التقاريرتقارير النفطرئيسيةنفط

دراسة: هل تدخل كولومبيا عصر النفط الصخري؟

احتياطياته المحتملة 4 أضعاف احتياطيات النفط والغاز الحالي

حازم العمدة

اقرأ في هذا المقال

  • تراجع إنتاج النفط والغاز 25% خلال السنوات الأخيرة يدفع الحكومة للتفكير خارج الصندوق
  • 9 توصيات تضمن لكولومبيا إحداث طفرة في صناعة النفط الصخري
  • معارضة سياسية واجتماعية وبيئية لسير إدارة دوكي في هذا الاتجاه
  • الشركات الاستثمارية تحتاج أطرا قانونية وتنظيمة قوية لا تخضع للتغيير السياسي

موارد النفط الصخري في كولومبيا قادرة على تحقيق قيمة أكبر من إجمالي إنتاج مصادر الطاقة التقليدية (النفط والغاز) التي طوّرتها البلاد حتّى الآن. فاحتياطيات كولومبيا من الموارد التقليدية أقلّ قليلًا من 2.6 مليار من مكافئ برميل النفط. في المقابل، تزيد احتياطيات النفط الصخري المحتملة في وادي ماغدالينا الأوسط بمعدّل يتراوح بين 2.7 و4.6 مرّة، مقارنةً باحتياطيات المصادر التقليدية.

قد تبدو هذه التقديرات التي أصدرتها شركة (إيكوبترول) النفطية الكولومبية المملوكة للدولة معادلة بسيطة من الناحية النظرية، لكن جون دي باديلا، الباحث في المجلس الأطلسي -وهي مؤسّسة بحثية مرموقة، تدير 10 مراكز إقليمية، ومقرّها واشنطن العاصمة- يرى أن حلّ هذه المعادلة ممكن، ولكن ليس بهذا البساطة التي قد يتصوّرها بعض الذين يمرّون بأعينهم على هذه التقديرات.

ثورة النفط الصخري في كولومبيا- كما يحلو لأنصار هذا التوجّه نعته بهذه الصفة- مرهونة بتحقّق عدد من العوامل السياسية والاقتصادية والجيولوجية والتشريعية والبيئية والاجتماعية، وإذا أحرزت الحكومة تقدّمًا ملموسًا، وبالتوازي مع هذه العوامل، وقتها فقط، يمكن الجزم بنجاح هذه المعادلة، والقطع بأن كولومبيا أصبحت تمتلك قطاعًا قويًّا في مجال النفط الصخري، حسبما توصّل باديلا في دراسته.

لطالما كان إنتاج النفط والغاز محرّكًا مهمًّا للنموّ الاقتصادي في كولومبيا، حيث يلعب الغاز على وجه الخصوص دورًا متزايدًا في تلبية الطلب المحلّي على الطاقة.

ومع ذلك، تراجع إنتاج النفط والغاز بنحو 25%، في السنوات الأخيرة، ما دفع الحكومة إلى دراسة إذا كان ينبغي تطوير موارد وفيرة غير تقليدية تتمثّل في النفط الصخري، من خلال تنفيذ مشروعات تجريبية استقصائية (PPIIs) يمكن أن تولّد إيرادات من هذا القطاع، وتحفّز- في الوقت ذاته- النموّ الاقتصادي، حيث تكافح الدولة للتعافي من تداعيات جائحة كوفيد-19 الخطيرة.

الشفافية والمساءلة ضمانة أساسية لتحقيق قفزات في إنتاج وتطوير النفط الصخري

وسط الاحتياطيات الوفيرة المحتملة من النفط الصخري، وصل تطوير هذا القطاع إلى نقطة تحوّل. منذ بداية منح مربّعات التنقيب والاستكشاف، عام 2012، تستعدّ عملية قانونية، انطلقت قبل 8 سنوات -يقودها الآن مجلس الدولة الكولومبي (CdE) وإدارة الرئيس إيفان دوكي لوضع إطار قانوني- للانتهاء من وضع إطار عمل، لكي تبدأ المشروعات التجريبية.

في هذا السياق، تبدو مجموعة من الشركات، بقيادة (إيكوبترول)، مستعدّة لتنفيذ المشروعات التجريبية. والحقيقة أن الدراسة الدقيقة للمزايا الاقتصادية والاعتبارات القانونية للتنقيب غير التقليدي، طوال فترة الثماني سنوات هذه، جعل إدارة دوكي مستعدّة جيّدًا لاتّخاذ الخطوة التالية في مواصلة تطوير النفط الصخري.

معارضة سياسية واجتماعية

بالرغم من أن هذه لحظة مهمّة، فإن تطوير موارد النفط الصخري في كولومبيا يواجه معارضة سياسية واجتماعية، تستند جزئيًا إلى مخاوف الرأي العامّ بشأن التأثير البيئي للتكسير الهيدروليكي.

يعارض العديد من السياسيّين والصحفيّين والمنظّمات غير الحكومية على المستوى الوطني عمليات التكسير الهيدروليكي، وستحتاج مخاوفهم إلى معالجة من أجل نجاح التنمية المستدامة للنفط الصخري.

ليس هذا هو الوقت المناسب للحكومة ومطوّري المشروعات التجريبية للاختباء وراء قرار مجلس الدولة والإطار القانوني المعمول به حاليًا، ولكن للعمل بجدّية أكبر لتأمين التأييد العامّ.

ينبغي على حكومة دوكي تطبيق نموذج (شراكة برميان الإستراتيجية) لإنجاح التجربة

من أجل تطوير موارد النفط الصخري بنجاح، ينبغي على كولومبيا تنفيذ لوائح قائمة على الأداء وتدابير شفافية حول منح المشروعات التجريبية والشركات التي تتولّى تنفيذها.

تحتاج الشركات التي تقدّم عطاءات بالنسبة للمشروعات التجريبية ضمانًا بأن الأطر القانونية والتنظيمية متينة، ولا تخضع للتغيير السياسي. من جانبها، يجب أن تحصل الصناعة على دعم عام أوسع، من خلال المشاركة على المستويين العامّ والمحلّي.

توصيات الدراسة

من هذا المنطلق، وضعت الدراسة وصفة ناجعة أو توصيات، حتّى تتمكّن الحكومة الكولومبية من إحداث طفرة في إنتاج النفط والغاز من هذا المورد غير التقليدي، تتمثّل في الخطوات التالية:

■ تنفيذ المشروعات التجريبية مع إعطاء الأولوية للشفافية والمساءلة، فبمجرّد تقييم جدواها البيئية والاقتصادية والاجتماعية، يجب أن توفّر كولومبيا فرصة للنقاش والحوار العامّ.. وبالرغم من أن موارد النفط الصخري في كولومبيا واعدة، فإنّه من غير الواضح ما إذا كانت التنمية التجارية ستنجح دون اختبار الجيولوجيا أوّلاً، أم لا.

■ ينبغي أن تعمل الحكومة بجدّية أكبر لإقناع الرأي العامّ بهذه القضية من أجل تنمية ناجحة ومستدامة للنفط الصخري. وبالرغم من أن الحكومة الكولومبيّة بذلت جهدًا كبيرًا لإعداد إطار ولوائح المشروعات التجريبية الاستقصائية، لدرجة أن الرئيس دوكي غيّر التزامه قبل الانتخابات بعدم الترويج لمصادر الطاقة غير التقليدية (النفط الصخري)، فإن حكومته لم تنتهج بعد إستراتيجية فعّالة لإشراك الجمهور في هذه المجموعة من القضايا.

■ يجب أن تعمل شركة إيكوبترول والحكومة معًا بشكل وثيق في توجيه رسائل قويّة للرأي العامّ، والدفاع عن هذا التوجّه والتوعية العامّة. وفي هذا السياق، ترى الدراسة أن التعاون الوثيق والشفافية بين إيكوبترول والحكومة الكولومبيّة أمران ضروريان لإقناع الجمهور بأن موارد النفط الصخري ستفيد الاقتصاد، وسيجري تطويرها بشكل مستدام، وإشراك المجتمعات المحلّية بشكل مناسب في هذه القضية.

■ استكشاف قدر أكبر من المشاركة المجتمعية، باستخدام أمثلة أخرى ناجحة، كنموذج (شراكة برميان الاستراتيجية) في الولايات المتّحدة، وهو تحالف يضمّ 20 شركة رائدة في مجال الطاقة في حوض برميان، التي انضمّت معًا للعمل في شراكة مع قادة عبر مجتمعات المنطقة لمواجهة التحدّيات الحاليّة والمستقبلية لتنمية موارد النفط والغاز الطبيعي الهائلة للحوض، في ولايتي نيو مكسيكو وتكساس.

■ يتعيّن على الحكومة الكولومبيّة إعطاء الأولوية لإجماع أوسع، من خلال البحث عن فرص للمشاركة ونقاش عامّ ومفتوح مع جميع الأطراف المعنيّة والمستفيدة من استكشاف النفط الصخري.

■ يجب أن تأخذ كولومبيا زمام المبادرة في القضايا البيئيّة بما يتّفق مع الحفاظ على التنوّع البيولوجي الغني للبلد. يجب استخدام التقنيات المرتبطة بتطوير موارد النفط الصخري، مثل أنظمة استرداد أو استرجاع البخار لحرق الغاز المصاحب والتهوية، بأسلوب مستدام بيئيًا قدر الإمكان، وكذلك أخذ اعتبارات سياسة الأراضي والمياه في الحسبان.

■ إعطاء الأولوية لتطوير البُنية التحتيّة، إذا أردنا استمرار تطوير موارد النفط الصخري.

■ تنفيذ اللوائح البنّاءة: يجب أن تكون اللوائح بنّاءة، وقائمة على الأداء، بما سيساعد في التخفيف من الآثار البيئيّة لاستكشاف النفط الصخري.

■ وضع إطار عمل اقتصادي يوفّر روابط مباشرة لتحوّل الطاقة: يجب أن يحدَّد الإطار الاقتصادي بوضوح التوقّعات حول كيفية مساعدة التنمية التجارية لموارد النفط الصخري كولومبيا بشكل ملموس في انتقال ذكي وواقعي للطاقة.

فرص كولومبيا النفطية

تبلغ احتياطيات النفط الخام المؤكّدة في كولومبيا إلى نسبة الإنتاج – وهو معيار يقيس عدد سنوات الإنتاج المتبقّية، بناءً على الاحتياطيات المؤكّدة الحاليّة- 6.3 سنوات. لكن هذا يبالغ في تقدير الواقع الحالي، نظرًا لانهيار أسعار النفط، عام 2020، وإغلاق عدد من الآبار، جراء جائحة كورونا، والتدابير التي اتّخذتها حكومات العالم لاحتواء الفيروس، مثل الإغلاق وتقييد حركة المواطنين والسفر وكذلك الشلل الذي أصاب النشاط الاقتصادي. والمبدأ العامّ هو أن تستمرّ الاحتياطيات المؤكّدة لأكثر من عشر سنوات، ومن ثمّ فإن الوضع خطير بالنسبة لبلد لا يزال يعتمد بشدّة على الهيدروكروب.

أكبر موارد الصخر الزيتي توجد في وادي ماغدالينا الأوسط

كنسبة مئوية من الناتج المحلّي الإجمالي، مثل قطاع النفط والغاز 4%، عام 2019، بانخفاض من 5%، بين عامي 2011 و2014. مثلّت عائدات النفط 32% من إجمالي الصادرات، في أغسطس/آب 2020، بانخفاض من 40%، عام 2019. نتيجة لذلك، يسهم النفط اليوم بنسبة 12% فقط من ميزانية كولومبيا، مقارنةً بنحو 22%، عام 2012.

لتعزيز احتياطيات النفط الخام المؤكّدة في كولومبيا، وإنتاج الهيدروكربونات، والنشاط الاقتصادي العامّ، أنشأت الحكومة الوكالة الوطنية للهيدروكربونات (ANH)، عام 2003، والتي سعت إلى زيادة القدرات التقنيّة لشركة إيكوبترول. سمحت جولات عطاءات الوكالة بزيادة إنتاج النفط بما يقرب من الضعف - حيث تجاوز مليون برميل يوميًا، في 2013 و2015 - قبل أن ينخفض ​-أوّلًا- بسبب انهيار أسعار النفط، عام 2014، ومؤخّرًا بسبب جائحة كوفيد-19.

الاكتشافات النفطية

بالرغم من النشاط المتزايد بشكل كبير، على مدى السنوات العشر الأخيرة، لم يكن هناك اكتشاف كبير مثل حقل كانو ليمون Caño Limón في الثمانينات (الواقع شمال شرق بوغوتا، في مقاطعة أراوكا، على الحدود مع فنزويلا)، أوCusiana Cupiagua في التسعينيات (جنوب كانو ليمون)، لتعزيز قطاع النفط والغاز في كولومبيا على الخريطة العالمية.

بالإضافة إلى عدم وجود جولات عطاءات للوكالة الوطنية للهيدروكربونات، بين عامي 2015 و 2019، بلغ متوسّط ​​الإنتاج بين 2016 وسبتمبر/أيلول 2020، ما يزيد قليلًا عن 856 ألف برميل يوميًا.

ضرورة معالجة القضايا البيئيّة بما يحافظ على التنوّع البيولوجي للبلاد

حتّى الآن، لم تقدّم الجهود الكبيرة، مثل Eastern Llanos (التي يُعتقد أنّها استمرار لحزام أورينوكو النفطي الغزير في فنزويلا) والبحر الكاريبي في كولومبيا ضخًّا كبيرًا في الاحتياطيات.

ومن ثمّ، تتجلّى أهمّية تنمية موارد الصخر الزيتي في كولومبيا، من خلال حجم الموارد المحتملة التي تمثّلها. يبلغ احتياطي كولومبيا (التقليدي) أقلّ بقليل من 2.6 مليار برميل من المكافئ النفطي، وبالمقارنة، فإن الاحتياطيات غير التقليدية المحتملة في كولومبيا تزيد بما يتراوح بين 2.7 مرّة، و4.6 مرّة عن احتياطيات النفط والغاز الحاليّة، بناءً على تقدير شركة إيكوبترول لإمكانات موارد الصخر الزيتي. وهذه كمّية هائلة من الموارد المحتملة التي لا تمتلكها الموارد التقليدية.

بالنسبة لشركة إيكوبترول، يعدّ هذا المورد المحتمل أمرًا حيويًا، نظرًا لأنّه يمكن أن ينتج 65% من إجمالي النفط الخام المحلّي، و86% من إجمالي الغاز.

مع امتلاك الحكومة 88.5% من جميع أسهم الشركة (يُطرَح الباقي للتداول العام)، تمثّل إيكوبترول حصّة الأسد من عائدات النفط والغاز التي تحصل عليها الحكومة، وإجمالي صادراتها.

تكوين لا لونا

توجد موارد الصخر الزيتي في كولومبيا -بشكل أساس- في تكوين لا لونا، مع وجود أكبر الموارد المحتملة في حوض وادي ماغدالينا الأوسط، موطن أوّل إنتاج نفطي للبلاد، في عام 1918، في لاسيرا-إنفانتاس.

يشار إلى أن سماكة تكوين لا لونا، ووضعه الجيولوجي، واحتواءه على نسبة عالية من خام النفط الخفيف، تجعله جذّابًا على نحو خاصّ.

سماكة طبقة تكوين لا لونا واحتواؤه على خام النفط الخفيف يفتحان شهيّة المستثمرين

نظرًا للتاريخ الطويل للإنتاج في المنطقة، فإن وادي ماغدالينا الأوسط ليس غريبًا على نشاط قطاع النفط والغاز.

في الواقع، أوجدت المنطقة وظائف وفرصًا ذات رواتب ومزايا أفضل مقارنةً بالبدائل الأخرى، لاسيّما الزراعة والتعدين وتربية الماشية، ولكن، في بعض الأحيان ، شهدت مناطق الإنتاج احتجاجات كبيرة، وحظرًا للإنتاج (من 2014 حتّى 2016 )، لا سيّما عندما يجري توجيه مقابل حقوق الانتفاع بشكل غير كافٍ على المناطق المتضرّرة محلّيًا .

من المتوقّع على نطاق واسع أن يؤدّي إصلاح نظام حقوق الملكية، والانتفاع الذي جرى إقراره مؤخّرًا، إلى تحسين دعم المجتمع المحلّي، ولكن هذا يؤكّد مدى أهمّية المشاركة الوثيقة مع السكّان المحليّين، حيث تستكشف كولومبيا آفاق تنمية الصخر الزيتي.

مع بدء إنتاج النفط في كولومبيا لأوّل مرّة في حوض وادي ماغدالينا الأوسط، من المهمّ إدراك أنّها أيضًا مهد اتّحاد نقابات عمّال النفط والغاز في كولومبيا (Unión Sindical Obrera de la Industria de Petróleo). ويظلّ وادي ماغدالينا الأوسط قاعدة قوّته. وهذا مهمّ نظرًا لأهمّية وتأثير الاتّحاد، ليس فقط في المنطقة، ولكن في جميع أنحاء البلاد.

كما إنّها كانت في قلب الصراع النقابي التاريخي الذي كان موجودًا منذ فترة طويلة. بالنظر إلى الوظائف والنشاط الاقتصادي الذي قد تخلقه تنمية موارد النفط الصخري، فإن الاتّحاد سيكون داعمًا بكلّ تأكيد. بيد أنّه سيرغب في ضمان الوظائف، وأن يكون له رأي في العديد من الجوانب التشغيلية للأنشطة المنفّذة.. إنّه أحد أصحاب المصلحة الرئيسيّين الذي لا يمكن تجاهله.

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق