تقارير النفطرئيسيةنفط

حظر صادرات النفط الكندي.. كيف يضرّ مصافي التكرير الأميركية؟

دينا قدري

بعد تولّي إدارة ترمب الجديدة مهامّ منصبها، يلوح خيار حظر صادرات النفط الكندي ضمن مجموعة من الحلول المطروحة للردّ على التعرفات الأميركية المحتملة على الواردات الكندية.

ويخطط الرئيس دونالد ترمب لفرض رسوم جمركية بنسبة 25% على كندا والمكسيك، مع بداية شهر فبراير/شباط 2025، بسبب فشلهما في التصدي لعمليات الهجرة غير الشرعية.

وقد تَسبَّب هذا التهديد في غضب المواطنين الكنديين، ولكنه أشعل أيضًا الانقسام في صفوف الحكومات المحلية بكيفية الردّ على مثل هذه التعرفات المحتملة.

ووصف مقال حديث، اطّلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، أن حجب صادرات الطاقة الكندية أو خفضها أو فرض تعرفات عليها، يُعدّ بمثابة الخيار الأكثر تطرفًا لدى كندا.

وبالفعل، تسبَّب مجرد اقتراح مثل هذا التكتيك في انقسام بين حكومة ألبرتا، من ناحية، وحكومات كندا وجميع المقاطعات الأخرى من ناحية أخرى.

صراع التعرفات الجمركية بين كندا وأميركا

أوضح الكاتب إيفان داير، في مقاله، أن التعرفات الجمركية على الواردات من الولايات المتحدة لديها القدرة على إلحاق الضرر ببعض الصناعات والمناطق، لكن رئيس الوزراء جاستن ترودو نفسه اعترف بأن تأثير التعريفات الجمركية الكندية في الواردات لن يكون كبيرًا بسبب حجم السكان والاقتصاد في الولايات المتحدة.

من ناحية أخرى، فإن حجب صادرات الطاقة الكندية أو فرض تعرفات عليها، لديه القدرة على التسبب في إزعاج حقيقي وشامل للولايات المتحدة، وإن كان ذلك بتكلفة كبيرة لكندا أيضًا.

ورأى "داير"، في المقال الذي نشرته منصة "سي بي سي نيوز" (CBC News)، أن هناك أسبابًا للاعتقاد بأن أقوى أوراق كندا في حرب تجارية ليست ما قد ترفض شراءه، بل ما قد ترفض بيعه.

وقال محامي التجارة الدولية والدبلوماسي الكندي السابق، لورانس هيرمان، إن النفط ليس ورقة الموارد الوحيدة التي تمتلكها كندا للردّ على التعرفات الجمركية الأميركية.

وأشار هيرمان، في تصريحات إلى شبكة "سي بي سي نيوز"، إلى استعداد رئيس وزراء أونتاريو دوغ فورد لقطع صادرات الكهرباء التي تعتمد عليها العديد من الولايات الشمالية بشكل كبير.

وتابع: "فيما يتعلق بغرب كندا والنفط والغاز، أعتقد أن هذا أمر ينبغي لنا أن نشير إلى أنه مطروح على الطاولة".

وأكد هيرمان أنه ما لم تعفِ الولايات المتحدة النفط الخام من أيّ تعرفة عامة على الواردات الكندية، فإن التحرك الكندي سيكون محلّ جدال على أيّ حال.

حقول النفط الكندي
أحد حقول النفط الكندي - الصورة من وكالة بلومبرغ

وقال: "لا يتعين علينا حتى أن نفكر في قيود تصدير الخام أو القيود المفروضة على التصدير في هذا السياق".

وأضاف أن التعرفات الجمركية على البوتاس والمعادن الأساسية والصلب والألومنيوم من شأنها أيضًا أن تضع ضغوطًا على الإدارة الجديدة: "هذه هي الأشياء التي تعتمد عليها الصناعات الأميركية المتكاملة مع المنتجين الكنديين".

اعتماد أميركا على النفط الكندي

ذكر الكاتب إيفان داير أن الحقيقة الأساسية هي أنّ تعرُّض الولايات المتحدة لخطر انقطاع النفط الكندي لا يرجع إلى أنها لا تنتج ما يكفي من النفط لتلبية احتياجاتها؛ فهي تنتج أكثر مما تحتاج إليه، وهي دولة مصدّرة صافية.

ولكن المشكلة التي تواجهها الولايات المتحدة تنشأ عندما يتعلق الأمر بتحويل كل إنتاج النفط الخام إلى بنزين قابل للاستعمال وديزل ووقود طائرات.

فهناك نحو 130 مصفاة في الولايات المتحدة، قادرة على تكرير أكثر من 18 مليون برميل من النفط يوميًا، ولكن هناك عدم توافق بين هذه المصافي ونوع النفط الذي تنتجه الولايات المتحدة.

في ثمانينيات وتسعينيات القرن الـ20، كانت المخاوف واسعة النطاق من نفاد النفط؛ إذ كان الإنتاج الأميركي في انخفاض.

ولذلك، أعادت صناعة التكرير تصميم نفسها بحيث تتمكن من معالجة النفط القادم من أميركا اللاتينية، الذي يأتي في المقام الأول من فنزويلا، بحسب ما أوضحه "داير".

وتمتلك فنزويلا أكبر احتياطيات نفطية معروفة في العالم، ومعظمها من النفط الخام الثقيل الذي يصعب تكريره ونقله عبر خط الأنابيب ما لم يُخَفَّف، تمامًا مثل النفط في الرمال النفطية في ألبرتا.

ثم في الجزء الأول من هذا القرن، تسببت تقنيات جديدة مثل الحفر الأفقي بطفرة نفطية أميركية في حقول تكساس مثل برميان وإيغل فورد، وفي باكن بولاية داكوتا الشمالية.

والنفط الصخري المنتج في هذه الحقول أخفّ وزنًا و"أحلى" (أقل احتواءً على الكبريت) من النفط الفنزويلي أو الكندي، ومن ثم فهو أسهل من الناحية النظرية في التكرير.

ولكن العديد من المصافي كان قد استثمر في تكنولوجيات باهظة الثمن مصممة للتعامل مع الخام الثقيل، وكان نموذج أعمالها يعتمد على الخصم السعري الذي تطلبه على هذا النفط، الذي يباع بعدّة دولارات أقل من برميل الخام الخفيف الحلو.

ونتيجةً لهذا، بدأ تصدير قدر كبير من النفط الصخري الأميركي إلى مصافي في الخارج أكثر قدرة على التعامل معه.

وارتفعت صادرات النفط الأميركية من أقل من مليون برميل شهريًا في عام 2009 إلى أكثر من 100 مليون برميل شهريًا اليوم، في حين استمرت الولايات المتحدة في استيراد النفط الثقيل.

عقبات أمام مصافي التكرير الأميركية

أدى صعود نظام تشافيز في فنزويلا في عام 1999، الذي تسبَّب في هجرة مهندسي النفط وانخفاض حادّ في إنتاج النفط، إلى إعاقة الخطط الطويلة الأجل لصناعة التكرير الأميركية.

ولحسن الحظ، كان إنتاج الرمال النفطية الكندية يتزايد، في الوقت نفسه الذي كان فيه إنتاج فنزويلا يتراجع، وفق ما ذكره الكاتب إيفان داير في مقاله.

وقد شهد الربع قرن التالي انتشار خطوط الأنابيب وشبكات النقل المصممة لتكرير النفط الكندي الثقيل في الولايات المتحدة، ويعتمد العديد من مصافي الغرب الأوسط والغرب خصوصًا على الواردات الكندية حصريًا.

إذا أوقفت كندا صادرات النفط أو خفضت إمداداته، أو ببساطة زادت السعر، فيمكن لهذه المصافي نظريًا الحصول على نفط ثقيل مماثل من مورّدين آخرين، ولكن في الممارسة العملية، فإن الاعتبارات السياسية والاقتصادية من شأنها أن تجعل ذلك صعبًا.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2022، خففت الحكومة الأميركية العقوبات المفروضة على فنزويلا، وعادت شركة شيفرون الأميركية إلى البلاد.

لكن هذا التخفيف كان مشروطًا بسماح نيكولاس مادورو بإجراء انتخابات ديمقراطية، ثم بدأت إدارة بايدن في سحب التراخيص عام 2024، عندما أصبح من الواضح أن مادورو لم يكن ينوي السماح بتصويت حرّ ونزيه؛ واليوم، لا يتدفق سوى القليل من النفط.

قد يرفع دونالد ترمب العقوبات تمامًا، ما يسمح للخام الفنزويلي بالتدفق مرة أخرى إلى مصافي التكرير الأميركية؛ ولكن من المرجّح ألّا يفعل ذلك، نظرًا لأهمية الناخبين اللاتينيين المناهضين للشيوعية في ائتلافه الفائز.

وفي كل الأحوال، فإن الصناعة المتهالكة في فنزويلا ليست سوى ظل لما كانت عليه قبل سيطرة الاشتراكيين، حيث تنتج أقل من مليون برميل يوميًا إجمالًا، معظمه يتوجّه إلى الصين، ولا يمكنها أبدا أن تحلّ محلّ 4 ملايين برميل يوميًا تصدّرها كندا إلى البلاد.

مصافي التكرير الأميركية
إحدى مصافي التكرير الأميركية - الصورة من منصة "أويل آند غاز 360"

بدائل النفط الكندي

أشار الكاتب إيفان داير إلى بدائل النفط الكندي المحتملة في الولايات المتحدة؛ إذ يُمكن تكرير خام كاستيلا الكولومبي الثقيل الحامض، أو خام المايا المكسيكي الثقيل الحامض، في المصافي نفسها التي تتعامل مع خام غرب كندا.

ولكن الإنتاج الكولومبي ليس كبيرًا بما يكفي، والمكسيك تمضي قدمًا بخطّة إستراتيجية لتكرير خامها الثقيل في مصافيها الخاصة؛ ما يفسح المجال لدول مثل روسيا والعراق، وكلاهما ينتج الخام الثقيل.

ولكن إذا لم يكن ترمب مستعدًا للتخلّي عن رفع سقف الأسعار المفروض على النفط الروسي لمعاقبة موسكو على غزوها لأوكرانيا، فإن روسيا والعراق يواجهان مشكلة أخرى تؤثّر في جميع المورّدين غير الكنديين: كيفية نقل نفطهما إلى المصافي الأميركية القادرة على معالجته.

بينما تعالج مصافي الخليج الساحلية -التي يسهل الوصول إليها بوساطة ناقلات النفط المنقولة بحرًا- بعض النفط الكندي، فإن المصافي التي تعتمد حقًا على الواردات الكندية تقع في ولايات الغرب الأوسط وجبال روكي غير الساحلية.

وتُعدّ هذه المصافي مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بحقول النفط الكندية من خلال شبكة ثابتة من خطوط الأنابيب التي تبلغ قيمتها عدّة مليارات من الدولارات، والتي ببساطة لا تتصل بروسيا أو فنزويلا أو العراق.

ولكن تساءل كاتب المقال: هل لا تستطيع المصافي الأميركية إعادة التجهيز ببساطة من أجل التعامل مع الخام الخفيف القادم من حقول النفط الصخري الخاصة بها؟ ألا يمكنها التوقف عن استيراد الخام من كندا، والتوقف عن إرسال خامها المحلي إلى المصافي في المكسيك والصين وهولندا؟

ووفق ما أكده "داير"، فإن المصافي الأميركية قادرة على ذلك، ولكن التكلفة ستكون مرتفعة للغاية، ومشكلات النقل ستظل قائمة، على الرغم من أنها لن تكون مستعصية على الحل.

ولكن هذا التغيير في التجهيز سيستغرق وقتًا طويلًا، ومن المرجّح ألّا تظهر نتائجه إلّا بعد مدة طويلة من الانتخابات النصفية المقبلة في الولايات المتحدة، ومن ثم فإن هذا التغيير لن يفعل الكثير لدرء التأثير السياسي للتحرك الكندي.

كما يعتقد كثيرون في الصناعة أن ذروة طفرة النفط الصخري في الولايات المتحدة قد انتهت الآن، وقليلون هم الذين يرغبون في إنفاق مئات الملايين من الدولارات على إعادة التجهيز لمورد أصبح أكثر ندرة، فقط لكي يضطروا إلى تكرار العملية نفسها عندما يعودون حتمًا إلى معالجة النفط الثقيل.

ولكن يظل السؤال الأساس هو: من الذي سيتحمل هذه الخسائر في نهاية المطاف؟ هل ستكون المصافي الأميركية نفسها؟ هل ستنقل كل التكاليف إلى المستهلك الأميركي، كما تأمل الحكومة الكندية؟ أم أنها ستجبر المورّدين الكنديين على خفض أسعارهم، لأن المنتجين الكنديين هم أيضًا رهائن لشبكة النقل الثابتة نفسها، وسيكافحون من أجل إيجاد أسواق أخرى؟

يعتقد بعض المحللين أن المصافي الأميركية والمستهلكين الأميركيين والمورّدين الكنديين سينتهي بهم الأمر جميعًا إلى تقاسُم التكلفة.

وقد أظهرت التجربة السابقة أن زيادة بنسبة 20% في التكلفة على مستوى المصفاة، تترجَم عادةً إلى زيادة بنحو 10% في مضخات البيع بالتجزئة.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

المصادر:

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق