عائدات النفط والغاز في روسيا تعزز صمود موسكو أمام الحصار (تقرير)
نوار صبح
- • قطاع النفط والغاز الروسي يسهم بنحو 20% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد في المتوسط
- • من المتوقع أن يتباطأ النمو الاقتصادي في روسيا خلال عام 2024
- • الحكومة استعملت السياسات المالية لحماية الضرائب الحالية والمستقبلية من قطاعي النفط والغاز
- • في عام 2023 أنتجت روسيا 530.6 مليون طن من النفط والمكثفات
تُعدّ عائدات النفط والغاز في روسيا أهم مصادر النقد بالنسبة للكرملين، ومثّلت ما بين 30% إلى 50% من إجمالي إيرادات الموازنة الفيدرالية على مدى العقد الماضي.
ويسهم قطاع النفط والغاز الروسي بنحو 20% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد في المتوسط، رغم الاضطرابات واسعة النطاق الناجمة عن التقلبات الدورية للأسعار العالمية، وفق أرقام رصدتها منصة الطاقة المتخصصة.
وتفاقمت تلك التقلبات، مؤخرًا، بسبب القيود التجارية التي فرضها الغرب جرّاء الحرب في أوكرانيا والجهود التي تبذلها موسكو لإعادة توجيه مسار صادرات النفط والغاز في روسيا إلى أسواق جديدة.
ونتيجة للانخفاض الكبير في المعلومات العامة عن قطاع الطاقة الروسي، أصبحت الإحصاءات المتعلقة بإيرادات الموازنة الروسية من النفط والغاز، التي تقدّمها وزارة المالية الروسية، أكثر أهمية.
العقوبات وإيرادات النفط والغاز في روسيا
ينطوي تتبّع التغيرات في قيمة وتركيبة حيازة الدولة للنفط والغاز على أهمية بالغة لفهم وتقييم سياسات الدولة تجاه القطاع والحالة العامة للاقتصاد الروسي، بحسب تقرير بعنوان "تتبع المال لفهم عائدات النفط والغاز في روسيا" أصدره معهد أكسفورد لدراسات الطاقة (oxfordenergy) مطلع مارس/آذار الجاري.
وأشار مؤلف التقرير، زميل الأبحاث الأول لدى معهد أكسفورد لدراسات الطاقة، فيتالي يرماكوف، إلى أن هذا التقرير يحاول ترجمة الأرقام المتعلقة بعائدات النفط والغاز في روسيا إلى رؤى مفيدة.
وقد لا تكون روسيا قوية كما تبدو أبدًا، ولكنها ليست ضعيفة كما تبدو، وقد أثبتت البلاد هذا طوال تاريخها الصعب، إذ أظهر الاقتصاد الروسي، خلال العقد الماضي، مرونة ملحوظة في مواجهة الصدمات الخارجية.
وشملت الأزمات الجولة الأولى من العقوبات والقيود التجارية في 2014-2015 بعد الاستيلاء على شبه جزيرة القرم، وانخفاض أسعار النفط في 2015-2016، ما أضرّ بروسيا بشدة، وانكماش الطلب وسط جائحة كوفيد-19 في عام 2020، و"العقوبات" في المدة 2022-2023، في أعقاب الحرب الحالية في أوكرانيا.
واتّبعت استجابات السياسة الروسية للضغوط الخارجية الحالية الوصفة التي أثبتت نجاحها بالنسبة للاقتصاد خلال الأزمات السابقة.
أهداف الإستراتيجية الاقتصادية الروسية
تتلخص الأهداف الرئيسة للإستراتيجية الاقتصادية الحالية لروسيا فيما يلي: أولًا، تحقيق استقرار الاقتصاد الكلي عن طريق خفض قيمة العملة للحفاظ على توازن موازنة الدولة ومساعدة المصدرين على الحفاظ على قدرتهم التنافسية.
ثانيًا: الحفاظ على احتياطيات روسيا من النقد الأجنبي، وتغيير تركيبتها هذه الاحتياطيات للحدّ من تأثير الدولار الأميركي واليورو، وتجنّب هروب رؤوس الأموال.
ثالثًا: تنفيذ سياسات إحلال الواردات للتعامل مع القيود الناجمة عن العقوبات الدولية، بحسب تقرير بعنوان "تتبع المال لفهم عائدات النفط والغاز في روسيا" أصدره معهد أكسفورد لدراسات الطاقة (oxfordenergy) مطلع مارس/آذار الجاري.
ورابعًا: تنفيذ استثمارات مضادة للتقلبات الدورية عبر سلسلة قيمة الطاقة، في حين تسعى إلى تنويع الاقتصاد بعيدًا عن الاعتماد على إمدادات النفط والغاز في روسيا على المدى الطويل.
ويمكن وصف سياسات روسيا الشاملة لمكافحة الأزمات بأنها نظام حكومي مضاف إليه عناصر من سياسات الاقتصاد الكلي الليبرالية الجديدة، خصوصًا فيما يتعلق بسياسات سعر الصرف والجهود المبذولة للسيطرة على التضخم.
وقد أثبتت محاولة تحقيق هذه الأهداف أنها تنطوي على مشكلات، مع ظهور مقايضات حتمية بين سياسة الروبل الضعيف وأهداف خفض التضخم، وبين انخفاض عائدات العملة الصعبة وتزايد متطلبات الاستثمار، وبين خطط الاكتفاء الذاتي، والاعتماد الحاسم على بعض المعرفة والتقنيات الغربية.
على صعيد آخر، يمثّل توافر التقنيات المتقدمة والقدرة على تحمّل تكاليفها مشكلة وعائقًا محتملًا أمام النمو الاقتصادي على المدى الطويل، وقف ما طالعته منصة الطاقة المتخصصة.
وقال مؤلف التقرير، زميل الأبحاث الأول لدى معهد أكسفورد لدراسات الطاقة، فيتالي يرماكوف: "من الواضح أن روسيا كانت تكافح من أجل معالجة اعتمادها على واردات المواد عالية التقنية والتقنيات المتقدمة".
وتمكنت البلاد من تأمين توريد المدخلات الأكثر حاجة إليها، على الرغم من العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وحلفائهم من خلال الاعتماد على التجارة مع ما يسمى بـ "الدول الصديقة"، وأهمها الصين، ولكن مع الوسطاء الموجودين في بلدان رابطة الدول المستقلة السابقة، وتركيا، والشرق الأوسط.
وكانت صادرات النفط والغاز في روسيا مفيدة في تعزيز قدرتها على الصمود بصفتها وسيلة لتمويل التزاماتها الاجتماعية في الداخل وشراء الواردات الأجنبية المهمة.
في المدة 2022-2023، بعد فرض حظر تجاري من جانب الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، تمكنت روسيا من إعادة توجيه صادراتها من النفط والمنتجات المكررة إلى آسيا، ما حال دون حدوث انخفاض قسري في إنتاج النفط، وقد أدى هذا لتأمين تدفّق مستمر من عائدات النفط إلى موازنة روسيا.
في المقابل، دعمت روسيا، خلال العقد الماضي، صناعاتها الموجهة للتصدير عندما انخفضت الأسعار، وخلقت الظروف لاستبدال الواردات في العديد من القطاعات المحلية التي لم تكن تعتمد بشكل كبير على التكنولوجيات الغربية والمعدات باهظة الثمن، وتمكنت من السيطرة على التضخم، عند أقلّ مستوى حتى الآن.
أداء الاقتصاد الروسي
كان أداء الاقتصاد الروسي جيدًا نسبيًا، إذا ما قيس بالناتج المحلي الإجمالي، وفق ما طالعته منصة الطاقة المتخصصة.
وتجدر الإشارة تحديدًا إلى نمو الناتج المحلي الإجمالي القوي بنسبة 3.6% الذي أبلغت عنه اللجنة الحكومية للإحصاء في روسيا لعام 2023، مدعومًا بالإنفاق العسكري القوي والنمو الذي يقوده الاستهلاك الذي تغذيه الزيادات الحادة في المدفوعات للأفراد العسكريين العاملين في منطقة الحرب وأسرهم.
وزاد المعروض النقدي في روسيا بنسبة 20.1% في عام 2022، و8.5% في عام 2023، وفقًا للبنك المركزي الروسي، وهو دليل على سياسات الاقتصاد المختلط التي نُفِّذَت على الطريقة الروسية.
وبلغ متوسط نمو الناتج المحلي الإجمالي بين عامي 2010 و2023 نحو 1.9%، بينما بالنسبة للمدة 2014-2023، بلغ متوسطه 1.1% فقط، وهو أقل بكثير من المتوسط العالمي البالغ 2.7%.
ومن المتوقع أن يتباطأ النمو الاقتصادي في روسيا خلال عام 2024، لكنه سيظل على قدم المساواة مع النمو في مجموعة نظيراتها من البلدان النامية.
وفي أحدث تقييم له في يناير/كانون الثاني 2024، رفع صندوق النقد الدولي تقديراته للناتج المحلي الإجمالي لروسيا هذا العام إلى 2.6% من توقعاته السابقة البالغة 1.1%، مشيرًا إلى التحفيز القوي في شكل الإنفاق الحكومي بصفته السبب الرئيس للنمو.
زيادة التقلبات في عائدات التصدير
مع زيادة التقلبات في عائدات التصدير، في السنوات القليلة الماضية، ركّزت إجراءات الاستجابة الأولى التي اتخذتها روسيا على أدوات السياسة النقدية، وتحديدًا الحفاظ على مستويات مرتفعة نسبيًا من الإنفاق الحكومي وإدارة عجز الموازنة من خلال الانخفاض الحادّ في قيمة الروبل.
وأنتج الروبل الضعيف معجزة لاستبدال الواردات في صناعة الأغذية والزراعة في روسيا بحلول منتصف العقد الأول من القرن الـ21، إذ أصبحت المنتجات المستوردة باهظة الثمن، ما أعطى المنتجين المحليين فرصة استثنائية.
وأصبح هذا الاستبدال الناجح للواردات لمعظم المواد الغذائية بحلول منتصف العقد الماضي أحد أهم العوامل في حماية السكان الروس جزئيًا من مستويات التضخم المرتفعة للغاية خلال المدة 2022-2023.
ويُقدَّر التضخم في عام 2023 بنسبة 7.4%، وهو مستوى معتدل بعد ارتفاعه إلى 12% في عام 2022، مقارنة بأدنى مستوياته التاريخية البالغة 3% في عام 2019، و4.9% في عام 2020.
ويوجد عامل مهم آخر في حماية السكان من الضغوط التضخمية، وهو ما يسمى بسياسة التعرفة الجمركية "خفض التضخم"، التي بموجبها تظل زيادات الرسوم الجمركية التي تنظمها الدولة على الغاز والكهرباء والنقل سنويًا أقلّ من التضخم المتوقع.
ومن خلال التكيف مع الواقع الاقتصادي الجديد، غيّرَ معظم الشعب الروسي من ذوي الدخل المنخفض والمعتدل خياراتهم الاستهلاكية فيما يتعلق بالضروريات الأساسية لصالح السلع والخدمات المنتجة محليًا، التي تبيَّن أنها بدائل مقبولة.
بدورهم، حافظ الأثرياء على أسلوب حياتهم باستعمال مجموعة واسعة من العناصر المستوردة، التي من الواضح أنهم يستطيعون تحمُّل تكاليفها.
بالإضافة إلى التأكد من أن السياسة النقدية للاقتصاد الكلي تحافظ على المستوى العام لإيرادات الدولة، استعملت الحكومة السياسات المالية لحماية الضرائب الحالية والمستقبلية من قطاعي النفط والغاز، وهما الركيزتان الرئيستان للاقتصاد الروسي.
وساعد التعديل المالي في تحقيق أهداف سياسية أخرى، والأهم من ذلك، منع أسعار التجزئة من الارتفاع بشكل حادّ.
قرار خفض واردات الطاقة الروسية
كان القرار الغربي بخفض واردات الطاقة الروسية في عام 2022 بمثابة تحدٍ هائل لتجارة الطاقة القائمة، وبالنسبة لروسيا، فإن الصدمة على المدى القريب المتمثلة في الاضطرار إلى إعادة توجيه تدفقات صادراتها من الطاقة إلى أسواق مختلفة وإيجاد عملاء بدلاء قد خُففت بسبب الارتفاع غير المتوقع في الأسعار، إذ ارتفعت الأسعار العالمية لجميع سلع الوقود الأحفوري، بما في ذلك النفط والفحم.
وكان الغاز الطبيعي قويًا خلال العام الماضي، وسجلت عائدات التصدير الروسية في عام 2022 أرقاما قياسية تاريخية، ما ساعد على تمويل التحول إلى خطط التصدير الجديدة.
وفيما يتعلق بإعادة توجيه الكميات إلى أسواق جديدة، فإن سياسة صادرات روسيا من النفط البديل والمنتجات المكررة كانت مختلفة بشكل ملحوظ عن نهج الصادرات روسيا من الغاز عبر خطوط الأنابيب المقيدة بالبنية التحتية.
وتمكنت روسيا من العثور بسرعة على أسواق بديلة لنفطها الخام ومنتجاتها المكررة في آسيا مع خسائر مالية طفيفة نسبيًا.
وكان على البلاد أن تفي بحصّتها من تخفيضات الإنتاج المتفق عليها ضمن تحالف أوبك+، لكن صادرات النفط الخام لا تخضع للحصص.
وبلغ إنتاج روسيا من النفط والمكثفات، في عام 2022، 535.4 مليون طن، وبلغت الصادرات 242 مليون طن (نحو 4.9 مليون برميل يوميًا).
وفي عام 2023، أنتجت روسيا 530.6 مليون طن من النفط والمكثفات، وصدّرت 234.3 مليون طن.
واستحوذت منطقة آسيا والمحيط الهادئ على 82% من الصادرات الروسية من أنواع الوقود السائل في عام 2023، وفقًا للنائب الأول لرئيس الوزراء الروسي، المسؤول عن قطاع الطاقة، ألكسندر نوفاك.
ويشير ذلك إلى إستراتيجية التنويع الناجحة بعيدًا عن أوروبا، التي كانت، في السابق، السوق الرئيسة لمنتجات النفط الروسي.
موضوعات متعلقة..
- إيرادات النفط والغاز في روسيا ترتفع 15% خلال سبتمبر
- إيرادات النفط والغاز في روسيا تهبط 36%.. والكرملين يتحدث عن أوبك+
- استثمارات النفط والغاز في روسيا قد تهبط 15 مليار دولار في 2022
اقرأ أيضًا..
- محطة الطاقة الكهرومائية في نيوم السعودية تثير الجدل
- تطورات أزمة حقل الدرة.. ماذا حدث في 24 ساعة؟
- استكشافات النفط والغاز في ليبيا.. 5 مشروعات تضعها مجددًا على الخريطة