تقارير التغير المناخيالتغير المناخيالتقاريررئيسية

التحول الأخضر في أوروبا يواجه ضغوطًا اقتصادية وسياسية

أحمد أيوب

تواجه خطط التحول الأخضر في أوروبا صعوبات كبيرة في التنفيذ الفعلي على أرض الواقع، إذ تقع فريسة بين مطرقة الاجتجاجات الشعبية وسندان شركات الطاقة النظيفة التي تنتقد التشريعات الأوروبية غير المرنة، فضلًا عن الضغوط السياسية المحتملة حال وصول الأحزاب اليمينية غير الداعمة للسياسات المناخية إلى البرلمان الأوروبي.

وعلى الرغم من أن الاتحاد الأوروبي كان قد أطلق ما يُعرف بالصفقة الخضراء منذ عام 2019، إلا أن هناك مجموعة من العوامل التي حالت دون المضي قدمًا نحو تنفيذ هذه السياسات، وهو ما يهدد تنفيذ هذه الصفقة، لا سيما أن أوروبا متأخرة للغاية في هذا المجال إذا ما قورنت بالسياسات الأميركية المماثلة، وفقًا لما طالعته منصة الطاقة المتخصصة.

جرى إطلاق الصفقة الخضراء في أوروبا في عام 2019، لوضع إستراتيجية طويلة المدى نحو تحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2050، ولتحقيق هذه الغاية تعهدت الدول الأوروبية بخفض الانبعاثات بنسبة 55% على الأقل بحلول عام 2030، مقارنة بمستويات عام 1990.

واتفقت الدول الأوربية من خلال الصفقة على إنفاق 100% من الإيرادات الناتجة عن المشروعات التي تُطلق الانبعاثات على مشروعات متعلقة بالمناخ والطاقة، ويُخصص ما يزيد إجمالًا عن 86 مليار يور لدعم المواطنين الأكثر ضعفًا والشركات الصغيرة من خلال التحول الأخضر.

الصفقة الخضراء في أوروبا

مُنيت الصفقة الخضراء في أوروبا بسلسلة من العراقيل التي أجلت تنفيذ مستهدفاتها، جراء تعطل سلاسل التوريد وارتفاع مستويات التضخم التي ضربت الاقتصاد العالمي منذ جائجة "كورونا" ثم الأزمات الجيوسياسية العالمية المتلاحقة التي تشمل حربي أوكرانيا وغزة، وفقًا لتقرير نشرته وكالة بلومبرغ، في 5 أبريل/نيسان 2024.

وهذه الأزمات تسببت في ارتفاع ملحوظ في تكلفة الطاقة، وهو ما أثّر بشكل ملحوظ في تصاعد قيم فواتير الطاقة على المستهلكين، ما دفع شرائح بعينها مثل المزارعين إلى الخروج في مظاهرات واسعة النطاق بعدد كبير من الدول الأوروبية احتجاجًا على ارتفاع أسعار السولار الذي يعتمدون عليه بشكل رئيس في أعمالهم.

احتجاجات المزارعين في فرنسا
احتجاجات المزارعين في فرنسا- الصورة من "france24"

وتصاعد الغضب في فرنسا وألمانيا ورومانيا، بعد أن خرج المزارعون إلى الشوارع الرئيسة، اعتراضًا على الأضرار الاقتصادية التي لحقت بقطاعهم، بحسب ما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.

وفي الوقت نفسه، تتزايد المخاوف مع قرب انعقاد انتخابات البرلماني الأوروبي في صيف هذا العام (2024)، وما يُصاحب ذلك من توقعات بـ"تحول كبير" لصالح أحزاب اليمين؛ إذ تحظى الأحزاب اليمينية الراديكالية والشعبوية بقبول واسع بين المواطنين، ما يؤهلها للفوز بمقاعد داخل برلمانات تلك الدول، وصولًا إلى البرلمان الأوروبي.

وفي المقابل، قد تخسر أحزاب يسار الوسط وأحزاب الخضر الداعمة لسنّ سياسات أوروبا الخضراء، كلًا من أصوات المواطنين ومقاعد البرلمان، ما قد يهدد جهود التحول الأخضر في أوروبا.

وتتوقع دراسة أجراها مركز أبحاث لصالح المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية -واطلعت عليها منصة الطاقة المتخصصة- أن تجعل انتخابات البرلمان من الموافقة على خطط التحول الأخضر في أوروبا أمرًا أكثر صعوبة من ذي قبل، ليظهر على السطح تحالف مناهض لسياسات مكافحة تغير المناخ.

سياسات غير مرنة

أحد أهم التحديات التي قد تحرم القارة العجوز من الإسراع في برنامج التحول الأخضر في أوروبا هو عدم قدرتها على مجاراة الحوافز الأميركية الكبيرة التي تُقدمها إدارة الرئيس جو بايدن للشركات العاملة في مجال التقنيات النظيفة.

وفي هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى أن قانون خفض التضخم الأميركي الذي تتبناه الإدارة الأميركية يتضمن تقديم نحو 500 مليار دولار في صورة إنفاق أخضر وإعفاءات الضريبية على مدى عقد من الزمن.

الرئيس الأميركي جو بايدن
الرئيس الأميركي جو بايدن -الصورة من سي إن إن

وتعتقد الشركات أن الإطار التنظيمي الذي يتبعه الاتحاد الأوروبي في مجال نشر التقنيات النظيفة أكثر تعقيدًا ويعتمد سياسة ترهيبية، من شأنها أن تهدد برامج التحول الأخضر في أوروبا.

وقال الرئيس التنفيذي لشركة باسف إس إي الألمانية (BASF SE)، مارتن برودرمويلر، إن المستثمرين بحاجة إلى "دراسة جدوى وليس لوائح توجيهية"، واصفًا التشريعات الأوروبية في هذا المجال بأنها مُعقدة وطويلة، ولا تمنح الحوافز اللازمة للتشجيع على الاستثمار.

أوروبا في مأزق

وسط كل هذه التحديات والعراقيل التي تواجه القارة العجوز على طريق تنفيذ صفقتها الخضراء يتضح أن أوروبا تعيش مأزقًا حقيقيًا، لاسيما إذا ما عرفنا أنها تتخلف بالفعل -بحسب تقديراتها الخاصة- عن مسار تحقيق هدفها الملزم لعام 2030 بخفض الانبعاثات بنسبة 55% مقارنة بمستويات عام 1990.

وتشير بيانات -طالعتها منصة الطاقة المتخصصة- أن معظم التدابير لتحقيق أهداف أوروبا المناخية لعام 2030 لم تبدأ بعد.

وفي بحث صدر في مارس/آذار، قال الاتحاد الأوروبي إن أوروبا ستكون أكثر حرارة بمقدار 3 درجات مئوية حتى لو نجح العالم في الحد من ظاهرة الاحتباس الحراري إلى 1.5 درجة فوق مستويات ما قبل عصر الصناعة، وهو ما يتسبب في أضرار تُقدر بـ بتريليونات اليورو للاقتصاد.

وتُظهر تقديرات مُتحفظة أن التغيرات المناخية قد تؤدي إلى خفض الناتج المحلي الأروبي بنحو 7% بحلول نهاية هذا القرن، وهو دافع قوي للقارة العجوز لتجاوز جميع تحدياتها من أجل المضي قدمًا نحو تطبيق صفقة التحول الأخضر.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق