صفقة باور أوف سيبيريا 2 تهدد مستقبل علاقات الطاقة بين روسيا والصين (مقال)
فيلينا تشاكاروفا* – ترجمة: نوار صبح
- صفقة باور أوف سيبيريا 2 واجهت عقبات بسبب مطالب الصين الصارمة بشأن الأسعار
- بكين تضغط من أجل أسعار قريبة من نظيراتها المحلية المدعومة بصورة كبيرة داخل روسيا
- خط أنابيب باور أوف سيبيريا الحالي غير كافٍ لاستعادة مستويات تصدير الغاز الروسي
- بالنسبة للصين تمثل روسيا استقلالًا حقيقيًا في مجال الطاقة وموردًا موثوقًا
تشكّل العقبات التي تواجه صفقة خط أنابيب الغاز "باور أوف سيبيريا 2"، الهادف إلى نقل الغاز الروسي إلى الصين، أحد التحديات الرئيسة التي تهدد مستقبل تجارة الطاقة بين البلديْن.
وتطرّق المقال، الذي نشرته صحيفة فايننشال تايمز، مؤخرًا، إلى الاجتماع المهم بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الصيني شي جين بينغ في الصين، إذ نُوقشت 3 قضايا محورية على ما يبدو.
وبحسب مصادر نقلتها صحيفة فايننشال تايمز، فإن الموضوعات شملت صفقة خط أنابيب الغاز "باور أوف سيبيريا 2"، ورفض الصين المشاركة في مؤتمر السلام بشأن أوكرانيا في جنيف، وتوسيع أنشطة البنوك الصينية في روسيا.
وذكرت فايننشال تايمز أن صفقة باور أوف سيبيريا 2 واجهت عقبات بسبب مطالب الصين الصارمة بشأن الأسعار.
وتضغط بكين من أجل أسعار قريبة من الأسعار المحلية المدعومة بصورة كبيرة داخل روسيا، وهو ما تعده موسكو غير معقول.
بالإضافة إلى ذلك، تفيد التقارير بأن الصين مهتمة بشراء جزء صغير فقط من الكمية المخطط لها البالغة 50 مليار متر مكعب من الغاز سنويًا.
نظرة روسيا إلى الصين
تنظر روسيا إلى الصين بصفتها سوقًا مهمة، لتحل محل سوق الغاز الأوروبية المفقودة بسبب العقوبات والتوترات الجيوسياسية.
واللافت أن الرئيس التنفيذي لشركة غازبروم، أليكسي ميلر، لم يرافق الوفد الروسي إلى بكين، وهو ما قد يشير إلى الطبيعة الحساسة للمفاوضات.
واستبعد تقرير من أحد البنوك الروسية الكبرى مشروع باور أوف سيبيريا 2 من توقعات شركة غازبروم الأساسية، ما أدى إلى انخفاض متوقع بنسبة 15% في أرباح الشركة المتوقعة بحلول عام 2029، وهو العام الذي كان من المرتقب أن يجري فيه تشغيل خط الأنابيب.
ويسلط مقال الفايننشال تايمز الضوء على التعقيدات والتحديات في العلاقة بين روسيا والصين، خصوصًا في قطاع الطاقة.
ويشير تعثر صفقة باور أوف سيبيريا 2 إلى خلافات إستراتيجية واقتصادية أوسع نطاقًا.
بالإضافة إلى ذلك، فإن عدم مشاركة الصين في مؤتمر جنيف ومشاركتها المالية الحذرة يعكسان إستراتيجيتها الجيوسياسية الأوسع.
مصير خط أنابيب باور أوف سيبيريا 2
كانت خطط إنشاء خط أنابيب باور أوف سيبيريا 2 قيد المناقشة منذ عام 2006، ففي البداية، كان من المقرر مد خط الأنابيب عبر جمهورية ألطاي، إذ تشترك الصين وروسيا في الحدود المباشرة، ومع ذلك، فإن التضاريس الصعبة واحتجاجات دعاة حماية البيئة الروس عاقت المشروع.
واتُّفق على طريق بديل عبر منغوليا بحلول عام 2021، وهناك دراسة جدوى، ويوجد احتمال معين بأن مسار خط أنابيب الغاز عبر منغوليا لن يُنفّذ بسبب مخاوف منغوليا من معارضة الولايات المتحدة وكندا.
وسيبلغ الطول التقريبي لخط الأنابيب نحو 6.7 ألف كيلومتر، منها 2.7 ألف كيلومتر ستمر عبر الأراضي الروسية.
وتُعد المفاوضات بشأن بناء خط أنابيب الغاز "باور أوف سيبيريا 2" مستمرة منذ أكثر من 5 سنوات ويمكن أن تستمر لمدة طويلة.
ويواجه المشروع، الذي يهدف إلى نقل الغاز من شبه جزيرة يامال الروسية إلى الصين، العديد من التحديات، تتمحور في المقام الأول حول خلافات التسعير والاعتبارات الجيوسياسية.
ومن المتوقع أن يكون لخط أنابيب "باور أوف سيبيريا 2"، في حال اكتماله، تأثير كبير في ديناميكيات الطاقة بين روسيا والصين، وأن ينقل ما يصل إلى 50 مليار متر مكعب من الغاز سنويًا.
رغم ذلك، فإن مطالب الصين الصارمة بالأسعار ونفوذها على الوضع الاقتصادي الحالي في روسيا قد عاقت التقدم، إذ تضغط بكين من أجل أسعار قريبة من الأسعار المحلية المدعومة بصورة كبيرة داخل روسيا، وهو ما تعده موسكو غير مقبول.
بالإضافة إلى ذلك، فإن اهتمام الصين بمصادر الغاز البديلة، بما في ذلك طرق آسيا الوسطى ومشروعات سخالين، يزيد من تعقيد المفاوضات.
وعلى الرغم من تحول شركة غازبروم نحو آسيا، خصوصًا الصين، فإن احتمالات زيادة إمدادات الغاز بصورة كبيرة تظل غير مؤكدة.
لقد برز خط أنابيب باور أوف سيبيريا الأصلي، الذي موّلته شركة غازبروم بالكامل من الأرباح الفائضة التي تحققت في السوق الأوروبية، بصفته شريان حياة حيويًا لصادرات الغاز الروسية.
وأُطلق خط أنابيب باور أوف سيبيريا 1 في عام 2019، لنقل الغاز من حقول شرق سيبيريا الروسية إلى الصين، ووُقّع عقد توريد الغاز لمدة 30 عامًا بين شركتي غازبروم والنفط الوطنية الصينية "سي إن بي سي" (CNPC) في عام 2014، بعد زيارة الرئيس بوتين إلى بكين.
وفي العام الماضي، صدّرت روسيا ما يقرب من 25 مليار متر مكعب إلى الصين عبر خط أنابيب باور أوف سيبيريا 1، ومن المتوقع أن يصل خط الأنابيب إلى قدرته التصميمية البالغة 38 مليار متر مكعب من الغاز سنويًا بحلول عام 2025، ما يشير إلى خطوة مهمة إلى الأمام في إستراتيجية التوسع الآسيوية لشركة غازبروم.
من ناحية ثانية، فإن خط أنابيب باور أوف سيبيريا الحالي غير كافٍ لاستعادة مستويات تصدير الغاز الروسي، وكان من المتوقع تحقيق انتصار مماثل خلال أولمبياد بكين 2022 بفضل خط الأنابيب الثاني.
تجدر الإشارة إلى أنه خلال زيارة بوتين في 4 فبراير/شباط 2022، لم يُوقّع على اتفاقية باور أوف سيبيريا 2 بسبب مشكلات التسعير التي لم تُحل مع الصين.
ويُعد تطوير خط أنابيب "باور أوف سيبيريا 2" أمرًا بالغ الأهمية، إلا أن شركة غازبروم هي المستفيد الأكبر من هذا المشروع.
ويستغرق بناء خط أنابيب "باور أوف سيبيريا 2" عقدًا من الزمن، بل إن آفاق التصدير غير مؤكدة إلى حد كبير بسبب تباطؤ النمو الاقتصادي في الصين وعدم القدرة على التنبؤ باستهلاكها من الطاقة على مدى السنوات الـ10 المقبلة.
وبالتالي، ليس من المستغرب أن يستغل الرئيس بوتين مرة أخرى مناسبة القمة الثنائية مع الرئيس الصيني شي جين بينغ لمواصلة التفاوض بشأن خط أنابيب "باور أوف سيبيريا 2".
خط أنابيب باور أوف سيبيريا 3
في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، وقّعت شركتا غازبروم، والطاقة الصينية "سي بي إن سي" CPNC عقدًا لبناء خط أنابيب غاز جديد وقصير نسبيًا في الشرق الأقصى، أطلق عليه اسم باور أوف سيبيريا 3.
ومن المقرر أن يكون خط الأنابيب هذا، الذي تبلغ قدرته الاستيعابية 10 مليارات متر مكعب، جاهزًا للتشغيل، بحلول أواخر عام 2027.
ويوفر خط أنابيب باور أوف سيبيريا 3، الذي يستفيد من مشروع سخالين-3، طريقًا لوجستيًا أقصر ويستعمل البنية التحتية الحالية، ما يجعله خيارًا أكثر إلحاحًا وجدوى مقارنة بخط أنابيب باور أوف سيبيريا 2.
وقد يكون من الأدق أن نطلق عليه اسم "باور أوف ذا فار إيست" Power of the Far East، نظرًا إلى ارتباطه غير المباشر بسيبيريا.
ويقدم خط الأنابيب العديد من المزايا التي جذبت بكين، على الرغم من بعض العيوب الكبيرة، وتُعد الخدمات اللوجستية لخط أنابيب باور أوف سيبيريا 3 أكثر وضوحًا بصورة ملحوظة مقارنة بأسلافه، مع وجود الكثير من البنية التحتية اللازمة بالفعل.
بدوره، سوف يحتاج خط أنابيب "سخالين-خاباروفسك-فلاديفوستوك" الحالي، الذي أُنشئ لتزويد غاز سخالين إلى منطقة بريموري الروسية، إلى التوسع.
ويتضمن ذلك بناء محطة ثانية لضغط الغاز وفرعًا إضافيًا عبر خاباروفسك وبلاغوفيشتشينسك، إذ سيجري ربطها بخط أنابيب باور أوف سيبيريا 1.
ويسمح هذا المسار الواضح والمنطقي بتنويع المخاطر بالنسبة لمشروع باور أوف سيبيريا 1، حال وجود مشكلات تتعلق بقاعدة موارده.
بالإضافة إلى ذلك، سيساعد المشروع في تحويل المدن الروسية إلى أنابيب غاز "باور أوف ذا فار إيست"، وهو تطور مرحب به.
من جهة ثانية، فإن قاعدة الموارد الخاصة بخط أنابيب باور أوف سيبيريا 3 تمثّل تحديات، ورغم أن حقل مكثفات الغاز في يوجنو-كيرينسكوي مستكشف بصورة جيدة وقادر على تلبية احتياجات المستهلكين الروس والصينيين على السواء، فإن تطويره تعوقه العقوبات الأميركية المستهدفة.
ويقع الحقل على جرف سخالين على عمق 91 مترًا، ويُقدر احتياطي الغاز فيه بنحو 814.5 مليار متر مكعب و130 مليون طن من مكثفات الغاز.
ويتطلب الإنتاج تحت سطح البحر معدات متخصصة، التي قُيّدت بموجب العقوبات الأميركية منذ عام 2015.
إزاء ذلك، سعت شركة غازبروم إلى تطوير مجمع الإنتاج لديها تحت الماء، مستعينة بمساعدة شركتي المجمع الصناعي العسكري "ألماز-أنتي" و"مالاخيت".
ويظل من غير الواضح ما إذا كانت شركة غازبروم قد استبدلت المعدات المستوردة بالكامل أو غيّرت مخطط إنتاجها للالتفاف على العقوبات، وربما التفاوض مع موردين بديلين.
ومن التطورات المثيرة للاهتمام سفينة مد الأنابيب "أكاديميك تشيرسكي" "Akademik Chersky"، التي أدت سابقًا دورًا حاسمًا في استكمال مشروع نورد ستريم 2 بعد إعادة توجيهها من الشرق الأقصى، وتعود السفينة الآن من بحر البلطيق للمشاركة في مشروع "باور أوف سيبيريا 3".
في المقابل، فإن الغاز الذي تضخه شركة غازبروم عبر خط أنابيب "باور أوف سيبيريا 1" يكلف الصين حاليًا ما يقرب من نصف ما تكلفه الدول الأوروبية.
وفي عام 2024، سيكون متوسط سعره 297.3 دولارًا لكل 1000 متر مكعب مقابل 501.6 دولارًا لأوروبا وتركيا.
وفي العام المقبل، سيرتفع الحسم بالنسبة للصين إلى 46%، وفقًا لتوقعات الحكومة، إذ سيكلف الغاز من خط أنابيب "باور أوف سيبريا" 271.6 دولارًا لكل ألف متر مكعب، وبالنسبة لتركيا وأوروبا 481.7 دولارًا.
بالإضافة إلى ذلك، تستكشف روسيا والصين إمكان تحديث الشبكة الحالية في قازاخستان لنقل 35 مليار متر مكعب إضافية من الغاز الروسي إلى الصين.
ويُعد تحديث الشبكة الحالية في قازاخستان لنقل كميات إضافية من الغاز الروسي إلى الصين والتعاون مع إيران لتطوير مركز للغاز في الخليج خطوات إستراتيجية للتحايل على العقوبات الغربية وتأمين أسواق جديدة في غرب آسيا وجنوبها.
وتسلط هذه المبادرات الضوء على التزام روسيا بالحفاظ على مكانتها بوصفها موردًا عالميًا رئيسًا للطاقة على الرغم من التحديات الجيوسياسية والاقتصادية.
دور الجغرافيا السياسية
طالبت لجنة القوات المسلحة بمجلس النواب الأميركي "البنتاغون" بتقديم تقرير بشأن طريقة تنفيذ الجيش الأميركي حصارًا بحريًا على إمدادات النفط والغاز إلى الصين إذا بدأت عملًا عسكريًا على تايوان.
ومن المفارقة أن هذا التطور يعزّز موقف روسيا التفاوضي مع بكين فيما يتعلق ببناء خط أنابيب الغاز "باور أوف سيبيريا 2" على المدى الطويل.
وتُعد الخطوة حاسمة لأولئك الذين يشككون في إمدادات روسيا من موارد الطاقة إلى الصين. بالنسبة للصين، تمثل روسيا استقلالًا حقيقيًا في مجال الطاقة وموردًا موثوقًا.
وتُجري الصين حسابات دقيقة لكل سيناريوهات التضييق الاقتصادي استنادًا إلى الحالة التايوانية. إن احتمال الحرمان من الغاز المسال يلوح في الأفق بالنسبة للصين.
وعلى الرغم من أن مشروع باور أوف سيبيريا 2 يُعد بالغ الأهمية بالنسبة للصين، فإن التأخير في توقيع العقد يرجع إلى اعتقاد الصين أن روسيا تحتاج إلى العقد أكثر في الوقت الحالي.
وتعتقد الصين أن الانتظار يعني أن روسيا سوف توافق على شروط أكثر ملاءمة، إنها إستراتيجية تجارية ساخرة، ولكنها مفهومة تمامًا.
وعلى الرغم من الشائعات التي تقول عكس ذلك، فإن الصين لا تجبر روسيا على تمويل خط الأنابيب بأكمله. وعرضت بكين الاستثمار في مشروع "باور أوف سيبيريا 2"، لكن "غازبروم" رفضت، خوفًا من أن يمنح التدخل المالي الصيني بكين نفوذًا للمطالبة بتغيير الأسعار.
إن قبول الاستثمار الصيني يعني شراء الأنابيب والمعدات من الشركات المصنعة الصينية، وهو ما تريد روسيا تجنبه. وبالتالي، ستمول كل دولة بناء خط الأنابيب عبر أراضيها.
بالنسبة لروسيا، يُعد مشروع باور أوف سيبيريا 2 أمرًا حيويًا، لأنه يسمح لمركز إنتاج الغاز في أورنغوي في يامال بتحويل تركيزه من الغرب إلى الشرق.
وتستقبل الصين حاليًا الغاز عبر خط الأنابيب من سخالين وياقوتيا، اللذين يغذيان الساحل الشرقي المكتظ بالسكان.
وسيدخل خط الأنابيب الجديد من الشمال الغربي، ليغذي الصحاري ذات الكثافة السكانية المنخفضة في منغوليا الداخلية.
وبالنسبة للشمال الغربي فهو منطقة نائية، والقيادة الصينية ليست متحمسة لذلك، لأن النشاط الاقتصادي ومستويات المعيشة المرتفعة موجودة على الساحل.
إنهم بحاجة إلى تطوير مستوطنات ومصانع وبنية تحتية جديدة لخط الأنابيب هذا، وفي حال بدأ الإنتاج في منغوليا الداخلية، يجب نقل المنتج بطريقة ما.
ومع تطوير الصين منطقتها الشمالية الغربية، تعوض روسيا قازاخستان عن إمداداتها للصين، التي تبلغ حاليًا 10 مليارات متر مكعب فقط سنويًا.
يسلّط هذا التطور الضوء على الطبيعة المتشابكة والمعقدة لإمدادات الطاقة والإستراتيجيات الجيوسياسية في المنطقة.
وقد تفكر شركة غازبروم في الاستفادة من خطوط الأنابيب الموجودة في قازاخستان وأوزبكستان لنقل الغاز الروسي إلى الصين.
لذلك، لا بد من الاعتراف بأن هذه المشروعات طويلة الأجل لن تعوض بصورة كاملة عن السوق الأوروبية التي خسرتها شركة غازبروم.
لقد انتهى عصر الأرباح الهائلة التي حققتها شركة غازبروم، ولكن روسيا تعمل حاليًا على تطوير نهج متعدد الطبقات في التعامل مع تصدير غازها.
وعلى الرغم من أهداف الاتحاد الأوروبي الطموحة لتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري الروسي، فمن المتوقع أن تستمر الدول الأوروبية في استيراد الطاقة الروسية بعد عام 2027 عبر دول ثالثة وخط أنابيب تورك ستريم بسبب عدم التنويع الكامل بين بعض الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.
تاريخيًا، صدّرت روسيا نحو 200 مليار متر مكعب من الغاز سنويًا؛ ومع ذلك، انخفض هذا الرقم في العام الماضي إلى 100 مليار متر مكعب.
ومن خلال استغلال الطرق عبر آسيا الوسطى، تهدف روسيا إلى زيادة الصادرات إلى 165 مليار متر مكعب. وعند إنشاء علاقات إضافية مع الأسواق الآسيوية، ربما عبر إيران، يمكن لروسيا استعادة مستويات صادراتها إلى 200 مليار متر مكعب السابقة.
ومن ثم، فمن المقرر أن يجري توسيع صادرات روسيا من الغاز على مراحل متعددة خلال العقد المقبل.
وقد شهدت المرحلة الأولى بيع روسيا الغاز إلى أوزبكستان، وتتضمن المرحلة الثانية إرسال 32 مليار متر مكعب من الغاز إلى الصين عبر قازاخستان، وهي عملية جارية حاليًا.
إستراتيجية تصدير الطاقة في روسيا
يُعد الغاز المسال عاملًا حاسمًا لإستراتيجية تصدير الطاقة في روسيا، ومن المنتظر أن تعزز موسكو إنتاجها من الغاز المسال بصورة كبيرة، بالاستفادة من قدرات شركة غازبروم وأحدث التطورات التكنولوجية.
وتسلط التقارير الأخيرة لدى منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن) الضوء على هذه التطورات بالتفصيل، ففي الوقت الحالي، تُوجّه نصف صادرات روسيا من الغاز المسال إلى الاتحاد الأوروبي.
ومن خلال خططها لزيادة إنتاج الغاز المسال، تضع روسيا نفسها في وضع يمكنها من تلبية متطلبات الطاقة العالمية بشكل أكثر فاعلية والحفاظ على دورها المهم في سوق الطاقة الدولية.
وعلى الرغم من جهود التنويع، ما تزال بعض الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي تواجه تحديات في القضاء بصورة كاملة على اعتمادها على الوقود الأحفوري الروسي.
ومن المتوقع أن يستمر هذا الاعتماد المستمر إلى ما بعد عام 2027، ما يسلط الضوء على تعقيدات تنويع الطاقة في أوروبا.
ومن ناحية أخرى، تظل الصين سوقًا محورية لصادرات الطاقة الروسية، إذ تتمتع البلاد بإمكانات كبيرة لزيادة حصتها من الوقود الأحفوري الروسي من خلال قنوات مختلفة، بما في ذلك طرق آسيا الوسطى وتوسيع المشروعات مثل خطوط الأنابيب الـ3 تحت مظلة باور أوف سيبيريا.
وتؤكد هذه المبادرات الشراكة الإستراتيجية في مجال الطاقة بين روسيا والصين، بالإضافة إلى ذلك، تمثّل الهند سوقًا أخرى ذات إمكانات كبيرة، ولكن ما تزال هناك تحديات عديدة في الوقت الحالي.
وتشكل جمهوريات آسيا الوسطى وإيران عقبات كبيرة أمام طموحات شركة غازبروم في الهند.
وفي الوقت نفسه، تعمل روسيا وإيران على دراسة جدوى لبناء مركز للغاز في الخليج، قبالة سواحل إيران وعلى مقربة من حقل غاز جنوب بارس.
وتتضمن الخطة المؤقتة قيد المناقشة مبادلة الغاز الروسي، الذي يجري ضخه عبر الأنابيب إلى شمال إيران، بالغاز من حقل بارس الجنوبي.
وستجري بعد ذلك تغذية هذا الغاز عبر خط أنابيب مباشر تحت سطح البحر إلى مومباي أو معالجته في مصنع جديد للغاز المسال، ربما يجري بناؤه في عُمان لتجنب العقوبات المفروضة على كل من البناء والمشترين.
خاتمة
لقد بدأ الآن التحول في قطاع الغاز، على الرغم من أنه سيكون أبطأ وأكثر تكلفة من حيث تكاليف البناء وخفض الأسعار مقارنة بالنفط.
ويمارس الكرملين لعبة طويلة الأمد، إذ يتقبل أن الأمر سوف يستغرق عقدًا آخر من الزمن لتحقيق التوازن بين وجهات تصدير الغاز الرئيسة، كما هو الحال حاليًا مع النفط، بين الصين والهند.
وبحرص البَلدين على الشراء وعلى استعداد للتهرب من العقوبات الغربية لأن النفط والغاز الروسيين يدعمان أمن إمدادات الطاقة لديهما -خصوصًا بالنسبة للصين، نظرًا إلى خطر العقوبات أو الحصار التجاري في حال نشوب صراع مع الولايات المتحدة بشأن تايوان- ويعززان قدرتهما التنافسية الاقتصادية العالمية.
وتُحول إمدادات النفط والغاز التي كان متوجهة في السابق إلى أوروبا، واستبدلت الآن ببدائل أكثر تكلفة، إلى الصين والهند بسعر أرخص.
ونظرًا لأن الغاز سيؤدي دورًا مهمًا في الطاقة العالمية لمدة أطول بكثير من النفط أو الفحم، فإن إستراتيجية الغاز التي تنتهجها موسكو قد تغيّر قواعد اللعبة.
ويؤكد التحول في وجهات التصدير محور روسيا الإستراتيجي تجاه آسيا، ما يضمن شراكات الطاقة طويلة الأجل ويؤمن مكانتها في سوق الطاقة العالمية.
فيلينا تشاكاروفا، متخصصة في الشؤون السياسية بالدول المنتجة للطاقة.
*هذا المقال يمثّل رأي الكاتبة، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.
اقرأ أيضًا..
- من أين يستورد المغرب الغاز الطبيعي بعد 31 شهرًا من وقف إمدادات الجزائر؟
- خريطة مشروعات الهيدروجين العربية في 11 دولة.. مصر تبتعد بالصدارة (تقرير)
- قطاع تكرير النفط في إيران.. كيف تحدث الانتعاشة المرتقبة؟ (مقال)