هل تتأثر أرباح شركات النفط والغاز الكبرى بدفع تكاليف انبعاثاتها؟ (تحليل)
تتجاوز 20 تريليون دولار في 33 عامًا
وحدة أبحاث الطاقة - رجب عز الدين
- منظمة ممولة من الحكومة الألمانية تهاجم كبرى شركات النفط والغاز
- 6 شركات نفط وغاز عربية كبرى في مرمى الادّعاءات، أبرزها أرامكو وأدنوك
- أرباح أكبر 25 شركة حكومية وخاصة تتجاوز 30 تريليون دولار في 33 عامًا
- شركات إندونيسيا وماليزيا وإيران لم تسلم من هجوم المنظمة المناهضة للوقود الأحفوري
تتعرض شركات النفط والغاز الكبرى لانتقادات بيئية حادة منذ سنوات طويلة، بسبب مسؤولية منتجاتها من الوقود الأحفوري في تلوث المناخ وتفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري.
ويطالب كثير من نشطاء المناخ بإلزام شركات الوقود الأحفوري بدفع تكاليف الأضرار المناخية التي تسببت فيها على مدار عقود عبر فرض الضرائب الباهظة المباشرة وغير المباشرة، بينما يطالب آخرون -أكثر تشددًا- بوقف نشاط هذه الشركات ومحاصرة تمويلها وإلغاء تراخيصها حول العالم.
في هذا السياق، أجرى معهد أبحاث كلايمت أناليتيكس (climateanalytics)– وهو منظمة بيئية مناهضة للوقود الأحفوري، مقرّها الرئيس برلين- نمذجة تحليلية لأرباح شركات النفط والغاز الكبرى خلال 3 عقود ماضية، مع افتراض دفعِها تكاليف أضرار المناخ خلال هذه المدة.
وقدّر المعهد -المموَّل من عدّة أطراف بينها الحكومة الألمانية- تكلفة الأضرار المناخية من خلال انبعاثات الكربون في 25 شركة نفط وغاز عالمية كبرى بنحو 20 تريليون دولار، خلال مدة تصل إلى 33 عامًا ممتدة من عام (1985) إلى (2018).
بينما قدّر مكاسب هذه الشركات خلال المدة نفسها بنحو 30 تريليون دولار، ما يشير إلى أنها كانت ستظل مربحة حتى مع دفع تكاليف المناخ خلال هذه المدة، بمكاسب تُقدَّر بـ10 تريليونات دولار، حسب التقرير الذي حصلت وحدة أبحاث الطاقة على نسخة منه.
بالنسبة إلى عام (2022) وحده، أشار التقرير إلى أن مجموعة فرعية مكونة من 7 شركات كبرى، بما في ذلك أرامكو السعودية، قد حققت مكاسب مالية بقيمة 497 مليار دولار، مقارنة بـ260 مليار دولار تقديرات الأضرار الجزئية، وبعبارة أخرى، كانت المكاسب المالية تعادل ضعف الأضرار المناخية المقدّرة تقريبًا.
منهجية تحليل تكاليف المناخ
قدّر معهد أبحاث كلايمت أناليتيكس -المدعوم من وزارة الشؤون الاقتصادية وحماية المناخ الألمانية- تكلفة الأضرار الناجمة عن انبعاثات شركات النفط والغاز الكبرى، استنادًا إلى حساب التكلفة الاجتماعية لانبعاثات الكربون، التي قُدِّرت بنحو 185 دولارًا لكل طن من ثاني أكسيد الكربون، مع مقارنتها بأرباح كل شركة خلال مدة التحليل.
وقدّر المعهد الأضرار الكلية للمناخ جراء انبعاثات الكربون الصادرة عن شركات الطاقة الـ25، بنحو 60 تريليون دولار خلال الـ33 عامًا المنتهية في 2018، في حين تصل الأضرار الجزئية إلى 20 تريليون دولار، وهي ما ركّز عليها التحليل بصورة أكبر.
ويأتي ذلك مراعاةً لمسؤولية الحكومات والمستهلكين في التلويث، بتقدير كون شركات النفط والغاز الكبرى المملوكة للحكومة مسؤولة عن إنتاج الوقود الأحفوري، لكنها ليست مسؤولة عن استهلاكه، حسب تفاصيل منهجية رصدتها وحدة أبحاث الطاقة.
ويشار إلى أن وزارة الشؤون الاقتصادية وحماية المناخ الألمانية تعتمد في دعم الأنشطة المناخية على مبادرة المناخ الأوروبية التي أطلقتها عام 2017 لهذا الغرض، وهذه المبادرة أحد الممولين الأساسيين لمعهد كلايمت أناليتيكس بحسب إحدي إفصاحاته التي رصدتها وحدة أبحاث الطاقة في مايو/أيار 2023.
أبرز شركات النفط والغاز الكبرى في التحليل
تضم قائمة شركات النفط والغاز الكبرى -محل التركيز- كلًا من الشركات المملوكة للدول، والشركات الدولية الخاصة المشهورة في الصناعة منذ عقود، والتي صار أغلبها متعدد الجنسيات.
وأظهرت نتائج تحليل الأضرار الجزئية لانبعاثات الكربون أن شركات النفط والغاز الكبرى المملوكة للدولة في السعودية وروسيا وإيران والصين والإمارات كانت أكبر المتسببين في الأضرار، وأكبر المحققين لمكاسب مالية خلال المدة من 1985 إلى 2018.
بينما تصدّرت شركة إكسون موبيل (ExxonMobil) الأميركية قائمة الشركات الخاصة صاحبة أكبر الأضرار والمكاسب، تليها شركة شل (Shell) العالمية متعددة الجنسيات، وشركة النفط البريطانية بي بي (BP)، ثم شركة شيفرون (Chevron) الأميركية.
يوضح الرسم التالي -أعدّته وحدة أبحاث الطاقة- أرباح شركات النفط والغاز الكبرى في العالم خلال أول 9 أشهر من 2023، مقارنة مع عامي 2021 و2022:
استنادًا ذلك، يُقدّر التقرير تكلفة الأضرار الجزئية لانبعاثات شركة أرامكو السعودية (Aramco) -على رأس قائمة أكبر 12 شركة- بنحو 2.8 تريليون دولار خلال المدة من 1985 إلى 2018، بينما تُقدَّر مكاسبها المالية خلال المدة نفسها بـ5.4 تريليون دولار، وهي أكبر شركة في القائمة تتجاوز أرباحها تكلفة الأضرار بفارق ضخم عن بقية المنافسين.
بينما تأتي شركة غازبروم الروسية (Gazprom) في المركز الثاني، بتكلفة أضرار جزئية بلغت 2.2 تريليون دولار، ومكاسب مالية تصل إلى 2.9 تريليون دولار عن المدة نفسها.
وجاءت شركة النفط الوطنية الإيرانية (National Iranian Oil) في المركز الثالث، بتكلفة أضرار بلغت 1.4 تريليون دولار، وأرباح 2.4 تريليون دولار.
وحلّت شركة إكسون موبيل الأميركية في المركز الرابع بقائمة شركات النفط والغاز الكبرى المتسببة في أضرار المناخ، بتكلفة تبلغ 1.2 تريليون دولار، تساوى أرباحها البالغة 1.2 تريليون دولار عن المدة نفسها.
بينما جاءت شركة بيمكس المكسيكية (Pemex) في المركز الخامس، بتكلفة أضرار جزئية تصل إلى 1.1 تريليون دولار عن انبعاثاتها الكربونية خلال 33 عامًا، حققت فيها مكاسب مالية تصل إلى 1.2 تريليون دولار.
نتائج تحليل 7 شركات أخرى
حلّت شركة شل في المركز السادس، متسببة في أضرار مناخية بلغت تكلفتها 1.1 تريليون دولار، متجاوزةً مكاسبها البالغة 0.9 تريليون دولار خلال المدة من 1985 إلى 2018.
بينما جاءت شركة النفط البريطانية بي بي في المركز السابع، بتكلفة مقدّرة تصل إلى تريليون دولار، متجاوزةً أرباحها المحققة خلال المدة (0.7 تريليون دولار).
ويمتد التحليل نفسه إلى شركة شيفرون الأميركية، التي تُقدَّر تكلفة أضرار انبعاثاتها الكربونية بنحو 0.9 تريليون دولار، ما يزيد 300 مليار دولار عن أرباحها المحققة خلال المدة، والبالغة 0.6 تريليون دولار.
ولم تتوقف قائمة شركات النفط والغاز الكبرى المتسببة في الأضرار البيئية عند ذلك، بل امتدت إلى شركة بتروتشاينا الصينية (PetroChina) التي حلّت في المركز التاسع، بتكلفة أضرار جزئية مقدَّرة بـ0.9 تريليون دولار مقارنة بأرباحها البالغة 1.3 تريليون دولار.
بينما جاءت شركة بترول أبوظبي الوطنية أدنوك (ADNOC) في المركز العاشر، بتكلفة أضرار مقدَّرة بنحو 0.7 تريليون دولار خلال 33 عامًا منتهية 2018، مقارنة بأرباحها المقدَّرة بـ1.7 تريليون دولار خلال المدة نفسها.
كما حلّت شركة النفط الفنزويلية بتروليوس دي فنزويلا (Petroleos de Venezuela) في المركز الـ11، بتكلفة أضرار بيئية جزئية بلغت 0.7 تريليون دولار، ما يعادل 63% من أرباحها البالغة 1.1 تريليون دولار خلال المدة.
بينما جاءت مؤسسة البترول الكويتية (Kuwait Petroleum Corp) في المركز الـ12، بقائمة شركات النفط والغاز الكبرى المتسببة في أضرار المناخ، مع تقدير تكلفة أضرار انبعاثاتها بنحو 0.6 تريليون دولار، ما يعادل 42% من أرباحها المقدّرة بـ1.4 تريليون دولار خلال المدة.
وامتدّ تحليل تكاليف الأضرار البيئية إلى 13 شركة نفط وغاز كبرى أخرى، أبرزها: سوناطراك الجزائرية، وتوتال إنرجي الفرنسية، وكونوكو فيليبس الأميركية، وشركة النفط الوطنية العراقية، وشركة بتروبراس البرازيلية، وإيني الإيطالية، وإكوينور النرويجية، وقطر للطاقة، بحسب تفاصيل رصدتها وحدة أبحاث الطاقة.
دور مهم لصناديق الثروة السيادية
يأتي إعلان نتائج تقرير معهد كلايمت أناليتيكس قبل أسابيع قليلة من انعقاد قمة المناخ كوب 28 التي تستضيفها دولة الإمارات العربية المتحدة برئاسة سلطان الجابر رئيس شركة أدنوك، الذي يتعرض لهجوم المنظمات المناهضة للوقود الأحفوري منذ إعلان اسمه رئيسًا لمؤتمر المناخ قبل عام.
ويطالب مؤلفو التقرير الدول المشاركة في المؤتمر بالضغط على شركات النفط والغاز الكبرى لخفض انبعاثاتها ودفع تكاليف الإضرار بالمناخ، حسب المؤلف الرئيس كارل فريدريش الذي أدلى بتصريحات هجومية ضد صناعة الوقود الأحفوري، متهمًا إياها بتدمير المناخ لقرون مقبلة.
وانضمت المؤلفة المشاركة مارينا أندريه فيتش إلى زميلها في الهجوم على شركات النفط والغاز الكبرى، منتقدة تراجعها عن التزاماتها المناخية وتباهيها بتحقيق أرباح قياسية خلال العام الماضي، بسبب اشتعال أسعار الطاقة بعد الحرب الأوكرانية.
وخصّ المؤلفون النشطاء في حركات المناخ، صناديق الثروة السيادية العالمية الموجودة في الإمارات -كونها تعدّ موطنًا لأكبرها-، مطالبين بإنفاق نصف أرصدة هذه الصناديق في تغطية الأضرار المرتبطة بصناعة النفط والغاز، مع بقائها محتفظة بثروة تبلغ 700 مليار دولار أخرى.
وطالب هؤلاء النشطاء قادة القمة بضرورة الاتفاق على تفاصيل صندوق مساعدات البلدان الضعيفة في مواجهة الأضرار والخسائر الناجمة عن تغير المناخ، لا سيما الدول الجزرية الصغيرة الأكثر تعرضًا لمخاطر الاندثار بسبب الكوارث المناخية.
وكان قادة العالم قد اتفقوا على إنشاء هذا الصندوق في محادثات قمة المناخ كوب 27 المنعقدة في مدينة شرم الشيخ المصرية العام الماضي، لكنهم لم يتفقوا على تفاصيله بعد، وسط توقعات بأن يكون هذا الملف من أبرز القضايا محل التفاوض بمحادثات قمة المناخ كوب 28 في الإمارات، خلال المدة بين 30 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري و12 ديسمبر/كانون الأول المقبل 2023.
موضوعات متعلقة..
- تكاليف تغير المناخ قد تصل إلى 178 تريليون دولار بحلول عام 2070 (تقرير)
- نشطاء المناخ يعترضون على استعمال مصطلح "الغاز الطبيعي" في الولايات المتحدة
- بالأرقام.. رواتب خيالية لرؤساء شركات النفط والغاز الكبرى
اقرأ أيضًا..
- التأمين على السيارات الكهربائية.. لماذا ارتفع وأين تذهب إعاناتها؟ أنس الحجي يجيب
- الطلب العالمي على النفط في سبتمبر يسجل مستوى قياسيًا
- التمويل المناخي.. هل تلتزم الدول المتقدمة بمبدأ المسؤوليات المشتركة؟ (تقرير)
- أمين عام أوابك: دول النفط والغاز تواجه تحديات.. و4 بلدان لديها خطط كبيرة للطاقة المتجددة (حوار)