هل يرتفع إنتاج النفط في فنزويلا حال سقوط النظام؟.. مقارنة مع تجربة العراق

يبدو مستقبل إنتاج النفط في فنزويلا مرهونًا بمآلات التوترات السياسية الحادة القائمة بين إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، ونظيره الفنزويلي نيكولاس مادورو.

وارتفعت حدة الانتقادات التي وجّهها الرئيس الأميركي إلى الحكومة الفنزويلية منذ عودته للبيت الأبيض مجددًا أوائل عام 2025، على خلفية قضايا تجارة المخدرات وتدفقات الهجرة غير الشرعية.

وتطورت الانتقادات -خلال الأسابيع الأخيرة- إلى تهديدات بغزو فنزويلا عسكريًا، مع إرسال الجيش الأميركي أكثر من 12 سفينة حربية و15 ألف جندي إلى المنطقة، استعدادًا لتنفيذ ضربات داخل البلاد.

ووصل التصعيد بين البلدَين إلى فرض حظر جوي على الطيران إلى فنزويلا، وإنذار نيكولاس مادورو بمغادرة البلاد، مع وضع مكافأة مالية كبيرة لمن يدلي بمعلومات تؤدي إلى اعتقاله.

في هذا السياق، ثارت تكهنات بين المحللين وخبراء الطاقة حول مستقبل إنتاج النفط في فنزويلا، إذا أدت التوترات إلى إسقاط النظام السياسي بالقوة.

فبحسب تحليل حديث لشركة أبحاث وود ماكنزي -اطلعت عليه وحدة أبحاث الطاقة- يمكن لسيناريو ارتفاع إنتاج النفط الفنزويلي أن يتحقق على غرار ما حدث في العراق بعد سقوط النظام عام 2003، ولكن بشروط.

هل يرتفع إنتاج النفط في فنزويلا؟

واجه إنتاج النفط في فنزويلا تحديات كبيرة منذ صعود التيار اليساري إلى السلطة عام 1999، بسبب التوتر الدائم مع حكومات الولايات المتحدة المتعاقبة.

ورغم أن التوترات ظلّت قائمة مع نيكولاس مادورو الذي يدير البلاد منذ رحيل هوغو تشافيز عام 2013 وحتى الآن، فإن الأزمة الحالية تكاد تكون الأصعب في تاريخ فنزويلا، مع تهديد الرئيس الأميركي بالغزو، واستعداده لذلك عسكريًا خلال الأسابيع الأخيرة.

وبعيدًا عن مدى شرعية التدخل العسكري في شؤون الدول الأخرى، يتوقع خبراء التحليل في شركة أبحاث وود ماكنزي، انتعاش إنتاج النفط في فنزويلا على المديَين القصير والطويل، إذا رُفعت العقوبات وتوافر الدعم المالي والسياسي المناسب للصناعة.

ويعتقد كبير محللي شؤون المنبع في أميركا اللاتينية أدريان لارا، أن تحقيق زيادات سريعة في الإنتاج الفنزويلي ممكنة، إذا تحسّنت الإدارة التشغيلية لبعض الحقول.

ويستند لارا في هذه التوقعات إلى أن بعض الآبار تحتاج إلى صيانة فقط لإنعاشها، ما يعني أن نمو الإنتاج ممكن من خلال زيادة النفقات التشغيلية دون الحاجة إلى نفقات رأسمالية كبيرة.

وبحسب التقديرات، يمكن أن تؤدي التحسينات التشغيلية وبعض الاستثمارات المتواضعة في منطقة حزام أورينوكو للنفط الثقيل (Orinoco Belt)، إلى رفع إنتاج النفط في فنزويلا لمستويات منتصف العقد الأول من القرن الـ21، عند مليونَي برميل يوميًا، في غضون عام أو عامَين، إذا توافرت الظروف المواتية.

ويدور إنتاج النفط في فنزويلا -حاليًا- حول 900 ألف برميل يوميًا، مقارنة بأكثر من 3 ملايين برميل يوميًا أوائل العقد الأول من القرن الـ21، ومليوني برميل يوميًا في 2017، بسبب الآثار الممتدة للعقوبات وسوء الإدارة المحلية للموارد.

ويوضح الرسم الآتي -أعدّته وحدة أبحاث الطاقة- تطورات إنتاج النفط الخام والمكثفات والسوائل الغازية في فنزويلا منذ 1965 إلى 2024:

ورغم توقع محلل وود ماكنزي، ارتفاع الإنتاج الفنزويلي على المدى القصير، إذا تحسّنت النفقات التشغيلية، فإن الإنتاج على المديَين المتوسط والطويل يتطلّب استثمارات كبيرة خاصة في منطقة حزام أورينوكو التي تضم أغلب احتياطيات البلاد.

ويرجع ذلك إلى أن معظم وحدات التحديث اللازمة لمعالجة نفط هذه المنطقة توقفت عن العمل بين عامَي 2019 و2021، فيما تحتاج الوحدات المتبقية إلى إنفاق مستمر لمواصلة العمل.

واستنادًا إلى ذلك، تقدّر وود ماكنزي حجم الاستثمارات المطلوبة لمشروعات حزام أورينوكو المشتركة بين شركة النفط الفنزويلية الوطنية (PDVSA) وشركات النفط العالمية بما يتراوح من 15 إلى 20 مليار دولار لزيادة إنتاجها بمقدار 500 ألف برميل يوميًا خلال السنوات الـ10 المقبلة.

أوجه الشبه والاختلاف مع حالة العراق

يظهر نموذج إنتاج النفط في العراق أن تغيير النظام السياسي وإنهاء العقوبات يمكن أن يؤدي إلى تغييرات جوهرية في إنتاج النفط، بحسب وود ماكنزي.

ففي عام 2002، أي قبيل الغزو الأميركي، بلغ إنتاج العراق مليونَي برميل يوميًا، ثم ارتفع تدريجيًا إلى أكثر من ضعف هذا الرقم بحلول عام 2019، ليصل إلى 4.7 مليون برميل يوميًا.

ويوضح الرسم الآتي -أعدّته وحدة أبحاث الطاقة- تطورات إنتاج النفط الخام والمكثفات والسوائل الغازية في العراق منذ 1965 حتى 2024:

ورغم ذلك، فإن النمو في إنتاج العراق بعد الغزو الأميركي جاء في ظروف مغايرة إلى حد ما، حيث كان الطلب العالمي على النفط يشهد نموًا مطردًا، بقيادة الصين، كما كانت متوسطات الأسعار داعمة لزيادة الإنتاج.

أما عام 2025 فقد شهد ضغوطًا هبوطية على أسعار النفط، وسط مخاوف من تباطؤ الطلب العالمي في ظل حروب الرسوم الجمركية الأميركية التي فرضها ترمب على الصين والعالم، كما أثارت مخاوف من احتمالات زيادة المعروض النفطي من جانب تحالف أوبك+.

وتشير هذه الاعتبارات إلى اختلاف الظروف بين حالة العراق بعد عام 2003، وحالة فنزويلا الحالية المهددة بغزو عسكري أميركي قد يطيح بالنظام على غرار ما حصل مع صدام حسين.

كما تثير عضوية فنزويلا في منظمة أوبك تساؤلات حول القيود المحتملة على نمو إنتاجها المستقبلي، ما قد يعوق الشركات العالمية عن التوسع في خطط الإنتاج خشية الاصطدام بقيود أوبك، بحسب التحليل.

ورغم أن رفع العقوبات عن قطاع النفط ما زال شرطًا ضروريًا لإنعاش إنتاج فنزويلا من النفط على المدى الطويل، فإن الرفع وحده ليس كافيًا لتحقيق ذلك، بل تحتاج الشركات إلى طمأنتها بأن الظروف ستكون مواتية قبل زيادة استثماراتها في كاراكاس.

جدير بالذكر أن فنزويلا تمتلك أكبر احتياطيات نفطية مؤكدة في العالم بما يتجاوز 303 مليارات برميل، وهو ما يعادل خُمس الاحتياطيات العالمية، بحسب تقديرات منظمة أوبك.

ويروّج الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو إلى أن صراع إدارة ترمب معه يستهدف السيطرة على احتياطيات بلاده النفطية الهائلة، في حين تنفي وزارة الخارجية الأميركية ذلك، وتتهم حكومته بالتسبب في زيادة تدفقات المخدرات والمهاجرين غير الشرعيين إلى واشنطن.

موضوعات متعلقة..

• فنزويلا.. ماذا تعرف عن الدولة صاحبة أكبر احتياطيات نفطية في العالم؟
• حقول النفط والغاز في فنزويلا.. ملف خاص عن الاحتياطيات والإنتاج
• تخفيف عقوبات النفط الفنزويلي.. ماذا يعني وما علاقته بالنفطيْن الكندي والكردستاني؟ (تحليل)

اقرأ أيضًا..

• وقف إنتاج النفط من حقل غرب القرنة 2 العراقي بالكامل
• مصادر: إخلاء حقل هجليج السوداني وتوقف الإنتاج خوفًا من الدعم السريع
• ليبيا تريد اقتناص الغاز الأفريقي في منافسة المغرب والجزائر
• نفط كردستان العراق يتدفق إلى أميركا.. تقرير يكشف تفاصيل مهمة

المصدر:

1. تحليل احتمالات إنتاج النفط في فنزويلا إذا سقط النظام، من وود ماكنزي.