أزمة محطة الغاز الروسية تفضح هشاشة أمن الطاقة في أوروبا (مقال)
فيلينا تشاكاروفا* – ترجمة: نوار صبح
- الارتفاع الأخير في أسعار الغاز في أنحاء أوروبا يعكس تداخل أمن الطاقة والجغرافيا السياسية
- شركة غازبروم الروسية توقعت استمرار ارتفاع أسعار الغاز في جميع أنحاء أوروبا
- دور أوكرانيا كدولة عبور للغاز الروسي يمنحها أهمية إستراتيجية كبيرة في الوضع الحالي
- من المرجح أن تتسارع جهود أوروبا الجارية لتنويع مصادر الطاقة استجابة للأزمة الحالية
أدى هجوم أوكرانيا على محطة الغاز الروسية "سودجا" إلى ارتفاع أسعار الوقود في أوروبا، وعمّق أزمة الطاقة في الاتحاد الأوروبي.
ويعكس الارتفاع الأخير في أسعار الغاز في مختلف أنحاء أوروبا -الذي نتج عن المخاوف بشأن الاضطرابات المحتملة في محطة قياس الغاز "سودجا" بمنطقة كورسك الروسية- الطبيعة المتشابكة بعمق بين أمن الطاقة والجغرافيا السياسية في المنطقة.
وتحولت مشكلة محطة الغاز الروسية "سودجا"، التي تشكل حاليًا الطريق الوحيد لنقل الغاز من روسيا عبر أوكرانيا إلى أوروبا، إلى مأزق حرج، إذ أصبح استقرارها التشغيلي الآن موضع تساؤل بسبب الأنشطة العسكرية الجارية في المنطقة.
ويؤكد هذا الموقف هشاشة أمن الطاقة في أوروبا، والعواقب الجيوسياسية الأوسع نطاقًا المترتبة على الاعتماد على إمدادات الطاقة من المناطق التي تعاني الحرب والاضطراب السياسي.
الغاز الروسي
تؤدي محطة "سودجا" دورًا محوريًا في تدفق الغاز الروسي إلى أوروبا، خصوصًا في سياق الحرب الروسية الجارية مع أوكرانيا.
وقد اعتمدت أوروبا، تاريخيًا على الغاز الروسي، لتلبية جزء كبير من احتياجاتها من الطاقة.
وبرز الاعتماد الكبير خلال أوائل عشرينيات القرن الـ21، عندما أدت التوترات الجيوسياسية بين روسيا والغرب إلى اضطرابات شديدة في إمدادات الغاز، ما تسبّب في أزمة طاقة في جميع أنحاء القارة.
ويمثّل الوضع الحالي في سودجا استمرارًا لهذا الاتجاه، إذ تعمل المحطة الآن بصفتها ممرًا متبقيًا وحيدًا للغاز الروسي العابر عبر أوكرانيا.
ولا يمكن المبالغة في أهمية المحطة، لأنها مسؤولة عن نقل ما يقرب من 40 مليون متر مكعب من الغاز الروسي يوميًا إلى الأسواق الأوروبية، وهو رقم يمثّل جزءًا كبيرًا من الغاز الذي تستهلكه العديد من دول الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك سلوفاكيا والمجر والنمسا وإيطاليا.
وقد يكون لأي خلل في عمليات محطة سودجا، سواء بسبب العمل العسكري المباشر أو الضغوط الجيوسياسية الأخرى، عواقب وخيمة على إمدادات الغاز في جميع أنحاء أوروبا.
ارتفاع أسعار الغاز في أوروبا
كان للتقلبات الأخيرة في إمدادات الغاز عبر محطة قياس الغاز "سودجا"، إلى جانب تصاعد التوترات العسكرية في منطقة كورسك، تأثير كبير في سوق الطاقة الأوروبية.
في 12 أغسطس/آب الجاري، بلغ حجم إمدادات الغاز المخطط لها من روسيا إلى أوروبا عبر محطة "سودجا" نحو 39.6 مليون متر مكعب، وهو ما يمثّل زيادة طفيفة عن 39.3 مليون متر مكعب المسجلة في اليوم السابق.
وفي الوقت نفسه، يمثّل هذا الحجم انخفاضًا بنحو 400 ألف متر مكعب مقارنة بمتوسط الإمدادات اليومية لشهر أغسطس/آب الجاري، التي تجاوزت عادة 40 مليون متر مكعب يوميًا.
وقد تزامن الانخفاض في تدفق الغاز، وإن كان طفيفًا على ما يبدو، مع فترة متقلبة في أسواق الطاقة.
وفي 9 أغسطس/آب الجاري، في أثناء التداول على منصة إنتركونتيننتال إكستشينج لندن ICE، ارتفع سعر ألف متر مكعب من الغاز إلى 460.3 دولارًا، مسجلًا أعلى مستوى منذ ديسمبر/كانون الأول 2023.
ويعكس الارتفاع في أسعار الغاز المخاوف المتزايدة بشأن استقرار إمدادات الغاز بسبب الحرب المستمرة بين القوات الروسية والقوات المسلحة الأوكرانية (AFU) في منطقة كورسك، حيث تقع محطة سودجا.
وتوقعت شركة غازبروم، عملاقة الطاقة المملوكة للدولة في روسيا، استمرار ارتفاع أسعار الغاز في جميع أنحاء أوروبا، وعزت هذا الاتجاه إلى الحرب في منطقة كورسك وإلى أعمال الصيانة المجدولة في منشآت الغاز النرويجية الرئيسة.
وأدت أنشطة الصيانة هذه، التي تُعد مهمة لتوريد الغاز إلى أوروبا، إلى زيادة الضغط على السوق، ما أضاف ضغوطًا صعودية على الأسعار.
ويُعد تأثير التطورات واضحًا في نشاط التداول على مركز تي تي إف في هولندا، وهو معيار رئيس لأسعار الغاز الأوروبية.
وفي 9 أغسطس/آب الجاري، ارتفع سعر العقود الآجلة لشهر سبتمبر/أيلول المقبل في مركز تي تي إف بنسبة 6%، ليصل إلى 42.82 يورو لكل 1 ميغاواط/ساعة، أو 491.02 دولارًا لكل 1000 متر مكعب بأسعار الصرف الحالية.
ويمثّل هذا أعلى مستوى سعر منذ ديسمبر/كانون الأول 2023، ما يؤكد حساسية السوق لانقطاعات الإمدادات والمخاطر الجيوسياسية.
(اليورو = 1.10 دولارًا أميركيًا)
بالإضافة إلى ذلك، أدى الوضع في منطقة سودجا إلى زيادة حادة في أسعار الغاز الطبيعي والغاز المسال في جميع أنحاء أوروبا.
ومع استمرار الحرب في المنطقة، من المتوقع أن تستمر التقلبات في أسعار الطاقة، مع عواقب محتملة على أمن الطاقة الأوروبي والاستقرار الاقتصادي.
ويمثّل الجمع بين انخفاض إمدادات الغاز والأنشطة العسكرية المستمرة، والصيانة المجدولة في المرافق النرويجية، سيناريو صعبًا لأسواق الطاقة الأوروبية مع اقترابها من موسم الشتاء.
عبور الغاز الروسي عبر أوكرانيا
منذ بداية الحرب، حقّقت روسيا 723 مليار يورو من العائدات من صادرات الوقود الأحفوري، واشترت دول الاتحاد الأوروبي أكثر من 199 مليار يورو.
وكان عبور الغاز الروسي عبر أوكرانيا عنصرًا مهمًا وإستراتيجيا في المشهد الأوروبي الأوسع للطاقة.
وحتى بعد جهود الاتحاد الأوروبي لتنويع مصادر الطاقة وتقليل الاعتماد على الغاز الروسي، تظل طرق العبور الأوكرانية حيوية.
وتمثّل محطة سودجا، تحديدًا، شريان حياة لعديد من دول وسط أوروبا وشرقها التي لديها بدائل محدودة لتأمين احتياجاتها من الطاقة.
بدوره، أدى قرار أوكرانيا بوقف إمدادات الغاز عبر محطة القياس "سوخرانوفكا" في عام 2022 ورفضها المستمر طلبات العبور عبر هذا الطريق إلى تضييق الخيارات أمام تسليم الغاز الروسي إلى أوروبا.
وقد جعل هذا محطة سودجا نقطة العبور الوحيدة، ما أدى إلى تضخيم أهميتها الإستراتيجية والتأثير المحتمل لأي تعطيل.
وتمنح السيطرة على طريق النقل كييف نفوذًا كبيرًا في تعاملاتها مع كل من روسيا والاتحاد الأوروبي، وهي حقيقة لم تمر دون أن يلاحظها أحد في الحسابات الجيوسياسية الحالية.
تداعيات ارتفاع أسعار الغاز
تمتد التداعيات المترتبة على ارتفاع أسعار الغاز إلى ما هو أبعد من التأثير الاقتصادي المباشر في المستهلكين والصناعات الأوروبية.
وفي صميم هذه القضية يكمن الصراع الجيوسياسي الأوسع بين روسيا والغرب، حيث تمثل إمدادات الطاقة ساحة معركة رئيسة.
ويسلط الوضع الحالي الضوء على العديد من الجوانب الحاسمة لهذا الوضع المستمر.
ولطالما استعملت روسيا مواردها من الطاقة بصفتها أداة للتأثير الجيوسياسي، ومن خلال السيطرة على جزء كبير من إمدادات الغاز في أوروبا، تستطيع موسكو ممارسة الضغط على الحكومات الأوروبية، وتشكيل سياساتها واستجاباتها للقضايا الجيوسياسية الأوسع.
ويُعد الوضع الحالي في سودجا تذكيرًا صارخًا بهذا الواقع، وقد يخلف أي انقطاع في إمدادات الغاز من هذه المحطة عواقب فورية ووخيمة على الاقتصادات الأوروبية، ما يمنح روسيا نفوذًا كبيرًا.
إن دور أوكرانيا بصفتها دولة عبور للغاز الروسي يمنحها أهمية إستراتيجية كبيرة في الوضع الحالي.
ومن خلال السيطرة على تدفق الغاز عبر محطة سودجا، تستطيع كييف ممارسة الضغط على موسكو وبروكسل.
ويسمح القرار الأخير بوقف العبور عبر سوخرانوفكا، إلى جانب السيطرة المستمرة على سودجا، لأوكرانيا بالتأثير في أمن الطاقة الأوروبي، ما قد يضمن لها دعمًا أكبر من حلفائها الغربيين في صراعها مع روسيا.
أزمة الطاقة في أوروبا
تؤكد الأزمة الحالية الضعف المستمر للبنية الأساسية للطاقة في أوروبا، فعلى الرغم من الجهود المبذولة لتنويع مصادر الطاقة، بما في ذلك زيادة واردات الغاز المسال من الولايات المتحدة وغيرها من المناطق، تظل أوروبا تعتمد بصورة كبيرة على الغاز الروسي.
ويُعد الوضع في محطة سودجا بمثابة جرس إنذار لصناع السياسات الأوروبيين، ويعكس الحاجة الملحة إلى تسريع جهود التنويع والحد من الاعتماد على المناطق غير المستقرة سياسيًا للحصول على إمدادات الطاقة الحيوية.
ومن المرجح أن تؤدي أسعار الغاز المرتفعة وانقطاعات الإمدادات المحتملة إلى إجهاض التماسك الداخلي للاتحاد الأوروبي.
وقد تجد الدول الأعضاء ذات المستويات المختلفة من الاعتماد على الغاز الروسي والقدرات المتفاوتة على امتصاص صدمات الأسعار نفسها في خلاف بشأن الاستجابات السياسية المناسبة.
وقد تسعى دول مثل المجر وسلوفاكيا، التي تعتمد على الطاقة الروسية إلى اتباع نهج أكثر تساهلًا تجاه موسكو، وهو ما قد يؤدي إلى انقسامات داخل الاتحاد الأوروبي.
الرسم البياني التالي يستعرض أكبر مستوردي النفط والغاز والفحم من روسيا منذ بدء الحرب حتى 8 أغسطس:
التداعيات على سوق الطاقة العالمية
يترتب عن الوضع تداعيات كبيرة على سوق الطاقة العالمية، إذ بالنظر إلى ارتفاع أسعار الغاز الأوروبية، من المرجح أن تزداد المنافسة على الإمدادات البديلة، خصوصًا الغاز المسال.
وقد يؤدي هذا إلى ارتفاع الأسعار على مستوى العالم، الأمر الذي يؤثر في الأسواق الأوروبية والمستهلكين في آسيا وغيرها من المناطق.
وقد تشهد الولايات المتحدة، وهي أحد الموردين الرئيسين للغاز المسال، زيادة في الطلب على صادراتها، الأمر الذي يعزّز دورها بصفتها لاعبًا رئيسًا في سوق الطاقة العالمية.
وتتفاقم التوترات الجيوسياسية المستمرة المحيطة بمحطة توزيع الغاز سودجا في منطقة كورسك الروسية، وهي الطريق الوحيد الذي يُورّد من خلاله الغاز الروسي إلى أوروبا عبر الأراضي الأوكرانية، بسبب جدل كبير متعلق بالطاقة داخل الاتحاد الأوروبي.
ومنذ يوليو/حزيران 2024، فرضت كييف حظرًا على عبور نفط شركة لوك أويل Lukoil عبر خط أنابيب دروجبا، وهو ممر حيوي للوقود الروسي إلى الأسواق الأوروبية.
وقد أثار هذا القرار رد فعل حادًا من المجر وسلوفاكيا، وهما دولتان عضوتان في الاتحاد الأوروبي كانتا قد تفاوضتا في السابق على إعفاءات من العقوبات الأوسع نطاقاً التي يفرضها الاتحاد الأوروبي على النفط الروسي.
واُعتبر قرار الحكومة الأوكرانية بوقف عبور نفط شركة لوك أويل عبر دروجبا خطوة لن تؤثر بصورة كبيرة في أمن الطاقة الإجمالي للاتحاد الأوروبي.
واستندت هذه الحجة إلى فرضية مفادها بأن بروكسل فرضت عقوبات واسعة النطاق على واردات النفط الروسية، ما قلل من اعتماد الاتحاد الأوروبي على مصادر الطاقة الروسية.
من جهتهما، عدّت المجر وسلوفاكيا، اللتان تعتمدان بصفة كبيرة على النفط الروسي، هذه الخطوة تهديدًا مباشرًا لأمنهما في مجال الطاقة.
وسرعان ما رد رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، المعروف بموقفه المتشدد واستعداده لاستخدام النفوذ السياسي، بالتهديد بوقف إمدادات الأسلحة إلى أوكرانيا، مضيفًا الديزل والكهرباء إلى قائمة العقوبات المحتملة. ومن الناحية التاريخية، أسفرت تكتيكات أوربان في استخدام الابتزاز السياسي عن نتائج، ما أجبر كييف وبروكسل على تقديم تنازلات.
في هذه الحالة، تبدو السلطات الأوكرانية والاتحاد الأوروبي حازمة، ما يشير إلى تحول في الديناميكيات الجيوسياسية داخل أوروبا.
الطاقة الروسية
يمكن إرجاع جذور الأزمة إلى الحزمة السادسة من العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي على روسيا، التي أُعلنت في مايو/أيار 2022.
وكانت العقوبات تهدف إلى تقليل اعتماد الاتحاد الأوروبي على النفط والمنتجات البترولية الروسية، مستهدفة 90% من جميع واردات الطاقة الروسية.
رغم ذلك، استُثنيت المجر وسلوفاكيا وجمهورية التشيك بسبب اعتمادها الجغرافي والتاريخي على النفط الروسي.
وأُعفي خط أنابيب دروجبا، الذي يُعد بالغ الأهمية للمجر وسلوفاكيا، من هذه العقوبات، ما يسمح لهذه الدول بمواصلة استيراد النفط الروسي.
وأكدت المفاوضات التي أجراها أوربان خلال مناقشات العقوبات، والتي تضمّنت تهديدات باستخدام حق النقض ضد الحزمة بأكملها، على اعتماد المجر العميق على الطاقة الروسية.
وقدّم خط الأنابيب 65% من احتياجات المجر من النفط، و90% من احتياجات سلوفاكيا، و49% من احتياجات جمهورية التشيك.
وكانت شركة لوك أويل المورد الرئيس عبر هذا الطريق، ما أسهم بصورة كبيرة في أمن الطاقة لهذه الدول. وعلى الرغم من خطة الاتحاد الأوروبي طويلة الأجل للتخلص التدريجي من الطاقة الروسية بحلول عام 2027، فقد تم إجراء استثمارات كبيرة لمساعدة هذه البلدان على الانتقال إلى مصادر الطاقة البديلة.
وتلقت المجر ما لا يقل عن 4 مليارات يورو، وسلوفاكيا 6 مليارات يورو، وجمهورية التشيك 9 مليارات يورو لدعم جهود تنويع الطاقة.
وعندما أعلنت أوكرانيا في يونيو/حزيران 2024 أنها ستشدد العقوبات على شركة لوك أويل، كانت ردود الفعل داخل الاتحاد الأوروبي متباينة.
وربط أوربان العقوبات بدعم بلاده "للسلام ووقف إطلاق النار"، في إشارة إلى مبادراته الدبلوماسية الأخيرة في كييف وموسكو. ومع ذلك، رفض المسؤولون الأوكرانيون، مثل ميخايلو بودولياك، هذه الادعاءات، مشيرين إلى غياب الدعم الملموس للسلام من المجر.
وعلى عكس جمهورية التشيك، التي كانت تعمل على تقليل اعتمادها على النفط الروسي، استمرت المجر في زيادة وارداتها، بما يتماشى مع إستراتيجية أوربان طويلة الأجل لتأمين أرخص موارد الطاقة المتاحة.
وأدت هذه السياسة إلى تعميق اعتماد المجر على النفط الروسي، ما يجعل أي تعطيل لخط أنابيب دروجبا مثيرًا للقلق خصوصًا بالنسبة إلى بودابست.
وعلى نحو مماثل، تعتمد سلوفاكيا، رغم معارضتها الأقل حدة من المجر، على القرارات المجرية فيما يتصل بواردات النفط.
ويعود ذلك إلى مصفاة النفط الوحيدة في البلاد، سلوفنفط، المملوكة لشركة إم أو إل MOL المجرية، الأمر الذي يمنح بودابست نفوذًا كبيرًا على سياسة الطاقة السلوفاكية.
البدائل الاقتصادية والإستراتيجية
من منظور اقتصادي، يفرض قرار أوكرانيا بوقف نقل النفط من شركة لوك أويل مخاطر قصيرة الأجل على المجر وسلوفاكيا.
وأكدت كييف مرارًا وتكرارًا أن الحجم الإجمالي لإمدادات النفط لن يتأثر بشكل كبير؛ حيث يمكن استبدال حصة لوك أويل والاعتماد على موردين آخرين.
بالإضافة إلى ذلك، لا تنطبق العقوبات الأوكرانية على شركات روسية كبرى أخرى مثل روسنفط أو تاتنفط، التي تستعمل خط أنابيب دروجبا.
ودعم تحليل المفوضية الأوروبية، الصادر في 1 أغسطس/آب 2024، موقف كييف، وخلص إلى أن العقوبات المفروضة على شركة لوك أويل لن تقلل بصورة كبيرة من الحجم الإجمالي لإمدادات النفط إلى الاتحاد الأوروبي.
ونصحت المفوضية المجر وسلوفاكيا بتسريع البحث عن مصادر طاقة بديلة.
وكرر خبراء مستقلون هذا الموقف، مشيرين إلى خط أنابيب أدريا، الذي يمر عبر صربيا وكرواتيا، بوصفه بديلًا عمليًا لتلبية مطالب الطاقة المجرية والسلوفاكية.
ورغم هذه التأكيدات؛ فإن أوربان يظل متشككًا، وهو الموقف الذي يعززه محللون سياسيون مثل نيكيتا شيشوف، الذي يزعم أن الثقة تؤدي دورا أساسيًا في أمن الطاقة.
وتوفر العلاقة طويلة الأمد بين المجر ولوك أويل شعورًا بالاستقرار لا يمكن للموردين الجدد غير المجربين مجاراته.
التداعيات الجيوسياسية والسياسية
إن الجدل الدائر حول حظر شركة لوك أويل ليس قضية معزولة بل يُعد جزءًا من نمط أوسع من التوتر داخل الاتحاد الأوروبي.
ويوجد وضع مماثل وشيك الحدوث في قطاع الغاز، مع انتهاء صلاحية عقد عبور غازبروم-نفتوغاز في أواخر عام 2024 كما غطينا القصة مؤخرًا.
وتؤدي محطة سودجا للغاز، التي تسيطر عليها القوات الأوكرانية حاليًا، دورًا حاسمًا في هذا العقد.
وقد يؤدي عدم التجديد المحتمل لهذه الاتفاقية إلى المزيد من الاضطرابات في إمدادات الغاز الروسي إلى أوروبا، ما يتسبب في تفاقم أزمة الطاقة بالقارة.
وفي ضوء الأزمة الحالية، من المرجح أن تسعى أوروبا إلى عدة استجابات إستراتيجية للتخفيف من المخاطر المرتبطة باعتمادها على الطاقة من روسيا.
ومن المرجح أن تتسارع جهود أوروبا الجارية لتنويع مصادر الطاقة؛ استجابةً للأزمة الحالية.
وقد يشمل هذا زيادة الاستثمار في الطاقة المتجددة، ومزيدًا من التوسع في قدرة استيراد الغاز المسال، وتطوير خطوط أنابيب غاز جديدة من موردين بديلين، مثل شرق البحر الأبيض المتوسط أو شمال أفريقيا.
وقد يدفع ضعف البنية الأساسية للطاقة في أوروبا، الذي أبرزته حالة محطة سودجا، إلى زيادة الاستثمار في مرونة البنية الأساسية.
وقد يشمل هذا إنشاء خطوط ربط جديدة بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وتعزيز سعة تخزين الغاز، وتطوير احتياطيات إستراتيجية للتخفيف من حدة انقطاع الإمدادات في المستقبل.
وقد تؤدي الأزمة الحالية إلى إعادة تقييم سياسات أمن الطاقة في أوروبا، ويتضمن هذا نهجًا أكثر تنسيقًا لشراء الطاقة وإدارة الأزمات على مستوى الاتحاد الأوروبي، فضلًا عن إعادة النظر في دور الطاقة النووية وغيرها من مصادر الطاقة المثيرة للجدل في مزيج الطاقة الأوروبي.
وعلى الصعيد الدبلوماسي، قد تسعى أوروبا إلى المشاركة بشكل أكثر نشاطًا مع موردي الطاقة الرئيسين، بما في ذلك الولايات المتحدة وقطر وغيرهما من منتجي الغاز المسال، لتأمين اتفاقيات توريد طويلة الأجل. بالإضافة إلى ذلك، قد تكون هناك جهود متجددة لحل الصراع في أوكرانيا من خلال الوسائل الدبلوماسية، مع الاعتراف بالدور المهم الذي تؤديه إمدادات الطاقة المستقرة في الحفاظ على الاستقرار الأوروبي.
وتنطوي الأزمة المستمرة المحيطة بمحطة قياس الغاز سودجا والارتفاع الناتج عنها في أسعار الغاز على آثار جيوسياسية بعيدة المدى.
ويُظهر الموقف التفاعل المعقّد بين أمن الطاقة والصراع الجيوسياسي والاستقرار الاقتصادي في أوروبا. وعلى الرغم من أن القارة العجوز تواجه التحديات التي يفرضها اعتمادها على الطاقة الروسية؛ فإن الأزمة الراهنة تُمثّل تذكيرًا صارخًا بالحاجة إلى التبصر الإستراتيجي والقدرة على الصمود في مشهد عالمي متزايد الغموض.
ويؤكد احتمال حدوث المزيد من الاضطرابات في إمدادات الغاز الحاجة الملحة إلى معالجة نقاط الضعف بمجال الطاقة في أوروبا، إذ إن ارتفاع أسعار الغاز ليس مجرد انعكاس لتغيرات السوق بل يجسد نقاط الضعف عميقة الجذور التي تستمر في تشكيل علاقة أوروبا بروسيا ومكانتها في النظام العالمي للطاقة.
وستكون الأشهر المقبلة حاسمة في تحديد طريقة استجابة أوروبا لهذه التحديات وما إذا كانت قادرة على التعامل بنجاح في التفاعل المعقّد بين أمن الطاقة والصراع الجيوسياسي والاستقرار الاقتصادي.
فيلينا تشاكاروفا، متخصصة في الشؤون السياسية بالدول المنتجة للطاقة.
*هذا المقال يمثّل رأي الكاتبة، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.
اقرأ أيضًا..
- 5 محاور لإستراتيجية الطاقة في الجزائر.. أبرزها صفقات التصدير والكهرباء
- حقل الخرسانية السعودي.. حكاية اكتشاف للنفط والغاز عمره 68 عامًا
- اكتشاف نفطي باحتياطيات 2.7 مليار برميل في أفريقيا يبحث عن مشغل