المقالاترئيسيةسلايدر الرئيسيةعاجلمقالات النفطنفط

مقال- أنس الحجي يكتب لـ"الطاقة": ماذا يعني انخفاض إنتاج النفط الصخري للسعودية وأسواق النفط؟

أغلب النفط الليبي من الخفيف والخفيف جدًّا الحلو، يعني هذا أن أيّ صادرات ليبية ستعوّض عن جزء من انخفاض إنتاج الصخري الأميركي وصادراته

أنس بن فيصل الحجي*

انخفض إنتاج النفط الأميركي في شهر أبريل/نيسان الماضي، بمقدار 669 ألف برميل يوميًا، عن الشهر الذي سبقه، إلى 12.061 مليون برميل يوميًا، وفقًا للتقرير الشهري لإدارة معلومات الطاقة الأميركية. وكان متوسّط أسعار النفط الشهري قد انخفض قرابة 40% من متوسّط 50.54 دولارًا للبرميل، في فبراير/شباط، إلى 30.45 دولارًا للبرميل في مارس/آذار، ثمّ انخفض في أبريل/نيسان بنسبة 45% إلى 16.70 دولارًا للبرميل، يوميًا.

وتحوّلت أسعار خام غرب تكساس إلى السالب، في يوم تاريخي عصيب، وهو يوم 20 إبريل/نيسان، تحوّلت فيه أسعار الخام الأميركي إلى سالب 38 دولارًا للبرميل.

لهذا، فإنّه يُتوقّع أن تُظهر البيانات الشهرية -مستقبلًا- انخفاضًا كبيرًا في إنتاج شهر مايو/أيّار. والحقيقة أن البيانات الأسبوعية لإدارة معلومات الطاقة الأميركية تُظهر انخفاضًا كبيرًا في إنتاج الولايات المتّحدة، إلّا أنّها بيانات مقدّرة، ولا نعرف الواقع إلّا بعد شهرين من الآن.

فالإدارة تقدّر أن الإنتاج الأميركي انخفض في شهر مايو/أيّار، ووصل إلى 10.5 مليون برميل يوميًا، في الأسبوع الثاني من شهر يونيو/حزيران. ورغم أن إدارة المعلومات تقدّر أن الإنتاج زاد بمقدار 500 ألف برميل يوميًا، في الأسبوع الثالث، مع ارتفاع أسعار النفط، وعودة بعض الآبار التي أُغلقت، إلّا أن هذه الزيادة تمثّل قرابة ربع ما جرى إغلاقه فقط، وهي الزيادة الوحيدة، لأنّه لم يكن هناك أيّ زيادة في الأسبوع الرابع، الذي انخفضت فيه أسعار النفط.

ولا يمكن فهم أثر انخفاض إنتاج النفط الأميركي في السوق، إلّا بمقارنة البيانات الحاليّة بما كان متوقّعًا أن يحدث في هذا الوقت من العام. الإنتاج الحالي أقلّ ممّا كان متوقّعًا في نهاية العام الماضي لهذا الشهر، بزهاء 2.3 مليون برميل يوميًا. هذا الفرق تزداد أهمّيته مع انحسار كورونا، وعودة الطلب على النفط على ما كان عليه قبل كورونا.

وتشير بيانات إدارة المعلومات إلى أن أغلب الانخفاض جاء من حقول النفط الصخري، ولهذا انعكاسان مهمّان على أسواق النفط: الأوّل، أن نموّ الإنتاج الأميركي كان يأتي كلّه من الصخري، ومن ثمّ، فإن الانخفاض يعني خسارة النموّ من جهة، وخسارة الانخفاض عن الشهر الذي قبله من جهة أخرى. الثاني، يتعلّق بنوعية النفط. بما أن النفط الصخري هو من النوع الخفيف الحلو والمكثّفات، فإن انخفاضه سيؤثّر في الفروقات السعريّة من جهة، وفي إنتاج البنزين من جهة أخرى.

وتشير بيانات شهر أبريل إلى انخفاض الإنتاج في ولاية تكساس، خاصّةً من حقل "برميان"، بمقدار 234 ألف برميل يوميًا، أغلبها من النفط الخفيف والمكثّفات. كما انخفض إنتاج حقل "باكان" في داكوتا الشمالية بمقدار 195 ألف برميل يوميًا، وأغلب الإنتاج أيضًا من النفط الخفيف الحلو والمكثّفات. كما انخفض إنتاج ولاية وايومينج بمقدار 38 ألف برميل يوميًا ونيومكسيكو بمقدار 26 ألف برميل يوميًا. وكما في تكساس وداكوتا الشمالية، فإن أغلب الانخفاض من النفط الخفيف والمكثّفات.

هذا الانخفاض في إنتاج النفط الخفيف والمكثّفات مهمّ جدًّا، ونرى آثاره الآن: مع انخفاض إنتاج هذا النوع من النفط، بدأت بعض دول أوبك باستعادة جزء من حصّتها السوقية التي خسرتها خلال العقد الماضي، بسبب ثورة الصخري، خاصة نيجيريا والجزائر. وهذا يفيد السعودية، لأن استعادة نيجيريا والجزائر جزءًا من حصّتهما في الولايات المتّحدة، يخفف من حدّة التنافس بين دول أوبك في الدول الآسيوية، وتستعيد دول الخليج جزءًا من حصّتها السوقية في آسيا.

لهذا، فإن لانخفاض إنتاج النفط الأميركي ثلاثة آثار في أسواق النفط. الأوّل، تلاشي النموّ في إنتاج الصخري تمامًا، الأمر الذي سيجبر وكالة الطاقة الدولية و أوبك وشركات النفط العالمية على تغيير استشرافها لمستقبل النفط، على المستويات القريبة والمتوسّطة والبعيدة، بشكل يعطي دول أوبك حصّة سوقية أكبر، وفي ظلّ انتهاء كارثة كورونا، فإن هذا وحده كافٍ لدعم أسعار النفط، لمدّة عامين، على الأقلّ.

الثاني، هو انخفاض الإنتاج، وهذا يعني زيادة استيراد الولايات المتّحدة من النفط الخفيف من جهة، وانخفاض صادراتها المستقبلية من جهة أخرى. وهذا من شأنه زيادة الطلب وانخفاض المخزون وارتفاع الأسعار. الثالث، هو التخفيف من حدّة المنافسة ضمن دول أوبك في الأسواق الآسيوية والأوروبّية، عن طريق استرجاع بعض الدول، مثل نيجيريا والجزائر، جزءًا من حصّتها السوقية في الولايات المتّحدة.

ماذا عن عودة ليبيا؟

تواترت أنباء، أمس، عن عودة حقل مسلة الليبي، في جنوب شرق ليبيا، الذي يمكن أن ينتج قرابة 90 ألف برميل يوميًا، إذا تمّ تشغيله بالكامل. كما انتشرت أخبار عن مباحثات لإعادة ضخّ النفط الليبي، يشارك فيها دول مختلفة، بهدف تقسيم الإيرادات. إلّا أن تقسيم الإيرادات يرسّخ مفهوم انقسام ليبيا إلى قسمين، وزيادة احتمال امتداد الصراع لسنوات طويلة، وهذا سيلقي بظلاله على أسواق النفط العالمية بشكل دائم. وفيما يلي أهمّ النقاط:

أوّلًا، الوضع في ليبيا متأزّم جدًّا، الأمر الذي يجعل الوصول إلى اتّفاق صعبًا، وكسر أيّ اتّفاق سهلًا.

ثانيًا، أغلب النفط الليبي من الخفيف والخفيف جدًّا الحلو، يعني هذا أن أيّ صادرات ليبيّة ستعوّض عن جزء من انخفاض إنتاج الصخري الأميركي وصادراته.

ثالثًا، الصراع بين الدول المختلفة على النفط الليبي هو صراع إستراتيجي بحت، وليس لإرواء عطش أيّ دولة من النفط. فمن يسيطر على نفط ليبيا يسيطر على مستقبلها. النفط هو مصدر قوّة الخصم، لذلك لابدّ من السيطرة على منابع النفط، لإضعاف الخصم. بعدها يمكن دعم حكومة كما يريدها المنتصر، بتمويل ذاتي من إيرادات النفط الليبي.

والحقيقة أن الفترة الحالية هي فترة ذهبية لإعادة بناء ليبيا، بعيدا عن النفط، لأن عودة اعتمادها على النفط سيجعلها عراق ثان. أقول هذا والقلب يعتصر ألمًا أن يستخدم العراق كمثال بهذا الشكل.

ليبيا "المستقرّة" تستطيع -بجهود أبنائها- التحوّل إلى دولة متنوّعة الدخل بنموّ اقتصادي عالٍ، إذا خفضت اعتمادها على النفط من الآن. المشكلة أن الدول الأخرى كلّها تحاول السيطرة على النفط، لبناء حكومة جديدة تعتمد على النفط، وهذا ليس في صالح ليبيا على المدى الطويل.

*خبير في أسواق الطاقة - المقال خاص لـ"الطاقة"

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق