التقاريرتقارير الكهرباءرئيسيةكهرباء

أسعار الكهرباء وخطط الطاقة في المملكة المتحدة تثير الجدل.. ماذا يدور بالكواليس؟

هبة مصطفى

كانت أسعار الكهرباء وخطط الطاقة في المملكة المتحدة محل جدل واسع النطاق، منذ شهر سبتمبر/أيلول العام الماضي 2023 وحتى الآن، خاصة مع إعلان حزب العمال -قبل أيام- خفض استثماراته الخضراء إلى رقم ضئيل، مقارنة بما سبق إعلانه.

وما بين رؤية حزب العمال لتطوير قطاع الطاقة في البلاد، وبين الأداء الفعلي لحزب المحافظين الذي يتولى رئيسه ريشي سوناك مهام رئيس الوزراء، ما زالت مستهدفات الحياد الكربوني في المملكة المتحدة تدور في دائرة مفرغة.

وتجدر الإشارة إلى أن المستهلك البريطاني هو من يقع ضحية التخبط والتراشق بين الجبهتين، حول طموحات الطاقة النظيفة والمتجددة، سواء التوسعات في طاقة الرياح البرية أو البحرية، أو نشر السيارات الكهربائية.

وفي التقرير أدناه، ترصد منصة الطاقة المتخصصة كواليس الصراعات بين الحزبين في قطاع الطاقة، وتداعياتها على فواتير الاستهلاك والمشروعات النظيفة.

تضارب سياسات الطاقة

شكّلت أسعار الكهرباء والطرف الذي سيتحمّل فاتورة تخبّط السياسات والرؤى في المملكة المتحدة، وخطط الإنفاق الأخضر، محور خلاف جديد بين مؤيدي رؤية حزبي العمال والمحافظين.

ويبدو أن إعلان رئيس حزب العمال كير ستارمر، في 8 فبراير/شباط الجاري، خفض التزام الحزب تجاه خطة الإنفاق على المشروعات الخضراء -المعلَنة عام 2021- بقيمة 28 مليار جنيهًا إسترلينيًا إلى 4.7 مليار جنيهًا فقط أثار الجدل من جديد.

(الجنيه الإسترليني = 1.27 دولارًا أميركيًا)

كير ستارمر رئيس حزب العمال البريطاني - الصورة من Oxford Mail
كير ستارمر رئيس حزب العمال البريطاني - الصورة من Oxford Mail

وتضمَّن إعلان كير ستارمر حينها توفير مخصصات إضافية لخطّة الإنفاق الأخضر، عبر الضرائب المفروضة على النفط والغاز في بحر الشمال، حسب صحيفة فاينانشال تايمز (Financial Times).

وردّ رئيس الوزراء ورئيس حزب المحافظين الحاكم "ريشي سوناك" على تصريحات ستارمر بأنها تعكس رؤية متضاربة في السياسات الرئيسة، وفق ما طالعته منصة الطاقة المتخصصة.

ورغم أن حزب المحافظين فرض بالفعل ضرائب على هيدروكربونات بحر الشمال، فإن حزب العمال يسعى لزيادتها بنسبة 3%، مع إطالة أمد إقرارها حتى عام 2030.

خطة خفية

باتت أسعار الكهرباء ومصير خطط الطاقة في المملكة المتحدة محل تساؤل من الاقتصاديين والمُصنّعين والمستهلكين، بعد تضارب سياسات الحزبين الرئيسين في البلاد، والتراجع عن المستهدفات المعلنة.

واتهم الأستاذ السابق في جامعة إدنبرة مستشار سياسات الطاقة والبيئة في البنك الدولي، غوردون هيوز، حزب العمال بحمل خطة غير معلنة لتوفير المخصصات المعلَنة لتحقيق التزام الحياد الكربوني.

وأوضح هيوز أن التزام الحزب بإنفاق 28 مليار جنيهًا إسترلينيًا سنويًا على المشروعات الخضراء لم يكن واقعيًا، رغم ضرورة الإنفاق، خاصة أن الحزب لم يعلن مصادر تحصيله لهذا المبلغ، وفق ما أورده في مقاله المنشور بصحيفة ذا تيليغراف (The Telegraph).

وتوقّع أن الحزب كان ينوي فرض ضرائب ورسوم جديدة و"غير مباشرة" على المستهلك، من ضمنها: زيادة أسعار الكهرباء واستعمالات الغاز، وزيادة متطلبات شراء السيارات الكهربائية، والمضخات الحرارية.

وبالنظر إلى أن تكلفة تحقيق الحياد الكربوني مرتفعة بالفعل، فإنّ تراجُع حزب العمال عن التزامه المالي بالإنفاق وتجديد تمسُّكه بالأهداف النظيفة في الوقت ذاته، لا يمكن تفسيره سوى بأن المستهلك هو من سيتحمّل فاتورة ذلك.

أسعار الكهرباء والفواتير

حتى إن اعتمد حزب العمال على زيادة ضرائب بحر الشمال، فإن أسعار الكهرباء في حياة المستهلكين اليومية سترتفع بالتبعية.

وفسّر غوردون هيوز ذلك بالإشارة إلى متوسط استهلاك المملكة المتحدة من الكهرباء خلال عام 2022 المقدَّر بنحو 4.060 كيلوواط/ساعة لكل شخص، كاشفًا أن الاستهلاك الفعلي للأسر بلغ -فقط- 1.425 كيلوواط/ساعة لكل شخص.

وأوضح أن فارق الاستهلاك جاء من الاستعمالات الصناعية والتجارية، لكنها في نهاية الأمر حُملت على عاتق المستهلك، وهو ما قد يتكرر مع سيناريو حزب العمال.

خطوط لنقل الكهرباء لمنازل المملكة المتحدة
خطوط لنقل الكهرباء لمنازل المملكة المتحدة - الصورة من CNN

وقال غوردون هيوز، إن الالتزام بإنفاق 28 مليار جنيهًا إسترلينيًا سنويًا -سواء من مخصصات حزب العمال، أو من الرسوم والضرائب- سيتسبب في مضاعفة الحدّ الأقصى لتكلفة أسعار الكهرباء التي يتحمّلها المستهلك حاليًا لنحو 29 بنسًا لكل كيلوواط/ساعة.

ومع غضب المستهلكين من الأسعار الحالية، يمكن توقّع ردة الفعل بعد تحميل المستهلك فاتورة مخصصات التزام الحياد الكربوني لحزب العمال، بحسب ما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.

تضرر السيارات الكهربائية والصناعات

لن يقف الأمر عند ذلك، بل سينعكس على أهداف نشر السيارات الكهربائية أيضًا، وبخلاف إلغاء حوافز دعم شرائها، فإن رفع أسعار الكهرباء سيرفع فاتورة تشغيل هذه السيارات وشحنها.

وأكد غوردون هيوز أن تكلفة الكهرباء في الاستعمالات الصناعية هي بالفعل ضمن أعلى الأسعار في قارة أوروبا بأسرها، وفي حالة فرض زيادة إضافية عليها قد ينعكس ذلك على جذب الاستثمارات والصناعات المهمة.

وأضاف أن تحميل الصناعات رسوم إضافية للكهرباء يعد عبء جديد غير مباشر للأسر والمستهلكين، وقد يترتب عليه إغلاقات للشركات أو تقليص عدد الموظفين في الهيئات لتعويض التكلفة المرتفعة للتشغيل.

وانتقل التراشق من مستوى رؤساء الأحزاب إلى الاقتصاديين والمحررين المعنيين بالمجال، إذ أثارت الانتقادات التي سردها غوردون هيوز حفيظة المحرر البريطاني المهتم بصحافة الطاقة والبيئة "سايمون إيفنز".

وقال إيفنز -في سلسلة تغريدات له بموقع إكس-، إن الرؤية التي طرحها هيوز لأسعار الكهرباء في المملكة المتحدة تعكس عدم إدراك للأبعاد الاقتصادية.

دور الطاقة المتجددة والرياح

دفع انتقاد سايمون إيفنز لرؤية غوردون هيوز نحو انتقاد أعماله وانحيازه للطاقة المتجددة، خاصة الرياح البحرية، إذ واجه اتهامًا بالتقدير -غير الواقعي- لأسعار الكهرباء المنتجة من مزارع الرياح مقارنة بالغاز.

وكان إيفنز قد قدّر تكلفة الكهرباء المولدة من مزارع الرياح بأنها أقل ثمنًا من توليدها بالغاز، بنحو 9 مرات، ويرجع عدم منطقية التسعير لقياسه إيّاها بناء على مستويات الأسعار خلال ذروة الطاقة، حسب انتقاد ورد في تقرير نُشر بموقع نت زيرو ووتش (Net Zero Watch).

وما زاد الأمر سوءًا، أن حزب العمال اعتمد على تسعير إيفنز لرسم توجهاته للطاقة المتجددة، إذ أشاد الحزب مؤخرًا بانخفاض أسعار الكهرباء المولدة من الرياح، وتناقل برلمانيون وهيئات هذا التسعير أيضًا.

وبمراجعة منصة الطاقة المتخصصة لما نُشر في سبتمبر/أيلول العام الماضي 2023، دافع إيفنز عن الطاقة المتجددة بوصفها "أرخص المصادر لتوليد الكهرباء في المملكة المتحدة"، على حدّ وصفه، بتقرير نُشر في كاربون بريف (Carbon Brief).

وقارن إيفنز، في افتراضه، بين أسعار الكهرباء من الطاقة المتجددة وأسعار الغاز التي ارتفعت بنسبة 100% خلال أزمة الطاقة في أعقاب اندلاع الحرب الأوكرانية، ما يُشير إلى أن أساس المقارنة غير منطقي، مع اتخاذ أسعار الغاز منحى هبوطيًا الآن.

دوغر بنك أكبر مزرعة للرياح البحرية في العالم
دوغر بنك أكبر مزرعة للرياح البحرية في العالم - الصورة من موقع المزرعة

أهداف المملكة المتحدة

الغريب في الأمر أن سايمون إيفنز أشار في تحليله المنحاز للطاقة المتجددة إلى أن الإقبال على مزاداتها بالمملكة المتحدة لم يواكب القدر المطلوب.

وأرجع ذلك إلى ضغوط سلاسل توريد الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، التي تسببت في رفع تكلفة تطوير الرياح بنسبة 40% مقارنة بأسعار عام 2022.

وحذّر إيفنز من أن تراجع الإقبال على مزادات الطاقة المتجددة والاستثمار بها في المملكة المتحدة قد يهدد الهدف الحكومي بتوليد 50 غيغاواط من الكهرباء اعتمادًا على الرياح البحرية بحلول عام 2030، ورفع حصة الكهرباء منخفضة الكربون في المزيج إلى 95%.

وتستهدف المملكة المتحدة تحويل شبكة الكهرباء إلى مزيج خالٍ من الكربون تمامًا بحلول عام 2035، كما تعهد وزير الدفاع البريطاني السابق "غرانت شابس"، في مارس/آذار العام الماضي، بترسيخ مكانة المملكة المتحدة بصفتها أحد أكبر البلدان جذبًا لاستثمارات الطاقة المتجددة والرياح البحرية.

ورغم ذلك، فشل مزاد الرياح البحرية -الذي عُقِد في سبتمبر/أيلول 2023- بجذب استثمارات جديدة، سوى بمشروعات ضئيلة تولد 9 تيراواط/ساعة بما يعادل أقلّ من 3% من حجم الطلب على الكهرباء في البلاد.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق