المقالاتسلايدر الرئيسيةغازمقالات الغاز

مقال - سماح واشنطن للعراق بشراء الغاز الإيراني.. ورقة سياسية

العراق ثاني أكبر دولة في العالم من حيث حرق الغاز المصاحب بعد روسيا

بغداد استوردت 870 مليون قدم مكعبة يوميا من الغاز الإيراني في 2019

اقرأ في هذا المقال

  • واشنطن ضغطت على بغداد دون تقديم بديل عملي حال توقف واردات الغاز من إيران
  • القرار الأميركي يتجاهل العملية المقعدة لتطوير قطاع الغاز العراقي لتقليل اعتماده على طهران
  • العراق يأمل في تخفيف العقوبات على إيران تحت إدارة بايدن بحيث تركز بغداد على خطط تطوير الغاز
  • كورونا واتفاق أوبك+يعطلان خطط التطوير والاستثمارات في التقاط ومعالجة الغاز المصاحب
  • العراق لا يستطيع التخلي عن واردات الطاقة الإيرانية على المديين القصير والمتوسط

هاري أستيبانيان و نُعَام ريدان*

عندما أعادت فرض عقوباتها على قطاع النفط الإيراني في نوفمبر/تشرين الثاني 2018، منحت واشنطن استثناءات أو إعفاءات مؤقتة لبعض الدول لخفض وارداتها من الطاقة الإيرانية تدريجياً.

في البداية، حصل العراق على إعفاء لمدة 45 يومًا لمواصلة شراء الغاز الطبيعي والكهرباء الإيرانية، حيث بدأت إدارة الرئيس الأميركي المنتهية ولايته دونالد ترمب حملتها للضغط على بغداد لتقليل اعتمادها على إيران في مجال الطاقة.

منذ ذلك الحين، تمدد واشنطن الإعفاء، وتواصل بغداد بدورها استيراد الإمدادات الإيرانية الحيوية لتوليد الطاقة.

والآن، بعد أن وصلت إدارة ترمب إلى نهاية ولايتها، أصبحت النتيجة جلية للجميع: كانت واشنطن تضغط على بغداد لفطمها عن إمدادات الغاز الإيراني دون تقديم بديل عملي لسد الفجوة حال توقف الواردات من إيران.

يتجاهل القرار الأميركي وراء الإعفاءات المستمرة العملية المعقدة لتطوير قطاع الغاز واحتياطياته في العراق لتقليل وارداته من إيران، وهي عملية تتطلب ما يتراوح بين 3و4 سنوات على الأقل في الظروف المثالية.

فترات متباينة

منذ أن منحت إدارة ترمب العراق إعفاء من العقوبات لمواصلة استيراد إمدادات الطاقة من إيران المجاورة، تباينت فترة التمديد، ما يعكس في بعض الأحيان إحباط الولايات المتحدة من بغداد.

في سبتمبر/أيلول، مددت الولايات المتحدة الإعفاء لمدة 60 يومًا بدلاً من 120 يومًا، حيث امتدت التوترات الإيرانية الأميركية إلى العراق، مع إطلاق بعض الجماعات المسلحة المحلية الصواريخ باتجاه المنطقة الخضراء ببغداد حيث تتواجد السفارة الأمريكية. أما الأسبوع الماضي، قلّصت واشنطن مدة الإعفاء إلى 45 يومًا فقط. وسوف يعتمد هذا الموضوع على سياسة الإدارة الأميركية الجديدة تجاه إيران بدءا من العام المقبل، مع تنصيب الرئيس المنتخب جو بايدن في يناير/كانون الثاني.

يأمل العراق في تخفيف العقوبات الأميركية على إيران إذا عادت واشنطن إلى الاتفاق النووي بين القوى العالمية وإيران- يعرف أيضا بخطة العمل الشاملة المشتركة- تحت إدارة بايدن. كما سيؤدي ذلك لاحقًا إلى تخفيف الضغط على بغداد حيث تعمل على تطوير خططها في مجال الغاز.

تطوير حقول الغاز

في هذا السياق، تسعى بغداد إلى وضع خطة لتطوير حقول الغاز ، لاسيما في ظل ارتفاع الطلب المحلي على الكهرباء. ومع ذلك، فقد أثرت جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) واتفاقية خفض الإمدادات الخاصة بأوبك+ على خطط الحكومة الفيدرالية العراقية.

وأبدت بعض الشركات العالمية اهتمامها بالاستثمار في حقل أرطاوي للغاز جنوب العراق، بما في ذلك شركات أميركية وسعودية. لكن شركتا هانيويل وبكتل، وهما شركتان هندسيتان أميركيتان، فشلتا في السابق في بناء مشروع أرطاوي بشكل مشترك بسبب خلافات أدت إلى تأجيله.

وفي هذا الصدد، نقلت وكالة "أرغوس ميديا" المعنية بالطاقة ​​عن وزير الكهرباء العراقي السابق لؤي الخطيب قوله في مقابلة نشرت في مايو/آيار 2020 :"تعمل شركة هانيويل مع بعض الشركاء الآخرين لإحياء المفاوضات بشأن مشروع الغاز.. لكن هناك منافسين آخرين مهتمون بتطوير مشروع الغاز في أرطاوي، بما في ذلك كونسورتيوم جنرال إلكتريك للطاقة، الذي يضم أوروك، وهي شركة هندسية مملوكة لعراقيين، وأكوا باور، وربما أرامكو السعودية".

تكمن أهمية مشروع أرطاوي في مرحلته الأولى في قدرته على التقاط ومعالجة نحو 300 مليون قدم مكعبة قياسية يوميا من الغاز المصاحب الذي يحترق عند فوهة حقول النفط العملاقة في جنوب العراق، لاسيما حقول مجنون، وغرب القرنة 2 ، واللحيس، وطوبة، وسيبا.

ومع ذلك، فإن تطوير أرطاوي سيستغرق ما لا يقل عن عامين أو 3 أعوام حتى يكتمل. بالإضافة إلى ذلك، فإن إنتاج الغاز من حقل أرطاوي سيمكّن العراق من التخلص التدريجي من كمية صغيرة من الغاز الإيراني المستورد.

في عام 2019، استورد العراق 871 مليون قدم مكعبة قياسية يوميا من إيران، والتي كانت تكفي لتوليد 2500 ميغاواط من الطاقة الكهربائية بمتوسط ​​6 دولارات لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، وفقًا لمحادثة خاصة مع مسؤول في وزارة الكهرباء، مقارنة بما يترواح بين دولارين و3 دولارات لكل مليون وحدة حرارية بريطانية في السوق العالمية التي تعاني تخمة في المعروض.

كما عقدت محادثات حول تطوير حقول غاز أخرى في العراق. على سبيل المثال، التقى وفد من شركة توتال في أكتوبر/تشرين الأول وزير النفط العراقي إحسان عبد الجبار في بغداد لمناقشة إمكانية مشاركة عملاق النفط الفرنسي في تطوير حقول النفط والغاز في البلاد. وتشمل هذه الحقول حقل غاز عكاظ في محافظة الأنبار الغربية وحقل غاز المنصورية في محافظة ديالى الشرقية قرب الحدود الإيرانية. وقد تدرس المملكة العربية السعودية أيضًا الاستثمار في حقل عكاظ للغاز. لكن الوضع الأمني ​​في كلا الحقلين لا يزال متقلبًا، ما يؤثر على المشروعات الاستثمارية.

التقاط الغاز المصاحب

في غضون ذلك، واجه الاستثمار في الغاز المصاحب (الغاز الطبيعي المرتبط بإنتاج النفط الخام) تأخيرات أيضًا. كما شهدت الاتفاقية الموقعة مع شركة خدمات الطاقة الأميركية بيكر هيوز/جنرال إلكتريك لتطوير حلول متقدمة لاحتراق الغاز في حقلي الناصرية والغراف النفطيين تأجيلات لأسباب غير معروفة.

أيضًا، يبدو أن مشروع حلفاية لمعالجة الغاز (300 مليون قدم مكعبة قياسية يوميا) من قبل الشركة الصينية للهندسة والإنشاءات البترولية قد توقف.

لدى بغداد خطة لالتقاط ومعالجة 1200 مليون قدم مكعبة قياسية يوميًا إضافية من الغاز المصاحب المحترق بحلول نهاية عام 2023 لتلبية الطلب المتزايد على الطاقة. ستأتي هذه الكمية الإضافية من حقلي الناصرية (200 مليون قدم مكعبة قياسية يوميا) وحلفاية (300 مليون قدم مكعبة قياسية)بحلول نهاية عام 2022، وفقًا لوزارة النفط العراقية.

عندما أعادت فرض عقوباتها على قطاع النفط الإيراني في نوفمبر/تشرين الثاني 2018، منحت واشنطن استثناءات أو إعفاءات مؤقتة لبعض الدول لخفض وارداتها من الطاقة الإيرانية تدريجياً.

ومن المقرر أن يجري التقاط الكمية المتبقية من حقل أرطاوي بحلول نهاية عام 2023. بالرغم من احتياطيات الغاز الطبيعي المؤكدة في العراق، والتي تقدر بنحو 132 تريليون قدم مكعبة، ومع وجود نحو 75% من هذه الاحتياطيات مرتبطة بالنفط، لا يجري حاليا سوى التقاط ومعالجة 1500 مليون قدم مكعبة قياسية يوميا.

خطة خمسية

تجدر الإشارة إلى أن العراق ثاني أكبر دولة في العالم من حيث حرق الغاز المصاحب بعد روسيا، حيث أحرق نحو 632 مليار قدم مكعبة عام 2019، وفقًا لدراسة للبنك الدولي حول حرق الغاز العالمي نُشرت في يوليو/تموز.

وخلصت خطة خمسية أعدتها مؤسسة "غافني كلاين آند أسوشييتس" بالتعاون مع البنك الدولي عام 2018 إلى أن العراق سيحتاج إلى استثمارات تقدر قيمتها بنحو 44 مليار دولار في برنامج تحويل الغاز إلى كهرباء، بما في ذلك 7 مليارات دولار لاحتجاز 1700 مليون قدم مكعبة قياسيا يوميا من الغاز المحترق، و17 مليار دولار لمرافق المعالجة، فضلا عن استثمار 4 مليارات دولار في خطوط أنابيب الغاز الجديدة.

من المستبعد جداً أن يتمكن العراق من تحقيق مثل هذه الخطة الاستثمارية بسبب الأزمة المالية الحالية وتراجع أسعار النفط. ويعتمد اقتصاد العراق بشكل كبير على مبيعات النفط الخام ولم يتمكن من تحقيق أكثر من 4 مليارات دولار خلال الشهر الواحد منذ مارس/آذار.

سيضع اتفاق أوبك + الحالي بدوره قيودًا على خطة العراق لزيادة إنتاج النفط من نحو 4.7 مليون برميل يوميًا إلى 7 ملايين برميل يوميًا بحلول عام 2027 وكذلك الغاز المصاحب الذي يتوقع أن يرتفع أعلى بكثير عن 5000 مليون قدم مكعبة قياسية يوميا.

نتيجة لذلك، من المتوقع أن تزداد كمية الغاز المحترق عند فوهة الآبار، في ظل عدم وجود تدابير فاعلة لالتقاط ومعالجة ونقل واستخدام الغاز الطبيعي المصاحب.

استمرار الإمدادات الإيرانية

تعني ذروة توليد الطاقة في العراق بمصادر غير مستدامة والتي تبلغ 19 ألف ميغاواط، مع زيادة الطلب بأكثر من 27 ألف ميغاواط أن البلاد ستحتاج إلى 3700 مليون قدم مكعبة قياسية يوميا من الغاز مع إضافة تتراوح بين 200 و 300 مليون قدم مكعبة قياسية يوميا كل عام.

في عام 2019، كان استهلاك العراق من الغاز يقترب من 1700 مليون قدم مكعبة قياسية يوميا، منها 840 جرى إنتاجها محليًا و 870 مستوردة من إيران. وجرى استبدال الباقي، حوالي 2000 مليون قدم مكعب في اليوم، بالوقود السائل، بما في ذلك 130 ألف برميل يوميًا من النفط الخام و 73 ألف و500 برميل يوميًا من زيت الوقود و 20 ألف برميل يوميًا من الديزل.

عندما أعادت فرض عقوباتها على قطاع النفط الإيراني في نوفمبر/تشرين الثاني 2018، منحت واشنطن استثناءات أو إعفاءات مؤقتة لبعض الدول لخفض وارداتها من الطاقة الإيرانية تدريجياً.

بالنظر إلى معدلات الاستهلاك الحالية والطلب المستقبلي، سيحتاج العراق فعليًا إلى استيراد الغاز من إيران، على المدى القصير و المتوسط​​، لتلبية احتياجاته المحلية.

باختصار، لم تعد الحكومة العراقية تمتلك القدرة المالية ولا القدرة على إدارة قطاع الكهرباء المنهك في البلاد والذي يتطلب استثمارات بمليارات الدولارات، والتي يجب أن تسير في نهاية المطاف جنبًا إلى جنب مع خطط استخدام الغاز الطبيعي غير المستغل والمحترق. سيحتاج قطاع الطاقة أيضًا إلى إصلاحات جوهرية.

في هذا الإطار، قال رئيس وكالة الطاقة الدولية فاتح بيرول في مؤتمر عن الطاقة العراقية في سبتمبر/أيلول عبر تقنية الفيديو"يمتلك العراق كمية هائلة من موارد الغاز الطبيعي ويمكن أن يساعد ذلك في توفير الطاقة للعراق بأكمله والمساعدة في ازدهار العديد من الصناعات التي من شأنها أن تساعد في نمو الاقتصاد العراقي.. لكننا نحتاج إلى استثمارات وإصلاحات".

حتى تتبنى بغداد الإصلاحات التي تشتد الحاجة إليها في قطاع الطاقة، فإنها ستواصل الاعتماد على إمدادات الطاقة الإيرانية.. كما ستؤدي أزمة النفط الناجمة عن الوباء إلى إبطاء خطط الغاز في العراق، وهذا عامل لا تستطيع بغداد السيطرة عليه.

*المؤلفان:

*هاري أستيبانيان خبير مستقل في مجال الطاقة والمياه مقيم في واشنطن العاصمة، وهو زميل بارز لدى معهد الطاقة العراقي.

*نعام ريدان باحثة ومراسلة مستقلة في مجال الطاقة. يركز عملها في الغالب على تقييم تأثير التطورات السياسية والأمنية في إنتاج ونقل النفط الخام ومنتجاته، مع التركيز على العراق ولبنان وإيران.

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق