انتهت أعمال بناء مشروع غاز مسال قبرصي ليُسدل الستار على حالة من الجدل واسع النطاق، نظرًا إلى التأخيرات التي لاحقت موعد إطلاقه، وأدت إلى إجراء مهم من قِبل هيئة مستقلة تابعة للاتحاد الأوروبي.
وكان مكتب المدعي العام الأوروبي قد فتح تحقيقًا في أسباب تأخر مشروع "فاسيليكوس"، رغم توافر الدعم المالي اللازم له، ويبدو أن مسار التحقيق ما زال مستمرًا حتى بعد اكتمال مهمة البناء المنوط بها تحالف شركات صينية.
ووفق متابعة منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن) للتطورات، يمثّل المشروع أهمية كبرى لقبرص بوصفه أكبر مشروعات الطاقة في البلاد؛ إذ يخدم قطاعي الغاز والكهرباء في آن واحد.
ورغم التحقيق الجاري، فإن اكتمال بناء المشروع زاد من مخاوف منافسته لمشروعات مصرية لها دور بارز في التصدير واستثمارات الغاز في منطقة شرق المتوسط؛ ما يزيد من الضغوط على القاهرة.
تفاصيل المشروع القبرصي
يضم ميناء فاسيليكوس مشروع غاز مسال قبرصيًا ضخمًا، يشمل: محطة استيراد تضم وحدة عائمة للتخزين، ومرافق لإعادة التغويز (إعادة الغاز المسال إلى صورته الأولى غازًا طبيعيًا).
بالإضافة إلى ذلك، سيشمل أول مشروع غاز مسال قبرصي رصيفًا لرسو الناقلات، وخط أنابيب مثبتًا على الرصيف، ومرافق وبنية تحتية أخرى للربط والتوصيل والمعالجة.
وتأتي هذه الخطوة بعدما أسهم حوض بناء شركة شنغهاي كوسكو الصينية للصناعات الثقيلة (Shanghai COSCO) في بناء وحدة التخزين وإعادة التغويز الملحقة بمحطة الاستيراد، بعد إدخال تعديلات على ناقلة غاز مسال ذات خزان كروي الشكل.
وتمتاز الوحدة بقدرتها على تحويل الغاز المسال إلى غاز طبيعي بسعة 10 آلاف متر مكعب/ساعة، وتسليم الغاز الطبيعي بضغط يصل إلى 70 بارًا.
ومن خلال المشروع توفر قبرص تدفقات الغاز الطبيعي إلى عدد من محطات الكهرباء -ومنها محطة فاسيليكوس- لإنتاج إمدادات تلائم مرحلة انتقال الطاقة في البلاد، حسب مقاول البناء الصيني سي إم سي (CMC).
وتستهدف الدولة الأوروبية الجزرية التحول تدريجيًا من الاعتماد على النفط إلى الغاز الطبيعي في توليد الكهرباء، بما يتوافق مع الأهداف المناخية ويضمن أمن الطاقة وخفض التكلفة.
تأخيرات البناء
وقّع تحالف صيني عقد بناء مشروع غاز مسال قبرصي ضخم في ميناء فاسيليكوس في ديسمبر/كانون الأول نهاية عام 2019، ومنذ ذلك الحين لم تشهد عملية البناء تطورًا وفق الإطار الزمني المستهدف.
واستهدفت قبرص بدء تشغيل المشروع عام 2021، لكن تطور البناء سجّل 4% فقط بحلول فبراير/شباط 2022؛ ما تسبّب في إرجاء التشغيل إلى عام 2022، ثم يوليو/تموز 2023.
ويبدو أن هذا الطموح لم يكن واقعيًا؛ إذ أقّر وزير الطاقة القبرصي جورج باباناستاسيو أن مرحلة البناء شهدت تقدمًا بنسبة 40% فقط مطلع عام 2023، رغم أنه كان مخططًا إنجاز 90% منها في هذا الموعد.
ومؤخرًا، أُعلِن انتهاء عملية البناء، لكن ما زال الجدل يحيط بتفاصيل مشروع فاسيليكوس، طبقًا لما نشره موقع ريفيرا ماريتايم ميديا (RMM) الثلاثاء 27 أغسطس/آب.
ويقع المشروع حاليًا في مواجهة بين تحقيق أوروبي من قِبل مكتب المدعي العام، ومطالبة التحالف الصيني المعني بمهمة البناء بتعويضات لتكبده تكاليف إضافية نتيجة التأخيرات.
وجرى توقيع عقد تطوير محطة فاسيليكوس ومرافقها بين كل من: شركة البنية التحتية القبرصية للغاز الطبيعي، وائتلاف "سي بي بي ميترون" الصيني الذي يضم شركات عدة تمثّلها شركة سي إم سي ليمتد (CMC).
تحقيق وتمويل
طلبت الشركة الممثلة لمقاولي المشروع "سي إم سي" التحكيم للبحث في إمكان تعويضها عن التكلفة الفائقة، والإخلال بشروط العقد فيما يتعلق بتطوير أحد أنواع خطوط الأنابيب.
وتنحصر أسباب تأخر بناء مشروع فاسيليكوس بين التحديات التقنية، والخلاقات المالية مع المقاول الصيني خاصة شركة هندسة خطوط الأنابيب "سي بي بي".
وبالتوازي مع ذلك، بدأ مكتب المدعي العام الأوروبي (الخميس 25 يوليو/تموز الماضي) تحقيقًا في شبهة فساد مالي بالمشروع في قبرص، خاصة فيما يتعلق بالمشتريات والمعدات وفق التعاقد.
وتلقى المكتب شكاوى بهذا الشأن منذ يناير/كانون الثاني مطلع العام الجاري، وحظي التحقيق بموافقة على المستوى الرئاسي في قبرص، حسب ما نشره موقع قبرص ميل (Cyprus Mail).
ويمكن تفسير تدخل المكتب -بوصفه إحدى الهيئات المستقلة التابعة للاتحاد الأوروبي- بالدعم المالي الذي قدّمه بقيمة 101 مليون يورو (112 مليون دولار أميركي)، من أصل إجمالي تكلفة المشروع المقدرة بنحو 524 مليون يورو (ما يقارب 603 ملايين دولار أميركي).
ووصف قسم التدقيق التابع لمكتب المدعي العام إدارة المشروع بأنها "مؤسفة"، مشيرًا إلى رصده مخالفات مالية ومخالفات من قبل المقاولين من الباطن.
ودفع ذلك مكتب المدعي العام إلى محاولة البحث عن وجهات إنفاق التمويل الأوروبي في مشروع غاز قبرصي إستراتيجي، مثل مشروع محطة "فاسيليكوس" ومرافقها؛ ما يشكّل تهديدًا جديدًا للمشروع رغم تجاوز تحدي تأخيرات البناء.
التداعيات على مصر
يكتسب مشروع فاسيليكوس أهمية كبرى بالنظر إلى كونه أول مشروع غاز مسال قبرصي، إذ تعوّل عليه البلاد لإحياء طموحها في التحول لمركز طاقة في شرق المتوسط.
وكانت المؤشرات تُشير نهاية العام الماضي 2023 إلى تخلي قبرص عن هذا الطموح، في ظل ضعف البنية التحتية، وفق تصريحات لوزير الطاقة جورج باباناستاسيو خلال مؤتمر ومعرض شرق البحر المتوسط.
وأورد الوزير، آنذاك، أن فرص مصر في موارد الغاز الطبيعي والبنية التحتية القوية تمنحها ميزات إضافية عن قبرص، بالإشارة إلى أن مصر الدولة الوحيدة بالمنطقة التي تملك محطات إسالة، إذ تصل السعة الإنتاجية لمحطتي دمياط وإدكو 12 مليون طن سنويًا.
ورجح باباناستاسيو سيناريو تصدير الغاز القبرصي إلى مصر، مرجحًا احتمال تصديره إلى أوروبا عن طريق القاهرة، بدلًا من الخطط المتفق عليها سلفًا بإنشاء خط أنابيب غاز شرق المتوسط (الذي يشمل المرور بقبرص واليونان) لربط حقول الغاز الإسرائيلي بالقارة العجوز.
وفي مقابل الرؤية المطروحة سابقًا، عادت محطة "فاسيليكوس" لإنعاش الآمال حول إمدادات مشروع غاز مسال قبرصي يمكنه توفير إمكانات إعادة التغويز والتخزين، ما يشكل ميزة إضافية لدولة جزرية مثل قبرص.
وينظر مسؤولون في الدولة الأوروبية إلى المشروع بوصفه مشروعًا جيوسياسًا وبيئيًا، بما يضمن استقلال الطاقة والدعم الاقتصادي للبلاد.
وتُخطط قبرص -عبر المشروع- لتقديم خدمات مثل إعادة التزود بالوقود، وتصدير الغاز المسال، خاصة مع اكتمال البناء واستعدادات تشغيل المنشأة.
موضوعات متعلقة..
- مشروع الغاز المسال القبرصي يتأجل حتى منتصف 2023
- قبرص تتخلى عن حلم مركز الطاقة.. ومصر بوابتها لنقل الغاز إلى أوروبا
- اكتشاف غاز في قبرص ينعش آمال مصر
اقرأ أيضًا..
- حقيقة غضب العراق من لبنان بسبب الوقود الجزائري.. رد رسمي (خاص)
- التنقيب عن النفط والغاز في مصر.. تفاصيل المزايدة العالمية لعام 2024 (خاص)
- صفقة استحواذ عالمية تتضمن بيع أصول نفط وغاز في 3 دول عربية