هل ينجح استعمال الذكاء الاصطناعي في خفض استهلاك الطاقة؟ (مقال)
د. هبة محمد إمام

يشهد العالم اليوم تحولًا جذريًا في أنماط استهلاك الطاقة، ويبرز الذكاء الاصطناعي بوصفه إحدى الأدوات القادرة على إحداث ثورة في طريقة إدارتها بهدف تقليل الهدر وتعزيز أهداف الاستدامة.
وبالتوازي مع تنامي معدلات الطلب العالمي على الطاقة، تتعاظم التحديات المرتبطة بترشيد استهلاكها وتحقيق كفاءة استعمالها، ولا سيما في مجال الصناعة التي تُعدّ من أكثر القطاعات استهلاكًا.
ونتيجة التطور الصناعي السريع والاعتماد المتزايد على التكنولوجيا الحديثة، تبرز الحاجة إلى أهمية اعتماد تقنيات الذكاء الاصطناعي (AI) داخل المنشآت الصناعية، لتحسين إدارة الطاقة وتقليل الهدر وخفض الاستهلاك، من خلال تحسين العمليات التشغيلية.
وبفضل قدراته في المراقبة الذكية والتنبؤ الدقيق والصيانة الاستباقية، يفتح المجال آفاقًا غير مسبوقة لخفض استهلاك الطاقة وتحويل المصانع إلى كيانات أكثر استدامة وتنافسية.
وتستهلك المنشآت الصناعية نسبًا ضخمة من الطاقة لإدارة الآلات والمعدّات وضمان استمرار العمليات الإنتاجية.
ومن الانعكاسات المباشرة لهذا الاستهلاك الكبير، ما يلي:
- التكاليف التشغيلية: فاتورة الطاقة تمثّل نسبة كبيرة من إجمالي نفقات التشغيل.
- الأثر البيئي: الصناعات مسؤولة عن جانب بارز من انبعاثات الكربون عالميًا.
- التنافسية: المنشآت التي تُحسّن إدارة طاقتها تقدّم منتجات أقل تكلفة وأعلى جودة.
لذلك، فإن أيّ تقنية تُسهم في رفع كفاءة الاستعمال تعدّ أداة إستراتيجية بالغة الأهمية.
دور الذكاء الاصطناعي في إدارة الطاقة بالمنشآت الصناعية
الذكاء الاصطناعي مجموعة من الخوارزميات والتقنيات التي تمكّن الأنظمة من تحليل البيانات والتعلم منها والتنبؤ بالأحداث المستقبلية، مع القدرة على اتخاذ قرارات شبه مستقلة، وفي مجال الطاقة، يتمثل دوره في:
- تحليل أنماط الاستهلاك بدقّة أكبر مما هو ممكن يدويًا.
- التنبؤ بالطلب المستقبلي اعتمادًا على بيانات تاريخية وظروف تشغيلية.
- اقتراح طرق لتحسين الاستعمال أو تشغيل المعدّات وفقًا لأفضل سيناريو.
ومن أبرز تطبيقات الذكاء الاصطناعي في إدارة الطاقة، ما يلي:
- المراقبة الذكية للاستهلاك: جمع بيانات لحظية من أجهزة الاستشعار وتحليلها لكشف الاستهلاك غير الطبيعي أو الأعطال المحتملة.
- التنبؤ بالطلب: توقُّع حجم الاستهلاك وتوزيعه لتقليل الذروة وخفض الفواتير والضغط على الشبكات.
- الصيانة التنبؤية: رصد مؤشرات الأعطال مثل الاهتزازات أو الحرارة لتقليل أيّ استهلاك غير ضروري والحفاظ على استمرار الإنتاج.
- التحكم الذاتي في العمليات: تعديل تشغيل الآلات أو أنظمة التدفئة والتبريد لتحقيق كفاءة أعلى في الوقت الفعلي.
- دمج الطاقة المتجددة: التنبؤ بحجم الإنتاج من المصادر المتجددة ودمجه بكفاءة مع الشبكة الرئيسة.
الفوائد الاقتصادية والبيئية
- خفض التكاليف التشغيلية عبر تقليل الهدر.
- إطالة عمر المعدّات من خلال الصيانة التنبؤية.
- رفع الإنتاج بتقليل مدد التوقف.
- تحسين ميزانيات الطاقة عبر خطط واقعية تستند إلى التوقعات.
لا يقتصر دور الذكاء الاصطناعي في إدارة الطاقة بالمنشآت الصناعية على البعد الاقتصادي، بل يمتد ليشمل:
- تقليل الانبعاثات الكربونية الناتجة عن استهلاك الوقود الأحفوري.
- دعم اعتماد الصناعات على الطاقة المتجددة.
- الإسهام في تحقيق أهداف الاستدامة العالمية.
تحديات أمام التطبيق
- التكلفة الأولية: الحاجة إلى استثمارات مرتفعة لتركيب المستشعرات والبرمجيات.
- نقص الخبرات: تعقيد المجال يتطلب خبراء تشغيل وتحليل.
- أمن المعلومات: زيادة الاعتماد على البيانات يعرّض المنشآت لمخاطر سيبرانية.
- مقاومة التغيير: تخوّف الموظفين من فقدان وظائفهم أو من تعقيدات التقنية.
وتدرك الحكومات أن تحسين استهلاك الطاقة في الصناعات ضرورة وطنية، لذا تتبنّى ما يلي:
- حوافز مالية مثل الإعفاءات الضريبية أو القروض الميسّرة.
- تشريعات تلزم بخفض الاستهلاك أو تقديم تقارير دورية.
- شراكات بحثية مع الجامعات لتطوير حلول محلية مستدامة.

خطوات عملية للتبني
- تقييم الوضع الحالي وتحديد مواطن الهدر.
- تركيب أجهزة الاستشعار وربطها بإنترنت الأشياء.
- تطبيق منصات ذكاء اصطناعي مرتبطة بمراكز تحكم.
- تدريب الكوادر على الاستفادة من البيانات.
- متابعة النتائج وتحسين الإستراتيجيات باستمرار.
توصيات للنجاح
- البدء بمشروعات تجريبية صغيرة قبل التوسع.
- الشراكة مع شركات تقنية متخصصة.
- رفع وعي العاملين لخفض مقاومة التغيير.
- الموازنة بين الجدوى الاقتصادية والبيئية لتحقيق استدامة المشروع.
الخلاصة:
يتمحور مستقبل إدارة الطاقة في المنشآت الصناعية حول الذكاء الاصطناعي، الذي لم يعد رفاهية أو تقنية مستقبلية، بل أصبح ضرورة إستراتيجية لتحقيق التوازن بين الكفاءة الاقتصادية والالتزام البيئي.
ومن المتوقع أن يتطور ليصبح عنصرًا أساسيًا في إدارة المصانع ذاتيًا، لتتحول إلى "منشآت ذكية" تُدار عملياتها بخوارزميات توازن بين الإنتاجية وكفاءة الطاقة، مع شبكات صناعية ذكية لتقاسُم الأحمال وتقليل الضغط على الشبكات الوطنية.
وبذلك يمكن القول، إن الذكاء الاصطناعي بات اليوم حجر الزاوية لأيّ خطة حديثة لإدارة الطاقة الصناعية، ومن يتأخر في تبنّيه سيجد نفسه خارج دائرة المنافسة قريبًا.
* الدكتورة هبة محمد إمام - خبيرة دولية واستشارية بيئية مصرية
موضوعات متعلقة..
- بطاريات السيارات الكهربائية المستعملة.. مصنع يعمل بالذكاء الاصطناعي
- 5 حلول لمواجهة استهلاك الذكاء الاصطناعي للكهرباء دون بناء محطات جديدة
-
الذكاء الاصطناعي واستهلاك الطاقة.. خبير: هكذا صفع "ديب سيك" نماذج الشركات الكبرى
اقرأ أيضًا..
- منتدى بغداد الدولي للطاقة.. العراق يجدد التزامه داخل أوبك
- السعودية و7 دول في أوبك+ تضيف 137 ألف برميل نفط يوميًا في أكتوبر
- التنقيب عن النفط والغاز يُشعل نار الخلاف بين الصين وتايوان
- طاقة الرياح تسجل مستوى قياسيًا في ولاية أسترالية