المحطة الشمسية في جنوب لبنان.. مشروع ممول ذاتيًا تحوله إسرائيل إلى رُكام
محمد عبد السند
- محطة الطاقة الشمسية في طير حرفا تتعرض لقصف إسرائيلي مدمّر
- سكان بلدة طير حرفا يعتمدون على المحطة في ضخ المياه
- بلغت تكلفة المحطة الشمسية في جنوب لبنان 130 ألف دولار
- شُغِّلَت المحطة الشمسية جنوب لبنان في سبتمبر/أيلول (2022)
- تُشَغَّل المحطة الشمسية من 8 صباحًا إلى 4 مساءً في الصيف
خرجت المحطة الشمسية في جنوب لبنان -الواقعة تحديدًا في بلدة طير حرفا- من الخدمة، بعد أن دمرتها القوات الإسرائيلية بالكامل في قصف استهدف المنطقة ضمن الهجمات التي تشنّها باستمرار على أهداف تابعة لحزب الله اللبناني.
وأدّى قصف المحطة إلى حرمان سكان البلدة الفقيرة من أبسط حقوقهم في ضخ المياه من إحدى الآبار، عبر استعمال الكهرباء رخيصة التكلفة المولدة من الطاقة الشمسية، لتضطرّهم بذلك إلى العودة لاستعمال المولدات العاملة بالديزل باهظة الثمن، وفق تقارير اطّلعت عليها منصة الطاقة المتخصصة.
وكانت القوات الإسرائيلية قد قصفت مشروع المحطة الشمسية في جنوب لبنان في أوائل شهر نوفمبر/تشرين الثاني (2023)، وفق ما صرّح به أحد مهندسي المشروع، ويُدعى قاسم غريب، إلى موقع مجلة بي في ماغازين (pv magazine).
وعلى إثر القصف تحولت المحطة الشمسية الواقعة على بُعد 5 كيلومترات شمال الحدود الإسرائيلية، إلى كومة صغيرة من الخردة المعدنية.
وقال غريب، الذي يعمل أستاذًا مساعدًا في قسم الهندسة الكيميائية والطاقة المتطورة بالجامعة الأميركية في بيروت: "أعكف حاليًا على التفكير في طرق إعادة بناء المحطة الشمسية في جنوب لبنان".
وأضاف: "لا يمكننا تحمّل تبعات الفشل، والناس الآن يتملكهم الخوف؛ لأنهم يخشون على حياتهم".
حلم تحول إلى كابوس
وُلد غريب وتربّى في بلدة طير حرفا، لكنه يعيش حاليًا في العاصمة اللبنانية بيروت، وقد توصّل مع بعض أصدقائه إلى فكرة لبناء مصفوفة شمسية سعة 100 كيلوواط على أطراف البلدة في العام قبل الماضي (2021).
وجاء مشروع المحطة الشمسية في جنوب لبنان بدافع من الحاجة الماسّة إلى تزويد أهالي البلدة -معظمهم من المزارعين- بالمياه النظيفة، وفق ما قاله غريب ورصدته منصة الطاقة المتخصصة.
وأضاف غريب: "انهيار الحكومة الذي حدث قبل عامين أو ثلاثة في لبنان يعني أنه لم يعد بمقدورنا أن نتحمّل شراء مولدات كهربائية، لا سيما الفقراء"، في إشارة منه إلى الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي عصفت بالبلد العربي في عام 2019، وأوقعت الكثيرين في مستنقع الفقر، وتركتهم يعانون من انقطاع مستمر في الكهرباء.
واعتمد سكان القرى على استئجار مولدات الديزل لضخ المياه، أو حتى شراء المياه باهظة الثمن، لسدّ احتياجاتهم المنزلية.
مشروع ممول ذاتيًا
بدافع الحاجة الماسّة إلى المياه رخيصة التكلفة، استحدث القائمون على المشروع خطة لبناء محطة طاقة شمسية في طير حرفا لتشغيل عملية ضخ المياه، وبالفعل نجحوا في جمع 80% من إجمالي تكلفة المشروع البالغة 130 ألف دولار، عبر جمع الأموال بالجهود الذاتية.
لكن القائمين على محطة الطاقة الشمسية دبّروا الجزء الأخير من تمويل المشروع عبر قرض من مالك إحدى الشركات المحلية.
وبالفعل، دخل المشروع حيز التنفيذ، وشُغِّلَت المحطة الشمسية جنوب لبنان، في سبتمبر/أيلول (2022)، وفق معلومات جمعتها منصة الطاقة المتخصصة.
وفي هذا الصدد، قال الأستاذ المساعد لقسم الهندسة الكيميائية والطاقة المتطورة في الجامعة الأميركية في بيروت، قاسم غريب: "كان الناس سعداء"، مضيفًا أن الخطوة كانت "غير مسبوقة على الإطلاق".
وأشار إلى أن سكان البلدة قد "استعملوا المياه لسدّ احتياجات الأُسَر بوجه عام، وريّ الحدائق الصغيرة المملوكة لهم، غير أن المحطة الشمسية في جنوب لبنان قد أشعلت ثورة –أيضًا- في الطريقة التي يحصل بها مجتمع على المياه والكهرباء".
وقال غريب، إن أكثر من 400 أسرة في القرية قد دفعت 3 دولارات شهريًا للحصول على تلك الخدمة، في تصريحات تابعتها منصة الطاقة المتخصصة.
ضخ المياه
تتألف المحطة الشمسية في جنوب لبنان، المبنية على قمة أحد التلال، من ألواح شمسية سعة 200 واط و540 واط، تلتقط الطاقة الشمسية لتولد الكهرباء النظيفة التي تُستعمَل أساسًا في ضخ المياه من بئر تقع على بُعد 300 متر تحت الأرض، وتوصيلها إلى القرية.
وتُشَغَّل المحطة الشمسية من 8 صباحًا إلى 4 مساءً، في وقت الصيف، بوساطة غرفة تحكّم ملحقة بالموقع.
لكن في 3 نوفمبر/تشرين الثاني (2023)، وقع ما لم يكن في الحسبان، عندما دمرت القوات الإسرائيلية المحطة الشمسية في عملية عسكرية استهدفت المنطقة، وفق ما قاله غريب.
وتابع: "قضينا عامًا في بناء المحطة، لكنها ربما لم تستغرق سوى ثانية واحدة لتنهار"، مردفًا: "لا يوجد شك في أنها قد قُصفت من قبل القوات الإسرائيلية".
وكثيرًا ما يستعمل الجيش الإسرائيلي طائراته العسكرية لضرب أهداف تابعة لحزب الله اللبناني على مشارف لبنان، وفق ما نشرته وكالة رويترز.
إعادة البناء
أطلق الأستاذ المساعد في قسم الهندسة الكيميائية والطاقة المتطورة في الجامعة الأميركية في بيروت، قاسم غريب، حملة تحمل اسم غو فاند مي (GoFundMe)، في مسعى منه لجمع 130 ألف دولار أخرى لإعادة بناء محطة الطاقة الشمسية في طير حرفا.
ومع ذلك، يعلم غريب أنه مع استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة وما تفرضه من ظروف اقتصادية ضاغطة، ربما لا يفكر الكثير من الأشخاص في التبرع بالأموال لصالح إعادة بناء المحطة الشمسية في جنوب لبنان.
وفي هذا الصدد، قال غريب: "نحن فقط من يدشّن الحملات لجمع الأموال؛ لأننا نعرف العواقب"، مشيرًا إلى أن "العواقب كارثية جدًا من حيث كيفية إعادة بناء المحطة".
ومع ذلك، أفاد غريب بأنه من الجيد أن المنطقة تشهد أمطارًا في الوقت الراهن؛ ما يساعد السكان على ملء أوعيتهم، ومن ثم تجنيبهم الحاجة لضخ المياه بالكهرباء المولدة بوقود الديزل.
لكنه لفت إلى أن الطقس لا يكون دائمًا مواتيًا، موضحًا أن بناء المحطة الشمسية في جنوب لبنان "قد استغرق العام الماضي كلّه".
واختتم تصريحاته بقوله: "أخشى أن يستغرق البناء مدة أطول الآن".
موضوعات متعلقة..
- الطاقة الشمسية في لبنان.. هذه أبرز التطورات والتحديات (تقرير)
- الطاقة الشمسية في لبنان.. هل تستفيد من تجربتَي الأردن واليمن؟ (مقال)
- 6 معلومات عن قروض الطاقة الشمسية في لبنان (إنفوغرافيك)
اقرأ أيضًا..
- وكالة الطاقة الدولية تحذر شركات النفط والغاز من "وهم" احتجاز الكربون وتخزينه
- إنتاج الغاز في الجزائر يقفز 8 مليارات متر مكعب خلال 9 أشهر (تقرير)
- الطاقة المتجددة في موريتانيا تترقب فرصًا واعدة بقيادة الهيدروجين