روسيا تحشد "أسطول ظل" من ناقلات الغاز المسال.. استعدادًا للعقوبات
هبة مصطفى
في أعقاب غزو روسيا أوكرانيا قبل عامين ونصف، فُرضت عقوبات غربية على تدفقات نفط موسكو، متضمنة سقفًا سعريًا للشحنات المنقولة بحرًا، وملاحقة في وثائق الشحن والتأمين.
ويبدو أن المشهد يتكرر مع فرض الاتحاد الأوروبي قيودًا على غاز موسكو المسال، في الوقت الذي يدور خلاله الحديث عن فرض عقوبات إضافية لتحجيم عائدات صادرات الطاقة التي تغذّي صندوق الحرب ضد كييف.
وبحسب متابعة منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن) لبيانات تتبّع السفن، فإن سوق ناقلات الغاز المسال تشهد في هذه الآونة إقبالًا متزايدًا على شراء "أسطول ظل"، عبر شركات غير معروفة.
وتسبَّب ذلك في رفع أسعار الناقلات -خاصة القديمة- مثلما حدث مع ناقلات النفط خلال أواخر عام 2022 والعام الماضي 2023، إذ أقدمت موسكو على هذه الخطوة بإجراء احترازي حال توسعة الاتحاد الأوروبي نطاق العقوبات، وارتقت لمستوى الحظر الشامل على الواردات.
لماذا الغاز المسال؟
مع خسارة روسيا عائدات بيع الغاز عبر خطوط الأنابيب إلى أوروبا بموجب العقوبات، كثّفت موسكو إنتاج الغاز المسال، وكثّفت صادراتها منه.
ويعوّل الكرملين على عائدات صادرات الطاقة في إنعاش خزائنه ومواصلة الإنفاق على الحرب ضد كييف، وهو السبب ذاته الذي استهدفت العقوبات تحجيمه.
ويمنح الغاز المسال الاقتصاد الروسي هذه العوائد بتعويض صادراته، ما خسره الكرملين مع توقّف صادرات الغاز عبر خطوط الأنابيب.
ونظرًا لأهمية تدفقات الغاز المسال الروسي للسوق العالمية في الآونة الحالية، لم يفرض الاتحاد الأوروبي حظرًا شاملًا على تدفقاته، واكتفى بقيود تمنع إعادة تصديره ونقله من سفينه لأخرى عبر مواني القارة العجوز، وقيود أخرى على مشروعات رئيسة.
وهدفت القيود السابق ذكرها -المعلنة في يونيو/حزيران الماضي- إلى الحدّ من منافذ ووجهات شحنات الغاز المسال من موسكو إلى الأسواق المستقبلة.
وتركت قيود الاتحاد الصادرة مؤخرًا الباب مواربًا أمام فرض المزيد من العقوبات على غاز موسكو المسال، دون تصعيد قد يسبّب اضطرابًا للسوق العالمية.
استقطاب ناقلات الغاز المسال
تسعى روسيا لتجنّب الوقوع تحت طائلة عقوبات جديدة تهدد اقتصادها وتحدّ من عائدات صادرات الطاقة، ويبدو أنها ستكرر إستراتيجيتها في التعامل مع قيود السقف السعري لصادرات نفطها المنقولة بحرًا.
وخلال هذه الآونة، تستقطب موسكو المزيد من ناقلات الغاز المسال القديمة، لتشكيل "أسطول ظل" لا يمكن تتبُّعه أو ملاحقته بإجراءات رادعة، وكثّفت الشركات التي لا تتمتع بتاريخ معروف في الصناعة من عمليات شراء الناقلات.
ورصدت بيانات شحن قيام شركات مسجلة في الإمارات بحشد ناقلات ظل الغاز المسال، بوتيرة سريعة ومنذ العام الماضي حتى الآن، إذ انتقلت ملكية 50 سفينة إلى شركات دبي (التي يشوب الغموض هيكلها الإداري، مثل أسطول ظل ناقلات النفط) منذ الربع الثاني للعام الماضي.
وانعكس ذلك سلبًا على سوق الناقلات، إذ ارتفعت أسعار الوحدات القديمة منها؛ ما دفع شركة بيانات تتبّع السفن كبلر (Kpler) للتحذير من تورُّط موسكو في تطورات سوق تجارة سفن الغاز المسال.
وبدأت ناقلات أسطول ظل الغاز المسال الروسي عملها فعليًا، وحملت إحدى هذه الناقلات شحنات من مشروع "يامال" المهم لموسكو، إذ أنه لم يخضع لعقوبات حتى الآن، بعد أن فرضت أميركا عقوبات على شحنات التصدير من مشروع أركتيك إل إن جي 2 (Arctic LNG 2).
أسعار ناقلات الغاز المسال
أدت محاولة روسيا لتعزيز أسطولها الأسود من ناقلات الغاز المسال إلى رفع أسعار السفن بمعدلات كبيرة، وسجلت الناقلات ذات الكفاءة المنخفضة التي تجاوز عمرها التشغيلي 15 عامًا ارتفاعًا سعريًا، وفق وسيط بيع السفن إس إس واي (SSY) البريطانية.
وقفز سعر إحدى هذه السفن إلى 80 مليون دولار، ارتفاعًا من مستوى سعري قدره 50 مليون دولار قبل عامين لسفينة عمرها 15 عامًا بُنيت في 2007.
ويقارن الرسم البياني أدناه -الذي أعدّته منصة الطاقة المتخصصة- بين صادرات الغاز المسال الروسي خلال النصف الأول من 2024 والعام السابق:
وأكد المدير التنفيذي للغاز المسال لدى "إس إس واي"، توبي دوني بيس، أن بعض أنواع ناقلات الغاز المسال شهدت طفرة في أسعارها، رغم التراجع الذي سجلته في وقت سابق لاعتبارات بيئية.
وأرجع "دوني بيس" الفارق السعري لسوق ناقلات الغاز المسال القديمة إلى انتعاش أسطول الظل، الذي يُطلق عليه في بعض الأحيان "الأسطول المظلم".
وأضاف أن استعدادات روسيا لأيّ عقوبات مستقبلية محتملة على صادرات الغاز المسال، عبر إنعاش أسطول ناقلات ظل الغاز المسال، زادت الضغوط على عمليات فحص العملاء وتحديد المخاطر.
مخاطر محتملة
قد يزيد أسطول روسيا من ناقلات الغاز المسال القديمة من مخاطر الحوادث وتسرب تدفقات الغاز، خاصة أن أسطول الظل عادةً لا يكون مشمولًا بالتأمين، حسب تقرير نشره موقع صحيفة فايننشال تايمز (Financial Times).
وأشار الزميل لدى مؤسسة كارينغي الدولية للسلام، سيرجي فاكولينكو، إلى أن روسيا تهدف إلى مسك العصا من منتصفها، موضحًا أن أسطول ظل الغاز المسال سينتشل تجارة موسكو من عثراتها حال فرض عقوبات، ولن تضرّ وفرته في شيء إذا لم يواجه القطاع عقوبات أخرى.
وأوضح أن غاز روسيا المسال يواجه ضغوطًا في الآونة الحالية، وضغوطًا محتملة مستقبلًا، متوقعًا أن تمتد العقوبات الغربية إلى صادرات مشروع "يامال" أيضًا، خاصة في ظل وفرة إنتاج السوق المرتقبة من أميركا وقطر خلال السنوات المقبلة.
يُشار أن صادرات الغاز المسال الروسية سجلت -خلال النصف الأول من العام الجاري- ارتفاعًا بنسبة 3.2% على أساس سنوي، بما يصل إلى 16.87 مليون طن، وفق بيانات تقرير صادر عن وحدة أبحاث منصة الطاقة المخصصة (مقرّها واشنطن)، تحت عنوان "مستجدات أسواق الغاز المسال العربية والعالمية في النصف الأول من 2024".
موضوعات متعلقة..
- صادرات روسيا من الغاز المسال ترتفع 3%.. الاتحاد الأوروبي أكبر المستوردين
- روسيا تراهن على ناقلات الظل لتهريب الغاز المسال (تحليل)
- العقوبات الأميركية تعرقل خطط روسيا لزيادة صادراتها من الغاز المسال المنقول بحرًا (تقرير)
اقرأ أيضًا..
- من أين تستورد مصر الغاز المسال؟.. بلد عربي يظهر وسيطًا للإمدادات
- وزير الطاقة اللبناني للطاقة: انفراجة أزمة الوقود العراقي.. وهذا موعد وصول الشحنات
- أوابك: الطلب على النفط لن يتأثر بالسيارات الكهربائية