تقارير الغازالتقاريرسلايدر الرئيسيةغاز

إستراتيجية تركيا للغاز المسال وعلاقة الجزائر.. خبيران يحللان المشهد لـ"الطاقة"

هبة مصطفى

كشفت الصفقات طويلة الأجل الموقعة -مؤخرًا- أبرز ملامح إستراتيجية تركيا للغاز المسال، التي يبدو أنها تشكّل طابعًا جديدًا بعيدًا يتسم بتنويع مصادر الإمدادات لضمان مرونتها وموثوقيتها.

وكانت بداية الخيط لهذه الإستراتيجية مع تجديدها اتفاقية توريد قائمة مع الجزائر -خلال الربع الأخير من العام الماضي 2023- لسنوات إضافية، وعقب ذلك وخلال الأشهر القليلة الماضية وقّعت صفقات جديدة مع 3 من كبريات شركات الطاقة العالمية.

وبحسب متابعة منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشطن)، شملت هذه الاتفاقيات: شركة إكسون موبيل الأميركية، وشل العالمية، وتوتال إنرجي الفرنسية.

وتثير هذه الاتفاقيات التساؤلات حول "لماذا لم تبدِ تركيا رغبتها في تجديد اتفاقيات التوريد عبر خطوط الأنابيب مع روسيا وإيران رغم أن الاتفاقيات معهما على وشك الانتهاء؟ ولماذا كثّفت جهودها باتجاه الغاز المسال واتجهت إلى موردين مختلفين؟".

واتفق خبيران على أن إستراتيجية تركيا للغاز المسال شهدت اختلافًا الآونة الماضية، ورغم أنها ركزت على شركات الطاقة لضمان عدم تقيّدها بالصراعات والخلافات الجيوسياسية، فإن تجديد الاتفاق مع الجزائر كانت له دلالة كبرى في إطار الموثوقية.

إستراتيجية تركيا للغاز المسال

تتبع تركيا إستراتيجية تنويع مصادر موارد الطاقة، ولا ينطبق ذلك على السوق المحلية فقط، وإنما تنوع أيضًا مصادر الواردات عبر إبرام اتفاقيات طويلة الأمد سواء مع شركات خاصة أو حكومات.

وأوضح الخبير الإستراتيجي في مجال الطاقة، الزميل الزائر الأول في جامعة جورج ميسون الدكتور أومود شوكري، أن الطلب التركي المتزايد على الطاقة وهدف تنويع مصادر الإمدادات من شأنهما دعم سياسة البلاد تجاه مواصلة اتفاقيات استيراد الغاز المسال طويلة الأجل.

ولفت شوكري إلى أن شروط الاتفاقيات المبرمة وأحجامها مرتبطة بأهداف سياسة الطاقة لأنقرة، بالإضافة إلى متغيرات السوق والعوامل الجيوسياسية.

وأشار -في تصريحاته الخاصة إلى منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)- إلى أن إستراتيجية تركيا للغاز المسال تعكس قدرًا من المرونة وتنوع المصادر، بعد أن كانت أهدافها قاصرة سابقًا على تقليص دور السوق الفورية وحشد الإمدادات لإعادة تصديرها مرة أخرى.

ولتحقيق هذه الأهداف، بحسب شوكري، لجأت تركيا إلى خفض الاعتماد على الغاز الروسي مقابل زيادة وارداتها من الغاز المسال من أميركا، وقطر، والجزائر، ونيجيريا.

وكشف أن التغيرات التي طرأت على إستراتيجية تركيا للغاز المسال استهدفت إحداث توازن، بين العقود طويلة الأجل ومشتريات السوق الفورية.

كبير مستشاري السياسة الخارجية والجغرافيا السياسية للطاقة أومود شوكري

مصادر الإمدادات

توقع أومود شوكري أن تشمل إستراتيجية تركيا للغاز المسال تأمين الإمدادات وتنويعها من دول مختلفة، مشيرًا إلى أن الشركاء المحتملين هم الجزائر، ونيجيريا، وقطر، وأميركا، وروسيا، وأذربيجان.

ويأتي هذا بجانب الصفقات الكبيرة الموقعة مع شركات: "شل، وإكسون موبيل، وتوتال إنرجي".

وأضاف أن فقدان تركيا للغاز الروسي مع انتهاء عقوده العام المقبل، والإيراني عام 2026، دفعا باتجاه تعزيز مساعيها لتأمين إمدادات بديلة من دول وشركات ومصادر متنوعة أخرى، بدلًا من التفاوض مع الدولتين على عقود جديدة.

وتطرّق شوكري إلى فرص مطروحة بقوة الآونة المقبلة، في ظل الطاقة الإنتاجية الآخذة بالنمو للغاز المسال القطري، وتطور المرافق والبنية التحتية الأذربيجانية من خطوط أنابيب وموقع جغرافي قريب من أنقرة.

وقال إن إستراتيجية تركيا للغاز المسال التي بدأت التوسع بها مؤخرًا، تدفعها إلى استكشاف شراكات أخرى في منطقة بحر قزوين وشرق المتوسط.

وكانت السوق الفورية قد شكلت مصدرًا لنحو 11.8% من واردات الغاز المسال التركية، في عام 2021، غير أن الإستراتيجية المستقبلية تُشير إلى "تنويع الموارد، وتوسعة البنية التحتية الخاصة بسعة الاستيراد"، بما يسمح بالتوازن بين واردات خطوط الأنابيب والغاز المسال وفق متطلبات السوق.

صفقات طويلة الأمد

جدّدت شركتا "سوناطراك" الجزائرية و"بوتاش" التركية -في نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي- اتفاقية تصدير الغاز المسال إلى أنقرة، ومددتها إلى 3 سنوات إضافية تنتهي في 2027.

وفي أبريل/نيسان 2024، وقّعت الشركة التركية اتفاقية غاز مسال طويلة الأجل مع سلطنة عمان، وبموجبها تزوّد السلطنة أنقرة بمليون طن متري سنويًا لمدة 10 أعوام، بدءًا من العام المقبل.

ويقارن الرسم أدناه -الذي أعدّته منصة الطاقة المتخصصة- واردات تركيا من الغاز المسال خلال الربع الأول من عام 2021 حتى 2024:

واردات تركيا من الغاز المسال خلال الربع الأول (2021- 2024)

وبالنسبة إلى الشركات، سجلت الأشهر القليلة الأخيرة توقيع اتفاقيات طويلة الأجل بين "بوتاش" و3 من كبريات شركات الطاقة، بما يخدم إستراتيجية تركيا للغاز المسال.

وبدأت هذه الاتفاقيات التوقيع مع إكسون موبيل مطلع مايو/أيّار الماضي، وتضمنت تزويد الشركة تركيا بنحو 2.5 مليون طن من الغاز المسال سنويًا ولمدة 10 سنوات، بتكلفة 1.1 مليار دولار، حسب فايننشال تايمز (Financial Times).

بالإضافة إلى ذلك، دفعت إستراتيجية تركيا للغاز المسال باتجاه توقيع اتفاقية توريد طويلة الأجل جديدة مع شركة شل العالمية، مطلع شهر سبتمبر/أيلول الجاري.

وتضمّنت الاتفاقية تزويد شل الشركة التركية بنحو 3 ملايين طن سنويًا، بدءًا من عام 2027 ولمدة 10 سنوات.

وكانت أحدث الاتفاقيات -الموقعة قبل أيام- من نصيب شركة توتال إنرجي الفرنسية، التي تضمنت تزويد الشركة أنقرة بنحو 1.1 مليون طن غاز مسال سنويًا بدءًا من عام 2027، ولمدة 10 سنوات.

ما دور الجزائر؟

قال الخبير الاقتصادي الجزائري المتخصص في مجال الطاقة، شعيب بوطمين، إن إستراتيجية تركيا للغاز المسال ظهرت بقوة في أرقام صادرات الغاز المسال الجزائري.

وأضاف -في تصريحات خاصة إلى منصة الطاقة المتخصصة- أن أنقرة استحوذت على أكبر حصص صادرات الغاز المسال الجزائرية، بما يعادل 4.45 مليون طن خلال العام الماضي.

وتستند هذه الصادرات إلى تعاقد توريد غاز مسال طويل الأجل بين شركتي سوناطراك الجزائرية وبوتاش التركية، منذ عام 1988، وكان مقررًا انتهاؤه العام الجاري.

الغاز الجزائري

وجرى تمديد هذا الاتفاق إلى 3 سنوات إضافية، لينتهي في 2027، وسط تساؤلات حول إمكان وأهمية تمديده مرة أخرى.

وتستحوذ تركيا على ما نسبته 11% من إجمالي صادرات الغاز الطبيعي الجزائري أيضًا.

وقال بوطمين إن العلاقات الاقتصادية والطاقوية بين البلدين جاءت امتدادًا للعلاقات السياسية المتوازنة بينهما.

وأشار إلى أن أرقام واردات تركيا من الغاز الطبيعي والمسال الجزائري التي تُعد قياسية -حسب قوله- تهدف إلى تلبية طلب أنقرة المحلي على الغاز اللازم لصناعات: الكهرباء، والتدفئة، والبتروكيماويات، والأسمدة.

ومن جانب آخر، لفت الخبير الجزائري إلى أن اعتماد تركيا على إمدادات بلاده يأتي في إطار تنويع مصادر الطاقة من موردين بنطاق أكبر وأوسع، مثل الجزائر، بجانب الإمدادات الروسية.

ودلل على ذلك بسعي تركيا للبحث عن موردين جدد وعقد شراكات جديدة، رغم أن الغاز الروسي يزوّدها بنحو 42% من احتياجات السوق.

جدير بالذكر أن تركيا حلّت في مقدمة الدول المستوردة للغاز المسال الجزائري، خلال الأشهر الـ6 الأولى من العام الجاري، بما يعادل 2.17 مليون طن، وفق التقرير نصف السنوي الصادر عن وحدة أبحاث منصة الطاقة، تحت عنوان: "مستجدات أسواق الغاز المسال العربية والعالمية خلال النصف الأول من 2024".

الخبير الإستراتيجي في مجال الطاقة شعيب بوطمين يتحدث عن الغاز والنفط في الجزائر
الخبير الإستراتيجي في مجال الطاقة شعيب بوطمين

مركز تصدير

تهدف تركيا إلى أن تتحول إلى مركز يُصدّر الغاز المسال إلى أوروبا، بما يضمن تعزيز مرونتها وقدرتها على تأمين الإمدادات، بما يرسخ لدورها في السوق الإقليمية.

وفي سبيل ذلك تعمل إستراتيجية تركيا للغاز المسال في محاور متوازية تشمل:

1) تنويع مصادر الإمدادات:

تعمل تركيا على تنويع مصادر الإمدادات، إذ تقلّص اعتمادها على الغاز الروسي (سجلت وارداته 34% عام 2019، انخفاضًا من 51.9% عام 2017).

ومن جانب آخر، توسّع أنقرة وارداتها من الغاز المسال من: أميركا، وقطر، والجزائر، ونيجيريا.

ومن المرتقب أن يتسع نطاق صفقات الغاز المسال، بالنظر إلى أن تلقي الواردات عبر خطوط الأنابيب سيتراجع بقوة بين عامي 2025 و2027، مع انتهاء العقدين الروسي والإيراني.

2) تطوير المرافق:

قال الدكتور أومود شوكري إن إستراتيجية تركيا للغاز المسال الطموحة تتلقى دعمًا من توسعة البنية التحتية الخاصة بالصناعة، سواء مرافق التخزين أو محطات التصدير.

ويساعد في ذلك الموقع الجغرافي لتركيا الذي يربط إمدادات الغاز الطبيعي وأسواق الطلب.

ويحتاج ذلك إلى فتح المجال أمام الشركات التركية، لإتاحة تداولات الغاز المسال في السوق الأوروبية والآسيوية.

3) الصادرات والإنتاج المحلي:

صدّرت تركيا 900 مليون متر مكعب من الغاز الطبيعي العام الماضي، ووفق الدكتور أومود شوكري اتجهت غالبية هذه الإمدادات إلى بلغاريا.

وبالتوازي مع ذلك، أوضح شوكري أن تركيا تعكف على زيادة الإنتاج المحلي من حقل غاز صقاريا.

وأضاف أن أنقرة أقرت مؤخرًا تشريعات تسهل تجارة الغاز المسال في أوروبا، إذ تهدف إلى زيادة صادراته من 30% إلى 40%.

وقال شعيب بوطمين إن تركيا تتعامل مع الغاز الروسي عبر إعادة معالجته ودمجه في منتجات مكررة وكيماويات لتجنب العقوبات، مثلما تتعامل الصين مع شحنات النفط من موسكو.

وأوضح أن تركيا أدركت أهمية الغاز الطبيعي للسوق العالمية خاصة بعد اندلاع الحرب الأوكرانية، مشيرًا إلى أن تضاعف سعره دفعها باتجاه التركيز على المكاسب طويلة الأمد من الخطط والمشروعات.

بالإضافة إلى أن هذا النمو يوفّر لها إمدادات مأمونة وموثوقة حال تفاقم صراعات جيوسياسية أخرى.

وأشار بوطمين إلى أن أنقرة فطنت لطلب الاتحاد الأوروبي المتواصل على الغاز خاصة في الاستعمالات الصناعية، ما دفعها إلى الاستفادة من موقعها الجغرافي طاقويًا.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق