تقرير يدحض مزاعم تحول الطاقة بحلول 2050.. التحديات تجعله مستحيلًا
دينا قدري
يستمر تحول الطاقة في إثارة الجدل بين مؤيد ومعارض، لما تستلزمه هذه العملية من إجراءات ومهلة زمنية؛ نظرًا لما يفرضه الواقع من تحديات.
وأكد تقرير حديث حصلت منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن) على نسخة منه، أن الحكومات تواجه تحديات فنية واقتصادية وسياسية غير مسبوقة من أجل القضاء على انبعاثات الكربون بحلول عام 2025.
وشدد التقرير الذي يحمل عنوان "في منتصف الطريق بين كيوتو وعام 2050.. الحياد الكربوني نتيجة غير محتملة إلى حدٍ كبير"، على أن هذه التحديات تجعل تحول الطاقة السريع وغير المكلف "مستحيلًا".
ومن أجل تقييم الجهود الحالية لخفض انبعاثات الكربون، استعان كاتب التقرير، الأستاذ في جامعة مانيتوبا الكندية فيكلاف سميل، بتاريخ أول تحول عالمي للطاقة.
فقد بدأ التحول من وقود الكتلة الحيوية التقليدية (مثل الخشب والفحم النباتي) إلى الوقود الأحفوري، قبل أكثر من قرنين من الزمن، ثم تطور تدريجيًا.
ويظل هذا التحول غير مكتمل، إذ ما يزال المليارات من البشر يعتمدون على طاقات الكتلة الحيوية التقليدية لأغراض الطهي والتدفئة.
أسباب فشل تحول الطاقة بحلول 2050
أشار التقرير إلى أنه على الرغم من الاتفاقيات الدولية، والإنفاق الحكومي، واللوائح التنظيمية، والتقدم التكنولوجي، ارتفع الاستهلاك العالمي للوقود الأحفوري بنسبة 55% بين عامي 1997 و2023.
كما انخفضت حصة الوقود الأحفوري في الاستهلاك العالمي للطاقة من نحو 86% في عام 1997، إلى نحو 82% في عام 2022.
وحسب التقرير، فإن الهدف المتمثل في الوصول إلى صفر انبعاثات عالمية من ثاني أكسيد الكربون الناتج عن أنشطة بشرية، لا بد أن يتحقق من خلال تحول في مجال الطاقة تكون سرعته وحجمه وأساليبه (التقنية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية) غير مسبوقة تاريخيًا.
ويرى الكاتب فيكلاف سميل أن إنجاز مثل هذا التحول هو أمر غير مرجّح إلى حدٍّ كبير بحلول عام 2050؛ لأن "لدينا جيلًا واحدًا فقط (نحو 25 عامًا) للقيام بذلك، ولم نصل بعد إلى ذروة الاستهلاك العالمي للكربون، ولن يتبع الذروة انخفاضات حادة، ولم ننشر حتى الآن أيّ عمليات تجارية واسعة النطاق خالية من الكربون لإنتاج المواد الأساسية.
كما أدت عملية التحول إلى الكهرباء، في نهاية عام 2022، إلى تحويل نحو 2% فقط من سيارات الركاب (أكثر من 40 مليونًا) لأنواع مختلفة من السيارات التي تعمل بالبطاريات، ولم تؤثّر إزالة الكربون بعد في النقل البري الثقيل والشحن والطيران.
وجاء في التقرير: "كلّ ما تمكّنّا من القيام به في منتصف الطريق خلال تحول الطاقة العالمي الكبير المزمع هو حدوث انخفاض نسبي قليل بحصّة الوقود الأحفوري في استهلاك الطاقة الأولية في العالم، من نحو 86% في عام 1997 إلى نحو 82% في عام 2022".
إلّا أن هذا التراجع النسبي الهامشي صاحبته زيادة مطلقة هائلة في احتراق الوقود الأحفوري، ففي عام 2022، استهلك العالم ما يقرب من 55% من الطاقة المرتبطة بالكربون مقارنةً بعام 1997.
واستنتج كاتب التقرير أنه بحلول عام 2023، بعد ربع قرن من التحول المستهدف في مجال الطاقة، لن تكون هناك إزالة مطلقة للكربون من إمدادات الطاقة على مستوى العالم، بل زاد العالم بشكلٍ كبير من اعتماده على الكربون في ربع القرن هذا.
احتياجات تحول الطاقة
بيّن التقرير -الذي اطّلعت منصة الطاقة المتخصصة على تفاصيله- مدى إسهام الوقود الخالي من الكربون في مزيج الطاقة الحالي؛ إذ توفر الطاقة الكهرومائية الآن نحو 15% من توليد الكهرباء في العالم، تليها الطاقة النووية التي تولّد نحو 10%.
وشهدت مصادر الطاقة المتجددة الجديدة، مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية، نموًا سريعًا خلال العقود الـ3 الماضية، وفي عام 2022، وفرت 12% من إجمالي توليد الكهرباء، وهو ما يزال أقل من إجمالي توليد البديلين الأقدم الخاليين من الكربون.
علاوةً على ذلك، فإن الكهرباء الأولية (الكهرومائية، والنووية، وطاقة الرياح، والطاقة الشمسية، ومساهمة صغيرة من محطات الطاقة الحرارية الأرضية) لا تمثّل أكثر من نحو 18% من استهلاك الطاقة الأولية في العالم، وهو ما يعني أن الوقود الأحفوري ما يزال يوفر نحو 82% من إمدادات الطاقة الأولية العالمية في عام 2022.
الأمر الواضح هو أن إجمالي إضافة الكهرباء الخالية من الكربون يجب أن يذهب إلى ما هو أبعد من مجرد استبدال توليد الوقود الأحفوري اليوم، والذي يمثّل نحو 62% من إجمالي أكثر من 29 كوادريليون واط/ساعة في عام 2022.
(1 كوادريليون = ألف تريليون)
إذ سيستمر الطلب على الكهرباء في النمو، وتتوقع وكالة الطاقة الدولية نموًا سنويًا بنسبة 3.3% حتى عام 2050، وهذا من شأنه أن يرفع إجمالي عام 2022 نحو 2.5 ضعفًا إلى ما يزيد قليلًا عن 72 كوادريليون واط/ساعة.
وحتى لو كانت الطاقة الكهرومائية والنووية تغطي 20% من هذا الإجمالي، فيجب أن تصل طاقة الرياح والطاقة الشمسية إلى نحو 58 كودريليون واط/ساعة في عام 2050، أي نحو 17 ضعف إنتاجها في عام 2022، وتقريبًا ضعف توليد الكهرباء من جميع المصادر في عام 2022.
وإلى جانب اتجاهات الكهرباء الجارية بالفعل (سيارات الركاب، والتدفئة، وبعض العمليات الصناعية)، ستكون هناك حاجة إلى حصص كبيرة من التوليد الخالي من الكربون، لكهربة كل تلك الصناعات التي تعتمد الآن على الفحم والنفط والغاز، إلى أقصى حدّ ممكن.
تحديات تحول الطاقة
ذكر التقرير مثالين رئيسين للتحديات التي تواجه مثل هذه الجهود غير المسبوقة للوصول إلى تحول الطاقة بحلول عام 2050، وهما صناعة الفولاذ، وصناعة الأمونيا.
إذ يُعدّ الفولاذ -وسيظل- المعدن المهيمن في الحضارة الحديثة، ولا غنى عنه لجميع البنية التحتية والإسكان والنقل والزراعة والإنتاج الصناعي.
ويُصنَّع ما يقرب من 30% من الفولاذ في العالم عن طريق إعادة تدوير الخردة المعدنية، في أفران القوس الكهربائي، ومن ثم يُمكن تشغيل هذه العملية بالكامل بالكهرباء الخضراء.
ولكن 70% من الفولاذ في العالم يأتي من أفران الأكسجين القاعدي باستعمال الحديد الزهر، المصهور في أفران الصهر التي يغذّيها فحم الكوك، والغاز الطبيعي.
وفي عام 2022، وصل إنتاج هذا الفولاذ القائم على أفران الأكسجين القاعدي إلى 1.4 مليار طن، وتشير التوقعات إلى أنه ستكون هناك حاجة إلى ما لا يقلّ عن 2.6 مليار طن من المعدن في عام 2050.
وحتى مع زيادة حصة الفولاذ القائم على أفران القوس الكهربائي إلى 35%، فإن الطلب سيستلزم ما يقرب من 1.7 مليار طن من الحديد الأخضر، وفق التقرير الذي اطّلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.
وأوضح الكاتب فيكلاف سميل أنه بدلًا من اختزال خامات الحديد بالكربون (مع انبعاث ثاني أكسيد الكربون)، في عالم خالٍ من الكربون، "سيتعين علينا تقليلها باستعمال الهيدروجين".
وهذا يعني أنه بحلول عام 2050، سيحتاج الإنتاج السنوي البالغ 1.7 مليار طن من الفولاذ الأخضر إلى نحو 91 مليون طن من الهيدروجين الأخضر.
ويوضح الرسم البياني التالي -الذي أعدّته منصة الطاقة المتخصصة- توقعات الطلب على الهيدروجين وفق سيناريو الحياد الكربوني:
وتُعدّ الأمونيا منتجًا أكثر أهمية؛ إذ يُستعمَل نحو 85% من إنتاجها السنوي في صناعة الأسمدة النيتروجينية الاصطناعية التي -دون استمرار استعمالها- لا يمكن لنحو نصف سكان العالم اليوم البقاء على قيد الحياة.
وتُصنَّع الأمونيا -حاليًا- مع النيتروجين المأخوذ من الهواء والهيدروجين الناتج من خلال تفاعل التحول من الغاز الطبيعي والفحم والهيدروكربونات السائلة، مع أقل من 5% يأتي من التحليل الكهربائي للماء (الهيدروجين الأخضر).
وفي عام 2022، بلغ الإنتاج السنوي من الأمونيا نحو 150 مليون طن، وتشير التوقعات إلى أن هناك حاجة إلى 200 مليون طن على الأقل بحلول عام 2050.
وستحتاج عملية تصنيع الأمونيا الخالية من الكربون إلى نحو 44 مليون طن من الهيدروجين الأخضر بحلول عام 2050.
وستحتاج هاتان العمليتان -صناعة الفولاذ والأمونيا- إلى طاقة إنتاجية سنوية تبلغ نحو 135 مليون طن من الهيدروجين الأخضر بحلول عام 2050، بحسب ما أكده الكاتب فيكلاف سميل.
إلّا أنه يُمكن أن يصل إجمالي الطلب على الهيدروجين الأخضر بسهولة إلى 500 مليون طن بحلول عام 2050، اعتمادًا على الاحتياجات الإضافية للنقل والتدفئة، من الصناعات (من صناعة الزجاج إلى حفظ الأغذية)، وذروة توليد الكهرباء.
ويحتاج الإنتاج الكهربائي للهيدروجين الأخضر إلى نحو 50 ميغاواط/ساعة للطن؛ ومن ثم، فإن إنتاج 500 مليون طن من الهيدروجين الأخضر بحلول عام 2050 سيتطلب نحو 25 كوادريليون واط/ساعة من الكهرباء الخضراء، أي ما يعادل نحو 86% من الاستهلاك العالمي للكهرباء في عام 2022.
وتوضح هذه الوتيرة المطلوبة لإضافات مصانع الهيدروجين والفولاذ عاملًا أساسيًا آخر من المرجّح أن يؤثّر في تحول الطاقة العالمي: كل عنصر من المكونات سيوّلد طلبًا غير مسبوق، ويصبح التحدي أكثر صعوبة بسبب زيادة كثافة المواد في بعض التقنيات الجديدة، وعن طريق الوصول المعقّد إلى العديد من الموارد الأساسية.
السيارات الكهربائية في تحول الطاقة
تطرَّق الكاتب فيكلاف سميل -في تقريره- إلى أن مواد السيارات الكهربائية تندرج ضمن قائمة التحديات التي تواجه تحول الطاقة العالمي بحلول عام 2050.
إذ تحتوي السيارة الكهربائية النموذجية على أكثر من 5 أضعاف كمية النحاس (80 كيلوغرامًا مقابل 15 كيلوغرامًا) الموجودة في محرك سيارة الاحتراق الداخلي.
ومن ثم، فإن استبدال 1.35 مليار سيارة خفيفة تعمل بالبنزين والديزل اليوم بالمركبات الكهربائية وتزويد السوق الموسعة (المُقدّرة بنحو 2.2 مليار سيارة بحلول عام 2050)، سيتطلب ما يقرب من 150 مليون طن إضافي من النحاس خلال السنوات الـ27 المقبلة.
وهذا يعادل أكثر من 7 سنوات من استخراج النحاس السنوي اليوم لجميع الاستعمالات الصناعية والتجارية العديدة للمعدن، وفق التقرير الذي طالعته منصة الطاقة المتخصصة.
بالإضافة إلى ذلك، تشير تقديرات وكالة الطاقة الدولية إلى أنه، مقارنةً بعام 2020، سيحتاج تبنّي السيارات الكهربائية بحلول عام 2040 إلى أكثر من 40 ضعف كمية الليثيوم المستخرجة حاليًا، وما يصل إلى 25 ضعف كمية الغرافيت والكوبالت والنيكل.
وتشير التقديرات إلى أن الطلب التراكمي على المواد اللازمة لتحقيق إزالة الكربون بالكامل بحلول عام 2050 يبلغ نحو 5 مليارات طن من الصلب، وما يقرب من مليار طن من الألومنيوم، وأكثر من 600 مليون طن من النحاس.
وشدد الكاتب فيكلاف سميل على أن مثل هذه الاحتياجات المعدنية الضخمة لا تجلب مخاوف فنية ومالية فحسب، بل تجلب أيضًا آثارًا بيئية وسياسية.
ويقدّم النحاس مثالًا مذهلًا لهذه العوامل الخارجية البيئية؛ إذ انخفض المحتوى المعدني لخامات النحاس المستغلة من تشيلي -المصدر الرئيس للمعدن في العالم- من 1.41% في عام 1999 إلى 0.6% في عام 2023، ولا مفر من حدوث المزيد من التدهور في الجودة.
وهذا يعني أن استخراج 600 مليون طن إضافية من المعدن سيتطلب إزالة ومعالجة وترسيب ما يقرب من 100 مليار طن من النفايات الصخرية، وهو ما يعادل ضعف الإجمالي السنوي الحالي للمواد العالمية المستخرجة، بما في ذلك الكتلة الحيوية وجميع أنواع الوقود الأحفوري والخامات والمعادن الصناعية وجميع مواد البناء السائبة.
ويتطلب استخراج وإلقاء مثل هذه الكتل الهائلة من النفايات، تكلفة عالية جدًا من حيث الطاقة والبيئة، لأنه يضع استعمالات الطاقة الجديدة التي من المفترض أن تكون "الخضراء" بعيدًا عن هدف إعادة تدوير المواد إلى أقصى حدّ.
علاوةً على ذلك، يهيمن عدد قليل من الدول على إنتاج النحاس (تشيلي، وبيرو، والصين، والكونغو)، وتكرر الصين وحدها 40% من الإمدادات العالمية.
كما تعالج الصين المزيد من المعادن الأخرى اللازمة لتحويل الطاقة الخضراء: ما يقرب من 60% من الليثيوم، و65% من الكوبالت، وما يقرب من 90% من المعادن الأرضية النادرة.
موضوعات متعلقة..
- حرق الأمونيا مع الفحم في 12 دولة يعرقل خطط تحول الطاقة
- جيه بي مورغان يطرح إستراتيجية جديدة لتحول الطاقة ويقدم 3 حلول (تقرير)
- شركات النفط والغاز تحذر من دعوات تحول الطاقة: كارثة لن ننساها
اقرأ أيضًا..
- لماذا انخفضت أسعار النفط بعد قرار أوبك+.. وما علاقة مخزونات الهند وأميركا؟
- انخفاض صادرات الغاز المسال العربية في 5 أشهر بقيادة 3 دول (رسوم بيانية)
- تكلفة بناء شبكة الهيدروجين في ألمانيا يدفعها المواطن لمدة 30 عامًا
- بطاريات السيارات الكهربائية الصينية هدف جديد في الحرب مع أميركا