيفن - قناة السويس

مستقبل السفن الكبيرة في القناة

الشركة المالكة لـ إيفر جيفن مسؤولة ليس فقط عن خسائر القناة وكل تكاليف تعويم السفينة، لكن عن خسائر السفن العالقة أيضًا، لهذا فإن شركة التأمين المؤمّنة على السفينة ستدفع هذه التكاليف المليارية.

رفض شركات التأمين التأمين على السفن الكبرى المارّة في القناة يصبح منطقيًا، خوفًا من تكرار حادثة إيفر جيفن، أو قد ترفع تكاليف التامين لدرجة أن شركات السفن لا تشتريه. في كلتا الحالتين تفضّل شركات الشحن أن تقوم سفنها الضخمة بالدوران حول رأس الرجاء الصالح بدلًا من المرور في القناة.

هذا يعني أن أمر مرور السفن الضخمة في القناة قد حُسم، وستخسر القناة هذه السفن بسبب عدم وجود تأمين أو ارتفاع أسعار التأمين، فهل سيكون هذا التغيّر مؤقتًا، ثم تعود الأمور إلى ماكانت عليه؟ أم تقوم مصر بإنفاق عدّة مليارات من الدولارات لتوسيع بعض الأماكن في القناة لمنع تكرار الحادثة، وإقناع شركات التأمين بأن الحادثة لن تتكرر؟

هنا تكمن الأهمية الكبيرة لخط أنابيب سوميد: سفن الحاويات الضخمة لا تستطيع تخفيف حمولتها قبل دخول القناة، لكن حاملات النفط الضخمة القادمة من الجنوب تستطيع ذلك، عن طريق تفريغ جزء من حمولتها في عين السخنة ونقل النفط عير أنبوبي سوميد إلى سيدي كرير.

تفريغ جزء من الحمولة يرفع السفينة، ومن ثم فإن جزْأها العريض يصبح فوق مستوى الماء، المشكلة في السفن الضخمة القادمة من الشمال، إلّا أنه لحسن الحظ كون عددها قليلًا.. هذا يعني أنه في الوقت الذي سترفض فيه شركات التأمين بيع بوليصات تأمين لسفن الحاويات الضخمة المارّة في القناة، أو ترفع رسومها بشكل كبير، فإن هذا لن ينطبق على حاملات النفط الضخمة لأنها تستطيع تفريغ جزء من حمولتها في عين السخنة لنقله عبر سوميد.

لهذا فإن حادثة إيفر جيفن قد تعطي قبلة حياة جديدة لأنبوب سوميد عن طريق فتحه للشركات كافّة، خاصة إذا جرى تخفيض تسعيرة النقل وتوسيع سعة التخزين بشكل كبير.

  • للتواصل مع الدكتور أنس الحجي خبير الطاقة - مستشار تحرير منصة الطاقة (هنا).
  • للتواصل مع منصة الطاقة (هنا)

اقرأ أيضًا..

مقالات سابقة للدكتور أنس الحجي..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق