قطاع الطاقة في إيران.. ماذا يترقب من خطة التنمية الوطنية السابعة؟ (مقال)
أومود شوكري* - ترجمة: نوار صبح

- قطاع الطاقة في إيران يواجه اختلالات مزمنة تشمل نقص الكهرباء والغاز
- المادة 46 تبرز بصفتها تدخلًا إستراتيجيًا لتحسين استهلاك الطاقة وتعزيز الكفاءة
- الخطة تُعطي الأولوية لكهربة النقل الحضري، بما في ذلك الحافلات وسيارات الأجرة والدراجات النارية
- أيّ زيادة في أسعار الوقود، خصوصًا الديزل والديزل الأحمر، ستؤثّر في الحياة اليومية للمواطنين
يترقب قطاع الطاقة في إيران إصلاحات شاملة بموجب خطة التنمية الوطنية السابعة التي أقرّها مجلس الشورى الإسلامي في مايو/أيار 2024، لتكون بمثابة الإنقاذ لهذا القطاع الذي تتردّى حالته.
ويواجه هذا القطاع اختلالات مزمنة، تشمل نقص الكهرباء والغاز، وضعف كفاءة البنية التحتية، وعدم اتّساق الدعم الحكومي، ما حدّ من الإنتاج الصناعي وفرض تكاليف اقتصادية باهظة.
وتسعى خطة التنمية الوطنية الإيرانية السابعة (2024-2028)، التي أقرّها مجلس الشورى في مايو/أيار 2024، وصادق عليها مجلس تشخيص مصلحة النظام في يوليو/تموز 2024، إلى معالجة هذه القضايا النظامية من خلال إصلاحات شاملة.
وتُركّز هذه الخطة على "التقدم" الذي من المفترض أن يحققه قطاع الطاقة في إيران، وذلك مقارنةً بالتنمية التقليدية في القطاع، وهو ما يجب أن يتماشى -في الوقت نفسه- مع مبادئ اقتصاد المقاومة.
أهمية المادة 46 من خطة التنمية الوطنية الإيرانية السابعة
من بين مواد خطة التنمية الوطنية الإيرانية السابعة الـ 120، تبرز المادة 46 تدخّلًا إستراتيجيًا لتحسين استهلاك الطاقة، وتعزيز الكفاءة، وإصلاح توزيع الدعم.
ومن الشخصيات الرئيسة في تطبيق المادة 46 نائب الرئيس الإيراني إسماعيل سقاب أصفهاني، المُعيّن لتفعيل المؤسسة الوطنية لتحسين الطاقة والإدارة الإستراتيجية "إي أو إم إس أوه" (EOMSO).
وتندرج المادة 46 ضمن الفصل الخامس، "البنية التحتية والتنمية المستدامة"، وتتناول اختلالات الطاقة التي لطالما عاقت النشاط الصناعي، متسببةً في خسائر سنوية بمليارات الدولارات. وتشمل أهدافها الأساسية خفض كثافة استعمال الطاقة، وتحسين توزيعها، وترشيد الدعم.

التدابير الرئيسة والإصلاحات المؤسسية بموجب المادة 46
تؤكد المادة 46 من خطة التنمية الوطنية الإيرانية السابعة توسيع نطاق الطاقة المتجددة، وكهربة النقل، وكفاءة الطاقة، بصفتها ركائز أساسية لإستراتيجية الطاقة في إيران.
ويحدّد القانون هدفًا يتمثل في توليد 10 غيغاواط من كهرباء القدرة المتجددة الجديدة بنهاية الخطة، مع التركيز على محطات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح ومحطات الكهرباء ذاتية التزويد، لتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري وتعزيز أمن الطاقة.
وفي الوقت نفسه، تُعطي الخطة الأولوية لكهربة النقل الحضري، بما في ذلك الحافلات وسيارات الأجرة والدراجات النارية، لتقليل استهلاك الوقود، وخفض الانبعاثات، ودعم أهداف الهواء النظيف والدفاع المدني.
تستهدف تحسينات الكفاءة في القطاعين السكني والتجاري، خصوصًا في المحافظات الساحلية، من خلال نشر مضخات الحرارة الجوفية لتحسين أداء التدفئة والتبريد.
إنشاء مؤسسة تحسين الطاقة والإدارة الإستراتيجية
لتفعيل هذه الأهداف، تنص المادة 46 على إصلاحات مؤسسية هامة من خلال إنشاء مؤسسة تحسين الطاقة والإدارة الإستراتيجية.
وتُوحّد هذه المؤسسة الكيانات القائمة، بما في ذلك شركة تحسين استهلاك الوقود "ساتبا" (SATBA)، ومقرّ إدارة الوقود والنقل، وترفع تقاريرها مباشرةً إلى الرئيس.
وتتولى مؤسسة تحسين الطاقة والإدارة الإستراتيجية الإشراف على موازنة قطاع الطاقة في إيران، وتنسيق تخصيص الدعم، وتطبيق أدوات السوق لتوفير الطاقة، بما في ذلك تنظيم شهادات كفاءة الطاقة.
وتدعم هذه الإجراءات حسابًا مخصصًا لتحسين استهلاك الطاقة، يُموّل من إيرادات النفط والغاز، وأرباح الشركات، وغرامات عدم كفاءة الطاقة.
بالمثل، تُخصَّص أموال هذا الحساب حصريًا لشراء شهادات توفير الطاقة، ولا يمكن تحويلها إلى نفقات أخرى.
وتتناول المادة 46 إدارة إمدادات الوقود، بهدف تخفيف نقص البنزين، وتنويع مصادره، وضمان الامتثال لمتطلبات الهواء النظيف والدفاع المدني.
وستُوزَّع ناقلات الطاقة، بما في ذلك البنزين والديزل وغاز النفط المسال والكهرباء والغاز الطبيعي المضغوط، عبر شبكة النقل باستعمال آليات قائمة على الائتمان مرتبطة باستعمال المركبات المُتحقق منه والمسافة المقطوعة.
من ناحية ثانية، يُحفَّز المستهلكون الصناعيون والتجاريون والمنزليون من خلال شهادات قابلة للتداول لتقليل استهلاك الطاقة، بينما يجوز لشركات النفط والغاز إصدار شهادات نفط خام معادلة للمستثمرين.

إنشاء مركز وطني لبيانات الطاقة
استكمالًا لهذه الإجراءات، ينصّ القانون على إنشاء مركز وطني لبيانات الطاقة للمراقبة الفورية للإنتاج والاستهلاك والواردات/الصادرات، ودمج البيانات عبر وزارات الطاقة والنفط والصناعة.
وتُطبَّق إصلاحات تسعير الطاقة تدريجيًا لتعكس تكاليف الإنتاج مع حماية الفئات الضعيفة من خلال الدعم الموجّه.
على صعيد آخر، تُشجَّع كفاءة الطاقة الصناعية بشكل أكبر من خلال عمليات التدقيق الإلزامية للمصانع عالية الاستهلاك وحوافز للتحديثات التكنولوجية، مستهدفةً خفض نفايات الطاقة الصناعية بنسبة 20% بحلول السنة الخامسة.
ويُعزَّز التعاون الدولي، بما في ذلك مقايضات الغاز الثنائية وواردات الغاز المسال، لتأمين الإمدادات وتحسين التوزيع المحلي.
وتتمثل الأهداف الشاملة لهذه الإصلاحات بتحقيق خفض سنوي بنسبة 15% في كثافة الطاقة، وموازنة العرض والطلب، وتوفير ما بين 5 و7 مليارات دولار سنويًا من خلال إصلاحات الدعم المستهدفة.
رغم ذلك، يواجه التنفيذ تحديات كبيرة، بما في ذلك العقوبات التي تحدّ من واردات التكنولوجيا، والفساد في تخصيص الدعم، ومقاومة القطاعات كثيفة استهلاك الطاقة، مثل الصلب والبتروكيماويات.
ويعتمد نجاح المادة 46 على التنسيق الفعّال بين الوزارات، والتنفيذ في الوقت المناسب، والرقابة المؤسسية القوية للتغلب على العقبات الهيكلية والجيوسياسية التي تواجه قطاع الطاقة في إيران.
دور إسماعيل سقاب أصفهاني
يرتبط تعيين إسماعيل سقاب أصفهاني ارتباطًا مباشرًا بالنطاق (أ)، البند الفرعي 2 من المادة 46، التي تنصّ على إنشاء مؤسسة تحسين الطاقة والإدارة الإستراتيجية.
وأسهَم سقاب أصفهاني سابقًا بصياغة وثائق التحول القضائي في عهد رئيس السلطة القضائية السابق إبراهيم رئيسي، وشارك بمبادرات سياسات الطاقة في الإدارات السابقة.
وقد مكّنته خبرته في الإدارة العامة والاستمرار عبر التحولات الحكومية من أن يكون شخصية محورية في تفعيل الإصلاحات المؤسسية والسوقية الموضحة في المادة 46.
واتّبعت مشاركة سقاب أصفهاني جدولًا زمنيًا معقدًا ودقيقًا سياسيًا. في يوليو/تموز 2024، عُيّن في البداية لتصميم هيكل مؤسسة تحسين الطاقة والإدارة الإستراتيجية بموجب المادة 46 (النطاقان "تي" T و"إتش" H)، مع التركيز على إدارة الدعم بشكل عادل.
بعد انتقال الإدارة في مايو/أيار 2024، توقَّف التقدم بسبب تغير الأولويات.
في 21 أغسطس/آب 2025، كلّفه الرئيس المؤقت مسعود بزشكيان بإنهاء تأسيس مؤسسة تحسين الطاقة والإدارة الإستراتيجية بحلول سبتمبر/أيلول 2025، مع التركيز على التنسيق بين الوكالات، وتصميم تنظيمي مرن، والاستعداد التشغيلي في جميع الوزارات والهيئات ذات الصلة.
وتُوِّجت جهوده في 12 نوفمبر/تشرين الثاني 2025، عندما عُيِّن رسميًا نائبًا للرئيس رئيسًا لمكتب مراقبة عمليات النفط والغاز، مُضفيًا بذلك طابعًا رسميًا على سلطته بموجب المادة 124 من الدستور والمادة 46.
وقد أثار تعيين سقاب أصفهاني جدلًا واسعًا، إذ يُسلّط المنتقدون الضوء على صلاته المزعومة بالجماعات السياسية المتشددة، ويُشكّكون في مؤهلاته التقنية في إدارة الطاقة، مُشيرين إلى أن خلفيته في الإدارة العامة، وليست في اقتصادات الطاقة أو إدارة البنية التحتية.
ويرى المؤيدون بأن استمراره عبر الإدارات المختلفة يُوفّر استقرارًا مؤسسيًا أساسيًا خلال تنفيذ السياسات المُعقّدة.
ويؤكد هذا التصور المزدوج التوتر الأوسع في الحوكمة الإستراتيجية لقطاع الطاقة في إيران بين الولاء السياسي والخبرة التكنوقراطية، ما يسلّط الضوء على التحديات المتمثلة في قيادة مؤسسة مكلّفة بإدارة إصلاحات الدعم، وبرامج كفاءة الطاقة، وتكامل الطاقة المتجددة.

حالة التنفيذ والتحديات
حتى 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2025، ما تزال مؤسسة تحسين الطاقة والإدارة الإستراتيجية في مرحلة الإعداد.
وتشير تقارير الرقابة الصادرة عن المجلس إلى تأخُّر إصلاحات تسعير الطاقة (تعديل بنسبة 5% مقابل هدف 20%)، على الرغم من اكتمال نظام بيانات الطاقة المركزي بنسبة 70%، وتقدّم مشروعات البتروكيماويات الداعمة لأهداف الكفاءة بنسبة 60%.
ويمكن أن يعزز التنفيذ الناجح نمو الناتج المحلي الإجمالي، ليصل إلى هدف الخطة البالغ 8% من خلال الحدّ من هدر الطاقة، في حين إن التأخير قد يُفاقم نقص الطاقة، مثل أزمة الغاز في شتاء 2025.
ويرى المنتقدون بأن خفض الدعم قد يؤثّر سلبًا في العمّال، بينما يُشدد المؤيدون على التنسيق بين القطاعات والحوافز القائمة على السوق بصفتها أدوات تحويلية.
اختلال التوافق الإستراتيجي ومخاطر القيادة
تتطلب المهمة المعقدة لمؤسسة تحسين الطاقة والإدارة الإستراتيجية قيادة تتمتع بخبرة في اقتصادات الطاقة والسياسات وإدارة البنية التحتية.
وتُبرز خبرة سقاب أصفهاني في الإدارة العامة وجود فجوة محتملة بين الولاء السياسي والكفاءة التقنية، ما يثير مخاوف بشأن الكفاءة التشغيلية والتماسك الإستراتيجي وقدرة المؤسسة على تحقيق أهداف المادة 46. ويتطلب التنفيذ الفعّال استمرار السياسات، واتخاذ قرارات بقيادة الخبراء في مجال حوكمة الطاقة.
الخلاصة
تُمثّل المادة 46 من خطة التنمية الوطنية الإيرانية السابعة جهدًا بارزًا لمعالجة الاختلالات المزمنة التي يواجهها قطاع الطاقة في إيران، وخفض كثافة الطاقة، وترشيد الدعم، وتعزيز تكامل الطاقة المتجددة.
ويُجسّد إنشاء مؤسسة تحسين الطاقة والإدارة الإستراتيجية، إلى جانب أدوات توفير الطاقة القائمة على السوق، محاولةً طموحةً لمواءمة الهياكل المؤسسية والقدرات التكنولوجية والحوافز الاقتصادية.
رغم ذلك، يعتمد النجاح على القيادة الكفؤة، والتنسيق الفعّال بين الهيئات، والقدرة على مواجهة التحديات السياسية والتقنية والاقتصادية.
ويُظهر دور إسماعيل سقاب أصفهاني التوتر بين الاستمرار والخبرة التقنية، مُسلّطًا الضوء على مخاطر تعيين قادة ذوي صلات سياسية في مناصب عالية التخصص في مجال الطاقة.
إضافة إلى ذلك، فإن أيّ زيادة في أسعار الوقود، خصوصًا الديزل والديزل الأحمر، ستؤثّر مباشرةً في الحياة اليومية للمواطنين، ما قد يُشعل فتيل الاحتجاجات والاضطرابات الاجتماعية.
وقد تُقوّض هذه الاضطرابات ثقة الجمهور، وتُضعف فعالية سياسات الطاقة، وتُهدد الأمن القومي الإيراني، نظرًا للأهمية الإستراتيجية لاستقرار الطاقة.
وإذا أُديرَت بعناية، يمكن للمادة 46 أن تكون بمثابة نموذج لتحسين الطاقة والتنمية المستدامة في سياقات محدودة الموارد ومعقّدة جيوسياسيًا، وإذا أُسيئَت إدارتها، فإنها قد تؤدي إلى ضغوط اقتصادية، وسخط اجتماعي، ونقاط ضعف إستراتيجية.
الدكتور أومود شوكري، الخبير الإستراتيجي في مجال الطاقة، الزميل الزائر الأول في جامعة جورج ميسون الأميركية، مؤلف كتاب "دبلوماسية الطاقة الأميركية في حوض بحر قزوين: الاتجاهات المتغيرة منذ عام 2001".
* هذا المقال يمثّل رأي الكاتب، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.
موضوعات متعلقة..
- استهلاك الغاز في الخليج قد يشهد طفرة هائلة بقيادة إيران والسعودية
- 3 تحديات تهدد العقوبات الأميركية ضد قطاع الطاقة في إيران (مقال)
- الأبعاد الجيوسياسية في قطاع الطاقة للتحالف الإستراتيجي بين إيران وفنزويلا (مقال)
اقرأ أيضًا..
- استهلاك الغاز في الخليج قد يشهد طفرة هائلة بقيادة إيران والسعودية
- 6 توجهات ترسم ملامح الطاقة النووية في 2025.. الإمارات ومصر على الخريطة
- ممثل العراق في أوبك: طاقتنا الإنتاجية تقترب من 6 ملايين برميل نفط يوميًا (حوار)





