قطاع الشحن البحري يسعى لخفض الانبعاثات.. ما دور قناة السويس؟
نوار صبح
- الشحن البحري مسؤول عن نحو 3% من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري العالمي
- قطاع الشحن سوف يستهلك 500 ألف برميل إضافية من الوقود هذا العام، بسبب الاضطرابات
- خلايا الوقود والبطاريات المشحونة بالطاقة المتجددة مصادر دفع تُعدّ محايدة كربونيًا
- أنظمة الدفع الكبيرة بمساعدة الرياح لديها القدرة على تقليل استهلاك الوقود، ومن ثم الانبعاثات
يواصل قطاع الشحن البحري البحث عن تدابير وخيارات عملية لخفض الانبعاثات، من خلال استكشاف أنواع الوقود البديلة وتوظيف التقنيات الجديدة لتحقيق هذا الهدف.
وبصفتها أحد أكبر مستأجري ناقلات النفط في العالم، تدرك شركة تجارة السلع العالمية الرائدة ترافيغورا (Trafigura) -التي تتخذ من سنغافورة مقرًا لها- أهمية دعم إزالة انبعاثات الشحن البحري، حسب تقرير اطّلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن).
ولهذه الغاية، طلبت ترافيغورا، مؤخرًا، 4 ناقلات غاز قادرة على العمل بالأمونيا منخفضة الكربون، وتتوقع استلام السفينة الأولى في النصف الثاني من عام 2027.
وتواصل الشركة الدعوة إلى تنفيذ ضريبة الكربون ونظام "الرسوم" لدفع إزالة الكربون على المدى الطويل في قطاع الشحن البحري، إدراكًا منها لأهمية الحدّ من انبعاثات الكربون اليوم، نظرًا لأن الصناعة مسؤولة عن نحو 3% من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري العالمي.
قناة السويس
يؤدي الاضطراب الحالي في التجارة العالمية -بسبب عجز السفن عن المرور عبر قناة السويس واجتياز البحر الأحمر- إلى رحلات أطول وزيادة كبيرة في انبعاثات قطاع الشحن البحري، حسب تقرير نشرته مؤخرًا شركة تجارة السلع العالمية الرائدة ترافيغورا (Trafigura).
وتعدّ قناة السويس ركنًا رئيسًا لاستقرار واستدامة سلاسل الإمداد العالمية التي تشهد اضطرابًا واضحًا خلال الآونة الأخيرة، في ضوء التوترات الراهنة بمنطقة البحر الأحمر.
وتستهلك ناقلات النفط وحدها 200 ألف برميل إضافية من زيت الوقود هذا العام، بسبب تحويل مسارها بعيدًا عن قناة السويس حول رأس الرجاء الصالح، وهذا يعادل زيادة بنسبة 4.5% في الانبعاثات السنوية من ناقلات النفط وحدها، وفقًا لما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
وعند الأخذ في الحسبان سفن الحاويات والسفن الأخرى، فإن قطاع الشحن سوف يستهلك 500 ألف برميل إضافية من الوقود هذا العام، بسبب الاضطرابات.
وتراجعت إحصاءات الملاحة في قناة السويس خلال العام المالي 2023/ 2024 المنتهي في 30 يونيو/حزيران، إذ سجلت عبور 20148 سفينة، بإجمالي حمولات صافية قدرها مليار طن، مقارنة مع أعلى معدل عبور 25911 سفينة، بحمولة قدرها 1.5 مليار طن خلال العام المالي 2022/ 2023.
ويؤدي اتخاذ طرق بديلة لقناة السويس إلى زيادة مدة الرحلة البحرية، وارتفاع التكاليف التشغيلية، فضلًا عن التأثيرات البيئية الضارة، مع ارتفاع نسبة الانبعاثات الكربونية، بالإضافة إلى تكدُّس المواني البحرية وتأخُّر وصول البضائع.
ومثل القيمة الزمنية للمال ــوهو أحد المفاهيم الأساسية في التمويل ــ، من المفيد مراعاة القيمة الزمنية لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري، إذ يساوي طن من ثاني أكسيد الكربون يُخَفَّض اليوم أكثر من طن من ثاني أكسيد الكربون يُخَفَّض في المستقبل.
انبعاثات الشحن البحري
نستعرض في التقرير التالي إجراءات يمكن تنفيذها للحدّ من الانبعاثات الناجمة عن الشحن البحري:
أولًا: الوقود الحيوي
توجد عدّة أنواع من الوقود الحيوي في السوق، بما في ذلك الديزل الحيوي، المعروف باسم إسترات الميثيل الحمضية الدهنية (FAME)، ويُنتَج من الزيوت النباتية أو الدهون الحيوانية أو زيوت الطهي المستعمَلة من خلال عملية تُعرف باسم الأسترة.
وعلى الرغم من وجود قيود على المواد الخام، فإن الوقود الحيوي جذاب، لإمكان استعماله دون أيّ تعديلات على السفن والبنية الأساسية تقريبًا.
ويمكن مزجه بالوقود البحري التقليدي، مثل زيت الوقود منخفض الكبريت، لتحقيق خفض الانبعاثات.
ومن المتوقع أن يكون "بي 30" B30 -وهو مزيج من 30% من إسترات الميثيل الحمضية الدهنية و70% من زيت الوقود منخفض الكبريت- خيارًا شائعًا، ومن المقرر أن يؤدي دورًا مهمًا في الأمد القريب، بينما تنتقل الصناعة إلى مصادر وقود منخفضة الكربون أو محايدة كربونيًا.
وتوفر شركة ترافيغورا، حاليًا، مزيج "بي 30" من خلال المشروع المشترك للتزويد بالوقود "تي إف جي مارين" TFG Marine، ومن المقرر أن تصبح منتجًا رئيسًا للديزل الحيوي من خلال شرائها، مؤخرًا، للأصول الأوروبية لشركة توريد الوقود غرين إنرجي Greenergy.
ثانيًا: كفاءة الطاقة
تُعدّ التدابير التقنية -مثل طلاء الهيكل بالسيليكون، وقنوات معادلة الاستيقاظ، وتكنولوجيا منع تراكم الأوساخ في المروحة بالموجات فوق الصوتية، والتنظيف المستمر للهيكل تحت الماء، وتلميع المروحة- طريقة إضافية للحدّ من الانبعاثات بسرعة.
وجهّزت شركة ترافيغورا عددًا من السفن المملوكة لها، بطلاء الهيكل بالسيليكون وتقنية معادلة الاستيقاظ.
ثالثًا: التبخير البطيء
إن إحدى أسرع الطرق وأكثرها فعالية من حيث التكلفة للحدّ من انبعاثات الشحن البحري هي التبخير البطيء - ممارسة تشغيل السفن بسرعات أقل.
ومن خلال السفر بشكل أبطأ، تستهلك السفن وقودًا أقل، ما يقلل من تكاليف التشغيل، ويحدّ من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.
ومن المؤكد أن التبخير البطيء ليس خيارًا متاحًا للجميع، فبعض السفن ليس مصممًا للتحرك ببطء، بينما قد تحتاج سفن أخرى إلى اكتساب السرعة للتعويض عن الوقت الضائع إذا أجبرتها الاضطرابات على اتخاذ مسارات أطول.
إضافة إلى ذلك، ومن أجل تقليل سرعة الأسطول بصورة كبيرة، هناك حاجة إلى المزيد من السفن لتغطية الطلب.
وعند الأخذ في الحسبان الانبعاثات الإضافية الناتجة عن بناء وتشغيل السفن الجديدة، فإن التبخير البطيء ما يزال يؤدي إلى توفير في ثاني أكسيد الكربون.
ويؤدي تقليل سرعات الأسطول بمعدل 10% إلى توفير إجمالي في ثاني أكسيد الكربون بنسبة 19%، وفقًا لمنظمة النقل والبيئة Transport & Environment، وهي منظمة غير حكومية تركّز على إزالة الكربون من النقل في الاتحاد الأوروبي.
رابعًا: البيانات والتحول الرقمي
يتطلب تقليل الانبعاثات أن يكون قطاع الشحن البحري قادرًا على قياسها، على أساس كل سفينة على حدة.
ولا يمكن الاعتماد على متوسطات القطاع، لأن هذه التقديرات قد لا تكون انعكاسًا دقيقًا للانبعاثات في الواقع، وهذا هو أحد الأسباب التي جعل شركة ترافيغوا تستثمر في شركة تسمّى دافني تكنزلوجي Daphne Technology.
وطورت المجموعة -التي تتخذ من سويسرا مقرًا لها- نظامًا يسمى "بيور متريكس" PureMetrics™ يمكنه القياس والإبلاغ عن انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري العالمي من على متن السفينة في الوقت الفعلي.
وبالنظر إلى أهمية قياس إمدادات الوقود البحري بدقّة، كانت "تي في جي مارين" تروّج لاستعمال عدادات تدفّق الكتلة.
عند تركيبها على السفن، يمكن لعدادات تدفق الكتلة توفير سجلات محوسبة للكميات الدقيقة التي تم تسليمها في الوقت الفعلي.
وفي حالة دمج جميع هذه البيانات مع أدوات تحسين المسار والرحلة، يمكن أن يساعد ذلك في تعظيم كفاءة السفينة وتقليل الانبعاثات.
خامسًا: احتجاز الانبعاثات
يُعَدّ استعمال احتجاز الانبعاثات على متن السفن لحجز ثاني أكسيد الكربون وغيره من غازات الاحتباس الحراري مثل الميثان، خطوة إضافية يمكن اتخاذها للحدّ من التأثير البيئي للشحن.
وتعمل شركة دافني تكنولوجي على تطوير نظام تنظيف يستهدف على وجه التحديد "تسرّب الميثان" من عوادم المحرك.
وهذا مهم حيث وضعَ العديد من مالكي السفن والمشغّلين طلبات على السفن التي تعمل بالغاز المسال، من سفن الحاويات وسفن الرحلات البحرية، إلى ناقلات الغاز المسال نفسها، حسبما نشرته شركة تجارة السلع العالمية الرائدة ترافيغورا .(Trafigura)
في التحليل النهائي، لا يوجد حل سهل عندما يتعلق الأمر بإزالة الكربون من الشحن، وسوف يحتاج الأمر إلى مجموعة من الخيارات للحدّ من انبعاثات قطاع الشحن البحري، الآن وفي المستقبل.
على سبيل المثال، تُعدّ خلايا الوقود والبطاريات المشحونة بالطاقة المتجددة مصادر دفع محايدة كربونيًا، على الرغم من أنها حاليًا خيار فقط للسفن التي تقوم برحلات قصيرة أو قريبة من الشاطئ، مثل عبّارات الركاب، وبالنسبة للسفن الأكبر حجمًا التي تجوب المحيطات، فإن أنظمة الدفع الكبيرة بمساعدة الرياح لديها القدرة على تقليل استهلاك الوقود، ومن ثم الانبعاثات.
تجدر الإشارة إلى أن هذه التدابير قصيرة الأجل لا تشكّل بديلًا للانتقال إلى وقود الشحن منخفض الانبعاثات، وفي المستقبل، ترى شركة ترافيغورا أن الأمونيا والميثانول منخفضَي الانبعاثات سوف يصبحان الوقود الأساس للشحن في المستقبل.
وفي الوقت نفسه، يتعين اتخاذ كل التدابير الممكنة للحدّ من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري العالمي، أو تجنّبها، أو التخفيف منها، لاجتناب تفاقم تحديات تغير المناخ في المستقبل.
اقرأ أيضًا..
- اكتشاف غاز في مصر احتياطياته 3 تريليونات قدم مكعبة يترقب الإنتاج
- حقل الخرسانية السعودي.. حكاية اكتشاف للنفط والغاز عمره 68 عامًا
- اكتشاف نفطي باحتياطيات 2.7 مليار برميل في أفريقيا يبحث عن مشغل