الجفاف يحاصر الجزائر.. والطاقة الكهرومائية أبرز ضحاياه (تقرير)
الجزائر - عماد الدين شريف
تواجه الجزائر حالة من الجفاف لم تشهدها من قبل، بسبب انعدام تساقط الأمطار، الأمر الذي أضرّ بتوليد الكهرباء من الطاقة الكهرومائية، خاصة في المناطق الشمالية.
ويتواصل انعدام سقوط الأمطار في البلاد، وفق تقارير رسمية اطّلعت عليها منصة الطاقة المتخصصة، حتى شهر نوفمبر/تشرين الثاني الجاري (2023)، مسببًا ظاهرة جفاف شبه كاملة في مختلف السدود الوطنية.
وتعدّ هذه الظاهرة واحدة من تأثيرات تغير المناخ في الجزائر، لا سيما مع اتّساع رقعة ارتفاع درجات الحرارة على منطقة البحر الأبيض المتوسط، لتجعل من الأمن المائي أحد أبرز التحديات التي تضع بلدان هذه المنطقة على المحك، كما لم تكن يومًا.
وقالت الحكومة الجزائرية، في بيان لسياستها العامة مؤخرًا، إن الوضع الحالي يشكّل خطورة، خاصة أن البلاد لم تشهد جفافًا مماثلًا من قبل، رغم استعانة الجهات المسؤولة ببرنامج محطات تحلية مياه البحر، بصفته بديلًا مطروحًا لتغطية الاحتياجات المحلية من الماء.
الطاقة الكهرومائية في الجزائر
كشفت أرقام الحكومة التي حصلت منصة الطاقة على نسخة منها، أن ولايات شمال البلاد سجلت عجزًا كبيرًا في نسبة المياه، بلغ 90%، إذ إن سدّ "كدية أسردون" في ولاية البويرة، الذي يعدّ ثاني أكبر السدود في البلاد، سجل نسبة امتلاء لم تتجاوز 0.5%، أي يقترب من أن يصبح جافًا.
في الوقت نفسه، تشير أرقام وزارة الطاقة والمناجم، التي اطّلعت عليها منصة الطاقة المتخصصة، إلى أن استعمال محطات الطاقة الكهرومائية في الجزائر تراجع خلال السنوات القليلة الماضية، بداية من عام 2016، بالتزامن مع إطلاق البرنامج الوطني للطاقات المتجددة، الذي يعتمد على الطاقة الشمسية والمحطات الكهروضوئية.
وتوضح الأرقام الرسمية، التي تحدد إنتاج الكهرباء في البلاد، خلال السنوات بين 1980 و2017، حسب المصادر المستعملة، أنّ حصة إنتاج الكهرباء من الطاقة الكهرومائية، ظلت متواضعة مقارنة مع المصادر الأخرى.
وتراجعَ إنتاج الكهرباء من الطاقة الكهرومائية في الجزائر، من 251 غيغاواط في عام 1980 إلى 72 و71 غيغاواط في عامي 2016 و2017 على التوالي، بما يشير إلى أن الأمور تتراجع حتى يكاد يكون الاعتماد على هذا المصدر المهم للكهرباء معدومًا.
وأبرزت ارقام وزارة الطاقة والمناجم أن إنتاج الكهرباء من المصادر الكهرومائية لا يتجاوز 1% حاليًا، إذ تعتمد البلاد على توربينات الغاز بنسبة 59%، وتأتي مصادر الطاقة المدمجة بين الغاز والبخار في المرتبة الثانية بنسبة 23%، ثم توربينات البخار بنسبة 12%.
يشار إلى أن الأرقام المعلنة من جانب وزارة الطاقة والمناجم عن عام 2020، ولم تتمكن منصة الطاقة المتخصصة من الحصول على أرقام أحدث، ولكن مصادر في الوزارة أكدت أن هذه النسب لم تتغير حتى الآن.
ويوضح الرسم البياني التالي، من إعداد منصة الطاقة المتخصصة، نسبة إنتاج الكهرباء في الجزائر حسب المصدر عام 2020، وهي أحدث البيانات المتوفرة:
مشروعات الطاقة الكهرومائية الوطنية
نفّذت الجزائر عددًا من مشروعات محطات الطاقة الكهرومائية، بهدف استغلال إمكاناتها المائية، وزيادة إنتاج الطاقة المتجددة في البلاد، إذ ما زال بعض هذه المشروعات قيد التنفيذ تدريجيًا، في حين إن بعضها الآخر ما يزال قيد الدراسة أو في مرحلة التخطيط.
ومن أهم السدود التي تعدّ مصدرًا لإنتاج الطاقة سد "إيغيل أمدة"، الواقع في بلدية درقينة، إذ يشغل محطة توليد الطاقة الكهربائية باستعمال المياه المخزنة في السد، وتصريفها عبر التوربينات، لتوليد الكهرباء من المياه التي تأتي من نهر أجريوم.
وهناك أيضًا مشروع أول محطة شمسية عائمة في الجزائر على سد "بني هارون" بولاية ميلة، بطاقة إنتاجية 500 ميغاواط، والذي يعدّ مبادرة مبتكرة في مجال الطاقة المتجددة، وفق ما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
يشار إلى أن مشروع سد بني هارون ما زال قيد الدراسة حتى الآن، ومن المتوقع في حال نجاح تنفيذه أن يمهد الطريق أمام مبادرات أخرى مماثلة في الجزائر، ويلهم البلدان الأخرى لاستكشاف فوائد محطات الطاقة الشمسية العائمة.
ويوضح الرسم البياني التالي، من إعداد منصة الطاقة المتخصصة، إنتاج الكهرباء في الجزائر حسب الشركات عام 2020، وهي أحدث البيانات المتوفرة:
يقول الخبير والباحث في مجال البيئة، زين العابدين بومليط، إن الجزائر تقع في منطقة تتأثر بشدة بحالة الاختلالات المناخية التي تشهدها أوروبا الغربية والوسطى، مضيفًا في الوقت نفسه أن حالة الجفاف الحالية موجة عالمية، شملت منذ عامين كثير من مناطق العالم.
ولفت، في تصريحات خاصة إلى منصة الطاقة المتخصصة، إلى أن مجموعة دول الاتحاد الأوروبي مطالَبة بتحمُّل مسؤولياتها المناخية الكاملة، داعيا إيّاها للالتزام بمخططات حقيقية تضعها محل التنفيذ، بدلًا من تصدير خطابات المناخ.
وأوضح أن هناك قبة حرارية متمركزة في الغلاف الجوي لمنطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط، وهذه القبة تشكلت خلال الصيف الماضي، وكانت الجزائر بؤرتها الغربية، وإيران بؤرتها الشرقية.
تسجيل درجات حرارة عالية
سجلت الجزائر درجات حرارة قياسية غير معتادة، أوضح زين العابدين بومليط أنها بلغت 49 درجة مئوية في العاصمة، يوم الأحد 23 يوليو/تموز 2023، لافتًا إلى أن الديوان الوطني للأرصاد الجوية وصفها بأنها ذروة لم تبلغها البلاد من قبل.
وقال المتحدث، إن الأرقام المسجلة تؤكد أن ظاهرة الجفاف الناتجة عن تغير المناخ ليست جديدة على الجزائر، ففي عام 1946 -مثلًا- أي منذ ما يزيد عن 75 عامًا، أُجريت دراسة مسحية للبلاد حول حالة المناخ، وجاءت النتيجة مختصرة في عبارة أحد القرويين "الصحراء لم تعد الصحراء".
واستعانت دراسة أوقات الجفاف بنتائج مرصد "تمنراست"، مع ملاحظة التسلسلات التاريخية لحالات وفرة المراعي أو ندرتها، في مناطق الأهقار والأحنات، فأظهرت النتائج تقلبات على النحو التالي:
- منطقة تادمايت: مدة وفرة المراعي 41 عامًا، والجفاف 19 عامًا جافًا، مع أوقات جفاف دورية ممتدة تبلغ 3 سنوات.
- منطقة الأحنات: حالة وفرة المراعي 64 عامًا، والجفاف 26 عامًا، وأوقات جفاف دورية ممتدة تبلغ 5 سنوات.
- منطقة الهقار: حالة وفرة المراعي 81 عامًا، والجفاف 32 عامًا، وأوقات جفاف دورية ممتدة بين 5 و7 سنوات.
موضوعات متعلقة..
- مشروعات عملاقة بالطاقة الكهرومائية في 5 دول عربية أبرزها مصر والجزائر والعراق
- الاحتباس الحراري يهدد المغرب والجزائر بموجات حر غير مسبوقة
- أكبر 5 محطات لتوليد الكهرباء في الجزائر (إنفوغرافيك)
اقرأ أيضًا..
- وزير البترول المصري يكتب لـ"الطاقة": التحول الطاقي والتوافق البيئي وجهان لعملة واحدة تسمى الاستدامة
- أمين عام أوابك: دول النفط والغاز تواجه تحديات.. و4 بلدان لديها خطط كبيرة للطاقة المتجددة (حوار)
- رئيس مجموعة إينوك يكتب لـ"الطاقة": شركتنا داعم أساس لتحول الطاقة في الإمارات
- وزيرة البيئة المصرية تكتب لـ"الطاقة": مؤتمر المناخ.. وحشد الجهود لتحقيق انتقال عادل للطاقة