أنس الحجي يكتب لـ "الطاقة": بايدن.. والنفط
- دعم الطاقة المتجددة من قبل بايدن ليس له أثر في الطلب على النفط
- لا أثر لفوز بايدن على المدى القصير في الطلب العالمي على النفط
- أكبر أثر لفوز بايدن في قطاع النفط قد يكون في كندا وليس في الولايات المتحدة
- أذربيجان دولة نفطية ويتوقع أن يقف بايدن مع أرمينيا ضدها لأسباب سياسية
أنس الحجي*
الكل يعرف الآن أن جو بايدن من الحزب الديمقراطي، وأنه من دعاة حماية البيئة الذي يحاربون الوقود الأحفوري لوقف -أو إبطاء- التغير المناخي. إلا أن كل ما تعدى ذلك يحتاج إلى توضيح بسبب كمية المعلومات الخاطئة التي نشرها دونالد ترمب وحملته الانتخابية، وبسبب التفريق بين المأمول والممكن، وبين الحملات الانتخابية وأرض الواقع، وما نتج عن ذلك من تصريحات وتناقضات.
الأثر في الطلب على النفط
1- الكل يعرف أن بايدن سيدعم الطاقة المتجددة، خاصة الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. لكن لا أثر لهذه السياسات في الطلب على النفط لسبب بسيط: الطاقة الشمسية وطاقة الرياح تُستخدم في توليد الكهرباء. نسبة الكهرباء المولدة من النفط في الولايات المتحدة حوالي 1% فقط! ومن ثم فإن تشجيع الطاقة الشمسية والرياح سيأتي على حساب المصادر الأخرى التي تُستخدم في توليد الكهرباء، مثل: الفحم، والطاقة النووية، والغاز الطبيعي. كما أن زيادتها عن حد معين يعني أن الطاقة المتجددة تنافس نفسها.
2- الكل يعرف أن بايدن يشجع السيارات الكهربائية، والكل يعرف أن السيارات الكهربائية تخفض الطلب على النفط. لكن التركيز يجب أن يكون على الإضافة من تلك السيارات، والتي ستأتي بسبب بايدن فوق ما كان متوقعا على كل الحالات. هذه الزيادة ستكون محدودة إن وجدت؛ لأن كل التوقعات تشير إلى زيادة مستمرة في أعدادها حتى لو فاز ترمب. إن أثر بايدن الحقيقي سيكون في تشجيع إنشاء البنية التحتية للسيارات الكهربائية بما في ذلك تكثيف عدد محطات الشحن. ووجود البنية التحتية سيشجع بعض الناس على شراء سيارة كهربائية، ولكن هذا يحدث على مدى سنوات، وليس شرطا أن يكون خلال رئاسة بايدن. مشكلة بايدن أنه من الصعب -حالياً- زيادة الإنفاق لدعم الطاقة المتجددة والسيارات الكهربائية في ظل عجز تاريخي في الموازنة، وارتفاع مستويات الدين الحكومي إلى مستويات تاريخية.
3- على عكس سياسات ترمب، سيقوم بايدن بإصلاح ما يمكن إصلاحه في العلاقات التجارية مع الدول الأخرى -خاصة الصين وبقية الدول الآسيوية-. وسينتج عن ذلك نمو التجارة العالمية، ومن ثم ارتفاع معدلات النمو الاقتصادي العالمي، والتي ينتج عنها زيادة الطلب على النفط. ولاشك أن بايدن سيستفيد من العقوبات والرسوم الجمركية التي فرضها ترمب كي يصل إلى اتفاقيات أفضل مما كان عليه الوضع قبل ترمب.
4- سيتم الاتفاق على حزمة تحفيز مالية أو أكثر لانعاش الاقتصاد الأميركي. سترتفع أسعار النفط عند الإعلان عن الحزمة بشكل طفيف، ولكن أثرها الحقيقي لن يظهر إلا على المدى المتوسط حين يتراجع فيروس كورونا أو يوجد علاج له.
5- أي انخفاض في الدولار الأميركي بشكل كبير سيسهم في تخفيض تكاليف واردات النفط في عدد من الدول، الأمر الذي يزيد من كمية النفط المطلوبة، وهذا هو المطلوب في ظل جائحة كورونا. ترمب يدعم دولاراً قوياً، ويتدخل في شؤون البنك المركزي (الاحتياطي الفدرالي) باستمرار. الدولار القوي يجعل أسعار النفط مرتفعة بالعملات المحلية في كثير من البلدان حول العالم، ومن ثم يخفض الكمية المطلوبة.
خلاصة الأمر، لا أثر لفوز بايدن على المدى القصير في الطلب العالمي على النفط، الأثر إيجابي في المدى المتوسط، والأثر على المدى الطويل يعتمد على صافي الآثار الايجابية من زيادة التجارة الخارجية والنمو الاقتصادي من جهة، ومدى التبني الإضافي للسيارات الكهربائية الناتج عن سياسات بايدن فوق ما هو متوقع.
الأثر في معروض النفط
1- بايدن وعد أن يمنع التكسير المائي في الأراضي الفدرالية للمشاريع الجديدة. تأثير هذا القرار هو في النمو المستقبلي من هذه المناطق، ولا علاقة له بالوضع الحالي. رغم أن الأثر بسيط؛ إلا ان هناك معارضة شديدة من صناعة النفط واللوبي النفطي؛ لأنه سيؤثر سلباً في توسع بعض الشركات مستقبلا، ولكن السبب الأهم هو أنهم لو التزموا الصمت الآن فإن إدارة بايدن قد تتجرأ أكثر على فرض قوانين إضافية تحجّم من أنشطة الصناعة.
2- أكبر أثر لفوز بايدن في قطاع النفط قد يكون في كندا وليس في الولايات المتحدة، عن طريق إلغاء مشاريع الأنابيب المتنازع عليها لأسباب بيئية منذ سنوات. وسينتج عن ذلك أمران: نقل النفط الكندي إلى الولايات المتحدة عن طريق القطارات والشاحنات؛ ما يزيد التلوث البيئي، وقيام الحكومة الكندية بإكمال خط أنابيب ترانس ماونتن إلى بريتيش كولومبيا لتصديره إلى الصين وبقية الدول الآسيوية.
3- من المتوقع أن يصدر بايدن قرارات رئاسية تعكس كل القرارات التي عكسها ترمب، والتي أقرتها حكومة أوباما-بايدن سابقاً، خاصة فيما يتعلق بانبعاثات غاز الميثان وبعض الأمور التي تحكم صناعة التكرير. لكن أثرها في صناعة النفط الأميركية محدود نوعا ما. أهم القرارات الرئاسية التي ستتخذ وتتطبق بسرعة تتعلق بالمحميات في الأراضي الفدرالية، وبعض المناطق في ألآسكا.
4- سنعرف مواقف بايدن من صناعة النفط والغاز عندما يختار مدير وكالة حماية البيئة، وهي بمثابة وزارة البيئة. هذه الوكالة قوية جدًا، وتستطيع التحكم بأسواق النفط والغاز في الولايات المتحدة بوسائل شتى، خاصة في مجال تطبيق القوانين المختلفة. المتوقع أن تركز على قطاع الكهرباء، وتسرب الميثان، والأنابيب. وإذا ما قامت الوكالة بمحاولة للضغط على صناعة النفط بطريقة ما، فإنه يتوقع أن تنتهي الأمور بالمحاكم، وربما لسنوات طويلة.
5- سيعود بايدن، كما فعل أوباما وترمب، إلى البيع من الاحتياطي النفطي الاستراتيجي عندما تتحسن الأسعار. عمليات البيع هدفها تخفيض عبء مصاريف إدارة الاحتياطي الاستراتيجي على الموازنة العامة عن طريق بيع كميات تكفي لمصاريفه السنوية. و-بشكل عام- الكميات قليلة نسبياً، ولكن توقيت البيع مهم للأسواق.
6- فوز بايدن مع بقاء مجلس الشيوخ في قبضة الجمهوريين يساعد في كبح جماح اليساريين المتطرفين في الحزب الديمقراطي، خاصة فيما يتعلق ببرنامج الطاقة الخضراء. هذا الأمر قد يتغير، وبالتالي قد تتغير كثير من الأمور المذكورة في هذا المقال أو تنعكس إذا سيطر الديمقراطيون على مجلس الشيوخ. الحقيقة أن أسوأ وضع لصناعة النفط هو سيطرة الديمقراطيين على البيوت الثلاثة: البيت الأبيض، ومجلس الشيوخ، والكونغرس. لكن كيف يمكن للديمقراطيين أن يسيطروا على مجلس الشيوخ؟ قانون ولاية جورجيا يتطلب أن يحصل الفائز على 50% من الأصوات على الأقل، فإذا فاز بالأغلبية ولكن لم يحصل على 50%، سيكون هناك دورة ثانية من الانتخابات بين الفائز الأول والثاني. لذلك، هناك مقعدان من جورجيا لم يُبت في أمرهما الآن بانتظار الدورة الثانية من الانتخابات في يناير المقبل. فإذا فاز الديمقراطيون بالمقعدين، فإنهم يحققون تعادلاً مع عدد الجمهورين في مجلس السيوخ: 50 إلى 50. فإذا تعادلت الأصوات في أي قرار أو قانون، فإن المرجح هو نائب الرئيس.
العلاقة مع الدول النفطية
هناك ثلاثة سيناريوهات، إما أن يقوم بايدن باتباع خطوات بيل كلينتون، أو باراك أوباما، أو أن يشق طريقا جديداً. بشكل عام، علاقة بيل كلينتون بالدول النفطية كانت أفضل بكثير من علاقة أوباما بها. عقدَ كلينتون تحالفات قوية مع عدة دول نفطية، كما عزّز العلاقات في مجال الطاقة في الأميركتين. إلا أن ذلك كان في ظل حاجة الولايات المتحدة لاستيراد المزيد من النفط والغاز، في وقت كانت فيه كل التوقعات تشير إلى زيادة مستمرة في اعتماد الولايات المتحدة على الواردات من الدول الأخرى. اختلف الأمر في عهد أوباما بعد ثورة الغاز الصخري التي بدأت في عهد بوش الابن، ثم ثورة النفط الصخري التي حصلت في عهد أوباما. ثم جاء "الربيع العربي" الذي أدى إلى توتر العلاقات مع عدد من الدول النفطية في العالم العربي.
إلا ان تطور الأحداث في السنوات الأخيرة قد يجعل بايدن يتبنى سياسة جديدة مع الدول النفطية، تختلف عن سابقاتها ظاهراً، ولكن قد لا تختلف عنها باطناً. فبايدن سيرث قضيتين كبيرتين: إيران وفنزويلا، وكلاهما من كبار الدول النفطية في العالم. الأغلبية تتوقع أنه يركز على حل الأزمتين معاً، وهذا يعني زيادة إنتاج وصادرات النفط من كلا البلدين. ولكني أزعم أن هذه الأمور ستأخذ وقتاً أكثر من المتوقع لأسباب عدة أهمها "فيروس كورونا". ولكن في الوقت نفسه قد تسوء العلاقة مع دول أخرى لأسباب سياسية وبيئية.
مهما كانت سياسة بايدن، فإن هناك حقيقية لا يمكن لأحد أن ينكرها: كون الولايات المتحدة أكبر منتج للنفط والغاز في العالم فإن ذلك يعطيها قوة سياسية لم يكن بيل كلينتون أو جورج دبليو بوش يملكانها. هناك انعكاسات سياسية لثورة الصخري، ورغم أن بايدن يدعي أنه ضد الوقود الحفوري، إلا أنه سيستغل هذه القوة السياسية قدر المستطاع، ليس مع الدول العربية وإيران وفنزويلا فحسب، وإنما مع روسيا أيضًا.
أذربيجان دولة نفطية، ويتوقع أن يقف بايدن مع أرمينيا ضدها؛ لأسباب سياسية ومعتقدات معينة. كما أن هناك احتمال تصادم بينه وبين رئيس البرزايل المؤيد بشدة لترمب؛ والبرازيل أصبحت دولة نفطية مهمة. القضية المبهمة حالياً هو موضوع ليبيا: أين يقف بايدن من الأزمة الليبية؟ تاريخ إدارة أوباما-بايدن-كلينتون معروف، فهل يتبع الخط نفسه أم يتخذ نهجاً جديداً؟ حساسية الموقف الليبي تنبع من كونها مرتبطة بدول الخليج، وبالتالي لا يمكن أن يكون هناك سياسة خاصة بليبيا بمعزل عن دول الخليج.
علاقة دول الخليج بالولايات المتحدة تاريخية وقديمة، سواء كانت الحكومة ديمقراطية أو جمهورية، ولا يتوقع أن تتغير مبادئ هذه العلاقة، رغم أنه شابها بعض الفتور أو التأزم في بعض الأحيان. وبناء على تصريحات سابقة، ليس لدى دول الخليج مانع من أي اتفاق بين إيران والولايات المتحدة طالما أن هذا الاتفاق يحجّم إيران خارج حدودها، ويمنع تحولها إلى قوة نووية. وهناك فرصة لدول الخليج للتعاون مع بايدن؛ كونه معادياً للرئيس التركي أردوغان. فإذا كانت إيران شغل ترمب الشاغل أثناء رئاسته، فإن تركيا قد تصبح الشغل الشاغل لبايدن، رغم أنها دولة حليفة ضمن "الناتو"!
خلاصة الأمر أن سياسة بايدن الخارجية تتجه نحو الانفراج والعودة إلى التعامل المؤسساتي واسترجاع هيبة وزارة الخارجية، إلا أن كثرة القضايا العالقة بالدول النفطية، وخصوصية كل قضية، تجعل من الصعب حل كل هذه الأمور بسرعة، خاصة في ظل ما يستجد كل يوم على الساحة الدولية.
خبير طاقة دولي – مستشار تحرير منصة الطاقة