بالأرقام.. حقيقة تصدير النفط السعودي لإسرائيل.. و5 دول تؤمن احتياجات تل أبيب
أنس بن فيصل الحجي
انتشرت شائعات تصدير النفط السعودي لإسرائيل خلال الأسبوعين الماضيين بأطر مختلفة تزعم بأن المملكة تزوّد "باستمرار" تل أبيب بالوقود خلال حربها في غزة المندلعة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
من جانبها، تنشر منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن) في هذا التقرير بيانات الشحن -التي حصلت عليها- خلال المدة بين أكتوبر/تشرين الأول 2023 وحتى مارس/آذار 2024، مع شرح وافٍ لها، لإبراز الحقيقة وإزاحة الستار عن تزييف الحقائق الذي قامت به بعض المنصات الإعلامية وبعض الأفراد في وسائل الاتصال الاجتماعي.
ومن أجل معرفة حقيقة تصدير النفط السعودي لإسرائيل سيُركَّز على 3 أدلة رئيسة، وهي واردات مصر النفطية وصادراتها، وصادرات السعودية من محطة سيدي كرير المصرية، وواردات إسرائيل من النفط منذ اندلاع حرب غزة.
بداية.. ما القصة؟
بدأت شائعات تصدير النفط السعودي لإسرائيل بعد نشر أحد المواقع -الذي حذفنا اسمه والخبر فيما بعد لعدم الترويج له، بعد انتشار الخبر- بيانات تشير إلى ناقلات نفط خام سعودية تفرّغ جزءًا من حمولتها بميناء العين السخنة في مصر.
وتوضح الصورة التالية من الموقع الناشر للخبر قائمة بأسماء ناقلات النفط السعودية التي فرّغت جزءًا من حمولتها في العين السخنة:
انخدع بعضهم، وزعم آخرون أن النفط الذي يُفرَّغ في العين السخنة يذهب إلى محطة سيدي كرير، ومن ثم إلى إسرائيل، مع عدم وجود أيّ دليل واضح في هذه البيانات على أن هذا النفط ذهب إلى تل أبيب.
والأكثر من ذلك أن بيانات هذه السفن من العام الماضي قبل هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 بعدّة أشهر، ما يعني أنه ليس لها علاقة بحرب غزة إطلاقًا.
كيف يُصدَّر النفط السعودي عبر مصر؟
بصفة عامة، لا تُصدِّر السعودية نفطها في الأسواق الفورية، ولا في الأسواق المستقبلية، وإنما عبر عقود طويلة الأجل.
وجزء كبير من شحنات النفط الخام والمنتجات النفطية السعودية يُحمَّل على ناقلات عملاقة تملكها الشركة الوطنية السعودية للنقل البحري "بحري"، وتتجاوز حمولة هذه الناقلات مليوني برميل.
وهناك صعوبة في مرور هذه الناقلات العملاقة عبر قناة السويس، لأنه إذ زادت الحمولة نزلت السفينة أكثر في المياه، وهذا يعني أن عرض السفينة عند سطح الماء أعرض من القناة، الأمر نفسه ينطبق على الناقلات القادمة من دول الخليج الأخرى
ولهذا السبب، أنشِئ خطّا أنابيب السويس-البحر المتوسط، المعروفان اختصارًا باسم "سوميد"، وهما خطّان متوازيان، وطول كل منهما 320 كيلومترًا، وعرض كل منهما 42 بوصة.
ويبدأ الخطّان من العين السخنة في مصر عند بداية قناة السويس تقريبًا، ويذهبان غربًا ثم شمالًا إلى ميناء سيدي كرير على البحر المتوسط القريب من الإسكندرية، كما هو موضح في الخريطة التالية، من إعداد منصة الطاقة المتخصصة:
وتبلغ السعة الإجمالية لخطَّي سوميد 2.8 مليون برميل يوميًا، وهي قدرة استيعابية كبيرة تمكن أيضا من قيام ناقلات النفط بتفريغ كل حمولتها في عين السخنة.
وتملك "سوميد" الشركة العربية لأنابيب البترول، التي تأسست في مصر عام 1974، وتتوزع ملكية هذه الشركة على الهيئة المصرية العامة للبترول بنسبة 50% ثم السعودية 15% والإمارات 15% والكويت 15% وقطر 5%.
وتملك الشركة ميناء سيدي كرير ومستودعات تخزين النفط، التي تبلغ قدرتها الاستيعابية نحو 22 مليون برميل، فضلًا عن مصفاة صغيرة.
واردات مصر من النفط
أيّ نفط يدخل مصر يُحتسب واردات مصرية، حتى الذي يمر بخط أنابيب سوميد، والذي يُصدَّر من ميناء سيدي كرير، والأمر نفسه في الصادرات -أيضًا-، إذ يُحتسب النفط الخارج من مصر أنه صادرات مصرية، وأغلبها من النفط الخليجي المار في خط "سوميد".
وأمام ذلك، تنشر الحكومة المصرية، وتحديدًا الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، بيانات خاصة بمصر فقط عن الصادرات والواردات، ويمكن الاطّلاع على المزيد حول ذلك في الرابط التالي:
وبالعودة إلى الكميات المستوردة التي تُحسب أنها واردات مصرية، فإن معظم هذه الواردات يأتي من دول الخليج، وأغلبها من السعودية.
وعلى سبيل المثال، بلغت واردات مصر من النفط الخام والمنتجات النفطية في الأسبوع المنتهي يوم 19 فبراير/شباط 2024 -أعلى مستوى مُسجل منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023 حتى مارس/آذار الجاري- نحو 1.5 مليون برميل يوميًا، شكّل النفط السعودي منها 1.378 مليونًا.
الرسم التالي، من إعداد منصة الطاقة المتخصصة، يوضح واردات مصر من الخام ومشتقاته حسب المصدر بين أكتوبر/تشرين الأول 2023 ومارس/آذار 2024:
أمّا فيما يتعلق بالواردات حسب النوع، فإن أغلبها من النفط الخام الذي يأتي من العين السخنة إلى سيدي كرير عبر خط "سوميد"، وعلى سبيل المثال، وفي الأسبوع نفسه المشار إليه سابقًا (19 فبراير/شباط 2024)، بلغت حصة الخام 1.147 مليون برميل يوميًا من إجمالي الواردات (1.51 مليون برميل يوميًا).
ويوضح الرسم البياني التالي -الذي أعدّته منصة الطاقة المتخصصة- واردات مصر النفطية أسبوعيًا حسب النوع منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023 حتى مارس/آذار 2024:
صادرات مصر من النفط الخام والمنتجات النفطية
كما ذكرنا سابقًا، هناك ادّعاءات بتصدير النفط السعودي لإسرائيل، عبر خط "سوميد"، ثم إلى سيدي كرير، ومن ثم يذهب "باستمرار" إلى إسرائيل، وهنا لا بدّ من معرفة بيانات صادرات مصر النفطية إلى تل أبيب.
في الواقع، بيانات الشحن متوفرة ومن هيئات عدّة، وبالاطّلاع على أرقام إحدى أشهر الشركات، وهي شركة "كبلر"، نجد وصول شحنة نفط خام واحدة فقط إلى إسرائيل منذ بداية أكتوبر/تشرين الأول 2023 (بدأت الحرب البرية على غزة يوم 27 أكتوبر) وحتى منتصف مارس/آذار 2024.
وتاريخ الشحنة كان في الأسبوع المنتهي 11 ديسمبر/كانون الأول 2023، وقدرها 301.7 ألف برميل (43.1 ألف برميل يوميًا)، إذًا، القول بتصدير النفط السعودي لإسرائيل عبر مصر "باستمرار" ليس صحيحًا على الإطلاق، لأن البيانات تُظهر شحنة وحيدة.
وفضلًا عن ذلك، فإن شحنة النفط الوحيدة هذه التي وصلت إسرائيل من سيدي كرير، ليست من السعودية، ولكن من دولة أخرى، كما أنه ليس هناك أيّ شحنات نفط خام على الإطلاق في عام 2024، كما يوضح الرسم البياني التالي:
وإذا كان هذا يتعلق بالنفط الخام فقط، وأن إسرائيل قد تكون استوردت مشتقات نفطية أخرى مثل البنزين والديزل وغيرهما، فإن بيانات شركة كبلر الخاصة بصادرات مصر من البنزين والديزل ووقود الطائرات توضح أن مصر لم تصدِّر أيّ منتج نفطي إلى إسرائيل على الإطلاق.
أين ذهبت صادرات النفط السعودي من سيدي كرير؟
بعد معرفة أن غالبية الواردات المصرية تأتي من السعودية، وأن تصدير النفط السعودي لإسرائيل عبر مصر في الأشهر الماضية غير صحيح، يبقى سؤال: إلى أن يذهب النفط السعودي بعد وصوله إلى مصر؟ الإجابة ستكون من بيانات من صادرات محطة سيدي كرير في مصر.
وتوضح بيانات الشحن، التي حصلت عليها منصة الطاقة المتخصصة، أن النفط السعودي الذي تمّ تفريغه في العين السخنة بمصر ذهب إلى سيدي كرير، ثم إلى العديد من الدول الأوروبية، أبرزها بولندا وهولندا وإيطاليا وإسبانيا، كما يرصد الرسم البياني التالي:
وهذا يؤكد أن هناك تضليلًا بشأن تصدير النفط السعودي لإسرائيل عند الاعتماد على ما صدّرته السعودية إلى العين السخنة، خاصة أن هذه الإشاعات لم توضح إلى أين ذهب النفط السعودي، مثلما توفر البيانات في الرسم البياني السابق.
واردات إسرائيل من النفط
على الجانب الآخر، فإن بيانات واردات إسرائيل من النفط توضح أن أغلب الكميات المستوردة يأتي من 3 دول: قازاخستان عن طريق روسيا، وأذربيجان عن طريق تركيا، والغابون، كما تستورد تل أبيب النفط من نيجيريا والبرازيل.
جدير بالذكر أن إسرائيل كانت تستورد نفطًا من كردستان العراق عن طريق ميناء جيهان التركي حتى مارس/آذار 2023، عندما توقَّف الضخ في الأنبوب، وأوقِفت الصادرات حتى الآن، فتحولت إسرائيل إلى استيراد النفط من الغابون.
ويستعرض الرسم البياني التالي، الذي أعدّته منصة الطاقة المتخصصة- واردات إسرائيل من النفط حسب المصدر:
خلاصة القول، وبناءً على ما أوضحته الرسومات السابقة والبيانات التي حصلت عليها منصة الطاقة، فإنه ليس هناك أيّ صادرات نفطية سعودية إلى إسرائيل منذ بداية حرب غزة (ولاقبلها، ولكن هذا موضوع آخر)، سوءًا على شكل نفط خام أو منتجات نفطية.
كما أن ما اعتمدت عليه إشاعات تصدير النفط السعودي لإسرائيل مجرد بيانات لصادرات السعودية إلى العين السخنة في مصر، وهي من العام الماضي (2023) قبل الحرب في غزة بعدّة أشهر، فضلًا عن أنه ليس هناك أيّ دليل على تصدير النفط السعودي من سيدي كرير إلى تل أبيب.
اقرأ أيضًا..
- توقعات أسعار النفط لمدة 3 أشهر.. وأنسب سعر للسعودية وأوبك+
- نواب أميركيون يفضحون تحيزات وكالة الطاقة الدولية ضد النفط والغاز.. خطاب رسمي
- النفط الصخري في الجزائر.. ثروة غير مستغلة تحتاج إلى فتح الأبواب (تقرير)
- 10 خبراء لـ"الطاقة": تخفيضات أوبك+ الطوعية قد تتقلص في النصف الثاني من 2024