مصافي النفط في ليبيا.. قدرات كبيرة وإنتاج محدود
سامر أبووردة

تمثل مصافي النفط في ليبيا ركيزة أساسية بالبنية التحتية للطاقة؛ إذ تعتمد الدولة العربية الغنية بالخام على هذه المنشآت لتأمين احتياجاتها من الوقود والمشتقات المختلفة، وسط تحديات الاضطرابات السياسية المستمرة.
وبحسب بيانات حديثة لدى منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، بلغت الطاقة الإجمالية لتكرير النفط في ليبيا خلال عام 2024 نحو 666 ألف برميل يوميًا، كما لم يتجاوز الإنتاج الفعلي 188 ألف برميل يوميًا، أي ما يعادل 28.2% فقط من الطاقة المتاحة.
وبهذا تزيد الطاقة التكريرية التصميمية لـ8 مصافٍ للخام والمكثفات على الإنتاج الفعلي بنحو 3.5 مرة؛ ما يعكس الفجوة التشغيلية الكبيرة بين الإمكانات المتاحة ومستوى الأداء.
وتُعزى هذه الفجوة إلى تراجع كفاءة مصافي النفط في ليبيا نتيجة الأضرار التي لحقت بها بسبب الحروب المتكررة والانقسامات الإدارية التي عطّلت خطط التطوير لسنوات.
مصفاة راس لانوف
تتصدر مصفاة راس لانوف قائمة مصافي النفط في ليبيا بطاقة تكريرية تبلغ 220 ألف برميل يوميًا، وتشكل أحد أهم مصادر إنتاج النافثا والديزل والكيروسين وزيت الوقود الثقيل، بحسب بيانات قطاع التكرير الليبي لدى منصة الطاقة المتخصصة.
تقع المصفاة في منطقة قريبة من ميناء راس لانوف بين مدينتي بن جواد ومرسى البريقة على الساحل الشمالي للبلاد، في خليج سرت، وتشكل جزءًا من مجمع راس لانوف للبتروكيماويات الذي يضم وحدات لإنتاج الإيثيلين والبولي إيثيلين، ومرافق تصدير متكاملة.
تُكرر المصفاة مزيجًا من خامي مسلة و السرير، ولا تنتج بنزين السيارات، إذ تُستعمل النافثا -المصدر الرئيس لإنتاج بنزين السيارات- لتغذية مصنع الإيثيلين.
لكن على الرغم من قدرتها الكبيرة التي تشكل ثلثي الطاقة التكريرية لليبيا؛ فقد توقفت المصفاة عن العمل منذ عام 2013 بسبب خلافات قانونية وتجارية بين مؤسسة النفط الليبية والشريك الأجنبي.
وستحتاج مؤسسة النفط إلى إعادة تأهيل المصفاة لإعادة تشغيلها، بسبب الأضرار التي لحقت بها خلال الحرب التي اندلعت عام 2011.
تعود جذور الأزمة إلى الشراكة بين مؤسسة النفط الليبية وشركة "تراستا" الإماراتية التابعة لمجموعة الغرير، التي تأسست عام 2008 لإدارة المصفاة ضمن شركة "ليركو" الليبية الإماراتية.
ومع توقفها عام 2013، نشأت نزاعات تحكيمية طويلة انتهت في فبراير/شباط 2024 بحكم محكمة باريس العليا لصالح ليبيا، قضى برفض مطالب "تراستا" جميعها، وإلزامها بدفع أكثر من 140 مليون دولار عن فواتير نفط سابقة.
وفي 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، قدّمت مؤسسة النفط عرضًا بقيمة 150 مليون دولار لشراء حصة تراستا في المصفاة، بعدما رفضت المؤسسة عرضًا سابقًا من الشركة الإماراتية لشراء أسهمها بقيمة 173.5 مليون دولار، دون أي جديد حتى الآن؛ إذ تواصل المؤسسة جهودها للاستحواذ الكامل أو إيجاد شريك مؤهل.

مصفاة الزاوية
تُمثل مصفاة الزاوية، الواقعة على بُعد 45 كيلومترًا غرب العاصمة طرابلس، إحدى أهم مصافي النفط في ليبيا بقدرة تكريرية تصل إلى 120 ألف برميل يوميًا.
تنتج المصفاة البنزين والكيروسين والديزل وغاز النفط المسال والأسفلت، وتشكل أحد أهم مصادر الوقود لمدن الساحل الغربي.
أُنشئت شركة الزاوية لتكرير النفط عام 1974 بطاقة أولية بلغت 60 ألف برميل يوميًا، قبل أن تُضاف وحدة ثانية في 1977 لترتفع الطاقة الإجمالية إلى 120 ألفًا.
وفي ثمانينيات القرن الماضي، توسعت الشركة بإنشاء مصانع للأسفلت والزيوت لتلبية الطلب المحلي وتصدير الفائض.

شبكة مصافي النفط في ليبيا
في شرق ووسط ليبيا، تتوزع 3 مصافٍ رئيسة تُغذي المناطق الشرقية والجنوبية بالوقود، لكن بقدرات تكريرية أصغر من راس لانوف والزاوية، هي:
- مصفاة طبرق: افُتتحت عام 1986، وتُشغّلها شركة الخليج العربي للنفط، وتبلغ طاقتها التكريرية 20 ألف برميل يوميًا، مع خطط لتوسعتها لزيادة تلبية الطلب المحلي، إذ تُنتج الديزل والمازوت والنافثا وغاز النفط المسال (غاز الطهي)، وتُغذي محطات الكهرباء ومصانع غاز الطهي في مناطق الجبل الأخضر.
- مصفاة مرسى البريقة: تبلغ طاقتها 10 آلاف برميل يوميًا، وتأسست عام 1962 وتديرها شركة سرت لإنتاج وتصنيع النفط والغاز، وتوفر معظم احتياجات المنطقة الوسطى من البنزين والكيروسين والديزل.
- مصفاة السرير: من أصغر مصافي النفط في ليبيا بطاقة 10 آلاف برميل يوميًا، وتغذي مناطق الجنوب الشرقي بالوقود، إذ دخلت مرحلة التشغيل الفعلي عام 1989، وتنتج البنزين والديزل والكيروسين لتغطية احتياجات المدن النائية التي يصعب ربطها بخطوط الإمداد الساحلية.
مصافي المكثفات
تشكل مصافي المكثفات، التي تُعالج المنتجات الخفيفة من آبار الغاز الطبيعي، عنصرًا مهمًا في منظومة التكرير الليبية، إذ تبلغ طاقتها مجتمعة نحو 286 ألف برميل يوميًا موزعة كما يلي:
- مصفاة البريقة: 155 ألف برميل يوميًا.
- مصفاة مليتة: 68 ألف برميل يوميًا.
- مصفاة الزويتينة: 63 ألف برميل يوميًا.
وفي سياق متصل، أسهمت زيادة الطاقة التكريرية لمصفاة مليتة من 31 إلى 68 ألف برميل يوميًا عام 2024 في رفع إجمالي إنتاج المشتقات في ليبيا بمقدار 13 ألف برميل يوميًا مقارنة بعام 2023، وهو ما انعكس في تحسن ملحوظ بإنتاج البنزين والكيروسين.
الإنفوغرافيك التالي -من إعداد منصة الطاقة- يستعرض الطاقة التكريرية لمصافي النفط في ليبيا:

مشروع مصفاة الجنوب
لدعم مصافي النفط في ليبيا، تعمل المؤسسة الوطنية للنفط على مشروع مصفاة الجنوب في منطقة أوباري جنوب غرب البلاد على بعد 25 كيلومترًا شرق حقل الشرارة النفطي.
وستصبح هذه المصفاة، التابعة لشركة زلاف ليبيا للنفط والغاز، أول مصفاة تخدم مناطق الجنوب الليبي، وتبلغ طاقتها 30 ألف برميل يوميًا، وتُنفذّها شركة هانيويل (Honeywell)، ومن المقرر أن تنتج البنزين والديزل ووقود الطائرات وغاز النفط المسال.
وفي أكتوبر/تشرين الأول 2025، بدأت أعمال المسح الجيوفيزيائي للموقع، وتتوقع المؤسسة أن يحقق المشروع أرباحًا سنوية تصل إلى 75 مليون دولار، مع إنتاج يومي يُقدَّر بـ1.3 مليون لتر بنزين، وأكثر من مليون لتر ديزل، و600 ألف لتر وقود طائرات.
وتمثل المصفاة الجديدة خطوة إستراتيجية نحو تلبية احتياجات الجنوب من الوقود دون الاعتماد على الشحن البري من الساحل، وتُسهم في تقليص تكاليف النقل والمخاطر الأمنية التي تواجه قوافل الإمدادات.

إنتاج مصافي النفط في ليبيا
تُظهر البيانات السنوية لمنظمة أوبك أن إنتاج مصافي النفط في ليبيا في 2024 ارتفع بنحو 13 ألف برميل يوميًا ليصل إلى 188 ألف برميل يوميًا، مقارنة بـ175 ألفًا في 2023.
وارتفع إنتاج البنزين من 9 آلاف برميل يوميًا في 2023 إلى 11 ألف برميل يوميًا في 2024، كما زاد إنتاج الكيروسين من 10 آلاف برميل يوميًا إلى 14 ألفًا.
كما شهد إنتاج المقطرات زيادة طفيفة من 28 ألف برميل يوميًا إلى 30 ألفًا، في حين ارتفع إنتاج زيت الوقود الثقيل من 29 إلى 32 ألف برميل يوميًا.
أما فئة المنتجات النفطية الأخرى، فشهدت زيادة محدودة من 99 إلى 100 ألف برميل يوميًا.
ورغم الزيادة الطفيفة في إنتاج مصافي النفط في ليبيا العام الماضي، فإن البلاد لا تزال تعتمد على الاستيراد لتغطية الطلب المحلي، ولا سيما في أوقات الاضطرابات الأمنية أو تعطل خطوط الإمداد.
ووفق بيانات أوبك، زادت واردات ليبيا من المشتقات النفطية خلال 2024 بمعدل 31 ألف برميل يوميًا، مقارنة بعام 2023؛ إذ ارتفعت إلى 224 ألف برميل يوميًا في 2024، من 193 ألفًا في العام السابق، في حين صدّرت ليبيا 78 ألف برميل يوميًا من المنتجات النفطية في عام 2024، بانخفاض 3 آلاف برميل على أساس سنوي.
الخلاصة:
تسعى مؤسسة النفط إلى إعادة تأهيل مصافي النفط في ليبيا عبر شراكات فنية واستثمارية مع شركات دولية، بهدف رفع كفاءة التشغيل إلى المستويات التصميمية؛ إذ تشمل الخطة تطوير مصفاتي طبرق والزاوية، وتسريع تنفيذ مصفاة الجنوب.
ومن شأن هذه الخطط أن تُعيد التوازن بين إنتاج الخام والتكرير المحلي، بما يُمكّن ليبيا من تصدير جزء من منتجاتها بدل استيرادها، ولا سيما في ظل امتلاكها أكبر احتياطيات نفطية مؤكدة في أفريقيا، تبلغ 48.4 مليار برميل.
وعلى ذلك، تقف اليوم مصافي النفط في ليبيا عند مفترق طرق؛ إما استعادة طاقتها الكاملة لتتحول إلى مصدر قوة اقتصادية، وإما البقاء في دائرة الاعتماد على الخارج لتأمين الوقود في بلد يطفو على بحر من النفط.
موضوعات متعلقة..
- مصافي التكرير في ليبيا.. أرقام عن القدرات والإنتاج (إنفوغرافيك)
- مصافي النفط في الشرق الأوسط تتنافس في 2025 بقيادة دولتين
- مستهدفات إنتاج النفط الليبي.. وفرصة الاستفادة من 48 مليار برميل (مقال)
نرشّح لكم..
المصادر:
- الطاقة التكريرية لمصافي النفط في ليبيا، من النشرة الإحصائية السنوية لـ"أوبك" 2025
- إنتاج مصافي النفط في ليبيا 2024، من النشرة الإحصائية السنوية لـ"أوبك" 2025
- بيانات مشروع مصفاة الجنوب في منطقة أوباري، من شركة زلاف ليبيا للنفط والغاز.
- بيانات مصفاة طبرق، من شركة الخليج العربي للنفط.





