تعدين الليثيوم في صربيا يثير الجدل.. "أضراره البيئية تفوق فوائده"
سلمى محمود
واجه تعدين الليثيوم في صربيا انتقادات بعدما أطلق علماء تحذيرًا من مخاطر بيئية قد تنتج عنه، خاصة فيما يتعلق بمشروع تطوير في إحدى المناطق الزراعية الخصبة المأهولة بالسكان غرب البلاد.
وأكد مختصون -وفق ورقة بحثية اطّلعت عليها منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)- أهمية إعطاء الأولوية لحماية البيئة والصحة العامة؛ من أجل ضمان مستقبل مستدام، موضحين أنه "على الرغم من المكاسب الاقتصادية لمشروعات تطوير المعدن، فإن من الأهمية بمكان إعطاء الأولوية للتداعيات البيئة".
وبينما تخطط الحكومة الصربية لتنويع مصادر المعادن، فإن العلماء يعتقدون أن رواسب الليثيوم في غرب البلاد لا تستحق التعدين، نظرًا إلى المخاطر البيئية التي تهدد الصحة العامة.
ويُعد الليثيوم أحد المكونات الرئيسة لصناعة بطاريات السيارات الكهربائية والإلكترونيات، إذ تشير التوقعات إلى زيادة الطلب على المعدن إلى 4 ملايين طن متري في عام 2030، مقارنة بـ500 ألف طن متري عام 2021، وفق موقع ماكنزي البحثي في أبريل/نيسان 2022.
تداعيات سلبية ومخاطر
يُعد موقع "جادار"، التابع لشركة "ريو تينتو"، أحد أبرز مشروعات تعدين الليثيوم في صربيا، وقال علماء عنه إنه يمكن أن يلحق ضررًا كبيرًا بالبيئة، فضلًا عن تأثيره المدمر في المياه الجوفية والتربة، حسب ما ورد في ورقة بحثية لهم نقلها موقع "بلقان غرين إنرجي نيوز"، المتخصص في تغطية قطاع الطاقة المستدامة والعمل المناخي وحماية البيئة.
وأوضح العلماء أن أبرز تداعيات تعدين الليثيوم تتمثّل في: فقدان التنوع البيولوجي بالمنطقة، وتراكم كميات كبيرة من المخلفات الخطرة.
ويمكن أن يؤثر إنشاء منجم ومصنع لاستخراج عنصري الليثيوم والبورون ومعالجتهما داخل المجمع الصناعي نفسه، في حياة 20 ألف مواطن صربي، بحسب الورقة البحثية التي حملت عنوان "تأثير أنشطة الاستكشاف لمشروع تعدين الليثيوم المحتملة على البيئة في غرب صربيا"، ونُشرت في المجلة العلمية نيتشر.
وأفاد العلماء بأن رواسب تعدين الليثيوم في صربيا لا تستحق التطوير؛ بالنظر إلى المخاطر البيئية التي قد تتسبّب فيها، فضلًا عن تدمير واحدة من 3 مناطق فقط تحتوي على المياه في البلاد.
البيئة.. وتدابير محتملة
تزعم الشركة القائمة على مشروع تعدين الليثيوم في صربيا، شركة ريو تينتو، أنها ستلتزم بمعايير حماية البيئة، لكن المجتمع المحلي قلق بشأن العواقب المحتملة إذا جرى المضي قدمًا في تنفيذ المشروع.
وكانت حكومة صربيا قد وقّعت مع الاتحاد الأوروبي مذكرة تفاهم في 19 يوليو/تموز الماضي لشراكة إستراتيجية في المواد الخام المستدامة وسلاسل قيمة البطاريات والمركبات الكهربائية.
واحتجّ مواطنون وجمعيات بيئية وأحزاب المعارضة، آنذاك، على توقيع المذكرة التي تدعم مشروع شركة ريو تينتو لاستخراج الليثيوم، الذي يعدّه المحتجون مضرًا ببلادهم.
وبعد توقف المشروع لمدة عامين، بدأت الحكومة التخطيط لإعادة مشروع تعدين الليثيوم إلى مسار التنفيذ مرة أخرى، وفقًا لما نشره موقع بلقان غرين إنرجي نيوز.
وتتضمّن التدابير المقبولة بصفة عامة للتخفيف من تغير المناخ، تبنّي تقنيات منخفضة الكربون، التي تعتمد -إلى حد كبير- على أيونات الليثيوم ومعادن البطاريات الأخرى.
وتؤكد الدراسة أن المشكلة الكبرى المتعلقة بمشروعات تعدين الليثيوم في العالم هي عملية استخراجه الكيميائية الخطيرة، التي قد تتضمن كمية هائلة من الأحماض المعدنية المركزة، خاصة حمض الكبريتيك المركز.
بالتالي، فإن استهلاك كمية هائلة من المياه لإنتاج كربونات الليثيوم من شأنه أن يولّد كميات كبيرة من مياه الصرف الصحي، التي ستشكّل -بدورها- تهديدًا ملوثًا دائمًا للمياه السطحية والجوفية، بحسب الورقة البحثية.
مشروع مماثل
تفسّر المخاطر التي ذكرتها الورقة البحثية اختيار مواقع لتعدين الليثيوم بعيدة عن المناطق المأهولة بالسكان، وتُعد المواقع في: صحاري الصين، وتشيلي، وأستراليا، وكندا، وأميركا مثالًا على ذلك، وفقًا للورقة البحثية التي خلصت إليها المجموعة.
وقال العلماء إن هناك مشروعًا شبيهًا يجري تنفيذه في قارة أوروبا، عبر إنشاء منجم واحد لاستخراج الليثيوم في منطقة مأهولة بالسكان في البرتغال، بحسب الباحثين.
وأظهرت النتائج المقدمة في الدراسة أن الحفر الاستكشافي خلَّف -بالفعل- أضرارًا بيئية بموقع تعدين الليثيوم في صربيا، مع زيادة مستويات المواد الضارة التي اكتُشفت في الأنهار والتربة القريبة.
وكشف البحث عن تركيزات متزايدة بصورة كبيرة من معادن البورون، والزرنيخ، والليثيوم في مصابّ الأنهار القريبة من المنطقة مقارنة بمنابعها.
ورغم أن معدن الليثيوم يؤدّي دورًا مهمًا في الحد من انبعاثات غازات الدفيئة المسببة للاحتباس الحراري، فإن معدي الورقة البحثية أشاروا إلى استهلاك كمية هائلة من طاقة الوقود الأحفوري في عملية التعدين؛ الأمر الذي يؤدي إلى إطلاق كمية كبيرة من غاز ثاني أكسيد الكربون.
وبالتالي، فإن نشاط استخراج الليثيوم لا يُسهم في خفض الانبعاثات الكربونية، كما يرى العلماء الصربيون.
مراعاة أصحاب المصلحة
شدد العلماء على أهمية مراعاة وجهات نظر مختلف أصحاب المصلحة، بمن في ذلك شركات التعدين، والنشطاء، والمسؤولون الحكوميون، عند اتخاذ القرارات بشأن التعدين واستعمال الموارد؛ لتفادي عواقب طويلة الأجل على البيئة والأجيال المستقبلية.
ووفقًا لبيانات نشرتها شركة ريو تينتو على موقعها الإلكتروني، فإن الحكومة كانت قد ألغت ترخيص مشروعها لتعدين الليثيوم في صربيا، وترخيص الشركة ذاتها، في يناير/كانون الثاني 2022، قبل وضعه على مسار التنفيذ مؤخرًا، كما تشير التقارير الصحفية.
وأكّدت شركة ريو تينتو -التي تعمل في 35 دولة حول العالم- أن مشروع "جادار" لتعدين الليثيوم في صربيا يمكن أن يحفّز تطوير صناعات أخرى، فضلًا عن عشرات الآلاف من الوظائف التي يمكن أن يوفرها للأجيال الحالية والمستقبلية في البلاد، مع إنتاج كربونات الليثيوم بصورة مستدامة، وهي مادة بالغة الأهمية للتحول في مجال الطاقة.
جدير بالذكر أن الشركة حققت نتائج مالية قوية وفق البيانات التي نشرتها على موقعها أواخر يوليو/تموز الماضي، مشيرة إلى أن صافي الدخل قبل الفوائد والضرائب والإهلاك والاستهلاك بلغ 12.1 مليار دولار، كما سجّلت تدفقات نقدية بلغت 2.8 مليار دولار.
وتأسّست شركة ريو تينتو البريطانية عام 1873، من قبل مستثمرين لاستخراج النحاس القديم من منجم ريو تينتو بالقرب من هويلافا في جنوب إسبانيا، وأُدرجت في بورصتي لندن وأستراليا، حسب البيانات التي طالعتها منصة الطاقة المتخصصة على موقع "أي دي إي جيترو".
موضوعات متعلقة..
- الليثيوم.. الاحتجاجات تُوقف مشروعات التعدين في غرب صربيا
- هل تفقد بطاريات الليثيوم هيمنتها؟.. 16 تقنية صاعدة
- تقنيات استخراج الليثيوم مباشرةً قد تُحدث طفرة في سوق المعادن الحيوية
اقرأ أيضًا..
- أسهم شركات النفط الكبرى تنخفض بقيادة أرامكو السعودية
- الإمارات توقع صفقة جديدة لتصدير الغاز المسال من مشروع الرويس
- حفر 5 آبار غاز أفريقية باحتياطيات 6 تريليونات قدم مكعبة