أنسيات الطاقةالتقاريرتقارير النفطسلايدر الرئيسيةنفط

أنس الحجي: نفط إيران جعلها هدفًا للبريطانيين والسوفيت.. وهذه أسباب فشل "مصدق"

أحمد بدر

تركت الحرب العالمية الثانية أثرًا مهمًا وكبيرًا في إيران، لا سيما فيما يتعلق بصناعة النفط والتحالفات الدولية، إذ إنها -بقيادة رضا بهلوي- كانت على علاقة قوية بألمانيا، على الرغم من سيطرة بريطانيا على الشركة النفطية العملاقة لديها.

ويوضح مستشار تحرير منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن) خبير اقتصادات الطاقة الدكتور أنس الحجي، أن من ضمن الاتفاقات بين بهلوي وألمانيا، التي استهدفت تنمية بلاده وجعلها عصرية، تمديد خطوط سكك حديدية داخل بلاده، تربط المدن المختلفة، وهو ما كان من شأنه إحداث ثورة اقتصادية.

لكن، بحسب تصريحات الحجي، في حلقة من برنامجه "أنسيّات الطاقة"، قدّمها على منصة "إكس" بعنوان "آثار مقتل الرئيس الإيراني في أسواق النفط والعلاقات مع أوبك وأوبك+"، مع بداية الحرب اكتشف الاتحاد السوفيتي الذي كان يدعم بريطانيا في تلك المدة، أن السكك الحديدية الرئيسة التي تبنيها ألمانيا تربط الخليج وتخترق طهران حتى الحدود السوفيتية.

ومن ثم، كان هناك خوف شديد من أن يكون هناك إنزال ألماني في الخليج، إذ يمكن للقوات الألمانية من خلال هذا الطريق أن تنتقل إلى الاتحاد السوفيتي من أجل احتلاله، لذلك حدث ضغط على رضا بهلوي لوقف تعامله مع الألمان ووقف بناء هذه السكك، وهو الأمر الذي رفضه تمامًا.

احتلال بريطانيا لإيران

يوضح مستشار تحرير منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن) الدكتور أنس الحجي، أن رفض رضا بهلوي ضغوط بريطانيا والاتحاد السوفيتي أدى إلى اتخاذ قرار باحتلال إيران، فأقدمت بريطانيا على هذه الخطوة، ما عدا الولايات الإستراتيجية الـ5 الواقعة في شمال شرق البلاد، التي احتلها الاتحاد السوفيتي.

لذلك، كانت طهران تحت الاحتلال البريطاني السوفيتي لمدة من الزمن، وقد خرج الاتحاد السوفيتي أولًا من هناك، لكن بريطانيا لم تخرج إلا في وقت لاحق، إذ ألقت القبض على الشاه رضا بهلوي الذي رفض التعاون معها، وكان يفضّل التعاون مع الألمان لتنمية بلاده.

وأضاف: "اعتقله البريطانيون وعذبوه واتهموه بالجنون وأمور أخرى، ثم جاؤوا بابنه محمد رضا بهلوي ونصبوه حاكمًا للبلاد، وهو في سن الـ22 عامًا، ولكن بشروط مجحفة، لذلك فإن أي كلام يمدح الشاه يكون محل استفهام، فهو رأى بنفسه كيف عامل البريطانيون أباه وأذلوه وسجنوه، ومع ذلك قرر التعاون معهم وقبول الحكم تحت سيطرتهم".

النفط في إيران

وقال الدكتور أنس الحجي، إن الحاكم الجديد وُضعت له شروط مجحفة جدًا، ولكنه قبل بها جميعًا، إذ إن العقد مع الشركة الأنغلو إيرانية كان مثيرًا لغضب الجميع بسبب شروطه، بجانب سيطرة البريطانيين الكاملة على الشاه نفسه، لافتًا إلى أن هذه الشركة هي الآن شركة النفط البريطانية "بي بي".

وتابع: "في انتخابات عام 1950، كانت طهران تنتفض، إذ نجح محمد مصدق في الانتخابات، وعندما نجح قرر تأميم النفط، ومع نجاحه وقرار التأميم هرب الشاه إلى العراق ومنه إلى إيطاليا، في حين كان مصدق يطرد البريطانيين، الذين ظلوا محتفظين بعدد من الجزر ومصفاة عبادان".

صورة لمصفاة النفط في عبادان قبل استهدافها إبان حرب العراق
صورة لمصفاة النفط في عبادان قبل استهدافها إبان حرب العراق - الصورة من مجلة "لايف"

يُشار إلى أن مصفاة عبادان -حتى ذلك الوقت- كانت أكبر مصفاة في العالم، لذلك قرر البريطانيون ترحيل كل المهندسين من المنطقة.

وأردف الحجي: "هنا دروس مهمة جدًا بالنسبة إلى محمد مصدق، فتأميم النفط في إيران حصل في عام 1951، ثم حصل انقلاب أميركي على محمد مصدق في عام 1953، وفي هذا الانقلاب قبضوا عليه ووضعوه تحت الإقامة الجبرية، وأعادوا الشاه من إيطاليا، ولكن تحت شروط مجحفة أكثر من الماضي".

لذلك، وفق الدكتور أنس الحجي، هناك شروط مجحفة منذ عام 1933، وشروط إضافية خلال الحرب العالمية الثانية في أثناء احتلال البلاد، ثم شروط أكثر إجحافًا مع إعادة الشاه، الذي واجه معارضة شديدة في الشارع، فكان الحل الوحيد أن يسيطر على البلاد بالعنف.

ولفت الحجي إلى أن المخابرات الإيرانية، التي كان اسمها "السافاك"، اشتهرت بالعنف الشديد بعد رجوع الشاه إلى السلطة، واستمر ذلك حتى السبعينيات، موضحًا أن مصدق أسّس بعد تأميمه للنفط، شركة النفط الإيرانية، التي ما زالت موجودة حتى الآن.

لماذا فشل محمد مصدق؟

أرجع خبير اقتصادات الطاقة الدكتور أنس الحجي، فشل محمد مصدق إلى عدد من الأسباب، إلا أن السببين الرئيسين -اللذين يعدان دروسًا في التاريخ تعلمت منها الحكومات الإيرانية المتعاقبة- لهما آثار حول ما يحصل اليوم في البلاد، ولهم آثار بدول الخليج -أيضًا-.

الخطأ الأول، بحسب الحجي، أنه أقدم على تأميم النفط دون أن يكون لديه مهندسون أو خبرات محلية، فهو ظن أن هناك تنافسًا أوروبيًا على ثروات بلاده، وأن طرد بريطانيا سيؤدي إلى دخول دول أوروبية أخرى بمهندسيها، وهذه كانت فكرة خاطئة تمامًا، لأن الحكومات والمهندسين الأوروبيين رفضوا التعاون معه.

أما الخطأ الثاني فكان يتمثّل في أن خطوة تأميم النفط جاءت دون أن تمتلك إيران أي سفن أو حاملات نفط، إذ كانت الحكومة البريطانية تملك أكبر أسطول بحري تاريخيًا، وهو الأسطول البحري نفسه الذي تحول إلى الاعتماد على النفط الإيراني بعد التأميم.

بعض قطع أسطول البحرية الملكية البريطاني
بعض قطع أسطول البحرية الملكية البريطاني - الصورة من منصة (Defence Here)

ولفت الدكتور أنس الحجي إلى أن الحكومة البريطانية كانت تملك 51% من النفط الإيراني، بموجب العقد الذي سبق توقيعه، لذلك عندما أمم محمد مصدق النفط، اعتبر البريطانيون هذه الخطوة سرقة لنفطهم، وعدّوه كذلك تحديًا للحكومة والتاج في بريطانيا.

لذلك، فقد قابل البريطانيون هذا التحدي بتحدٍ آخر، أو بعبارة أخرى: "دخول الحكومة البريطانية بصفتها مالكة للشركة كان السبب الأساس في وقوف بريطانيا في وجه مصدق، وإرسال البحرية البريطانية لمنع أي سفن من تحميل النفط الإيراني ومنع أي مبيعات للنفط".

ودون أي مبيعات، وفق الحجي، لن تكون هناك إيرادات لدى الحكومة، ما يؤدي بدوره إلى انهيار الاقتصاد، وهو الأمر الذي أسهم في إثارة الشعب ضد مصدق، ولكن الأميركيين لعبوا "لعبة قذرة" في هذا الوضع أيضًا، والغريب في الأمر أن الملالي الذين دعموا مصدق في البداية هم من انقلبوا عليه.

وأرجع أسباب انقلاب الملالي على مصدق إلى أنهم مشايخ الخميني وأساتذته، وهناك تاريخ سياسي لهؤلاء الملالي في السياسة حول ما يخص موضوع الدعم ونقد هذا الدعم وتغييره حسب المصالح.

صورة من محاكمة محمد مصدق أمام إحدى المحاكم الإيرانية بعد الانقلاب عليه
صورة من محاكمة محمد مصدق أمام إحدى المحاكم الإيرانية بعد الانقلاب عليه - المصدر: أسوشيتد برس

وأضاف الدكتور أنس الحجي: "الآن الوضع متأزم جدًا في إيران، لقد عاد الشاه، ومصدق تحت الإقامة الجبرية، وكل هذه التطورات صاحبها انخفاض كبير في الإنتاج والصادرات، كذلك ارتفعت أسعار النفط عالميًا بسبب هذه الأمور، فالتقلبات موجودة طوال هذا التاريخ".

وأضاف: "ما حدث أن أميركا عندما دبرت الانقلاب، ودخلت المخابرات المركزية الأميركية على الخط، أعطت مبررًا مهمًا لهذا الانقلاب، وهو أن حكومة مصدق بها يساريون وشيوعيون، وأنها تتحول إلى اليسار، ومبررها كان احتلال الاتحاد السوفيتي للولايات الـ5 المجاورة له".

ومن ثم، فإن هذه الولايات الإستراتيجية المجاورة للاتحاد السوفيتي كانت تثير المخاوف من أن تكون هناك حكومة يسارية، يجري فيها التكامل مع السوفيت، أو أن يحتل الاتحاد السوفيتي مرة أخرى هذه المناطق، لذلك أصبحت إيران إستراتيجية للولايات المتحدة.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق