بعد "ضربة الوباء".. هل تتعافى صناعة النفط الصخري الأميركي أخيرًا؟
سالي إسماعيل
- بعد انخفاض أسعار النفط خلال النصف الأول أغلقت شركات النفط الآبار وسرّحت عمال الحفر والتكسير مع خفض النفقات ليصل النشاط إلى القاع أواخر مايو
- بدأت صناعة النفط الصخري تتعافى في يونيو لكن كانت ومازالت محفوفة بالمخاطر
- الضغوط التي تواجه اللاعبين الكبار والصغار في الصناعة تثير الشكوك حول مستقبلها
- من المتوقع الوصول إلى ذروة العرض قبل ذروة الطلب
هل يتعافى النفط الصخري الأميركي أخيرًا؟ هذا التساؤل يفرضه الواقع الحالي بعد تعرض الصناعة إلى ضربة مزدوجة جراء هبوط قياسي في الطلب العالمي تزامنًا مع تخمة المعروض من الخام.
تسبب الوباء في انهيار قياسي في الطلب على وقود الطائرات والديزل والبنزين، مع إغلاق الدول، وتوقف النشاط الاقتصادي في كافة بقاع العالم، خشية تفشي فيروس كورونا.
وتفاقم الوضع بسبب تخمة المعروض، حيث كانت تنتج الولايات المتحدة كميات قياسية من النفط الخام، لكن مع حدوث حرب أسعار في السوق، تراكمت المخزونات الأميركية؛ مما أدى لنفاد مساحة التخزين المتاحة لدى صناعة النفط -تقريبًا-.
تسببت هذه الضربة المزدوجة -التي لا يمكن تصورها- في انهيار أسعار النفط الأميركي إلى ما دون الصفر لأول مرة في التاريخ في أبريل/نيسان الماضي.
ومع انخفاض الأسعار خلال الربعين الأول والثاني من هذا العام، أغلقت شركات النفط الآبار، وسرّحت عمال الحفر والتكسير، إضافة إلى خفض النفقات، ليصل النشاط إلى القاع في أواخر مايو/آيار الماضي، قبل أن يشهد حالة من التعافي المحفوفة بالمخاطر.
وبينما تعافت أسعار النفط الخام منذ ذلك الحين، ضغطت شركات النفط على مكابح الإنتاج، وخفضت النفقات بقوة؛ ما يضع ضغوطًا على صناعة النفط الصخري، والتي كانت غير مفضلة لدى "وول ستريت"؛ بسبب الفشل في تحقيق الأرباح، على الرغم من مساعدتها في جعل الولايات المتحدة أكبر منتج للنفط والغاز في العالم.
- ارتفاع كبير نسبياً في عدد حفارات النفط الأميركية
-
89 مليار دولار ديون في 9 أشهر.. ماذا يحدث لشركات النفط والغاز الأميركية؟
وانهار عدد الحفارات العاملة في الولايات المتحدة بأكثر من 60% منذ بداية العام الحالي، لكنه زاد بوتيرة معتدلة من القاع المسجل في مايو/آيار الماضي عند 251 حفارة إلى 269 حفارة حتى يوم 5 أكتوبر/تشرين الأول الجاري.
كما أن إنتاج النفط الأميركي يقف حاليًا دون 11 مليون برميل يوميًا، وفقًا لبيانات إدارة معلومات الطاقة الأميركية أو حوالي 15% أقل من الذروة المحققة في وقت سابق من 2020.
مأزق نقطة التعادل
بعد الثورة الهائلة في مجال النفط الصخري، والتي أدت إلى استقلال الولايات المتحدة لتتحول من مستورد إلى مصدر للخام، تضرر النشاط من فيروس (كوفيد-19) وما أعقبه من تراجع في الطلب العالمي وانهيار في الأسعار.
ومع انخفاض سعر العقود الآجلة لخام غرب تكساس إلى ما دون 30 دولارًا، ثم 20 دولارًا، وحتى هبوطه لبعض الوقت داخل النطاق السالب، بدأ منتجو النفط الصخري في الولايات المتحدة يتعرضون للضغوط.
ارتفاع أسعار النفط هو الحل السحري لصناعة النفط الصخري على المدى القريب
ويمثل سعر النفط بين نطاقي 45 و 50 دولارًا للبرميل نقطة التعادل -وهي النقطة التي تكون عندها التكلفة والإيرادات متساوية بحيث لا يوجد أيّ مكاسب أو خسارة صافية- لمعظم العاملين في مجال النفط الصخري؛ مما يعني الحاجة لعدم انخفاض أسعار الخام عند 45 دولارًا من أجل موازنة التدفقات النقدية التشغيلية مع النفقات الرأسمالية.
كانت بعض شركات النفط الصخري تكافح بالفعل لتحقيق ربح قبل كورونا، ومع تفشي الوباء تقدم العديد من هؤلاء اللاعبين بطلب للإفلاس، وفق تقرير نشره موقع "زاكس" للأبحاث.
وفي ظل أسعار النفط الخام السائدة، والتي تبلغ حوالي 40 دولارًا للبرميل، من غير المرجح أن تصل المزيد من الشركات إلى نقطة التعادل للتدفق النقدي.
نظرة فاحصة على إنتاج أحواض الصخري الرئيسية
نتيجة لهذه البيئة غير المناسبة، خفضت شركات النفط الصخري نشاط الحفر، كما خفضوا ميزانيتهم الرأسمالية بشكل كبير.
وحسب التقرير الأخير الصادر عن إدارة معلومات الطاقة الأميركية، من المتوقع أن ينخفض إنتاج النفط الصخري من 7.813 مليون برميل يوميًا في أكتوبر/تشرين الأول الجاري إلى 7.692 مليون برميل يوميًا في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، وهي المستويات التي شوهدت آخر مرة في عام 2018.
ومع إلقاء نظرة فاحصة على أهم سبعة أحواض من الصخر الزيتي في الولايات المتحدة، نجد أن نوفمبر/تشرين الثاني سيكون الشهر السابع على التوالي الذي يشهد تراجعًا في إنتاج النفط.
ومن المقرر أن يفقد حقل "إيغل فورد" نحو 34 ألف برميل يوميًا خلال الفترة بين شهري أكتوبر/تشرين الأول ونوفمبر/تشرين الثاني، وهي أكبر وتيرة هبوط بين جميع أحواض النفط الصخري الرئيسية، وهو ما يأتي مع قيام شركات أمثال "ماراثون أويل" بخفض النفقات الرأسمالية.
وعلى وجه التحديد، يُنظر إلى الإنتاج في أكبر حقل نفطي في الولايات المتحدة، وهو حوض برميان، والذي يقع في الجزء الغربي من تكساس والجزء الجنوبي الشرقي من نيو مكسيكو، على أنه عاد للانخفاض مجددًا بعد تعافٍ محدود.
ومن المتوقع أن ينخفض الإنتاج من حوض برميان بنحو 17 ألف برميل يوميًا في الشهر المقبل إلى 4.365 مليون برميل يوميًا، ليكون الهبوط الخامس في غضون 7 أشهر.
التراجعات المستمرة في إنتاج الصخري تهدد بإزاحة الولايات المتحدة من على عرش الدول المنتجة للنفط
ووصل إنتاج النفط في هذا الحوض إلى أعلى مستوى في تاريخه عند حوالي 4.8 مليون برميل يوميًا في شهر أبريل/نيسان، بحسب بيانات إدارة معلومات الطاقة الأميركية.
وفي الواقع، يُشكل إنتاج النفط من حوض برميان أكثر من ثلث إجمالي إنتاج الخام الأميركي، حيث يُنسب لإنتاج هذه المنطقة الفضل في تحول الولايات المتحدة لأكبر منتج للنفط في العالم متقدمة على روسيا والسعودية.
ومع ذلك، فإن هذا الإنتاج الذي بلغ ذروة تدهور لاحقًا مع الانخفاض الحاد في أسعار النفط، حيث يستثمر منتجو الطاقة في برميان بما في ذلك "دايموندباك إنرجي" و"سيماركس إنرجي" و"كونشو ريسورسيز" أموالًا أقل بكثير هذا العام في مواجهة الأسعار المنخفضة.
وكدليل على الاعتدال في النشاط، انخفض عدد الحفارات في حوض برميان -مؤخرًا- إلى مستوى قياسي بلغ 117 حفارة، حسب بيانات شركة "بيكرهيوز".
ماذا عن المستقبل بالنسبة لـ"الصخري الأميركي"؟
من المرجح أن تكون براميل النفط قد عادت إلى السوق، لكن الافتقار إلى نشاط الحفر، بالإضافة إلى الأوضاع التي تساعد على الهبوط ستشهد -على الأرجح- انخفاضًا حادًا في الإنتاج خلال الربع الرابع.
وتستعد رقعة النفط الصخري في الولايات المتحدة لانخفاض حاد في الإنتاج خلال الربع الأخير من العام، وهو الاتجاه الذي -من المرجح- أن يمتد حتى عام 2021؛ نتيجة لنقص نشاط التنقيب وتزايد قلق المنتجين، نقلًا عن تقرير لـ "بتروليوم إيكونوميست".
وتراجع سعر خام غرب تكساس مجددًا دون مستوى 40 دولارًا للبرميل في أواخر سبتمبر/أيلول الماضي وسط مخاوف اندلاع الموجة الثانية من عدوى الوباء، والتي قد تؤدي لمزيد من التباطؤ في التعافي الاقتصادي.
لكن تعافي قطاع النفط الصخري الأميركي يبدو محدودًا بالنظر إلى التخفيضات الكبيرة في النفقات الرأسمالية والتركيز على الانضباط الرأسمالي والافتقار للحافز الذي سيخلقه استمرار الأسعار المنخفضة.
وشهدت عمليات إتمام الآبار والتكسير تراجعًا خلال عام 2020، حيث تقدر شركة الاستشارات "ريستاد إنرجي" أن الإنتاج المحلي سيحتاج ما بين 280 إلى 300 بئر مكتملة للحفاظ على حجم الإنتاج ثابتًا في العام المقبل.
ومن المرجح أن يستمر المنتجون في الإحجام عن الإنفاق حتى يتحسن سعر خام غرب تكساس، حيث يقول رئيس النفط الصخري في ريستاد، أرتيم أبراموف، إن المشغلين الكبار سيظلون ملتزمين بالانضباط الرأسمالي.
وتضيف شركة "كونتيننتال ريسورسيز" أنه بالنسبة للعديد من الشركات يجب أن يرتفع سعر النفط لنطاق يتراوح بين 50 إلى 60 دولارًا للبرميل قبل ملاحظة الكثير من التغيير.
وظائف الصناعة في خطر
مع الضغوط التي تواجه اللاعبين الكبار والصغار -على حد سواء- في صناعة النفط الأميركي، كانت عمليات تسريح العمال في المقابل تحدث بوتيرة غير مسبوقة من أجل التعامل مع الوباء الذي تسبب في انهيار أسعار الطاقة وأثار الشكوك حول مستقبل الوقود.
وبحسب تحليل أجرته شركة "ديلويت" للخدمات المهنية، تم محو نحو 107 آلاف وظيفة من صناعة النفط والغاز الأميركي والكيماويات في الفترة بين شهري مارس/آذار وحتى أغسطس/آب الماضي.
لم تشهد صناعة الصخري أزمة من قبل في تسريح العمالة مثل الوقت الحالي
ويعد ما سبق أسرع وتيرة تسريح للعمال في تاريخ الصناعة، مع حقيقة أن هذا الرقم لا يشمل الأشخاص الذي تم مُنحوا إجازة مؤقتة، أو خُفضت رواتبهم.
وحتى إذا ظلت أسعار النفط الأميركي عند مستوى 45 دولارًا للبرميل حتى نهاية عام 2021، فإن 70% من الوظائف المفقودة خلال الوباء في صناعة النفط والغاز والكيماويات ربما لن تعود بحلول نهاية العام المقبل، حسب تحليل ديلويت.
ووجدت ويلويت أن تغيير بمقدار دولار واحد صعودًا أو هبوطًا في أسعار النفط الأميركي يمكنه أن يؤثر على 3000 وظيفة في خدمات التنقيب والإنتاج وحقول النفط مقارنة مع 1500 وظيفة في فترة التسعينات.
وبعبارة أخرى، فإن الرابط بين الوظائف والأسعار أقوى مرتين مما كانت عليه في ذلك الوقت.
أما إذا ارتد سعر الخام الأميركي إلى 55 دولارًا للبرميل، وظل هناك حتى عام 2021، فإن ديلويت تقدّر أن 76% من الوظائف التي فُقدت خلال الوباء قد تعود.
لكن في السيناريو المتشائم، حيث يظل سعر النفط عند 35 دولارًا حتى العام المقبل، سيعود 3% فقط من هذه الوظائف المفقودة، وفقًا للتقرير.
وفي وقت سابق من هذا الشهر، أعلنت شركة إكسون موبيل أنها تخطط لتسريح ما يصل إلى 1600 عامل في أوروبا؛ كجزء من عملية مراجعة عالمية واسعة النطاق.
وخلال بيان صادر عن الشركة، تقول "إكسون" -التي كان لديها نحو 75 ألف موظف في نهاية العام الماضي- إن الإجراءات المهمة مطلوبة في هذا الوقت لتحسين القدرة التنافسية من حيث التكلفة وضمان إدارة الشركة من خلال ظروف السوق غير المسبوقة تلك.
وقالت شلمبرجير، وهي أكبر شركة لخدمات حقول النفط في العالم، في يوليو/تموز الماضي أنها قد تخفض نحو 21 ألف وظيفة.
ديون صناعة النفط الصخري تتراكم
يضاف إلى العقبات السابقة في طريق الصناعة، كم الديون الهائلة التي تراكمت على الشركات، حيث تقدر شركة المحاماة الأميركية "هاينز آند بون" أن هناك نحو 36 شركة نفط أمريكية تقدمت بطلب إفلاس في عام 2020، مع مديونيات متراكمة تبلغ في المجمل 50.9 مليار دولار.
لكن التحوط القوي منع -إلى حد كبير- الوصول إلى مستويات الإفلاس نفسها المسجلة في أعقاب انهيار أسعار النفط في الفترة بين عامي 2014 و2016.
لكن مع اقتراب عام 2021، فإن ارتفاع الديون مستحقة السداد عبر صناعة النفط الصخري الأميركي يرسم صورة مختلفة؛ إذ من المتوقع حدوث المزيد من حالات الإفلاس حتى ينتهي الوباء، أو على الأقل حتى عودة المزيد من الظروف الاقتصادية الطبيعية ومستويات الطلب.
لقاح للوباء شرط أساسي
ترى شركة "أوكسيدنتال بتروليوم" أن إنتاج الولايات المتحدة من النفط لن يعود مرة أخرى إلى الرقم القياسي البالغ 13 مليون برميل يوميًا، والذي تم تحديده في وقت سابق من هذ العام قبل أن يتسبب الوباء في تدمير الطلب العالمي، حسب ما نقلته وكالة بلومبرغ.
بلوغ الإنتاج الأميركي لـ13 مليون برميل يوميا كما كان من قبل لن يتحقق قبل عام على الأقل
وتعد "أوكسيدنتال" واحدة من أكبر منتجي صناعة النفط الصخري في الولايات المتحدة، والتي أضافت عددًا كبيرًا من الآبار قبل انتشار الوباء، الأمر الذي جعل البلاد أكبر منتج للنفط الخام في العالم، بالتزامن مع العصر الذي أطلق عليه الرئيس دونالد ترمب "الهيمنة الأميركية على الطاقة".
واضطرت "أوكسيدنتال" التي تتنافس مع شركة "شيفرون" لتكون أكبر منتج في حوض برميان، إلى تقليص الإنفاق الرأسمالي وخفض أهداف النمو، وتقليص توزيعات الأرباح في محاولة لتوفير السيولة خلال فترة الانكماش الاقتصادي وتراجع الطلب.
وقالت الرئيسة التنفيذية لشركة أوكسيدنتال، فيكي هولوب، في منتدى "إنرجي" للطاقة، إن الاستهلاك العالمي يبلغ حوالي 94 مليون برميل يوميًا، ويجب توفير لقاح ضد الوباء قبل أن يعود الاستهلاك إلى 100 مليون برميل.
وأضافت أنه من المرجح أن يتوازن العرض والطلب على النفط مرة أخرى بحلول نهاية عام 2021، مشيرة إلى أنه من المتوقع الوصول إلى ذروة العرض قبل ذروة الطلب.
خلاصة القول
خلاصة القول إنه من غير المرجح عكس الاتجاه في أيّ وقت قريب فيما يتعلق بالتخفيضات في نشاط الحفر وتباطؤ الإنتاج، ما لم يكن هناك زيادة مستمرة في أسعار النفط، وهي احتمالات تبدو ضعيفة بالنظر إلى تراكم المخزونات الذي مازال هائلًا والمخاوف بشأن الموجة الثانية من الوباء التي قد تدمر تعافي الطلب.
ويقول الرئيس التنفيذي لشركة بارسلي، مات غالاغر، خلال منتدى "إنترجي" إن الصناعة أصبحت جاهزة الآن للتعافي شريطة إتباع نهج أكثر شفافية وعدم التركيز على نمو الإنتاج، بل معالجة مخاوف المستثمرين والمجتمع بشأن قضايا مثل التلوث.