هل يهدد تحقيق الحياد الكربوني بحلول 2050 أمن الطاقة العالمي؟ (تقرير)
نوار صبح
- ما يزال النفط والغاز يشكّلان حجر الزاوية في مزيج الطاقة
- تقنية احتجاز الكربون وتخزينه مهمة، لكنها لن تلبي متطلبات المسؤولية الاجتماعية للشركات
- الضبابية التي تغطي الجوانب الرئيسة للتحول الأخضر تنشأ من الافتقار إلى خطة تفصيلية عالمية
تشغل قضية الحياد الكربوني، حيزًا كبيرًا من مناقشات الخبراء والساسة على مستوى العالم، خاصةً في ظل فشل خطط العديد من الدول حتى الآن في هذا السياق.
ووفقًا لتقرير اطّلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، شهد تحوّل صناعة الطاقة إلى مصادر طاقة أخرى مستويات جديدة تمامًا، في ظل التهديد بنفاد الوقود الأحفوري، وإطلاق تعهدات إزالة الكربون على الساحة العالمية، إذ حفّزت مهمة تنويع مصادر الإمداد عددًا لا يُحصى من الابتكارات.
لكن في الوقت ذاته، يُعتقد أن جدوى العديد من مشروعات الطاقة النظيفة أصبحت في وضع حرج بسبب ارتفاع التكاليف وانقطاعات سلسلة التوريد، وهو ما يُثير شكوكًا بشأن إمكان تحقيق المزيد من التسارع في إنتاج الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة.
وبحلول عام 2050، يُتوقع أن يرتفع عدد سكان العالم إلى 10 مليارات نسمة، ما سيزيد الاحتياجات من الطاقة، وهو ما يُبرز ضرورة تواصل إنتاج النفط والغاز، بشكل مسؤول، لضمان تلبية الطلب المتزايد لعدد أكبر من سكان العالم، بأسعار معقولة، مع انخفاض البصمة الكربونية.
الخطر المزعوم على أمن الإمدادات العالمية
سُلِّط الضوء على الخطر المزعوم على أمن الإمدادات العالمية، الذي يُنظر إليه بصفته نابعًا من التركيز على أهداف الحياد الكربوني، في حدث نظّمته جمعية مفاوضي الطاقة الدوليين (AIEN) في العاصمة التايلاندية بانكوك.
وقد دفع التفكير في طرق تحويل الصراعات إلى فرص لاستكشاف وإنتاج الغاز الطبيعي جنوب شرق آسيا المدير التنفيذي لمعهد البترول في تايلاند الأمين الدائم السابق لوزارة الطاقة، الدكتور كوروجيت ناكورنثاب، إلى توضيح دور إمكانات الحياد الكربوني في إضعاف أمن الطاقة.
وأكد أن "التركيز على أهداف الحياد الكربوني وحدها قد يقودنا إلى إهمال أو تقليل الاستثمار للعثور على مكامن نفط وغاز جديدة، ومن ثم تحقيق أمن طاقة أقل وأسعار متقلبة".
وأردف: "بحلول عام 2050، سيزداد عدد السكان إلى 10 مليارات نسمة، وسيكون أكثر من 60% منهم في أجزاء فقيرة من العالم وسيحتاجون إلى طاقة رخيصة".
وقال: "كانت أهداف عام 2050 عدوانية للغاية، وكانت تستهدف منعنا من الرضا عن الذات، وفي رأيي، يجب أن يكون الهدف الحقيقي هو عام 2070".
معضلة الطاقة
تطرَّق المدير التنفيذي لمعهد البترول في تايلاند، الدكتور كوروجيت ناكورنثاب، إلى معضلة الطاقة والرحلة إلى الحياد الكربوني، مشيرًا إلى أن التنمية المستدامة، التي -في رأيه- ينبغي أن تمهّد الطريق لتلبية الطلب الحالي على الطاقة دون المساس بقدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتها الخاصة.
وعلى الرغم من أنه حدد خيارات قابلة للتطبيق للمساعدة في توفير الطاقة بسعر مناسب للناس، أوضح ناكورنثاب: "أن تقنية احتجاز الكربون وتخزينه مهمة، لكنها لن تلبي متطلبات المسؤولية الاجتماعية للشركات، لأنها مكلفة للغاية".
وأضاف: "لجعلها أقل تكلفة، يجب إدارتها مثل مشروع تجاري، وليس مثل مؤسسة خيرية، مشيرًا إلى أن الغاز الطبيعي يُعدّ جزءًا ضروريًا من أمن الطاقة".
وأوضح: أنه "وقود انتقالي نحو التحول، وسيكون كذلك لمدة 30 عامًا على الأقل"، "وهو شكل أكثر نظافة من أشكال الطاقة مع كثافة كربونية أقل".
وقال: "إن النفط والغاز المنتجَين بشكل مسؤول من شأنهما أن يوفّرا إمكان الوصول إلى الطاقة بأسعار معقولة لعدد أكبر من سكان العالم، مع انخفاض البصمة الكربونية".
نمو الطلب العالمي على النفط
إن نمو الطلب العالمي على النفط يتباطأ، ومن المقرر أن يزداد العرض، ما يشير إلى قفزة كبيرة في الطاقة الاحتياطية هذا العقد، ومن ثم، من المتوقع أن يكون لاستجابة صناعة النفط للمشهد المتطور "تداعيات كبيرة،" وفقًا للمدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية، الدكتور فاتح بيرول.
وسلّطت جمعية مفاوضي الطاقة الدوليين في تايلاند الضوء على الخطر المزعوم على أمن الإمدادات العالمية، الذي يُنظر إليه بصفته نابعًا من التركيز على أهداف الحياد الكربوني.
ودفع التفكير في طرق تحويل الصراعات إلى فرص لاستكشاف وإنتاج الغاز الطبيعي في جنوب شرق آسيا -إذ يُتوقع ارتفاع الطلب على الطاقة بسبب زيادة السكان- المدير التنفيذي لمعهد البترول في تايلاند الأمين الدائم السابق لوزارة الطاقة، الدكتور كوروجيت ناكورنثاب، إلى توضيح دور أهداف حياد الكربون في إضعاف أمن الطاقة.
وقال: "التركيز على أهداف الحياد الكربوني وحدها قد يقودنا إلى إهمال الاستثمار أو تقليله للعثور على مكامن نفط وغاز جديدة، ومن ثم تحقيق قدر أقل من أمن الطاقة، وأسعار متقلبة".
ورغم التوقعات بأن يكون الطلب على استعمال النفط مدفوعًا بالاقتصادات في آسيا والطيران والبتروكيماويات، فإن المكاسب من المقرر تعويضها من خلال ارتفاع مبيعات السيارات الكهربائية، والكفاءة الأعلى، وانخفاض استعمال النفط في توليد الكهرباء.
رغم ذلك، ما يزال التفاؤل سائدًا في صناعة الطاقة، إذ حظي قطاع النفط والغاز بثقة كبيرة في أعقاب أزمة الطاقة العالمية.
بدوره، يتوقع بيرول زيادة في القدرة الإنتاجية العالمية للنفط، بقيادة الولايات المتحدة والمورّدين الآخرين في الأميركتين، التي ستتجاوز نمو الطلب حتى عام 2030، وتضع الأسواق العالمية على المسار الصحيح لتحقيق فائض كبير في وقت لاحق من هذا العقد، بناءً على سياسات الطاقة والاتجاهات الحالية.
مزيج الطاقة العالمي
يغلب التفاؤل على توقعات المحللين بأن مزيج الطاقة العالمي سوف يتفوق على الوقود الأحفوري خلال العقدين المقبلين، رغم أن أفضل طريقة للمضي قدمًا في تحقيق التوازن اللازم لتغطية تكاليف الحياد الكربوني لم تُطوّر بعد بالكامل، حتى في البلدان الأكثر تقدمًا.
وغالبًا ما تُصوَّر رؤية عالم الطاقة الذي يتجاوز الوقود الأحفوري على أنه ملاذ للطاقة المتجددة وخلاص مناخي، لكن المعارضة لمثل هذه الرؤية مستمرة، ويبدو أنها تتزايد بشكل متناسب في الآونة الأخيرة.
وعلى الرغم من أن السعر الدقيق ما يزال غير مؤكد مع تغير التقديرات تحت تأثير عوامل أخرى على الساحة العالمية، بما في ذلك المصاعب الاقتصادية والتحولات الجيوسياسية، فإن هوية أولئك الذين سيتحمّلون فاتورة الحياد الكربوني بالكامل، أو الجزء الأكثر أهمية منها، تبدو لغزًا.
ويُعتقد أن هذه الضبابية التي تغطي الجوانب الرئيسة للتحول الأخضر تنشأ من الافتقار إلى خطة تفصيلية عالمية، التي تفتقر إليها بسبب عدم القدرة على إيجاد حل واحد يناسب الجميع لمهمة تحول الطاقة.
ولا يوجد شيء اسمه مصدر عالمي واحد لإمدادات الطاقة، فحتى الوقود الأحفوري، الذي يشكّل الشريحة الكبرى من مزيج الطاقة العالمي، يوفر أكثر من مصدر واحد، لكنه ما يزال لا يتمتع باحتكار مزيج الطاقة على الرغم من استعماله لتشغيل نحو 80% من العالم، في حين يعمل الـ 20% المتبقية على مصادر بديلة، يُنظر إليها على أنها خيارات أنظف وأكثر خضرة.
في العام الماضي 2023، شكّل الفحم والنفط والغاز الطبيعي 82% من مزيج الطاقة العالمي، وفق تقرير معهد الطاقة عن الطاقة العالمية.
ومع ذلك، هناك مصادر أخرى للطاقة تُستعمل على نطاق واسع، مثل الشمس، التي تُستعمل غالبًا حافزًا للدعوة إلى إزالة الكربون بشكل أسرع والتحول العالمي إلى الطاقة الشمسية، وغيرها من خيارات الطاقة المنخفضة الكربون والخالية من الكربون والمتجددة، مثل طاقة الرياح البرية والبحرية.
وتشير التقديرات إلى أن التحول بعيدًا عن الوقود الأحفوري إلى مصادر الطاقة المتجددة وغيرها من بدائل الطاقة النظيفة، مثل الطاقة النووية والهيدروجين، يتطلب تريليونات الدولارات على نطاق عالمي كل عام، بحلول عام 2050.
ويشير تقرير ماكينزي إلى أن 9.2 تريليون دولار في المتوسط السنوي للإنفاق على الأصول المادية مطلوبة لتحقيق الحياد الكربوني في جميع أنحاء العالم، بحلول عام 2050.
موضوعات متعلقة..
- أنس الحجي: الحياد الكربوني لن يتحقق بحلول منتصف القرن.. لهذه الأسباب (فيديو)
- قطاع الطاقة في الأسواق الناشئة يحتاج إلى 115 تريليون دولار لتحقيق الحياد الكربوني
اقرأ أيضًا..
- أكبر شركة حديد وصلب في العالم تتراجع عن دمج الهيدروجين بالصناعة
- التنقيب عن المعادن في سلطنة عمان ينتعش بصفقة جديدة
- خط أنابيب الغاز العربي.. هل تتغير معادلاته باكتشاف حقل الريشة الضخم؟ (القصة كاملة)
المصادر..