مصافي شركات النفط الكبرى في قبضة تجار الطاقة والسلع.. ما السبب؟
هبة مصطفى
زاد إقبال تجار الطاقة والسلع على شراء مصافي شركات النفط الكبرى مؤخرًا، في ظاهرة مثيرة للجدل، خاصة أن الاختيار لم يقع على مصافٍ اشتهرت بالتعثر المالي أو التقني مبررًا لبيعها.
وتتنوع التفسيرات ما بين: الأبعاد الربحية والمالية، أو الاعتبارات المناخية والبيئية، أو ضعف الرؤية المستقبلية لحجم إنتاج وتطوير هذه المنشآت.
ووفق ما تابعته منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، يعدّ أكثر أسباب هذه الظاهرة هو تدخُّل شركات السلع في عملية تسعير تجارة النفط ومشتقاته، وقد ينعكس ذلك سلبًا على الصناعة في ظل توقعات الطلب ونمو استهلاك الوقود.
وتمتلك شركات النفط عادةً مرافق خاصة بالتكرير للاستفادة من عوائد إنتاج الهيدروكربونات بالكامل، سواء في صورتها الخام أو المشتقات والمنتجات المكررة، كما أن بعض هذه الشركات يركّز استثماراته على المصافي بمعدل أكبر من أصول الإنتاج.
نماذج فعلية
في الآونة الأخيرة، تلقّت مصافي شركات النفط الكبرى عروضًا مباشرة للشراء، في حين ما زال بعض هذه الصفقات رهن المشاورات والمناقشات، وبعضها الآخر اقتصر على مجرد إبداء الرغبة في الاستحواذ دون خطوة فعلية.
وهناك 3 نماذج واضحة على ظاهرة إقدام تجّار الطاقة والسلع على شراء مصافي شركات النفط الكبرى، من بينها شركات: فيتول غروب (Vitol Group) الهولندية لتجارة الطاقة والسلع، وغلينكور (Glencore) البريطانية السويسرية للتجارة والتعدين، وترافيغورا (Trafigura) لتجارة الطاقة والسلع، ومقرّها سنغافورة.
وتفصيليًا، طرحت "فيتول" إمكان شراء أصول تابعة لشركة سيتغو بتروليوم (Citgo Petroleum) الأميركية بنقل وتسويق وقود النقل والبتروكيماويات، وتقع في مدينة هيوستن بولاية تكساس.
وجاء عرض الشراء المقدم من "فيتول" بعد خبرة عمرها عامان، خاضتها لعقد سلسلة من الاتفاقيات والصفقات، وأسفرت عن الاستثمار في: شركة ساراس إس بي إيه (Saras SPA) الإيطالية للتكرير، ومحطات وقود في تركيا وجنوب أفريقيا.
وبجانب ذلك، تشارك شركة "غلينكور" في مشروع يضم أطرافًا عدّة، ويهدف لشراء مصفاة تابعة لشركة شل (Shell) في سنغافورة، يُطلق عليها مصفاة بوكوم (Bukom)، حسب تقرير نشرته بلومبرغ.
وتكرر الأمر مع مجموعة "ترافيغورا" السنغافورية، إذ تشارك في تحالف يسعى لشراء مصفاة تكرير تابعة لشركة إكسون موبيل (Exxon Mobile) الأميركية في فرنسا، تحمل اسم مصفاة فوس سور مير (Fos-Sur-Mer).
إقبال مدروس
ربما يمكن تفسير رغبة تجّار الطاقة والسلع في شراء مصافي شركات النفط الكبرى، أنها عادةً تتعلق بزيادة المكاسب والأرباح، لكن التساؤل الأكثر جدلًا هو: "لماذا تبيع شركات كبرى مصافيها غير المتعثرة؟".
ورصد محللون تنامي طموح شركات التجارة والسلع تجاه أصول التكرير والتوزيع، الذي ربما يعود إلى العوائد والإيرادات المغرية في ظل الأسعار المرتفعة والأرباح المتوقعة.
ومن زاوية غير بعيدة، تمنح مصافي التكرير خيارات أفضل لتجّار الطاقة والسلع، إذ تتيح لهم انخراطًا أوسع في الأسواق وتعاملًا مختلفًا مع إمدادات الوقود.
ويمكن لتجّار الطاقة والسلع من مالكي مصافي التكرير المشاركة في قرارات بيع درجات النفط، حسب الجهة الأكثر ربحًا.
وباندماج تجّار الطاقة والسلع في عمليات بيع شحنات الوقود تتغير مستويات الأسعار القياسية إقليميًا، ما يعزز عمليات التحوط والاستحواذ على دور أكبر في سوق المقايضة والعقود الآجلة.
وقد يخفف شراء تجّار الطاقة والسلع لمصافي شركات النفط الكبرى من قيود البيع والأرباح التي يفرضها منتجو المنبع، ما يمنح شركات التجارة وضعًا أفضل خلال إتمام صفقات التوريد.
ويتمتع التجّار مالكو مصافي شركات النفط الكبرى بميزة إضافية تسهم في حسم قرارات التداول، إذ إن تأمين الإمدادات يعدّ "مرآة" لأحجام وشحنات الشركات المنافسة.
منافع ومخاطر
لم يكن اختيار تجّار الطاقة والسلع مصافي شركات النفط الكبرى عشوائيًا، بل انتقوا أصولًا تمتاز بموقع متميز في قلب مراكز التجارة الرئيسة، مثل البحر المتوسط ومضيق سنغافورة، ما عرّض هذه المواقع لتنوع في خامات النفط المعروض.
وفي مقابل ذلك، قد تشكّل عمليات بيع المصافي مكسبًا لشركات النفط -أيضًا-، وليس التجّار فقط، في ظل ضغوط المساهمين بالتركيز على الأصول الأفضل من حيث العوائد.
وتوافرت المصافي المعروضة للبيع بكثرة وبأسعار مناسبة لتجّار الطاقة والسلع، مع إقدام شركات كبرى مثل (شركة النفط البريطانية بي بي BP، وتوتال إنرجي Total Energies الفرنسية، وشل، وإكسون موبيل) على بيع الأصول "غير الرئيسة" بالنسبة لها.
ويتوافق ذلك مع رغبة عدد من كبريات شركات النفط في الاستجابة لضغوط المستثمرين حول خفض الانبعاثات، بخيارات من بينها: إنفاق المزيد من المخصصات على تطوير المصافي لإنتاج وقود صديق للبيئة، أو التخلص منها.
وعلى الجانب الآخر، قد يعرّض شراء التجّار لمصافي شركات النفط الكبرى الصناعة لخسائر واضطرابات في إنتاج الوقود؛ نظرًا لتقلب هوامش التكرير؛ ما يجعلها تشكّل خطرًا على التجّار.
وواجهت "فيتول" في تسعينيات القرن الماضي، بعدما عانت لتوفير مخصصات تحديث مصفاة كندية، وتكرر الأمر مع "غنفور" عام 2020 إلى حدّ الاضطرار لإغلاق مصفاة تابعة لها في بلجيكا بعد خسائر فادحة.
غياب الرؤية
اتفق محللون على أن ظاهرة بيع مصافي شركات النفط الكبرى لتجّار الطاقة والسلع تشكّل سلاحًا ذا حدّين، لكن مخاطره أكبر، وأوضحت المستشارة لدى إنرجيكس بارتنرز (Energex Partners) ليز مارتن أن هناك إقبالًا ملحوظًا من التجّار على شراء أصول التكرير.
وقال مسؤول النفط الخام السابق لدى مجموعة "ميركوريا"، كورت تشابمان، إن المصافي القادرة على معالجة خامات مختلفة تشكّل فرصة للتجّار، للتحكم في آلية التسعير وعمليات التداول.
وأشار المستشار لدى فاكتس غلوبال إنرجي (Facts Global Energy)، ستيف سوير، إلى أن بيع مصافي شركات النفط الكبرى يلبي رغبة المساهمين في خفض الانبعاثات، لكنه لا يشكّل قيمة بيئية فعلية مع إعادة تشغيل المصافي من قبل التجّار.
وشدد سوير على أن هناك غيابًا لرؤية إدارة مصافي التكرير خلال مرحلة ما بعد عام 2025، رغم ما حققته طاقة المعالجة من زيادات خلال المدة منذ عام 2019، والمتوقع استمراره حتى العام المقبل.
موضوعات متعلقة..
- شركات النفط الكبرى تبتعد عن استثمارات الطاقة المتجددة للعام الثاني.. أين اتجهت؟
- إنتاج مصافي التكرير العالمية قد يرتفع مليون برميل يوميًا بقيادة الشرق الأوسط
- انكماش صناعة البتروكيماويات فرصة لتوسع شركات النفط الكبرى (تقرير)
اقرأ أيضًا..
- 8 شركات بطاريات صينية تتجه إلى المغرب.. ضربة غير مباشرة لأميركا
- قائمة أكبر 5 صفقات نفطية في يونيو 2024 تهيمن عليها قطر
- وزير البترول المصري الجديد.. حقل ظهر يتصدر أبرز 5 ملفات