رئيسيةالمقالاتطاقة نوويةمقالات الطاقة النووية

المفاعلات النووية الصغيرة.. خيار تركيا لتعزيز أمن الطاقة (مقال)

أومود شوكري* - ترجمة: نوار صبح

اقرأ في هذا المقال

  • دمج المفاعلات النووية الصغيرة ضمن مزيج الطاقة في تركيا يمثّل خيارًا واعدًا
  • شركة الطاقة النووية التركية (توناش) قامت بتقييم 11 تصميمًا للمفاعلات النووية الصغيرة
  • الخطة الوطنية للطاقة في تركيا لا تحدد صراحةً أهدافًا معيّنة للمفاعلات النووية الصغيرة
  • تركيا قد تعتمد على التكنولوجيا والوقود الأجنبيين لتنفيذ المفاعلات النووية الصغيرة

يمثّل استكشاف قدرات المفاعلات النووية الصغيرة خيارًا واعدًا في إطار إستراتيجية تركيا واسعة النطاق، لتعزيز أمن الطاقة لديها والحدّ من اعتمادها على الوقود الأحفوري المستورد.

وتهدف تركيا إلى زيادة حصة توليد كهربائها من الطاقة النووية بحلول عام 2050، ضمن خطط طموحة لتوسعة قدرتها النووية، حيث تُعدّ المفاعلات النووية الصغيرة خيارًا قابلًا للتطوير والتكيف لتحقيق هذا الهدف.

رغم ذلك، تظل هناك تساؤلات حول القبول المجتمعي والاستعداد التكنولوجي والجدوى الاقتصادية لهذه المبادرة.

ويستكشف هذا المقال إمكانات المفاعلات النووية الصغيرة بمجال الطاقة في تركيا، ويستعرض فوائدها وتحدياتها وتداعياتها على أهداف استقلال الطاقة والاستدامة في البلاد.

الطاقة النووية في تركيا

تبذل أنقرة جهودًا حثيثة لدمج المفاعلات الصغيرة مع محطات الطاقة النووية في تركيا، في إطار إستراتيجية الطاقة الأوسع نطاقًا.

وتهدف خطة الطاقة في تركيا إلى أن يسهم توليد الطاقة النووية بنحو 20 غيغاواط بحلول عام 2050.

ولدعم هذه المبادرة، قامت شركة الطاقة النووية التركية (توناش) (TÜNAŞ) بتقييم 11 تصميمًا للمفاعلات النووية الصغيرة بناءً على 5 معايير رئيسة و18 معيارًا فرعيًا، بمشاركة 25 خبيرًا في أكثر من 3 آلاف و300 ساعة من التحليل.

بالإضافة إلى ذلك، وقّعت تركيا مذكرة تفاهم مع شركة رولز رويس Rolls-Royce لاستكشاف الجدوى التقنية والاقتصادية والقانونية لنشر المفاعلات النووية الصغيرة، وتقدّمت بطلب للحصول على عضوية المنتدى الدولي لمفاعلات الجيل الرابع.

بدورهم، يسلّط المسؤولون الحكوميون، بمن فيهم وزير الخارجية التركي، الضوء على أهمية المفاعلات الصغيرة في استبدال محطات الكهرباء التي تعمل بالفحم وإنتاج الهيدروجين الأخضر.

محطة أكويو للطاقة النووية قيد الإنشاء في تركيا
محطة أكويو للطاقة النووية قيد الإنشاء في تركيا – المصدر: وكالة الأنباء الفرنسية

وفي إطار هذه التطورات، لا تحدد الخطة الوطنية للطاقة في تركيا صراحةً أهدافًا معيّنة للمفاعلات النووية الصغيرة.

ورغم الحديث عن زيادة إجمالي القدرة النووية من 4.8 غيغاواط إلى 7.2 غيغاواط بحلول عام 2035، فإن هدفًا واضحًا للمفاعلات الصغيرة ــ مثل هدف 5 غيغاواط للطاقة النووية التقليدية ــ لم يُحدَّد بعد.

من ناحية ثانية، أثار خبراء من جمعية أبحاث الاقتصاد والتمويل المستدام مخاوف بشأن الجدوى الاقتصادية وسلامة المفاعلات النووية الصغيرة، مشيرين إلى الافتقار للنضج التجاري والمنافسة من مصادر الطاقة المتجددة الفعّالة من حيث التكلفة، مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية.

مزايا المفاعلات الصغيرة

تقدّم المفاعلات النووية الصغيرة العديد من المزايا التي تتوافق مع أهداف تعزيز أمن الطاقة في تركيا والحدّ من الاعتماد على الوقود الأحفوري المستورد:

أولًا: قابلية التوسع والمرونة: يمكن تكييف المفاعلات النووية الصغيرة لتلبية مختلف متطلبات الطاقة، ما يجعلها مناسبة للمواقع التي لا يمكنها دعم المفاعلات الأكبر حجمًا.

ثانيًا: انخفاض واردات الطاقة: بالنظر إلى استيراد تركيا حاليًا 74% من طاقتها، توفّر المفاعلات النووية الصغيرة مصدرًا محليًا محتملًا للطاقة النظيفة.

ثالثًا: طاقة أنظف: تتوافق المفاعلات النووية الصغيرة مع هدف تركيا المتمثل في الحدّ من الاعتماد على الوقود الأحفوري، الذي ما يزال يمثّل أكثر من 85% من إنتاج الكهرباء.

رابعًا: تعزيز السلامة: تتضمن المفاعلات النووية الصغيرة أنظمة أمان كامنة، وهي مصممة بقدرة وضغط تشغيل أقل، ما يقلل من خطر وقوع حوادث واسعة النطاق.

خامسًا: الفوائد الاقتصادية والتشغيلية: يمكن أن يؤدي نشر المفاعلات النووية الصغيرة إلى تحفيز النمو الاقتصادي من خلال خلق فرص العمل وتعزيز الابتكار في التكنولوجيا النووية والصناعات ذات الصلة.

سادسًا: استكمال مصادر الطاقة المتجددة: يمكن للمفاعلات النووية الصغيرة أن تعمل بالتآزر مع الطاقة المتجددة، ما يوفر طاقة ثابتة، ويوازن بين انقطاع مصادر الطاقة مثل الرياح والطاقة الشمسية.

سابعًا: النشر السريع: يمكن تصنيع مكونات المفاعلات النووية الصغيرة مسبقًا، ما يقلل من الجداول الزمنية للبناء، ويخفض التكاليف مقارنة بالمفاعلات الكبيرة التقليدية.

ثامنًا: معالجة الطلب المتزايد على الطاقة: يؤكد الطلب المتزايد بسرعة على الطاقة في تركيا -وهو الأعلى بين دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية- الحاجة إلى مصادر كهرباء موثوقة، حيث تُعدّ المفاعلات النووية الصغيرة خيارًا قابلًا للتطبيق.

في المقابل، تتضمن إستراتيجية الطاقة في تركيا توسيع إنتاج الغاز المحلي والطاقة المتجددة، وستحتاج المفاعلات النووية الصغيرة إلى استكمال هذه الجهود.

قسم من مفاعل نووي صغير في منطقة سان بول ليه دورانس بفرنسا
قسم من مفاعل نووي صغير في منطقة سان بول ليه دورانس بفرنسا – المصدر: وكالة الأنباء الفرنسية

مقارنة المفاعلات الصغيرة بنظيرتها التقليدية

تقدّم المفاعلات النووية الصغيرة العديد من المزايا مقارنة بنظيراتها التقليدية كبيرة الحجم، خصوصًا من حيث الجداول الزمنية للبناء والمرونة التشغيلية.

على سبيل المثال، بالرغم من أن بناء مفاعل كبير بقدرة 1144 ميغاواط يستغرق نحو 5 سنوات، يمكن إكمال المفاعل النووي الصغير في نحو سنة ونصف السنة.

وتسمح المفاعلات الصغيرة بإضافة سعة تدريجية، وتوفر ميزات أمان محسّنة، ما قد يقلل من المخاطر التشغيلية.

مع ذلك، تواجه المفاعلات النووية الصغيرة تحديات اقتصادية كبيرة، على الرغم من حجمها الأصغر، شهدت مشروعات المفاعلات النووية الصغيرة مثل نيوسكيل NuScale زيادات كبيرة في التكلفة - بنسبة تصل إلى 75%، ما أدى إلى ارتفاع تكلفة الكهرباء المستوية مقارنة بالمفاعلات الكبيرة.

بالإضافة إلى ذلك، من المتوقع أن تكون تكاليف الوقود للمفاعلات النووية الصغيرة أعلى بنسبة 15% إلى 70% من تكاليف مفاعلات الماء الخفيف الكبيرة، ما يلقي بظلال من الشك على قدرتها التنافسية الاقتصادية.

الاعتبارات الزلزالية للمفاعلات الصغيرة في تركيا

نظرًا للنشاط الزلزالي في تركيا، فإن تنفيذ المفاعلات النووية الصغيرة يتطلب اهتمامًا دقيقًا بالسلامة الزلزالية، ويتضمن ذلك تحليل حركة الأرض في الموقع والالتزام بمعيار الاستجابة الزلزالية المعتمد (سي إس دي آر إس).

ويمكن للابتكارات، مثل المحامل الزلزالية لعزل القاعدة، أو نظام العزل الزلزالي العائم، أن تعزز المرونة ضد الزلازل من خلال فصل المفاعل عن حركة الأرض.

وفي الوقت نفسه، تتضمن تقييمات شركة الطاقة النووية التركية (توناش) تقييم تصميمات المفاعلات النووية الصغيرة لقدرتها على تحمُّل الزلزال، ما يعكس تأكيد تركيا للسلامة في خططها للطاقة النووية.

تجدر الإشارة إلى أن هيئة الطاقة الذرية التركية تؤدي دورًا رئيسًا في ضمان الامتثال لمعايير السلامة الزلزالية، التي تعدّ حاسمة للنشر الآمن للمفاعلات النووية الصغيرة في المناطق المعرَّضة للزلازل.

استقلال الطاقة في تركيا

تتضافر إستراتيجية الطاقة النووية طويلة الأجل في تركيا مع هدفها المتمثل في تحقيق استقلال الطاقة.

ومن المتوقع أن توفر الطاقة النووية 11% من كهرباء البلاد بحلول عام 2035، وأن تزيد هذه الحصة إلى 29% بحلول عام 2053.

ويُنظر إلى المفاعلات الصغيرة المدمجة، إلى جانب المفاعلات واسعة النطاق، على أنها أداة لتحقيق هذه الأهداف.

محطة كاربينار للطاقة الشمسية في تركيا
محطة كاربينار للطاقة الشمسية في تركيا – المصدر: وكالة الأناضول للأنباء

وعلى الرغم من أن المحطات الكبيرة مثل "أكويو" و"سينوب" وتلك المخطط لها في منطقة "تراقيا" تمثّل ركيزة للبنية التحتية النووية في تركيا، فإن المفاعلات الصغيرة المُدمجة توفر إضافة مرنة وقابلة للتطوير لهذا المزيج.

على صعيد آخر، يؤكد هدف الرئيس التركي أردوغان المتمثل في "الاستقلال التامّ بمجال الطاقة" أهمية موارد الطاقة المحلية، حيث تؤدي الطاقة النووية، بما في ذلك المفاعلات الصغيرة المدمجة، دورًا محوريًا في هذه الرؤية.

ويُظهر التعاون مع المملكة المتحدة والولايات المتحدة لاستكشاف تكنولوجيا المفاعلات الصغيرة المدمجة التزام تركيا بتنويع مصادر الطاقة لديها، والحدّ من الاعتماد على واردات الطاقة.

التحديات المفاعلات النووية الصغيرة

على الرغم من الفوائد المحتملة للمفاعلات النووية الصغيرة، فإن هناك العديد من التحديات التي يتعين على تركيا معالجتها:

الجدوى الاقتصادية: لم تُثبت المفاعلات النووية الصغيرة قدرتها التنافسية مع مصادر الطاقة المتجددة منخفضة التكلفة، مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية.

وتشير التقارير الصادرة عن مؤسسة أبحاث البيئة سيفيا التركية SEFiA إلى أن المفاعلات النووية الصغيرة قد لا تكون حلًا فعالًا من حيث التكلفة لتلبية احتياجات تركيا من الطاقة.

الجاهزية التجارية: على مستوى العالم، ما تزال المفاعلات النووية الصغيرة غير مجرَّبة إلى حدّ كبير، حيث لا يوجد سوى محطتين عاملتين والعديد من المشروعات الملغاة بسبب الصعوبات الفنية والمالية.

الاعتماد على التكنولوجيا الأجنبية: قد تعتمد تركيا على التكنولوجيا والوقود الأجنبيين لتنفيذ المفاعلات النووية الصغيرة، وهو ما قد يوازن بعض أهداف الاستقلال في مجال الطاقة.

النفايات المشعّة: تولّد المفاعلات النووية الصغيرة كميات كبيرة من النفايات المشعّة، ما يمثّل تحديات لإدارة النفايات والتخلص منها.

التكاليف الأولية المرتفعة: يتطلب نشر المفاعلات النووية الصغيرة استثمارات كبيرة، وقد تتطلب التكاليف الأولية المرتفعة إعانات حكومية أو زيادة تعرفات الطاقة.

تحويل الموارد: قد يؤدي التركيز على المفاعلات النووية الصغيرة إلى تحويل الموارد بعيدًا عن الحلول الأكثر فعالية، مثل مصادر الطاقة المتجددة، التي تسهم في الحدّ من الانبعاثات.

وسيكون التصدي لهذه التحديات أمرًا بالغ الأهمية لنجاح تركيا بدمج المفاعلات النووية الصغيرة في إستراتيجيتها للطاقة.

الخلاصة

يعكس اهتمام تركيا بالمفاعلات النووية الصغيرة بصفتها جزءًا من إستراتيجيتها للطاقة طموحًا أوسع نطاقًا للحدّ من الاعتماد على الوقود الأحفوري وتنويع مصادر الطاقة.

وتوفر المفاعلات النووية الصغيرة فوائد محتملة، مثل تعزيز أمن الطاقة، ودعم إنتاج الطاقة النظيفة، والإسهام في النمو الاقتصادي.

ومع ذلك، يجب حل القضايا المتعلقة بالأطر التنظيمية، والاستعداد التكنولوجي، والجدوى الاقتصادية، للاستفادة الكاملة من هذه التكنولوجيا.

وبالنظر إلى تقدُّم تركيا في استثماراتها في الطاقة النووية والمتجددة، سيكون النهج المتوازن الذي يأخذ في الحسبان إيجابيات وسلبيات كل مصدر للطاقة أمرًا ضروريًا.

وسيكون تعاون الهيئات الحكومية وقادة الصناعة والجمهور أمرًا أساسيًا لضمان أن تكون إستراتيجية الطاقة في تركيا طموحة ومستدامة وقابلة للتكيف مع المشهد العالمي المتطور للطاقة.

الدكتور أومود شوكري، الخبير الإستراتيجي في مجال الطاقة، الزميل الزائر الأول في جامعة جورج ميسون الأميركية، مؤلف كتاب "دبلوماسية الطاقة الأميركية في حوض بحر قزوين: الاتجاهات المتغيرة منذ عام 2001".

* هذا المقال يمثّل رأي الكاتب، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق