سوق الهيدروجين في أوروبا.. الحكومات تضيف المزيد من عدم اليقين (تقرير)
دينا قدري

شهدت سوق الهيدروجين في أوروبا خلال شهر أكتوبر/تشرين الأول 2025 تطورات سياسية مضطربة أضافت المزيد من عدم اليقين، ولكنها لم تمنع المطوّرين من مواصلة تطوير مشروعاتهم.
ووفق تقرير حديث حصلت عليه منصة الطاقة المتخصصة، استمرت حالات التأخير وعدم اليقين السياسي في تحديد وتيرة سوق الهيدروجين في أوروبا، ولم يكن شهر أكتوبر/تشرين الأول استثناءً.
وبينما تُناقش الحكومات مسارها المُستقبلي، تواصل الشركات العالمية عملها، لتنتقل بالمشروعات من التخطيط إلى التنفيذ، في إشارة إلى أن سوق الهيدروجين في أوروبا ما تزال في طور التشكيل.
بدءًا من إزالة الكربون من مصافي التكرير في البرتغال، ومبادرات الوقود الاصطناعي واسعة النطاق في إسبانيا، ووصولًا إلى محطات التحليل الكهربائي الجديدة في ألمانيا والمملكة المتحدة، استمر الاستثمار في القطاع، وتحققت إنجازات رئيسة.
ويعكس هذا الزخم المرونة النسبية للقطاع، حتى مع استمرار التحديات التنظيمية والتجارية؛ إلا أنه من المهم الإقرار باستمرار حالة عدم اليقين السياسي، ما يُشكل وتيرة التطورات المستقبلية وهيكلها عمومًا.
مستقبل الهيدروجين في أوروبا
استكشف التقرير الشهري "بوصلة الهيدروجين"، الصادر عن شركة "ويستوود غلوبال إنرجي" (Westwood Global Energy)، الأطر الدولية المتأخرة، والإستراتيجيات الوطنية المُعاد تقييمها، والتحركات التشريعية الجديدة، في منطقة ما تزال تُحدد مستقبل الهيدروجين.
وبينما طوّر الاتحاد الأوروبي أطرًا تنظيمية رئيسة، اتخذت الحكومات الوطنية مسارات متباينة، وفي غضون ذلك، أضافت التطورات الدولية، لا سيما في مجال التنظيم البحري، مزيدًا من التعقيد.
من جانبها، صوّتت المنظمة البحرية الدولية (IMO) في أكتوبر/تشرين الأول على تأجيل إطار عمل الحياد الكربوني لمدّة عام واحد؛ ما قد يؤثر بصورة كبيرة في الطلب المستقبلي على الهيدروجين والأمونيا الخضراء في القطاع البحري.
وصُمّم إطار العمل في الأصل لتسريع اعتماد الوقود المتجدد ومنخفض الكربون، إلا أن تأجيله يُثير المزيد من الشكوك لدى المطورين والمستثمرين.
وجاء التأجيل في أعقاب معارضة شديدة من عدة دول؛ إذ أدان الرئيس الأميركي -علنًا- إطار عمل الحياد الكربوني، واصفًا إياه بـ"ضريبة احتيال عالمية خضراء جديدة على الشحن"، وهدّد -بحسب التقارير- بفرض قيود على التأشيرات وزيادة تكاليف التجارة على الدول الداعمة للإطار.
وأعرب كل من الأمين العام للمنظمة البحرية الدولية أرسينيو دومينغيز، والأمين العام لغرفة الشحن الدولية توماس كازاكوس، عن خيبة أملهما، ووصفا النتيجة بأنها انتكاسة للشحن الخالي من الكربون والاستثمار في الوقود الأخضر.
ومع تعليق العمل بإطار عمل الحياد الكربوني، من المرجح أن تنخفض توقعات الطلب على الوقود البحري المشتق من الهيدروجين، ما قد يُبطئ الاستثمار في مشروعات توريد الهيدروجين وقدرة إنتاج الأمونيا الخضراء.

إستراتيجيات الهيدروجين في أوروبا
بينما يُواصل الاتحاد الأوروبي تحسين إطار سياساته المتعلقة بالهيدروجين، تتبنّى الحكومات الوطنية نُهُجًا مُتباينة، بعضها يُسرّع السياسات، والبعض الآخر يُعيد تقييمها، وفق تقرير "ويستوود إنرجي" الذي اطّلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.
الاتحاد الأوروبي
وافق البرلمان الأوروبي على قانون الاتحاد الأوروبي المُفوّض بشأن الهيدروجين منخفض الكربون في أكتوبر/تشرين الأول.
ويُحدد هذا القانون، الذي اعتمدته المفوضية في يوليو/تموز، عتبة خفض انبعاثات الهيدروجين منخفض الكربون بنسبة 70% مُقارنةً بالوقود الأحفوري.
ويهدف هذا القانون إلى توضيح مسألة الهيدروجين المُدعّم بتقنية التقاط الكربون وتخزينه (CCS)، والتحليل الكهربائي المُعتمد على مصادر الطاقة غير المُتجددة، ويسمح لهذه المشروعات بالحصول على تمويل من البنك الأوروبي للهيدروجين.
وأكد المفوض دان يورغنسن أن المشروعات التي تُتخذ قرارات استثمارية حاليًا لها لن تخضع لمراجعات مُستقبلية للقانون، ما يُطمئن المُطوّرين بصورة كبيرة.
من خلال توسيع نطاق الأهلية ووضع معايير انبعاثات واضحة، من المتوقع أن يعزز القانون المفوض ثقة المستثمرين، ويحافظ على زخم سوق الهيدروجين في أوروبا، لا سيما مع سعي القطاع إلى مزيد من المرونة في مسارات الإنتاج.
البرتغال
انتقد وزير الدولة للطاقة البرتغالي، جواو باروكا، في شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، التركيز الشديد للحكومة السابقة على الهيدروجين الأخضر، واصفًا إياه بأولوية مضلّلة حوّلت الموارد عن خيارات أكثر عملية لإزالة الكربون مثل الميثان الحيوي.
وحذّر باروكا من أن إستراتيجية الهيدروجين الموجهة للتصدير فشلت في إيجاد قيمة محلية أو دعم الصناعة البرتغالية.
وانعكاسًا لهذا التغيير في التوجه، عدّلت الحكومة هدفها المتعلق بسعة أجهزة التحليل الكهربائي من 5.5 غيغاواط الذي حدّدته الإدارة السابقة، إلى 3 غيغاواط في خطة المناخ الصادرة في أكتوبر/تشرين الأول 2024.
وعلى الرغم من هذا التعديل، واصلت البرتغال إحراز تقدم في مشروعات البنية التحتية الرئيسة، بما في ذلك تجربة مزج الهيدروجين بنسبة 10% في شبكة الغاز، وخط أنابيب سيلزا (CelZa) الذي يربط دولًا أوروبية بإسبانيا، جزءًا من ممر الهيدروجين الأخضر إتش 2 ميد (H2Med).
ويشير هذا الموقف الأكثر براغماتية إلى تحول إستراتيجي، يركز على مواءمة سياسة الهيدروجين مع الاحتياجات الصناعية المحلية والمرونة الاقتصادية على المدى الطويل.
فنلندا
في أكتوبر/تشرين الأول، أعلنت الحكومة الفنلندية خططها لوضع اللمسات الأخيرة على قانونها الخاص بالهيدروجين بحلول نهاية عام 2025، ومن المقرر تطبيقه في عام 2026.
وسيوضح هذا التشريع قواعد الإنتاج والنقل والملكية والتسعير والسلامة، ليحل محل الاعتماد الحالي على لوائح الغاز الطبيعي.
وتتقدم شركة غاز غريد (Gasgrid) المملوكة للدولة في مشروع شبكة الهيدروجين الوطنية، وممر الهيدروجين بين شمال أوروبا والبلطيق بطول 2500 كيلومتر.
ويهدف النهج الاستباقي لفنلندا إلى توفير قدر أكبر من اليقين التنظيمي؛ ما يدعم مكانتها بوصفها لاعبًا رئيسًا في شمال أوروبا.

ألمانيا
خضعت إستراتيجية الهيدروجين الألمانية للتدقيق في أكتوبر/تشرين الأول عقب تقرير صادر عن مكتب التدقيق الفيدرالي دعا إلى مراجعة لضمان تحقيق الأهداف المناخية والاقتصادية.
وانتقد التقرير بطء التقدم نحو تحقيق هدف البلاد المتمثل في توليد 10 غيغاواط بحلول عام 2030، وأشار إلى المخاطر المالية المرتبطة بشبكة الهيدروجين الأساسية المخطط لها بطول 9 آلاف كيلومتر.
وعلى الرغم من هذه المخاوف، قدّمت الحكومة الألمانية عدة إجراءات رئيسة خلال الشهر الماضي؛ إذ وافق مجلس الوزراء الاتحادي على مشروع قانون تسريع الهيدروجين الذي يهدف إلى تبسيط إجراءات الحصول على التصاريح لإنتاج الهيدروجين واستيراده وتخزينه، والبنية التحتية اللازمة له.
وسيُصنّف القانون مشروعات الهيدروجين على أنها "ذات مصلحة عامة عليا"، مع منحها الأولوية في التخطيط والإجراءات القانونية؛ كما ستسمح تعديلات قانون التعدين الاتحادي باستكشاف الهيدروجين الطبيعي في البلاد.
وتخطّط ألمانيا لمراجعة إطار دعمها للهيدروجين الأخضر، وربما إصلاحه بالكامل، وقد أقرت وزارة الشؤون الاقتصادية والطاقة بأن أداء السوق كان ضعيفًا؛ ما دفع إلى مراجعة خطط التمويل والتحول نحو الواردات وتحقيق الكفاءة من حيث التكلفة.
ومن المتوقع أن تركز السياسة مستقبلًا على خفض تكاليف النظام من خلال تحسين مواقع أجهزة التحليل الكهربائي والاستفادة من فائض الطاقة المتجددة.
كما تخطط ألمانيا لفتح باب حجز السعة لشبكتها الأساسية للهيدروجين في عام 2026، وهو ما يُعدّ عاملًا رئيسًا لتنشيط السوق.
موضوعات متعلقة..
- مشروعات الهيدروجين في أوروبا.. التأخيرات وعدم اليقين التنظيمي يعمقان التحديات (تقرير)
- سوق الهيدروجين في أوروبا.. 7 تطورات يخنقها شُح أنابيب النقل (تقرير)
- سباق الهيدروجين في أوروبا.. أي من المطورين يوازن بين الأهداف والواقع؟
اقرأ أيضًا..
- أفريقيا تقود اكتشافات النفط والغاز في العالم (تقرير)
- قفزة متوقعة بإنتاج الغاز في الخليج العربي.. هؤلاء أكبر المنتجين بحلول 2050
- استثمارات طاقة الرياح العالمية تنخفض إلى 196 مليار دولار.. نصفها في دولة واحدة
- السيارات الكهربائية والهجينة تشكل 45% من المبيعات العالمية.. وهذه أسباب تفوق الصين
المصدر:





