تطورات التنقيب البحري عن النفط والغاز في 6 دول عربية
ياسر نصر

يشكّل التنقيب البحري عن النفط والغاز في الدول العربية محورًا رئيسًا في إستراتيجية بلدان المنطقة لتطوير احتياطياتها من الهيدروكربونات، لتلبية احتياجاتها وتأمين الطلب من عملائها حول العالم.
ويأتي التحول إلى استكشاف الموارد البحرية مدفوعًا بالضغوط العالمية على أمن الطاقة من جهة، وبالتنافس الإقليمي على إعادة رسم خريطة الاستكشاف من جهة أخرى.
وتشهد دول المنطقة حراكًا متنوعًا، فمصر والإمارات وليبيا دخلت مراحل تنفيذية فعلية عبر آبار جديدة وإنتاج من بعض عمليات الاستكشاف، في حين تحرّكت دول أخرى كالكويت إلى البحر لاستكشاف موارده، مع تطوير حقول مشتركة مع السعودية.
أمّا الصومال، الذي ظل لعقود بعيدًا عن المشهد، فيقترب اليوم من تسجيل أول اكتشاف بحري مؤكد بالتعاون مع شركاء دوليين، في مقدّمتهم تركيا.
تأتي تطورات أعمال التنقيب البحري عن النفط والغاز بالدول العربية، في وقت تتسابق فيه الشركات العالمية الكبرى -مثل إيني الإيطالية، بي بي البريطانية، شل الهولندية، إكسون موبيل الأميركية- إلى ترسيخ مواقعها في شرق المتوسط والخليج العربي والبحر الأحمر.
في هذا التقرير، تكشف منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن) عن أبرز ملامح تطورات التنقيب عن النفط والغاز في 6 دول عربية: مصر، الكويت، ليبيا، الصومال، الإمارات، السعودية.
مصر تتوسع في البحر المتوسط
تشهد مصر طفرة في عمليات التنقيب البحري عن النفط والغاز، يقودها حقل ظُهر العملاق، إذ عادت أعمال الحفر مطلع العام الجاري (2025) سفينة الحفر سايبم 10000 (Saipem 10000) إلى عمليات الحفر لإعادة إنتاج الحقل إلى سابقة.
وأبرمت الحكومة صفقات مع إيني الإيطالية وبي بي البريطانية لتنفيذ حملة آبار جديدة، بجانب مفاوضات متقدمة مع شل للحصول على امتياز تنمية حقل "رحمات" البحري، الذي تصل احتياطياته إلى 1.3 تريليون قدم مكعبة غاز، و80 مليون برميل مكثفات.
واستثمرت "شل" و"بتروناس" نحو 300 مليون دولار في البرلس وغرب البرلس بامتياز غرب الدلتا العميق، الذي أضاف آبارًا جديدة بطاقة 60 مليون قدم مكعبة يوميًا، أبرزها "سفاير ساوث سينترال دي بي" (50 مليون قدم مكعبة و800 برميل مكثفات يوميًا).
وأعلنت بي بي أيضًا نجاح الكشف "الكينج-2" بعمق 2400 متر، مع خطط لحفر بئر ثانية باستثمارات 150 مليون دولار مطلع العام المقبل، وسط توقعات بإضافة 400 مليون قدم مكعب يوميًا، ووقّعت "إيجاس" مع "بي بي" مذكرة لتقييم حفر 5 آبار جديدة باستثمارات أولية 1.6 مليار دولار
ودخلت دراغون أويل الإماراتية على الخط باستثمارات 500 مليون دولار، بينما تُواصل "شيفرون" تطوير حقل النرجس و"إنرجيان" أعمال الاستكشاف في شمال إدكو.

وتستهدف مصر رفع إنتاج الغاز بإضافة 510 ملايين قدم مكعبة يوميًا عبر 12 بئرًا جديدة في 2026–2027، وتجهّز لطرح 5 مناطق بحرية جديدة باستثمارات تتجاوز 350 مليون دولار.
وتعمل في مصر 57 شركة بمجال البحث والاستكشاف والإنتاج، من بينها 8 من كبريات الشركات العالمية، و6 شركات مصرية متخصصة، وأكثر من 12 شركة عالمية تعمل في مجال الخدمات البترولية والتكنولوجية.
ووفقًا لبيانات قطاع الطاقة المصري لدى منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، هناك أكثر من 61 منطقة مطروحة أمام الشركات العالمية، عبر بوابة مصر الرقمية للاستكشاف والإنتاج، غالبيتها في المناطق البحرية، تضم 42 منطقة استكشافية جديدة، إلى جانب 15 فرصة لإعادة تطوير الحقول القديمة، و4 اكتشافات غير مطورة.
اكتشافات بحرية ضخمة في الكويت
على عكس تاريخها البري، حققت الكويت خلال 2024–2025 نقلة نوعية في عمليات التنقيب عن النفط والغاز في البحر، إذ أعلنت شركة نفط الكويت اكتشافين ضخمين:
- حقل النوخذة باحتياطيات 2.1 مليار برميل نفط خفيف و5.1 تريليون قدم مكعبة غاز.
- حقل الجليعة باحتياطيات 800 مليون برميل نفط متوسط الكثافة، و600 مليار قدم مكعبة غاز.
وتخطط الشركة الآن لحفر 18 بئرًا إضافية ضمن المرحلة الثانية، مع مسوح زلزالية ثلاثية الأبعاد تغطي 6 آلاف كيلو متر مربع.
تأتي أعمال التنقيب البحري عن النفط والغاز في الكويت ضمن خطة تستهدف رفع إنتاجها إلى 4 ملايين برميل يوميًا بحلول 2035، مقارنة بـ2.9 مليون حاليًا.
تراخيص جديدة في ليبيا
أطلقت المؤسسة الوطنية للنفط خلال العام الجاري جولة تراخيص هي الأولى منذ 2007، تشمل 22 منطقة (128 ألف كيلو متر مربع مناطق بحرية و106 آلاف كيلو متر مربع برية)، بموارد تتجاوز 10 مليارات برميل نفط مكافئ.
وتشمل جولة تراخيص التنقيب عن النفط والغاز في ليبيا مناطق بحرية شاسعة تمتد على مساحة 128 ألفًا و714 كيلومترًا مربعًا، أبرزها:
- صبراتة: منطقة واحدة.
- سرت: 3 مناطق.
- برقة: 7 مناطق.
من بين الاكتشافات المطروحة، يبرز مربع "OH-13" في حوض صبراتة البحري باحتياطيات 730 مليون برميل نفط مكافئ الأبرز في إطار خطط تستهدف رفع الإنتاج في البلاد إلى 2–3 ملايين برميل يوميًا.
الخريطة التالية -من إعداد منصة الطاقة المتخصصة- تستعرض أبرز المربعات المطروحة للتنقيب عن النفط والغاز في ليبيا:
وفي أغسطس/آب 2025، وقّعت شركة إكسون موبيل مذكرة مع المؤسسة لدراسة 4 مناطق بحرية، في عودة لافتة للشركة الأميركية بعد عقد غياب.
كما تستثمر إيني عبر مشروع "مليتة" المشترك نحو 8 مليارات دولار لتطوير حقلي الغاز "A" و"E"، ووقّعت مؤخرًا عقد خدمات مع "هيل إنترناشيونال" الأميركية (235 مليون دولار).
ويستهدف مشروع إيني إنتاج 750 مليون قدم مكعبة يوميًا بحلول 2027، ما يضع ليبيا على خريطة الغاز الإقليمي بقوة.
أول اكتشاف بحري في الصومال
بعد عقود من الاضطراب، دخلت الصومال سباق الطاقة عبر شراكة مع مؤسسة النفط التركية "تباو" (TPAO)، حيث نفّذت أعمال مسح في 3 آبار بحرية ضمن امتياز 15 ألف كيلو متر مربع.
وتُظهر أعمال المسح الأولية نتائج مبشّرة من بئرين، مع تقديرات متضاربة تتراوح بين 10 و20 مليار برميل من النفط المكافئ.
وكانت سفينة "الريس عروج" التركية قد نفّذت مسوحات ثلاثية الأبعاد، وتشير التوقعات إلى إعلان رسمي للاحتياطيات عقب إنهاء البئر الثالثة.
ويشمل التعاون التركي–الصومالي كامل دورة النفط (تنقيب، وتطوير، ونقل، وتكرير)، مع تقديرات أميركية لاحتياطيات تصل إلى 30 مليار برميل نفط وغاز.
وحال تأكيد النتائج، سيكون 2025 عامًا فارقًا، ليسجل أول اكتشاف بحري في تاريخ الصومال.
توسعة مشروعات الإمارات
تواصل أدنوك أكبر برنامج بحري عبر تطوير حقل زاكوم العلوي الذي تُقدَّر احتياطياته بنحو 50 مليار برميل تقديريًا، إذ تستهدف الخطة رفع الإنتاج من 900 ألف برميل يوميًا إلى 1.5 مليون بحلول 2028.
في مايو/أيار 2025، حصلت "أدنوك للحفر" على عقد بـ806 ملايين دولار لتوريد 3 منصات حفر، بالتعاون مع إكسون موبيل وإنبكس اليابانية.

بالتوازي، يمضي مشروع غشا للغاز (أكبر مشروع بحري للغاز عالميًا) نحو إنتاج 1.5 مليار قدم مكعبة يوميًا، مع خطط لالتقاط 1.5 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون سنويًا.
وتستثمر أدنوك" نحو 150 مليار دولار، لتحقيق هدف 5 ملايين برميل نفط يوميًا بحلول 2027، مع تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغاز في دولة الإمارات.
حقل الدرة المشترك
في المنطقة المقسومة بين السعودية والكويت، بدأت أعمال المسح في حقل الدرة البحري، الذي يحوي 20 تريليون قدم مكعبة من الغاز.
ومن المتوقع بدء أعمال الحفر في 2026، بطاقة إنتاجية مستهدفة مليار قدم مكعبة يوميًا، توزَّع مناصفة بين البلدين.
ووقّعت أرامكو لأعمال الخليج والشركة الكويتية لنفط الخليج مذكرة لتسريع التطوير، تنفيذًا لاتفاق موقَّع منذ ديسمبر/كانون الأول 2019.
ويمثّل حقل الدرة أحد أهم مصادر الغاز المستقبلية للسعودية والكويت معًا، ويعزز أمن الطاقة في الخليج.
الخلاصة..
تشهد عمليات التنقيب البحري عن النفط والغاز في الدول العربية تحولات إستراتيجية، إذ تسعى مصر لتعزيز مكانتها مركزًا إقليميًا للغاز.
وتسجل الكويت اكتشافات عملاقة تعيد رسم مستقبلها، وتستقطب ليبيا عمالقة الطاقة، ويقترب الصومال من أول اكتشاف بحري، وتُوسِّع الإمارات حقولها العملاقة، وتتعاون السعودية مع الكويت في المضي قدمًا بمشروع حقل الدرة.
ويعيد الحراك صياغة جغرافيا الطاقة العالمية، مع توقُّع دخول استثمارات تتجاوز مئات المليارات خلال العقد المقبل.
موضوعات متعلقة..
- تطورات التنقيب البحري عن النفط والغاز في 2025.. مشروع مهم بدولة عربية
- التنقيب البحري عن النفط والغاز في الجزائر يشهد أول خطوة
اقرأ أيضًا..
- إنتاج النفط والغاز في أفريقيا قد يصل إلى 13.6 مليون برميل نفط مكافئ يوميًا
- محطات الطاقة الشمسية في الصحراء.. ما هي الدول العربية المستفيدة؟
- 4 خبراء يناقشون أزمة الغاز في العراق.. وحلول إستراتيجية بعيدًا عن إيران