توليد الكهرباء من الهيدروجين في ألمانيا "مقامرة خطرة".. ما القصة؟
أسماء السعداوي
قلّل تقرير حديث من جدوى خطط إنتاج الكهرباء من الهيدروجين في ألمانيا، ضمن مساعٍ أكبر لتحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2045.
ووفق ما طالعته منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، تستهدف ألمانيا بناء أكثر من 20 محطة كهرباء تعمل بالغاز الطبيعي، إذ ستكون مُجهزة لحرق الهيدروجين فيما بعد، في خطوة يُقال إنها "ستغيّر قواعد اللعبة" في البلد الأوروبي المعتمد على الغاز في مزيجه الطاقي.
ولا تخلو خطة صاحبة أكبر اقتصاد أوروبي من عقبات، ومنها ارتفاع تكاليف وارداتها من الغاز المسال وخطوط أنابيب النقل.
ونالت الخطوة اتهامات بتأخير أهداف الكهربة المباشرة والغسل الأخضر، فضلًا عن استعمال الغاز الأحفوري الملوث، الذي يُسهم في ارتفاع درجة حرارة الأرض، وكذلك ارتفاع تكلفة الهيدروجين بصورة أكبر عدة مرات من الغاز، كما لم يتوصل أحد بعد إلى طرق نقله بطريقة آمنة ورخيصة.
وعلى الرغم من أن الخبراء يقولون إن الهيدروجين يجب أن يؤدي دورًا في خفض انبعاثات النقل والطيران والشحن، فإن التجارب الأولية أثبتت أن الخطة لن تكون سهلة التنفيذ، وهو ما تجلى في تأجيل أو إلغاء مشروعات مقترحة.
تحديات محطة لايبزيغ
بالنسبة إلى سكان مدينة لايبزيغ الألمانية المعتمدة على الفحم لتوليد الكهرباء، فإن المحطة الجديدة العاملة بالغاز المسال "حل مغرٍ وستغير قواعد اللعبة" بالنظر إلى أنها ستكون قادرة على حرق الهيدروجين (بصورة تجريبية) بدءًا من عام 2026.
وستحصل المحطة على الغاز المسال من خلال شبكة أنابيب خاصة تمتد بطول 9 آلاف و600 كيلومتر، ولأجلها ستُنشأ محطة لاستيراد الغاز المسال في مدينة برونسبوتل المطلة على بحر الشمال، وستكون مجهزة لاستقبال الهيدروجين والأمونيا.
ولتصدير الهيدروجين، يجب إسالته أولًا عند درجات حرارة تقل عن 253 مئوية، وهو ما يفوق قدرات ناقلات الغاز المسال الحالية.
ولذلك، تخطط ألمانيا لاستيراد الهيدروجين في صورة أمونيا سائلة، وهي عبارة عن مزيج من الهيدروجين والنيتروجين اللذين يمكن تحويلهما بسهولة إلى سائل، لكن الأمونيا سامة وتتطلب أنظمة تهوية أفضل.
وفيما بعد، ستظهر الحاجة إلى تغيير الكثير من مكونات محطة الاستيراد في برونسبوتل، لتكون جاهزة لنقل الأمونيا، ومنها صمامات التحكم ومستشعرات الحرائق والغاز.
ولا توجد في ألمانيا شبكة أنابيب لنقل الأمونيا، وهناك قيود لنقلها بوساطة الشاحنات لأغراض الصناعة بسبب خطورتها، ما يتطلب لنقلها إعادتها مجددًا إلى صورة هيدروجين، لكن لا توجد تقنية مجدية اقتصاديًا حاليًا لفعل ذلك.
وبدورها، قالت الشركة المشغلة للمحطة إنها ستبحث عن بدائل أخرى إذا لم تتوصل إلى حل بحلول العام المقبل (2025)، بحسب تقرير لوكالة بلومبرغ.
الطاقة المتجددة مقابل الهيدروجين
وبالنسبة إلى ألمانيا، فتحويل محطات الكهرباء العاملة بالغاز المسال إلى الهيدروجين هو حل مثالي للتوفيق بين الأهداف المناخية وتحقيق أمن الطاقة.
وبالمثل، طرحت 9 دول على قائمة أكبر مطلقي الانبعاثات في العالم إستراتيجيات لإفساح دور أكبر لوقود الهيدروجين على مسرح الطاقة، رغم أن تكلفة البنية الأساسية تتجاوز 360 مليار دولار.
بدوره، انتقد المتحدث باسم مجلس استقلال الطاقة جوناثان بارث خطة إنتاج الكهرباء من الهيدروجين في ألمانيا، قائلًا إن الحكومة تقوم برهان محفوف بالمخاطر، مشيرًا إلى وجوب قِصر استعمال الهيدروجين في قطاعات لا خوف منها.
وقارن بين توليد الكهرباء من الهيدروجين الأخضر والطاقة المتجددة، موضحًا أن الطاقة الشمسية وطاقة الرياح تنتجان الكهرباء النظيفة، وهي سلعة يستعملها العالم.
وعلى الجانب الآخر، يتطلب إنتاج الهيدروجين الأخضر بناء المزيد من مزارع الرياح والطاقة الشمسية، في حين أنه في معظم الحالات سيكون من الأبسط إنتاج الكهرباء النظيفة مباشرة وليس عن طريق الهيدروجين.
وبحلول إنتاج الهيدروجين وتخزينه وحرقه لإنتاج الكهرباء، ستنخفض كمية الكهرباء بنسبة 70% عما كانت عليه في البداية، وستتضاعف التكلفة 3 مرات.
وبدوره، يتوقع محافظ البنك المركزي البلجيكي بيير وونش أن يكون الهيدروجين مفيدًا فقط في نهاية رحلة تحول الطاقة، عندما تُلبي الطاقة المتجددة الطلب على الكهرباء بصورة مريحة.
وأضاف: "لن نحصل على هيدروجين أخضر بكميات كبيرة وأسعار رخيصة قبل ذلك، لأننا بالتأكيد نحتاج إلى إنتاج المزيد من الكهرباء من أجل الكهربة".
على الورق فقط!
ثمة فجوة بين طموحات الهيدروجين وما يُحقق فعليًا على أرض الواقع بسبب ارتفاع التكاليف، وهو ما تجلى في خطط شركات الطاقة العالمية مثل شل وسينوبك الصينية وإكوينور النرويجية.
ووصلت 4% من المشروعات العالمية المقترحة إلى قرار الإغلاق المالي خلال عام 2023 المنصرم، وفق بيانات وكالة الطاقة الدولية.
وخلصت مراجعة لـ54 دراسة في يناير/كانون الثاني (2024) إلى أن الهيدروجين -في أفضل الأحوال- سيؤدي دورًا خاصًا في إزالة الكربون من المنازل مثل التدفئة رغم أنه أقل كفاءة وأكثر تكلفة من المضخات الحرارية.
وحذّر مؤلف المراجعة جان روزناو من استبدال الهيدروجين بالغاز في المنازل، لأنه سيكون أكثر تكلفة، وسيؤخر تقديم بدائل أرخص وأنظف للتدفئة.
ويُقر مؤيدو الهيدروجين باستحالة إنتاج الهيدروجين النظيف بتكلفة منخفضة، ليحل بدلًا من الغاز الطبيعي، ورغم ذلك ما زالوا يدعمون بناء محطات غاز قادرة على حرق الهيدروجين لإنتاج الكهرباء.
وإذا فشلت تلك المحاولات فسيظل العالم في خطر التلوث بالوقود الأحفوري لعقود، وستُنسف الأهداف الخاصة بخفض الانبعاثات، ما سيؤدي إلى تأثيرات مناخية كارثية، بحسب التقرير.
موضوعات متعلقة..
- تجميد مشروع لإنتاج الهيدروجين الأخضر في ألمانيا
- لماذا تخلت ألمانيا عن الطاقة النووية قبل الفحم؟ (تقرير)
- الطاقة الشمسية في ألمانيا تنتعش بإقرار زيادة جديدة
اقرأ أيضًا..
- شركات صناعة البطاريات في الصين تنتقل إلى المغرب.. والإعفاءات كلمة السر
- صادرات الغاز المسال العالمية في أبريل.. أميركا تفقد الصدارة وهذا ترتيب الجزائر وعمان
- وزير الصناعة المغربي: ننتج 100 ألف سيارة كهربائية في 2025.. وهذه تطورات المصانع الجديدة (حوار)