الخفض الطوعي السعودي يدعم أسواق النفط ويسهّل مهمة أوبك+ غدًا
قبيل اجتماع وزراء منتجي الخام
سالي إسماعيل
رغم مضي قرابة شهر على صدور قرار الخفض الطوعي السعودي، وتجدُّد المخاوف بشأن تعافي الطلب العالمي على الخام، إلا أن أصداء القرار السعودي ما تزال تتصدر اهتمامات الجميع في أسواق النفط العالمية.
وتتزايد أهمية القرار اليوم في ظل دوره الكبير بتسهيل مهمة تحالف أوبك+ المتمثلة في تحديد سياسة إنتاج النفط بشكل شهري، حيث من المقرر أن يجتمع منتجو الخام غدًا الأربعاء (اللجنة الوزارية المشتركة) لمراجعة سياسة الإنتاج.
استقرار الأسواق
إزاء ذلك، يقول الكاتب غرانت سميث، في تقرير نشرته وكالة بلومبرغ: إن الإستراتيجيات المتّبعة من جانب أوبك+ نجحت في تحقيق الاستقرار عبر أسواق النفط العالمية قبل مواجهة خيارات صعبة.
كما يؤكد سميث، أن التعهّد السعودي في الشهر الماضي، من جانب وزير الطاقة الأمير عبدالعزيز بن سلمان، يدعم الأسواق العالمية ضد تداعيات الوباء الأخيرة.
وقررت السعودية تنفيذ خفض طوعي في إنتاجها النفطي بنحو مليون برميل يوميًا، خلال الشهرين الجاري والمقبل؛ ما قد يساعد سوق النفط العالمية على تجاوز الطلب الموسمي المنخفض في الربع الأول، كما قال الأمين العام لأوبك، محمد باركيندو.
وقوبل القرار السعودي بالترحيب من جانب نائب رئيس وزراء روسيا، ألكسندر نوفاك، حيث قال للصحفيين حينذاك: "هذه هدية رائعة للعام الجديد لصناعة النفط بأكملها".
وكانت الدول الأعضاء في منظمة أوبك ومنتجو الخام من خارجها، قد اتفقوا بداية الشهر الماضي على زيادة إنتاج النفط بنحو 75 ألف برميل يوميًا خلال شهري فبراير/شباط ومارس/آذار، بحسب نتائج اجتماع وزراء (أوبك+) الـ 13.
وتعني هذه الزيادة تخفيفًا لاتفاق خفض الإمدادات المطبّق بين الدول الـ 23 منذ منتصف العام الماضي تقريبًا.
وبعبارة أخرى: اتفق تحالف أوبك+ على خفض إنتاج الدول بنحو 7.2 مليون برميل يوميًا خلال يناير/كانون الثاني بعد زيادة قدرها 500 ألف برميل يوميًا.
ويهدف الخفض الطوعي للإنتاج النفطي في السعودية إلى تقديم الدعم للصناعة والأسواق، على حد قول وزير الطاقة الأمير عبدالعزيز بن سلمان، في مقابلة مع محطة بلومبرغ بداية الشهر الماضي.
ووفقًا لمسح أجرته وكالة رويترز، زاد إنتاج الدول الأعضاء في أوبك من النفط بنحو 160 ألف برميل يوميًا خلال يناير/كانون الثاني، ليصل إلى 25.75 مليون برميل يوميًا، ليكون الصعود الشهري السابع على التوالي.
ووجد المسح أن نسبة امتثال منتجي أوبك+ لاتفاق خفض إمدادات النفط بلغ 103% خلال الشهر الأول من العام الجاري مقابل 99% في ديسمبر/كانون الأول.
اجتماعات مخططة
بدأت اللجنة الفنية المشتركة اجتماعها الشهري، اليوم الثلاثاء، في تمام الساعة 12:00 مساءً بتوقيت غرينتش، وذلك في تجمع افتراضي مع تداعيات وباء كورونا.
ومن المقرر أن تراجع اللجنة توقعات الطلب، ومدى امتثال الدول الأعضاء لاتفاق خفض إنتاج الخام المتفق عليه.
وتشير وثيقة معدة مسبقًا من جانب اللجنة الفنية المشتركة لأوبك، اطلعت على نسخة منها وكالة رويترز، إلى أن توقعات تعافي الطلب العالمي على النفط خلال العام الجاري تم خفضها إلى 5.6 مليون برميل يوميًا.
وتعد هذه التوقعات أقل من تقديرات منظمة أوبك في تقريرها الشهري الصادر في يناير/كانون الثاني بنحو 300 ألف برميل يوميًا.
ولم تكن هذه المرة الأولى التي يتم خلالها خفض توقعات نمو الطلب على الخام، إذ تقوم منظمة الدول المصدرة للنفط بهذا الإجراء مرارًا منذ يوليو/تموز 2020 مع استمرار تأثير الوباء.
ومن المخطط أن تعقد لجنة المراقبة الوزارية في أوبك اجتماعها الشهري لمراجعة سياسة الإنتاج غدًا الأربعاء.
ومن غير المتوقع أن يوصي اجتماع اللجنة الفنية المشتركة وكذلك اجتماع اللجنة الوزارية المزمع عقده هذا الأسبوع بأيّ تعديلات على سياسة إنتاج النفط، بحسب تقرير نشرته وكالة رويترز نقلاً عن مصدر لم تفصح عن هويته.
كما يشير الكاتب غرانت سميث إلى أن الخفض الطوعي من جانب الرياض -أكبر مصدّر للنفط في العالم- يخفّف من الحاجة لتعديل سياسة الإنتاج من قبل تحالف أوبك+، لكن "ستكون هناك حاجة للبدء في التفكير في المدة الزمنية التي يجب خلالها استمرار قيود الإمدادات".
الأسعار والدعم
منذ أن أعلنت السعودية قرارها بشأن الخفض الطوعي للإمدادات النفطية -في 5 يناير/كانون الثاني الماضي- تتلقى الأسواق العالمية للخام دعمًا قويًا لدرجة تجاهل عوامل الضغط الأخرى.
وتتداول أسعار النفط قرب أعلى مستوياتها في نحو عام تقريبًا، مع صعود خام برنت وملامسته حاجز 58 دولارًا للبرميل، كما كسر خام غرب تكساس الوسيط عتبة 55 دولارًا للبرميل.
وحققت أسعار الذهب الأسود مكاسب قوية في الآونة الأخيرة، رغم مخاوف تعافي الطلب على الخام، وسط تسارع إصابات الوباء، وعودة قيود الإغلاق في عدد من الدول.
وارتفع خام غرب تكساس الوسيط بنحو 7.4 دولارًا، أو ما يعادل 15.5% خلال المدة من نهاية تعاملات يوم 4 يناير/كانون الثاني عندما كانت الأسعار تقف عند 47.62 دولارًا للبرميل، وحتى 2 فبراير/شباط الجاري عندما بلغ الخام الأميركي 55.02 دولارًا للبرميل وسط التعاملات.
كما أن خام برنت القياسي شهد صعودًا من 51.09 دولارًا للبرميل بالتزامن مع قرار وزراء تحالف أوبك+ قبل شهر تقريبًا إلى 57.98 دولارًا للبرميل قبيل الاجتماع المرتقب غدًا، ما يعادل زيادة بنحو 6.89 دولارًا أو 13.5%.
ماذا يقول الخبراء؟
"السعودية، تدرك جيدًا العلاقة بين سعر النفط ومستويات المخزونات العالمية: انخفاض المخزونات يساوي أسعارًا أعلى".. كما يقول كبير محللي السلع في إس إيه بي، بيارن شيلدروب.
لكنه يرى أن نجاح هذه الإستراتيجية يتوقف على "استمرار امتثال منتجي النفط في تحالف أوبك+ لاتفاق خفض الإمدادات".
وفي واقع الأمر، فإن إيمان الأمير عبدالعزيز بن سلمان بمبدأ "توخّي الحذر" قد ثبتت صحته، كما تقول كبيرة إستراتيجيي السلع في أر بي سي كابيتل ماركتس، حليمة كروفت.
وتشير كروفت إلى أن الاتجاهات العامة للأفكار التي ستُطرح الشهر المقبل قد تظهر خلال اجتماع الأربعاء، بحسب ما نقلته وكالة بلومبرغ.
من جانب آخر، أكد بنك غولدمان ساكس، في مذكرة بحثية نقلتها وكالة رويترز الشهر الماضي، نظرته الصعودية بشأن أسعار النفط، مع تعهد السعودية بالخفض الطوعي.
وقال المحللون في البنك الأميركي عقب صدور القرار السعودي: "قرار السعودية واحتمال تشديد أسواق النفط خلال الربع الثاني من هذا العام، من المرجح أن يدعما الأسعار في الأسابيع المقبلة".
أسعار خام برنت
في الوقت نفسه، يتوقع المحللون في بنك يو بي إس، وصول سعر خام برنت إلى 60 دولارًا للبرميل بحلول منتصف هذا العام، مستشهدين بالقرار السعودي بشأن الإنتاج.
وأوضح المحللون أن قرار السعودية الاستباقي "يكشف عن الرغبة في الدفاع عن الأسعار، ودعم أسواق النفط وسط المخاوف بشأن الطلب بسبب تمديد قيود التنقل في أوروبا".
وفي الحالة الأكثر تفاؤلاً، والتي تشمل الامتثال الكامل لاتفاق أوبك+ بالإضافة للخفض السعودي الطوعي، فإنه من المرجح السحب من المخزونات النفطية.
ويعتقد رئيس أبحاث سوق النفط في ريستاد إنرجي، بيورنار تونهوجن، أن مخزونات الخام قد تنخفض بنحو 1.3 مليون برميل يوميًا خلال فبراير/شباط، وبنحو 0.8 مليون برميل يوميًا في مارس/آذار، نقلاً عن وكالة رويترز.
وأتاح الخفض السعودي بعض الوقت لأوبك+، كما يقول مدير شركة الأبحاث إنفيروس، بيل فارين برايس، نقلاً عن وكالة بلومبرغ.
معضلة دعم الأسعار
أبدى منتجو النفط المستقلّين في الولايات المتحدة تعاونًا ملحوظًا في كبح الإمدادات النفطية خلال العام الماضي، بالتزامن مع تداعيات وباء كورونا على الأسواق، وما صاحب ذلك من انهيار للطلب على الخام.
وعلى جانب آخر، تتخوّف روسيا من النتائج العكسية التي قد تتنج عن دعم الأسعار لمدة طويلة، والتي قد تتمثل في عودة الاستثمارات في النفط الصخري الأميركي، بحسب ما كتبه سميث في تقريره الذي نشرته وكالة بلومبرغ.
ومن شأن تدفّق إمدادات جديدة في الأسواق العالمية للنفط إبطال مفعول جهود أوبك+ لإعادة التوازن.
ويمكن أن تعتبر روسيا الأمر بمثابة فشل ذريع إذا بدأت تخفيضات أوبك+ في تحفيز النمو في النفط الصخري الأميركي مرة أخرى، بحسب تعليقات كبير محللي سوق النفط في بنك دي إن بي، هيلج أندريه.
ورغم إشادة نائب رئيس وزراء روسيا، ألكسندر نوفاك، بالقرار السعودي في العلن، لكنه خلف الأبواب طلب من الوزير السعودي عدم المضي قدمًا في هذه الخطوة، طبقًا لما نقلته وكالة بلومبرغ؛ إذ ترغب موسكو بزيادة الإنتاج قبل أن يتمكن منتجو النفط الصخري في الولايات المتحدة من سد الفجوة.
وبموازاة ذلك، ارتفع إنتاج الولايات المتحدة من النفط بنحو 692 ألف برميل يوميًا خلال شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2020 -أحدث بيانات متاحة- ليصل إلى 11.124 مليون برميل يوميًا.
ويعني ذلك أن الإنتاج الأميركي للخام تجاوز حاجز 11 مليون برميل يوميًا لأول مرة منذ شهر أبريل/نيسان، وفقًا للبيانات المنشورة على موقع إدارة معلومات الطاقة الأميركية.
ومع تولي إدارة أميركية جديدة، لديها أجندة مختلفة، يمكن أن تشهد الأسواق تغييرات في المعروض من النفط، مع احتمالات تحسن العلاقات مع فنزويلا وإيران؛ ما يتطلب التركيز على قرارات إدارة جو بايدن، كما يقول وزير الطاقة الجزائري، عبدالمجيد عطار.
ويوضّح عطار أن القرار السعودي بخفض إنتاج النفط قد يساعد في استيعاب عودة الخام الإيراني، وفي السحب من المخزونات العالمية من الخام، والتي تراكمت خلال ذروة الوباء.
اقرأ أيضًا..
- إنتاج النفط الأميركي يتجاوز 11 مليون برميل لأول مرة منذ أبريل
- الطلب العالمي على النفط.. 4 مؤسسات ترسم خريطة الأسواق في 2021
- وزير الطاقة السعودي يكشف كواليس اجتماع أوبك+ ومسوّغات الخفض الطوعي