تُعد تكلفة تحول الطاقة الباهظة إحدى العقبات التي تعرقل جهود الحكومات عبر مختلف دول العالم؛ على الرغم من أن التقديرات الحالية تُعد غير دقيقة.
وكشف تقرير حديث، حصلت منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن) على نسخة منه، عن أن تقديرات تكلفة تحول الطاقة لا تأخذ في الحسبان التأخيرات التي تشهدها المشروعات، فضلًا عن تجاوز التكاليف بشكل ملحوظ.
وأكد التقرير، الذي يحمل عنوان "في منتصف الطريق بين كيوتو وعام 2050.. الحياد الكربوني نتيجة غير محتملة إلى حدٍّ كبير"، أن انخفاض تكاليف قدرات طاقة الرياح والطاقة الشمسية المثبتة حديثًا، ينطبق مع أغلب التقنيات الجديدة التي تخضع للتسويق التجاري على نطاق واسع.
وأضاف أنه من غير المتوقع أن يستمر هذا الانخفاض في التكاليف خلال ربع القرن المقبل، بمعدلات مماثلة لتلك التي شهدناها منذ عام 2000.
تكلفة تحول الطاقة الحقيقية
أكد كاتب التقرير فيكلاف سميل، أنه لا يُمكن لأحد أن يقدم تقديرًا موثوقًا للتكلفة النهائية لتحول الطاقة العالمي بحلول عام 2050.
واستعان "سميل" بالتقديرات التي اقترحها معهد ماكينزي العالمي، والتي توضح أن مقارنة هذا الجهد بأي مشروعات سابقة تمولها الحكومة هو خطأ فادح آخر.
ويُقدّر "ماكينزي" تكلفة تحول الطاقة بمبلغ 275 تريليون دولار بين عامي 2021 و2050، بالتناسب مع 9.2 تريليون دولار سنويًا.
ومقارنةً بإجمالي الناتج المحلي العالمي لعام 2022 البالغ 101 تريليون دولار؛ فإن هذا يعني إنفاقًا سنويًا بنسبة 10% من إجمالي الناتج الاقتصادي العالمي لمدّة 3 عقود، بدلًا من 0.2 أو 0.3% لبضع سنوات.
وجاء في التقرير: "في الواقع، فإن العبء الحقيقي سيكون أعلى بكثير؛ لأنه لا يُمكن أن نتوقع أن تتمكن الدول ذات الدخل المنخفض من الحفاظ على مثل هذا التحويل لمواردها المحدودة".
ومن ثَم، لا يُمكن لهذا المسعى العالمي أن ينجح ما لم تنفق دول العالم ذات الدخل المرتفع سنويًا مبالغ تعادل 15 إلى 20% من ناتجها المحلي الإجمالي؛ والأهم من ذلك أن مشروع تحول الطاقة العالمي سيواجه تجاوزات هائلة في التكاليف.
وكما تظهر الدراسة الأكثر شمولًا في العالم لتجاوز التكاليف (أكثر من 16 ألف مشروع في 16 دولة وفي 20 فئة، من المطارات إلى المحطات النووية)؛ فإن 91.5% من المشروعات التي تبلغ قيمتها أكثر من مليار دولار تجاوزت التقديرات الأولية، مع متوسط تجاوز بنسبة 62%.
وقال "سميل" إن تطبيق تصحيح بنسبة 60% من شأنه أن يرفع تقديرات "ماكينزي" لتكلفة إزالة الكربون على مستوى العالم إلى 440 تريليون دولار، أو ما يقرب من 15 تريليون دولار سنويًا لمدّة 3 عقود من الزمن؛ وهو ما يتطلب من الاقتصادات الغنية إنفاق 20 إلى 25% من ناتجها المحلي الإجمالي السنوي على تحول الطاقة.
وأضاف: "لم تنفق الولايات المتحدة (وروسيا) حصصًا أعلى من ناتجها الاقتصادي السنوي إلا مرة واحدة في التاريخ، وقد فعلت ذلك لمدّة تقل عن 5 سنوات عندما كانت بحاجة إلى الفوز في الحرب العالمية الثانية.. فهل تفكر أي دولة جديًا في التزامات مماثلة، ولكنها قد تستمر لعقود من الزمان؟".
أزمة الكهرباء المتجددة
رأى كاتب التقرير فيكلاف سميل، أنه ما دام أن الطاقة الشمسية وطاقة الرياح توفران حصصًا منخفضة نسبيًا من إجمالي توليد الكهرباء؛ فإن الاحتياجات يُمكن تغطيتها بسهولة عن طريق توليد الأحمال الأساسية القائمة التي تعمل بالفحم أو الطاقة النووية، أو عن طريق توربينات الغاز المتاحة على الفور تقريبًا، أو عن طريق الواردات من الدول المجاورة.
وشدد على أنه عندما تصبح المصادر المتقطعة هي المهيمنة وتختفي جميع توربينات الغاز؛ فإنها ستحتاج إما إلى وصلات واسعة النطاق عالية الجهد لجلب الكهرباء من مناطق أبعد وإما قدرات كبيرة لتخزين الكهرباء على المدى الطويل.
فقد كان بناء خطوط الجهد العالي التي تشتد الحاجة إليها، متأخرًا عن مواعيد الانتهاء المتوقعة، لأسباب تتراوح بين المعارضة المحلية القوية إلى التكلفة العالية للوصلات الجديدة.
وفي الوقت نفسه، تشير تقديرات وكالة الطاقة الدولية إلى أن تحقيق أهداف إزالة الكربون العالمية سيتطلب إضافة أو تجديد أكثر من 80 مليون كيلومتر من شبكات نقل الكهرباء بحلول عام 2040؛ وهذا يعادل الشبكة العالمية الحالية بالكامل في عام 2023.
وحتى الآن؛ فإن تخزين الطاقة الكهرومائية بالضخ (الذي يتطلب تكوين تضاريس محدد، وهو أمر مستحيل في الأراضي المنخفضة) هو القادر على توفير ما يصل إلى غيغاواط من الكهرباء لعدة ساعات متتالية، بحسب التقرير الذي اطّلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.
لكن المدن الكبرى التي تستعمل الكهرباء المتجددة في أربعينيات القرن الحالي في مناخ آسيا الموسمي قد تحتاج (خلال يوم الإعصار) إلى تخزين العديد من الغيغاواط (5 إلى 20 غيغاواط) لمدّة 10 إلى 20 ساعة (يصل إلى 400 غيغاواط/ساعة)، في حين أن أكبر بطارية ليثيوم أيون لتخزين الكهرباء في الوقت الحاضر (موس لاندينغ في كاليفورنيا) تُقدر بـ750 ميغاواط/3 غيغاواط/ساعة، أي أقل مرتين من حيث الحجم.
ومن الواضح أنه يجب إضافة تكاليف ترتيبات النقل أو التخزين الضرورية هذه إلى التكلفة توربينات الرياح والألواح الشمسية الكهروضوئية في جميع الأنظمة التي يهيمن عليها التوليد المتقطع.
أهمية الوقود الأحفوري في أفريقيا
في سياقٍ متصل، أوضح كاتب التقرير فيكلاف سميل، أن البلدان الغنية ذاتها لا تملك بدائل غير أحفورية واسعة النطاق يُمكن نقلها إلى أفريقيا، وتمكين القارة من ملاحقة التنمية الخضراء؛ ولهذا السبب "أخبرت الدول الأفريقية مؤتمر المناخ كوب 27 بأن الوقود الأحفوري سيعالج الفقر".
وقال: "لا عجب من أن الساسة الأفارقة يطالبون بتنمية موارد الوقود الأحفوري لرفع مستويات المعيشة في القارة ربما إلى المستوى الهندي!".
إذ يبدو تطوير بعض خزانات الغاز الطبيعي الكبيرة في أفريقيا جذابًا بشكل خاص، حيث يمكن تصدير الوقود المسال بسهولة إلى جميع أنحاء العالم؛ وتُطَوَّر الآن حقول غاز جديدة في السنغال وغانا ونيجيريا والكاميرون وأنغولا وموزمبيق وتنزانيا.
ولن تبدأ في الإنتاج قبل عام 2030، ثم ستُغلَق في إطار الجهود المبذولة لإزالة الكربون بعد عقد أو عقدين، بحسب التقرير.
وأضاف سميل: "دعونا لا ننسى أنه لم يكن أي إنتاج متسارع لطاقة الرياح أو الطاقة الشمسية، ولا الهيدروجين الأخضر، بل تحويل الغاز المسال من الولايات المتحدة وقطر ونيجيريا هو الذي حال دون حدوث نقص حاد في الإمدادات بالاتحاد الأوروبي في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا خلال عامي 2022 و2023.. وأن صادرات الغاز الطبيعي على نطاق واسع، وليس أي بناء للخلايا الكهروضوئية، هي أساس التحالف الروسي الصيني".
كما أشار إلى أن الطلب على الآلات التي تعمل بالوقود الأحفوري ما زال مرتفعًا في كل مكان؛ فبعد جائحة فيروس كورونا، تقدم شركات الطيران طلبات قياسية لطائرات نفاثة جديدة كبيرة، التي عادةً ما تعمل بوقود الكيروسين لمدّة تصل إلى 30 عامًا.
ووصلت طلبات السفن السياحية الضخمة التي تعمل بالديزل إلى 56 سفينة جديدة بحلول أغسطس/آب 2023، ولن يجري إطلاقها قبل عام 2030 بقصد الإبحار لبضع سنوات فقط.
واختتم "سميل" تقريره بالتأكيد على أن العديد من الحقائق تشير إلى الاستنتاج نفسه: لن تكون هناك تخفيضات في الكربون الأحفوري بما يقرب من 50% بحلول عام 2030؛ ولن يكون هناك أي انخفاض في الكربون بحلول عام 2050.
موضوعات متعلقة..
- جيه بي مورغان يطرح إستراتيجية جديدة لتحول الطاقة ويقدم 3 حلول (تقرير)
- الطهي بالفحم يهدد تحول الطاقة في أفريقيا.. و10 دول أكثر معاناة
- في الذكرى الثانية للغزو الروسي لأوكرانيا.. تحول الطاقة يتراجع و"النووية" تتوسع
اقرأ أيضًا..
- لماذا انخفضت أسعار النفط بعد قرار أوبك+.. وما علاقة مخزونات الهند وأميركا؟
- انخفاض صادرات الغاز المسال العربية في 5 أشهر بقيادة 3 دول (رسوم بيانية)
- تكلفة إنتاج الهيدروجين الأخضر قد تقارب 15 دولارًا للكيلو.. دراسة صادمة
- بطاريات السيارات الكهربائية.. هل تنجح أوروبا في إعادة تدويرها؟