كيف حصل الأميركيون على النفط الإيراني بعد الانقلاب ضد مصدق؟ أنس الحجي يجيب
أحمد بدر

بعدما تمكّن محمد مصدق من تأميم النفط في إيران، وإلغاء سيطرة بريطانيا على هذا القطاع المهم في البلاد، ذهب الجميع إلى المحاكم الدولية، في حين وقفت البحرية البريطانية بالمرصاد لأي شحنات نفط تخرج من البلاد.
ويوضّح مستشار تحرير منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، خبير اقتصادات الطاقة الدكتور أنس الحجي، أن التدخل القوي من الحكومة البريطانية سببه أنها اعتبرت أن هذه ممتلكاتها، وأخذها مصدق، لذلك حاولوا جهدهم طرده وتغيير قواعد اللعبة بالكامل.
وأضاف: "ذهبت بريطانيا إلى المحاكم الدولية، وما حصل أن مصدق كان محاميًا قويًا، وربح القضية، لذلك من أعظم ما يُذكر عنه ليس كونه قائدًا سياسيًا، بل نجاحه في كسب القضية".
ولفت إلى أنه عندما ذهب مصدق إلى المحكمة الدولية، كان وراءه كل الملالي وكل المشايخ السنّة، سواء في العراق أو إيران، وكانت الفكرة بسيطة جدًا: أن هذه أملاك أمة، وهذا مستعمر أجبرك على توقيع عقود، وأنت وقّعتها تحت الضغط، وفي الشريعة الإسلامية أي توقيع تحت الضغط لا يُعَد عقدًا جائزًا.
جاء ذلك خلال حلقة جديدة من برنامجه "أنسيات الطاقة"، الذي يقدمه على منصة "إكس" (تويتر سابقًا)، وجاءت تحت عنوان: "إيران والقلاقل السياسية.. أكبر مؤثر بأسواق النفط خلال الـ115 سنة الماضية".
كيف ربح مصدق قضية النفط الإيراني؟
فسّر أنس الحجي كيف ربح مصدق قضية النفط الإيراني؛ إذ إنه -حسب القانون الدولي- لا يمكن اعتبار العقد صحيحًا عندما يُوَجَّه المسدس إلى رأسك ويقال لك: وقّع.
لذلك، ذهب مصدق إلى المحكمة الدولية وأظهر لهم أن الحكومة البريطانية كانت المستعمِرة، وأن العقود وُقّعت في أثناء الاستعمار، ومن ثَم هذه العقود تُعد ملغيّة. ووافقته المحكمة.

وأضاف: "هنا أيضًا درسٌ تاريخي آخر: أنه لا بد من وجود أشخاص محترفين تمامًا في الأمور القانونية؛ لأنه عندما تكون عندك حرب، يجب أن تستعمل كل أساليبك؛ بما فيها الأساليب القانونية. ونجح مصدق في هذا".
ولكن النقطة الأساسية هنا، أن الملالي والمشايخ دعموا مصدق، والملالي الذين دعموه هم أنفسهم أساتذة الإمام الخميني، والأمر لم يُعجب البريطانيين، ولكنهم كانوا في حالة أفول، ولم تكن لديهم القوة نفسها التي كانت لديهم في الماضي؛ فتدخل الأمريكيون.
بعد ذلك، وفق أنس الحجي، حصل الانقلاب العسكري على مصدق في 16 أغسطس/آب 1953، وكان للمخابرات الأميركية دور كبير فيه، ولكن من قام به هو الجيش الإيراني ونظام الملالي، الذين وقفوا معه في عام 1951 ثم انقلبوا عليه وتحالفوا مع الأميركيين.
وتابع: "الملالي أنفسهم الذين يتقاتلون الآن مع الأميركيين، أساتذتهم هم الذين تحالفوا مع الأميركيين لتغيير نظام الحكم في إيران"، لافتًا إلى أن الانقلاب كان يمكن حدوثه دون مساعدة أميركية؛ لأن مصدق ارتكب أخطاء كبيرة جدًا.
وأوضح أنه عندما قاموا بهذا الانقلاب، لم يقتلوا مصدق. تركوه، ومات فيما بعد في بيته، ولكن أعادوا الشاه، الذي كان عمره 22 سنة، أي أن الملالي جاءوا به بعدما هرب إلى إيطاليا، ليبدأ حكم الشاه من جديد.
هناك، بحسب الحجي، دخلت أميركا، وقالت للبريطانيين: "نحن من نفّذ الانقلاب، ونحن نريد الثمن. نحن لم نفعل ذلك مجانًا"، وهو نفس ما يقوله ترمب الآن: "أريد الثمن، لم أقم بالأمر مجانًا".
وكان الثمن هو عقود النفط الإيراني، التي يريد الأميركيون أن يكونوا شركاء فيها، وهو ما وافق عليه البريطانيون، وتعهّدوا بإعادة هيكلة الشركات ما دام أن الشاه قد عاد، وستعود بعودته العقود مرة أخرى.
عقود النفط الإيرانية
قال أنس الحجي إن أميركا حصلت على 32% من عقود النفط الإيرانية، التي كانت باسم شركة "بي بي"، وكانت الشركة الأميركية التي دخلت هي "أرامكو"؛ إذ كانت تحمل هذا الاسم في حين لم تكن الحكومة السعودية تملك أرامكو بعد.
لذلك؛ فقد فعلت الحكومة الأميركية مثلما فعلت بريطانيا مع الهند؛ إذ أعطت العقود للمسؤولين التابعين لها هناك؛ فدخلت شركات أرامكو شريكةً في النفط الإيراني بنسبة 32%.
الغريب في الأمر أنه عندما شارك الأميركيون في الانقلاب، وشاركوا في دعم الجيش والملالي، برروا الأمر للأميركيين ولأعضاء الكونغرس والشيوخ، بأن الولايات الـ5 القريبة من روسيا، يمكن أن يتحمل الاتحاد السوفيتي إيران من خلالها، وهم يريدون منع بروز الشيوعية هناك.
الغريب في الأمر أيضًا أن الشركة الجديدة التي أُنشِئت باسم "إيرام"، كانت تحصل على 50% من الأرباح الصافية؛ فالأميركيون أجبروا الشاه على توقيع عقود جديدة، وهي عقود مجحفة أكثر من عقود عام 1933 التي وقّعها والده.

ففي عام 1953، عندما عاد الشاه، ودخل الأمريكيون إلى إيران وصناعة النفط فيها، اتفقوا مع طهران على شيء واحد فقط: أن تحصل على 50% من الأرباح الصافية، وأؤكد هنا كلمة "الصافية".
ولكن، لم يُسمح لأي إيراني بالتحدث في موضوع سياسة النفط، أو الانضمام إلى مجلس إدارة الشركة، ولا لأي محاسب أو مدقق من البلاد أن يرى دفاتر الشركة المحاسبية، وهذا أمر كان منصوصًا عليه في العقود.
لذلك، عند النظر إلى هذه الشروط، يجب ألا تكون ثورة عام 1979 مفاجئة؛ لأن الشروط كانت مجحفة جدًا، ومن ضمنها حصول طهران على 50% من الأرباح الصافية بناءً على أسعار محددة.
ولما ارتفعت أسعار النفط بعد عام 1973، إلى 4 أضعاف، بدلًا من أن تبيع دول الخليج النفط بدولارين أو 3 دولارات أصبحت تبيعه بـ14 دولارًا، لكن الشاه كان يحصل على الأرباح بناءً على سعر 3 دولارات.
وهذا يعني أن الفائدة الكبرى من ارتفاع أسعار النفط بين 1973 و1979 حصل عليها الأميركيون وشركاؤهم، وليس الإيرانيون؛ لذلك كان الوضع هناك صعبًا، ولم تحقق الدولة شيئًا رغم أن دول الخليج كانت تزدهر وتحقق أموالًا ضخمة.
موضوعات متعلقة..
- الحجي: مخزونات النفط الصينية خط دفاعي.. ولا مصلحة لإيران في تعطيل صادرات الخليج
- توقعات واردات الصين من النفط الإيراني في ضوء الحرب مع إسرائيل (تقرير)
- سيناريوهات أسعار النفط مع تدخّل أميركا في الحرب الإسرائيلية الإيرانية (تحليل)
اقرأ أيضًا..
- إيرادات دول أوبك من صادرات النفط في 2024 تتراجع 26 مليار دولار
- ارتفاع سعة تكرير النفط العالمية في 2024.. ودولة عربية ضمن الـ10 الكبار
- إنتاج الفحم في العالم يرتفع لمستوى قياسي.. وهؤلاء الـ10 الكبار
المصدر..